اختلاط المال الحلال بالحرام

في کثير من الاحيان لا يتم التمييز بين الحلال والحرام ولو ان في ايامنا هذه قلما یراعی فیها الحلال والحرام حتی یصل الموضوع الی انتزاع الحلال من صاحبه انتزاعا بما یشبه السلب والنهب الا اننا هنا في صدد توضیح بعض الامور للبقية
Friday, May 27, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: سهیلا قصیل زاده
موارد بیشتر برای شما
اختلاط المال الحلال بالحرام
 اختلاط المال الحلال بالحرام
 






 

في کثير من الاحيان لا يتم التمييز بين الحلال والحرام ولو ان في ايامنا هذه قلما یراعی فیها الحلال والحرام حتی یصل الموضوع الی انتزاع الحلال من صاحبه انتزاعا بما یشبه السلب والنهب الا اننا هنا في صدد توضیح بعض الامور للبقية الباقية من اولئک الذین لایزالون یعتقدون بالحلال والحرام او الذین شارفوا علی نهايةعمرهم فصاروا یتسائلون عن الحلال والحرام .. وهنا الموضوع في مورد الخمس وهل یشمل المال الحلال او کذلک الحرام و لواختلط الحلال بالحرام وهو الشائع .. ما العمل .

الصورة تکون في أربع:

أ. إذا كان الحرام غير معلوم المقدار ومجهول الصاحب.
ب. إذا كان الحرام معلوماً من كلا الجانبين.
ج. إذا كان الحرام معلوم المقدار، دون صاحبه.
د. عكس الصورة الثالثة.
الصورة الأُولى
المعروف عند الأصحاب هو تعلّق الخمس به، وبإخراجه يحلُّ لصاحبه التصرّف في الباقي وذكره من المتقدّمين المفيد في مقنعته (حيث اقتصر بنقل الرواية فقط) وأبو الصلاح في كافيه، والشيخ في نهايته، والقاضي في مهذّبه، وابن زهرة في غنيته، وابن إدريس في سرائره، والمحقّق في الشرائع، وابن سعيد في جامعه، والعلاّمة في منتهاه.
نعم لم يذكره القديمان: ابن أبي عقيل و ابن الجنيد، ولا سلاّر ولا ابن حمزة ولا الكيدري (قدّس اللّه أسرارهم)، ولنذكر بعض كلماتهم:
1. قال المفيد: وسُئل ـ عليه السَّلام ـ عن رجل اكتسب مالاً من حلال و حرام، ثمّ أراد التوبة من ذلك و لم يتميز له الحلال بعينه من الحرام فقال: «يخرج منه الخمس وقد طاب، إنّ اللّه تعالى طهّر الأموال بالخمس».
2. قال أبو الصلاح الحلبي: وعلى ما اختلط حلاله بحرامه ولم يتميز أحدهما من الآخر ولا يعين مستحقه.
3. قال الشيخ في النهاية: إذا حصل مع الإنسان مال قد اختلط الحلال بالحرام ولا يتميز له وأراد تطهيره، أخرج منه الخمس، وحلّ له التصرف في الباقي، وإن تميّز له الحرام وجب عليه إخراجه وردّه إلى أربابه، ومن ورث مالاً ممّن يعلم أنّه كان يجمعه من وجوه محظورة مثل الربا والغصب وما يجري مجراهما ولم يتميز له المغصوب منه ولا الربا، أُخرج منه الخمس واستعمل الباقي، وحلّ له التصرف فيه.
4. وقال القاضي: وأمّا المال الحرام إذا اختلط بالحلال، فانّه ينبغي أن يحكم فيه بالأغلب، فإن كان الحرام الغالب احتاط من هو في يده في إخراج الحرام منه، فإن لم يتميّز له ذلك أخرج منه الخمس، ويصحّ تصرّفه في الباقي على وجه الحلال.
5. وقال ابن زهرة: وفي المال الذي لم يتميز حلاله من حرامه.
6. وقال ابن إدريس: ما يقرب من عبارة الشيخ في النهاية: وإذا اختلط المال الحرام بالحلال حكم فيه بحكم الأغلب، فإن كان الغالب حراماً احتاط في إخراج الحرام منه، فإن لم يتميّز له، أُخرج الخمس، وصار الباقي حلالاً، والتصرّف فيه مباحاً، وكذلك إن ورث مالا....
7. وقال المحقّق : الحلال إذا اختلط بالحرام فلا يتميّز، وجب فيه الخمس.
8. وقال يحيى بن سعيد في بيان ما يجب فيه الخمس: وفي مال المختلط حلاله بحرامه ولم يتميّز صاحبه ولا قدره، فإن تعيّن صاحبُه صولح، وإن تعيّن قدره فقط تصدّق به عنه.
9. وقال العلاّمة في المنتهى: ذكره أكثر علمائنا.
هذه هي مقتطفات من أقوال علمائنا، وأمّا الدليل فقد استدل بروايات:
الأُولى: صحيحة عمّار بن مروان
قال: سمعت أبا عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ يقول: فيما يخرج من المعادن، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يُعرف صاحبه، والكنوز، الخمس.
وقد نقلها صاحب الوسائل عن الخصال للصدوق بسند صحيح، وفي السند محمد بن عيسى وهو محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني(1) وهوثقة بلا كلام،
6 . هكذا نقلها صاحب الوسائل، ولكن الموجود في الخصال المطبوع: أحمد بن محمد بن عيسى، وهو أرجح لكثرة روايته عن الحسن بن محبوب (الخصال، باب الخمسة، الحديث 51).
وقد وثقه النجاشي واستغرب من استثناء ابن الوليد إيّاه من رواة نوادر الحكمة للأشعري.
وكون الرواية مروية في غير الكتب الأربعة لا يضرّ بالمقصود، فإنّ الصدوق الذي رواها في خصاله هو مؤلف الفقيه، أحد الكتب الأربعة.
نعم ذكر المحقّق النراقي: أنّ الرواية على النحو المذكور إنّما نقلها عنه بعض المتأخرين.
ولعلّه أراد صاحب الحدائق، فقد نقلها فيه بالنحو المذكور ولكنّه موجودفي الخصال المطبوع قديماً وحديثاً كما ذكرناه، فلا وجه للوسوسة في هذا الحديث.

الصورة الثانية:

صحيحة الحلبي

عن أبي عبداللّه ـ عليه السَّلام ـ في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيُصيب غنيمة، قال: يؤدِّي خمساً ويطيب له.
والاستدلال ضعيف جدّاً، لأنّ الخمس فيه بعنوان الغنائم، وهي تدل على أنّ أئمّة أهل البيت أمضوا الجهاد الابتدائي للخلفاء، فلذلك طلب منه خمس المال لا جميعه.
الثالثة: قضاء علي ـ عليه السَّلام ـ
قد نقل المشايخ الثلاثة في كتبهم قضاء علي ـ عليه السَّلام ـ لكن بمضامين مختلفة،
والجميع حديث واحد وإن كانت الألفاظ والطرق مختلفة، ولأجل ذلك تعدُّ رواية واحدة.
أ. ما رواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ قال: «أتى رجل أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ فقال: إنّي كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً وقد أردت التوبة، ولا أدري الحلال منه والحرام، وقد اختلط عليّ؟ فقال أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ : تصدّق بخمس مالك، فإنّ اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلال».(1)
والرواية وردت في الحلال المختلط بالحرام فانّ قوله:«أغمضت في مطالبه» بمعنى «أغمضت في طلبه» والمطالب جمع المطلب وهو مصدر ميمي أو اسم زمان و مكان، أي ما راعيت في طلبه ومظانّه الحلال والحرام، بل جمعت كلّ ما وصلت إليه يدي.
والسند لا بأس به فيكون حجّة في المقام.

وثمّة خصوصيات في الرواية:

1. عبّر بالتصدّق مكان الخمس.
2. فسّر الحكم بأمر ارتكازي: «انّ اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس».
ب. ما رواه الصدوق ،عن السكوني بما يقرب من هذا المتن، فقال: جاء رجل إلى علي ـ عليه السَّلام ـ فقال: إنّي كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً، فقد أردت التوبة، ولا أدري الحلال منه ولا الحرام، فقد اختلط عليّ.
فقال عليّ ـ عليه السَّلام ـ : «اخرج خمس مالك، فانّ اللّه عزّ وجلّ قد رضي من الإنسان بالخمس، وسائر المال كلّه لك حلال».
والاختلاف بين الروايتين واضح، فانّ لفظ الكليني إنّما «تصدق بخمس مالك» ولفظ الفقيه«اخرج خمس مالك» فالمصرف على الأوّل مصرف الصدقة، وعلى الثاني مصرفه مصرف الخمس.
وبذلك يعلم الإشكال في كلام صاحب الوسائل حيث قال: ورواه (أي ما رواه الكليني) الصدوق بإسناده عن السكوني فإنّ ظاهره وحدة مضمونهما مع أنّه ليس كذلك.
ج. ما رواه الصدوق مرسلاً قال: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ فقال: يا أمير المؤمنين أصبت مالاً أغمضت فيه، أفلي توبة؟ قال: «إئتني بخمسه» فأتاه بخمسه، فقال: «هو لك أنّ الرجل إذا تاب، تاب ماله معه».
د. ما رواه الشيخ بسند ضعيف، عن الحسن بن زياد، عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ قال: «إنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ ، فقال: يا أمير المؤمنين إنّي أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: اخرج الخمس من ذلك المال، فإنّ اللّه عزّوجلّ قد رضي من المال بالخمس واجتنب ما كان صاحبُه يُعلَم».
وفي السند الحكم بن بهلول، وهو لم يوثق.
ويتّحد في التعبير مع ما رواه الصدوق حيث قال: «اخرج الخمس».
هـ. ما رواه المفيد في المقنعة وقد مرّ نصّه، عند ذكر الأقوال.
وهذه الصور الخمس تحكي عن قضاء واحد لأمير المؤمنين، والمحكي واحد، وإنّما الاختلاف في الحكاية.
وعلى أيّ حال تصلح دليلاً على المسألة، ويأتي الكلام فيها عند البحث عن مصرفه.
الرابعة: موثّقة عمّار
عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ أنّه سأل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: «لا إلاّأن لا يقدر على شيء يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت».
والسند يتضمّن فطحيين وهم أحمد بن حسن بن علي (ابن فضال)، وعمرو بن سعيد، والمصدق بن صدقة، عن عمّار، والدلالة لا تخلو عن قصور، إذ نحتمل أن يكون المراد من قوله: «شيء» هي الغنائم الحربية التي كانت عماداً لحياة الدولة الإسلامية آنذاك، فيكون مدلول الرواية متّحداً مع صحيح الحلبي الماضي.
قال المحقّق النراقي: إنّ الشيء فيه مطلق شامل للحلال محضاً والحرام كذلك والمشتبه، والحرام والحلال المختلطين ، فالحمل على الأخير لا وجه له، بل الظاهر أنّه من باب خمس المكاسب.
وأمّا النهي عن عمل السلطان، فهو لأجل عمله لا لحرمة ما يأخذ، فمراده ـ عليه السَّلام ـ : أنّه لا تدخل في عمل السلطان، وإن اضطررت إليه ودخلت واكتسبت مالاً فأدّ خمسنا.

وعلى ضوء ذلك فانحصر الدليل في روايتين:

أحدهما: صحيح عمّار بن مروان، والأُخرى: موثقة السكوني، وربّما يستدل برواية ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه قال: «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة» ونسي ابن أبي عمير الخامس.
وجه الاستدلال: أنّ الصدوق بعد ما نقل الرواية، قال: قال مصنف هذا الكتاب: أظنّ الخامس الذي نسيه ابن أبي عمير مالاً يرثه الرجل وهو يعلم أنّ فيه من الحلال والحرام، ولا يعرف أصحاب الحرام فيؤديه إليهم، ولا يعرف الحرام بعينه فيجتنبه، فيخرج منه الخمس.
وممّا لا شكّ فيه أنّ ظن الصدوق كظن غيره لا يغني من الحقّ شيئاً، ولعلّ الذي نسيه ابن أبي عمير هو العنبر أو الملاّحة، وقد مضى ورودها في الروايات.
فانحصر الدليل في الروايتين.
ثمّ الظاهر أنّ الشارع جعل الخمس طريقاً تعبّدية لتشخيص الحرام المجهول المقدار، كما جعل صرفه في مواضعه طريقاً إلى إيصاله إلى المالك، كما أنّ التصدّق في اللقطة ومطلق مجهول المالك طريق آخر للوصول إلى مالكه، وعلى ذلك فتعلّق الخمس به لا من باب الغنيمة وأنّ لأصحاب الخمس حقّاً فعلياً في هذا المال، بل الظاهر أنّه محاولة من الشرع لحلّ المشكلة، فبالخمس قُدِّر الحرام وبصرفه في مصارفه بما أنّه عمل قربي جُعل واصلاً إلى صاحبه.
ولأجل ذلك لو وقف قبل التخميس على مقداره وعرف صاحبه كان عليه العمل على علمه لا على التخميس.
وربّما يوجّه الأمر بالتخميس في المقام بأنّ الحرام عند الجهل بمالكه، يصير ملكاً لمالك الحلال على حسب ما يملكه من سائر ما يغتنمه ممّا يتعلّق به الخمس، فتسميته حراماً انّما هي بعلاقة ما كان، وإلاّ فهو بالفعل حلال كسائر ما يستفيده ممّا يجب فيه الخمس.

وربّما يؤيد هذا الاحتمال بوجوه:

1. قوله ـ عليه السَّلام ـ في مرسلة الصدوق: هو لك أنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه.
2. قوله ـ عليه السَّلام ـ في رواية السكوني: تصدّق بخمس مالك.
3. وفي رواية المقنعة : أخرج خمس مالك.
4. قوله ـ عليه السَّلام ـ : فانّ اللّه قد رضي من المال بالخمس.
والمعهود في باب الخمس هو الآية الشريفة الواردة في الغنائم، وتطبيق الآية عليه يستلزم كون دفع الخمس من باب الغنيمة.
وعلى ذلك فيمكن أن يقال: إنّه لا يعدّ في القول بتملّك مال الغير قهراً أو بالقصد إذا لم يمكن إيصاله إليه، وإذا انتقل المال إلى الشخص يصير غنيمة له، ويصير موضوعاً للخمس في قبال سائر الموضوعات، ولو لم ينتقل الحرام إليه كان مقتضى القاعدة الاجتناب عن جميع المال، فالحرام المختلط بالحلال بعد التوبة كأنّه غنيمة جديدة.
ويؤيّد انتقال الحرام إلى مالك الحلال بعض الروايات:
1. ما رواه سماعة، قال: سألت أبا عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ عن رجل أصاب مالاً من عمل بني أُمية وهو يتصدّق منه ويصل منه قرابته ويحجّ ليغفر له ما اكتسب، وهو يقول: (إنّ الحسنات يذهبن السيئات)، فقال أبو عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ : «إنّ الخطيئة لا تكفّر الخطيئة وأنّ الحسنة تحطُّ الخطيئة» ثمّ قال: «إن كان خلط الحرام حلالاً، فاختلطا جميعاً فلا يعلم الحرام من الحلال فلا بأس».(2)
ويؤيده أيضاً، ما ورد في باب الربا من الروايات الصحاح في مورد المال الحلال المختلط بالربا .
روى الكليني بسند صحيح عن أبي المغراء قال: قال أبو عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ : «لو أنّ رجلاً ورث من أبيه مالاً وقد عرف أنّ في ذلك المال رباً ولكن قد اختلط في التجارة بغير حلال كان حلالاً طيباً فليأكله».
وروى العياشي، عن الحلبي، عن أبي جعفرـ عليه السَّلام ـ في الحلال المختلط بالربا قوله ـ عليه السَّلام ـ : «إن كنت تعلم بأنّ فيه مالاً معروفاً رباً، وتعرف أهله فخذ رأس مالك، ورُدّ ما سوى ذلك، وإن كان مختلطاً فكله هنيئاً».
يلاحظ عليه: أنّ هذا الاحتمال لا يوافقه الذوق العرفي والفقهي، إذ كيف يصحّ أن ينسب إلى الشارع إنّه قام بتحليل الحرام للشخص ثمّ طلب منه الخمس من باب الغنيمة، فإنّ الخمس يتعلّق بالحلال دون الحرام من المال والشارع الأقدس وإن كان مالك الملك والملكوت فله التصرف في الأنفس والأموال، لكنّه يحتاج إلى عناية بالغة في التعبير، لا بمثل هذه التعابير التي لا يخرج عن حدّالإشعار.
وأمّا جواز التصرّف فيما استشهد به من الروايات فهي محمولة على كون الشبهة غير محصورة، أو لوجود دليل خاص كما في باب الربا، فالروايات محمولة على إحدى الصورتين كما لا يخفى.
ومصرفه مصرف سائر أقسام الخمس على الأقوى.
مصرف هذا الخمس
اختلفت كلمتهم في مصرف هذا الخمس على أقوال واحتمالات:
أ. مصرفه مصرف سائر أقسام الخمس.
ب. مصرفه مصرف الصدقة.
ج. التخيير بين المصرفين.
د. يعطى للسادة الفقراء.
والأقوى من هذه الوجوه الأوّل، ويدلّ عليه أُمور:
الأوّل: وحدة السياق في صحيح عمّار بن مروان ، فلو كان المصرف متغايراً لزم البيان دفعاً للاشتباه.
الثاني: ما ورد في قضاء أمير المؤمنين بالتعابير التالية:
ففيما رواه الصدوق مسنداً عن السكوني: «أخرج خمس مالك» وفيما رواه مرسلاً : «ائتني بخمسه» وكلا التعبيرين يدلاّن على أنّ أخذ الخمس من باب الولاية والمنصب.
وفي رواية الشيخ: «أخرج الخمس من ذلك المال».
نعم في رواية الكليني «تصدّق بخمس مالك»، ومع التعارض لا يمكن الأخذ بواحد منهما لو لم نقل بقوّة الأخذ بالأوّل، وعندئذ يراد من التصدّق الوارد في كلام الكليني هو التصدّق بالمعنى اللغوي، لا المقابل للخمس، ويؤيد ذلك أنّه ورد في رواية الكليني بعد الأمر بالتصدّق قوله : «فإنّ اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس» واللام فيه إشارة إلى الخمس المعهود، وليس الخمس المعهود إلاّ ما جاء
في الآية المباركة (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء) .
الثالث: التعليل بالأمر الارتكازي الوارد في قضاء علي حسب نقل الكليني والشيخ والصدوق، أعني قوله:« إنّ اللّه عزّ وجلّ قد رضي من الأشياء بالخمس».
وبذلك ظهر ضعف القول الثاني، أعني: كون مصرفه مصرف الصدقة.
وأمّا القول الثالث فمصدره هو تعارض النصوص، فهي بين ظاهر في التصدّق كنقل الكليني، وظاهر غيره في الخمس، فيكون مخيّراً بين المصرفين.
يلاحظ عليه: أنّ التصدق وإن كان ظاهراً في التصدّق المقابل للخمس كما ورد في رواياتنا، قال الصادق ـ عليه السَّلام ـ : «إنّ اللّه الذي لا إله إلاّ هو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال».
ومع ذلك ربّما تُستعمل الصدقة في مطلق الأمر القربي، ففي رواية علي بن مهزيار: إنّ مواليّ ـ أسأل اللّه صلاحهم ـ أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك فأحببت أن أطهرهم وأُزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس ، قال اللّه تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم)
وبذلك يظهر عدم تماميّة ما أفاده المحقّق الهمداني حيث قال: لو قلنا بظهور خبر السكوني في التصدّق بالخمس، لا الخمس المصطلح كما يقتضيه الانصاف، لكان مقتضى الجمع بينه وبين غيره ممّا ظاهره إرادة الخمس المعروف كخبر ابن مروان، هو الالتزام بجواز كلّ منهما وكون المكلّف مخيراً بين التصدّق
وأمّا إن علم المقدار و لم يعلم المالك تصدّق به عنه بخمسه أو صرفه في مصرف الخمس المصطلح. فالقول به غير بعيد إن لم ينعقد الإجماع على خلافه.
ولا يخفى أنّه إحداث قول ثالث انعقد الإجماع على نفيه كما أشار إليه في كلامه، وبذلك يعلم ضعف الاحتمال الرابع، فليس له وجه سوى الاحتياط.
مقصوده أنّه يتصدّق بالمقدار المعلوم، سواء كان المعلوم مساوياً لخمس المال أو كان أزيد أو أقل، وعلى كلّ تقدير فالمسألة فيها وجوه واحتمالات:
واعلم أنّ البحث تارة في تعيين المقدار المخرج،وأُخرى في مصرفه، وإليك الأقوال:
1. وجوب التصدّق بالمقدار المعلوم، وهذا هو القول المشهور الذي اختاره الماتن.
قال صاحب الحدائق: إنّ مستند هذا القول هو الأخبار الدالة على الأمر بالتصدّق بالمال المجهول المالك، ومن أجل ذلك أخرجوا هذه الصورة من عموم النصوص.
2. دفع المقدار المعلوم خمساً لا صدقة قلّ أو كثر.
3. إخراج الخمس وصرفه في مصرفه، سواء كان الحرام أقلّ منه أو أكثر، وهو خيرة صاحب الحدائق قائلاً: بأنّ الأظهر دخول هذه الصورة تحت إطلاق الأخبار المتقدمة، وأنّه لا دليل على إخراجها.(3)
4. إخراج الخمس ثمّ الصدقة بالزائد في صورة الزيادة.
ثمّ إنّ كلّ قول يتضمن أمرين أحدهما يرجع إلى المقدار المخرج، والآخر إلى مصرفه.

القول الأوّل

فلنأخذ القول الأوّل بالدراسة، فدليله يتركّب من أمرين:
أحدهما: انصراف الروايات السابقة التي كانت تحدد المقدار المخرج، بالخمس عن هذه الصورة، لأنّ التعبّد بأداء الخمس فيما إذا كان الحرام أكثر أو أقل، وإن كان أمراً ممكناً، لكنّه يحتاج إلى نصّ خاص، ولأجل ذلك تنصرف أدلّة التحديد عن هذه الصورة فلا تشتغل الذمة إلاّ بالمقدار المعلوم لا غير.
الاستئناس للمقام بما ورد في المظالم ومجهول المالك حيث عدّ طريقاً من طرق إيصال المال إلى صاحبه نظير ما يلي:
1. روى علي بن أبي حمزة، عن رجل من كتّاب بني أُمية، أنّه سأل أبا عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ بقوله: فهل لي مَخرج منه؟ قال: «إن قلت لك تفعل؟»قال: أفعل، قال له: «فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، ومن لم تعرف تصدّقت به، وأنا أضمن لك على اللّه عزّ وجلّ الجنّة».
يلاحظ عليه: أنّ ظاهر الرواية أنّ جميع أمواله كانت حراماً، ولذلك أمر بردّ ما عرف صاحبه، والتصدّق بمالم يعرفه، ولعلّ الجميع كان مغصوباً فلم يكن محيص عنه. وعلى ذلك يفارق ما نحن فيه حيث إنّ المفروض اختلاط الحرام بالحلال، لا كونه حراماً، فيقصر في التطهير بالمقدار الحرام لا كله، نعم يصحّ الاستئناس به لأمر آخر وهو إنّ الطريق إلى إيصال المال إلى صاحبه عند عدم المعرفة هو التصدّق.
2. صحيحة يونس بن عبدالرحمان ، قال سئل أبو الحسن الرضا ـ عليه السَّلام ـ وأنا حاضر ـ إلى أن قال: ـ رفيق كان لنا بمكّة فرحل منها إلى منزله ورحلنا إلى منازلنا فلمّا أن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا فأيّ شيء نصنع به، قال: «تحملونه حتى تلحقوه بالكوفة» قال: لسنا نعرفه ولا نعرف بلده ولا نعرف كيف نصنع؟ قال: «إذا كان كذا فبعه وتصدق بثمنه» قال له: على من جعلت فداك؟ فقال: «على أهل الولاية».
نعم مورد الحديث هو المتميز والبحث في المختلط، وكيفية الاستئناس على نحوِ ما قلناه في الرواية السابقة.
3. ما رواه علي بن ميمون الصائغ: قال: سألت أبا عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ عمّا يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به، قال: تصدّق به فإمّا لك و إمّا لأهله.
ويحتمل وروده في المختلط، بقرينة قوله ـ عليه السَّلام ـ : «فإمّا لك و إمّا لأهله» فكأنّ بعض التراب للصائغ، ويحتمل كون المعنى أنّ المالك الواقعي لو أعرض يكون ملكاً للصائغ وتقع الصدقة عنه.
4. وقد ورد في لقطة الحرم بأنّه إن لم يجد له طالب يرجع إلى بلده فيتصدّق به على أهل بيت من المسلمين، فإن جاء طالبه فهو له ضامن.
5. كما ورد فيما يؤخذ من اللصوص، أنّه يجب ردّه على صاحبه إن عرف، وإلاّ تصدّق به.
6. وقد رخّص التصدّق في ميراث المفقود والمال المجهول المالك، فروى نصر بن حبيب صاحب الخان، قال: كتبت إلى عبد صالح: لقد وقعت عندي مائتا درهم وأربعة دراهم وأنا صاحب فندق ومات صاحبها ولم أعرف له ورثة فرأيك في إعلامي حالها، وما أصنعُ بها، فقد ضقت بها ذرعاً، فكتب:«اعمل فيها وأخرجها صدقة قليلاً قليلاً حتّى يخرج».
وما ورد من الحفظ في هذا الباب من الروايات محمول على صورة عدم اليأس من عرفان مالكه كما لا يخفى.
وهذه الأحاديث وإن كانت واردة في الحرام المتميّز، أو مال كله حرام، لكن العرف يقطع بعدم الخصوصية، ويرى أنّ التصدّق أحد الطرق إلى وصول المال إلى صاحبه من غير فرق بين المتميّز والمختلط.
وبذلك يظهر ضعف ما أفاده صاحب الحدائق، حيث قال: إنّ مورد تلك الأخبار الدالة على التصدّق إنّما هو المال المتميز في حدّ ذاته لمالك مفقود الخبر، وإلحاق المال المشترك به مع كونه ممّا لا دليل عليه، قياس مع الفارق، لأنّه لا يخفى أنّ الاشتراك في هذا المال سار في كلّ درهم درهم وجزء جزء منه فعزل هذا القدر المعلوم للمالك المجهول، مع كون الشركة شائعة في أجزائه كما أنّها شائعة في أجزاء الباقي، لا يوجب استحقاق المالك المجهول له، حتى أنّه يتصدّق به عنه، فهذا العزل لا ثمرة له، بل الاشتراك باق مثله قبل العزل.
والظاهر أنّ العرف يساعد لإلغاء الخصوصية، قائلاً بأنّ الملاك هو الجهل بالمالك، سواء كان متميزاً أو لا.
بقي في المقام في صحّة إفراز مال الغير عن المال المشترك، ومقتضى القاعدة بقاء الشركة وعدم تعيّن المفروز للمالك المجهول إلاّ بولاية عليه، ولذلك تجب مراجعة المجتهد الجامع للشرائط الذي له الولاية على الغائب كما هو الحال في إفراز مال اليتيم والقاصر إذا اختلط مع غيره ولم يكن له ولي منصوص، ولو صحّ تدخل الفقيه وعمّت ولايته لتلك الموارد يعمّ المورد قطعاً، ولأجل ذلك نقول: الأقوى (لا الأحوط كما عليه الماتن) أن يكون بإذن المجتهد الجامع للشرائط، حتّى يكون الإفراز صحيحاً قاطعاً للشركة.
مضافاً إلى ما ذكرناه من رواية أبي حمزة فإنّ موردها هو المال الممتزج إذ من البعيد أن يكون جميع أمواله حراماً ولم يكن فيه حلال مختلط بالحرام، ولعلّ أمر الإمام بالإخراج عن الجميع ناظر إلى ما اكتسبه من الحرام، إذ لا وجه للخروج عن الحلال. هذا كلّه حول القول الأوّل الذي هو المشهور بين الأصحاب كما يظهر من الحدائق، حيث قال: أخرجوا هذه الصورة من عموم النصوص المتقدمة أي دفع الخمس.

دليل القول الثاني

وأمّا القول الثاني: أعني دفع ذلك المقدار خمساً لا صدقة قلّ أو كثر، فقد علّله المحقّق الهمداني: بأنّه لدعوى استفادته من الأخبار التي ورد فيها الأمر بالخمس، بتنقيح المناط، نظراً إلى أنّ الجهل بالمقدار انّما يناسب تحديد مقداره بالخمس لا تخصيص مصرفه بأرباب الخمس، فيستكشف من ذلك أنّ قصره عليهم دون سائر الفقراء منشؤه عدم تمييز عينه لا الجهل بقدره.(4)
حاصله: أنّ الصورة السابقة كانت تتميز بأمرين: الجهل بالمقدار، والاختلاط والجهل بالمالك فأمر بالخمس لأجل الأمر الأوّل، وهو غير موجود في المقام فيجب عليه دفع المقدار المعلوم كونه حراماً. كما أمر بصرفه خمساً لأجل الأمر الثاني، وهو الاختلاط والجهل بالمالك، وهو مشترك بين الصورتين.
وبعبارة أُخرى : أنّه مع الجهل بالمقدار، يقدّر الحرام خمس المال، ومع العلم به يخرج ما عُلِم قلّ أو كثر، فالعلم بالمقدار يؤثر في عدم التحديد بالخمس، ولا يؤثر في المصرف.
يلاحظ عليه أوّلاً: أنّه لا علم لنا بالمناط المذكور، لاحتمال أنّ للجهل بالمقدار مدخليّة في كون مصرفه مصرف الخمس، و المفروض في الصورة الثانية، خلافه.
وثانياً: أنّ الأخذ بالمناط المنقح مشكل بعد كون الضابطة الأوّلية في مجهول المالك هو إيصاله إليه من طريق الصدقة كما عليه الروايات، فترك تلك الروايات والتمسّك بتنقيح المناط مشكل.
نعم مقتضى الاحتياط، رعاية الجمع بين المصرفين.

القول الثالث

هو خيرة صاحب الحدائق ناقلاً: بأنّ الأظهر دخول هذه الصورة تحت إطلاق الأخبار المتقدمة وأنّه لا دليل على إخراجها.
يلاحظ عليه : أمّا أوّلاً: بأنّ القول بإطلاق هذه الروايات وشمولها لمعلوم المقدار، والقول بعدم شمول أخبار التصدّق للحرام المختلط واختصاصها بالمتميز، على خلاف الانصاف،وذلك لأنّ الحكم بإخراج الخمس من الصورة الأُولى كان طريقاً تعبّدياً لتشخيص مقدار الحرام عن حلاله، وإلاّ فمقتضى القاعدة هو العمل بقاعدة الاشتغال حتى يعلم الفراغ، والتعبّد فرع وجود الشكّ في المقدار، والمفروض في المقام خلافه، فكيف يصحّ إسراء الحكم الوارد في موضع الشكّ إلى صورة اليقين؟
وثانياً: أنّ الحكم بالتخميس مع العلم بأنّ الحرام أقلّ بكثير منه، أمر ينكره
و الأحوط أن يكون بإذن المجتهد الجامع للشرائط.
العرف، إلاّ إذا كان في المسألة نصّ واضح، كما أنّ الاكتفاء به فيما إذا كان الخمس أقلّ من الحرام بكثير بعيد عن الذوق، بل ربّما يكون ذريعة إلى التوصل إلى أكل مال الغير، فربّما ينتهز الرجل الفرصة فيخلط حراماً كثيراً في حلال قليل، ليحلّله بإخراج الخمس وهو كما ترى.

القول الرابع

يرجع القول الرابع إلى ما إذا علم أنّ الحرام أزيد من خمس المال، فيصرف خمسه في مصرف الخمس، والزائد صدقة، وقد نقله صاحب الحدائق قولاً.
يلاحظ عليه: أنّ المورد إمّا داخل تحت أخبار الصدقة فيصرف الجميع في مورد الصدقة، أو تحت أخبار الخمس، فيكتفى بالخمس ويصرف في مورده فلا وجه للتقسيم في المصرف، وإلاّفيرجع إلى الأُصول، والأصل الحاكم هو الاشتغال، إلاّ إذا صرفه في السادة الفقراء، فيعلم ببراءة الذمة، فالتفصيل ليس بتام.
إنّ المال المحترم لا يجوز تركه بحاله حتى يضيع، والتصرف في مال الغير يتوقف على الولاية عليه حتى يكون إفرازه نافذاً ويتعين مال كلّ من الشريكين فيما أُفرز، ولم يثبت ولاية لغير المجتهد فيتعيّن هو، لأنّ ترك التصرّف مقطوع البطلان، والأمر دائر بين كونه للحاكم تعييناً أو تخييراً بينه وبين غيره، والأولى هو القدر المتيقن.
وبعبارة أُخرى: كلّ فعل لم يُسمَّ فاعله ولم يعيّن في الشرع مسؤوله فهو من شؤون الحاكم الفقيه.
قال الشيخ الأعظم: كلّ معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج، إن علم كونه وظيفة شخص خاص كنظر الأب في مال ولده الصغير، أو صنف خاص كالإفتاء والقضاء، أو كلّ من يقدر على القيام به كالأمر بالمعروف، فلا إشكال في شيء من ذلك، وإن لم يعلم ذلك واحتمل كونه مشروطاً في وجوده أو وجوبه بنظر الفقيه وجب الرجوع إليه.
هذا، ويمكن استفادة كونه من شؤون الحاكم من رواية داود بن أبي يزيد، وإن كان السند لا يخلو عن ضعف كما سيوافيك.
عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ قال: قال رجل: إنّي قد أصبت مالاً، وإنّي قد خفت فيه على نفسي، ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلصت منه، قال: فقال له أبو عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ : «واللّه أن لو أصبته تدفعه إليه؟» قال: إي واللّه، قال: «فأنا، واللّه ماله صاحب غيري» قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره قال: فحلف، فقال: «فاذهب فاقسمه في إخوانك ولك الأمن ممّا خفت منه» قال: فقسّمته بين إخواني.
روى محمد بن القاسم عن أبي الحسن ـ عليه السَّلام ـ في رجل كان في يده مال لرجل ميت لا يعرف له وارثاً كيف يصنع بالمال؟ قال: «ما أعرفك لمن هو؟!»، يعني نفسه.
إنّ القرائن الموجودة في نفس الرواية تفيد أنّه ـ عليه السَّلام ـ لم يرد من قوله :
«ماله صاحب غيري»، أنّه مالكه الشخصي، بل أراد أنّه صاحبه ولاية وتولية، وذلك:
أوّلاً: لو كان المراد هو الأوّل كان الأنسب حسب الموازين العرفية التي عليها ينطبق فعل الإمام ـ عليه السَّلام ـ هو السؤال عن خصوصيات المال المصاب مع أنّه أجاب بأنّه لا صاحب له غيره.
ثانياً: لو كان المراد كونه مالكه الشخصي كان الأنسب مطالبة المال لا الأمر بتقسيمه بين الأخوان الدال على أنّها لقطة مجهولة المالك.
ثالثاً: لو كان المراد هوالأوّل، لما كان وجه لقوله«ولك الأمن ممّا خفت منه» إذ لا وجه للخوف بعد ردّ المال إلى صاحبه الشخصي، وإنّما الخوف فيما إذا لم يرد على صاحبه ولكن قسّمه بين الأخوان، فتأمين الإمام ـ عليه السَّلام ـ له دليل على أنّه قام بهذا العمل بإذن ولي الأمر النافذ حكمه.
ولأجل ذلك، يعلم أنّ الأولى أن يقول: الأقوى أن يكون بإذن المجتهد، لا الأحوط، كما لا يخفى.
نعم في سند الحديث، موسى بن عمر، وهو مردّد بين عمر بن بزيع، الثقة وعمر بن يزيد الذي لم يوثق ووقوعه في أسناد كامل الزيارة لا يفيد شيئاً لما قلنا في محله: من أنّ ما ذكره في ديباجة كتابه راجع إلى مشايخه الذين يروي المؤلف عنهم مباشرة، لا كلّ من وقع في السند.
ولو انعكس بأن علم المالك وجهل المقدار تراضيا بالصلح و نحوه، وإن لم يرض المالك بالصلح ففي جواز الاكتفاء بالأقلّ أو وجوب إعطاء الأكثر وجهان، الأحوط الثاني، والأقوى الأوّل إذا كان المال في يده.
هذه هي الصورة الثالثة وقد ذكر فيها وجوهاً ثلاثة: 1. الصلح أوّلاً ، 2.الاكتفاء بالأقلّ لو لم يتراضيا به على الأقوى، 3. ودفع الأكثر على الأحوط. وإليك توضيح الأقوال:

1. الصلح إن تراضيا:

لا إشكال في الصلح إذا تراضيا، ومرجعه إمّا إلى الإبراء إذا كان الحقّ أكثر ممّا تراضيا عليه، أو الهبة إذا كان الحقّ أقلّ منه.

2. الاكتفاء بالأقلّ :

يجوز له الاكتفاء بالأقلّ لدوران الأمر بين كون الواجب هو الأقل أو الأكثر، وبما أنّ المقام من قبيل الأقل والأكثر الاستقلاليين لا الارتباطيين فينحلّ العلم الإجمالي إلى واجب قطعي وشك بدئي فتجري البراءة عن الزائد.
فإن قلت: إنّ أصالة البراءة تنفي استحقاق الغير ولا يثبت كونه ملكاً لذي اليد، كما أنّ قاعدة «اليد» دليل الملكيّة إذا شُكّ في كون ذي اليد مالكاً أو لا، ما إذا شكّ نفس ذي اليد.
قلت: اليد أمارة عقلائية على الملكية مطلقاً بالنسبة إلى ذات اليد أو الغير، إلاّإذا كان الغالب عليها، عدمها كيد السمسار وصاحب الفندق، فقوله: «ولولاه لما قام للمسلمين سوق» أو: «من استولى على شيء فهو له» دليل الملكية.

3. وجوب الأكثر:

إنّما يتّجه ذلك في الموارد التالية:
1. إذا كان المال تحت يد الغير ولم تكن هناك أمارة على كونه مالكاً للزائد من الأقل.
2. أو كان تحت يده، ولكن قلنا بأنّ اليد أمارة لملكية الغير لا لملكية من كان المال تحت يده.
3. إذا كان عالماً بالمقدار ثمّ عرضه النسيان، فبما أنّ ذمّته اشتغل بالواقع، ولا يخرج منه إلاّ بدفع الأكثر.
4. إذا تردّد المال بين المتبائنين، لكن كان من حيث العدد أو القيمة من قبيل الأقل والأكثر، كما إذا كان المال بين كيسين أحدهما أقلّ عدداً من الآخر، أو بين الشاة والفرس، الثاني أكثر قيمة.
ففي جميع هذه الصور لا براءة يقينية إلاّ بالعمل بدفع الأكثر.
فإن قلت: إذا دفع الأقلّ المتيقن في الحرام المختلط لا يبقى علم إجمالي بالنسبة إلى الباقي.
قلت: إنّ الحكم بالاشتغال أثر العلم السابق، لا العلم الفعلي غير الباقي، وهذا نظير خروج أحد الطرفين ـ بعد العلم الإجمالي ـ عن محلّ الابتلاء، أو إراقة أحد الإناءين، فالعلم الفعلي بالحرام وإن كان غير موجود، لكن وجوب الاجتناب أثر العلم السابق.

4. وجوب الخمس

ذهب بعضهم إلى أنّ الواجب هو الخمس، قائلاً: بشمول قوله ـ عليه السَّلام ـ : «إنّ اللّه قد رضي من ذلك المال بالخمس» واختاره العلاّمة في التذكرة لكنّه غير تام، لأنّ مورد الروايات الدالة عليه هو ما لم يعلم صاحبه، كما في رواية عمّار: «إذا لم يعرف صاحبه» وفي رواية الحسن بن زياد :«واجتنب ما كان صاحبه يعلم» ومعه كيف يصح إسراء الحكم إلى المعلوم صاحبه؟
أضف إليه، أنّ الحكم بالخمس لا يخلو من أحد وجهين: إمّا أنّ مصرفه مصرفه، أو يكون مصرفه هو المالك، والأوّل بعيد جدّاً مع عرفان مالكه، وعلى الثاني فدفع الخمس إليه مع كون حقّه أزيد من الخمس ظلم عليه، ومع كون حقّه أقل، ظلم على الدافع.
وبالجملة، فضعف هذا القول، واضح.

5. التنصيف

القول بالتنصيف، أخذاً بقاعدة العدل والإنصاف «التي تطابقت عليه العقلاء في مخاصماتهم» وهذا يكفي سنداً ودليلاً، وربّما يؤيده بعض الروايات الواردة.
مثل ما رواه عبد اللّه بن مغيرة، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما: الدرهمان لي، وقال الآخر: هما بيني وبينك، فقال: «أمّا الذي قال هما بيني و بينك فقد أقرّ بأنّ أحد الدرهمين ليس له وأنّه لصاحبه ويقسم الآخر».
فإن قلت: إنّ الرواية على خلاف القاعدة، وذلك لأنّ الظاهر استيلاء كلّ منهما على كلا الدرهمين، فيكون لكلّ يد على كلّ نصف من الدرهمين، فيكون كلّ درهم بينهما مشاعاً، وقضية ذلك هو حلف مدعي الدرهم الواحد وأخذ الجميع، لا الأخذ بالنصف بلا يمين فيكون الحكم صادراً على خلاف القاعدة ومثله لا يتعدى عنه إلى غيره.
قلت: الظاهر أنّ الموردين من قبيل التداعي، لأنّ الاستيلاء على أحد الدرهمين صوري من جانب مدعي الدرهم الواحد، وخارج عن محل الخصومة من جانب مدعي الدرهمين، فيبقى الدرهم الواحد، فلكل استيلاء عليه، فمقتضاه هو كونه بينهما بالإشاعة والتقسيم على وجه المناصفة، فيكون الحكم موافقاً للقاعدة.
ما رواه السكوني عن الصادق ـ عليه السَّلام ـ ، عن أبيه، في رجل استودع رجلاً دينارين فاستودعه آخر ديناراً فضاع دينار منها، قال: «يعطي لصاحب الدينارين ديناراً ويقسم الآخر بينهما نصفين».
ومع الفرق بين المقام ومورد الروايتين، يمكن إلغاء الخصوصية واصطياد الضابطة بالنسبة إلى المخاصمات التي لا يمكن حلّها بالقرائن والشواهد أو بالقواعد و الضوابط، فالمرجع عندئذ العمل بقول كلا المدعيين. فالأقوى في غير ما ينحلّ فيه العلم الإجمالي، هو القول بالتنصيف.

6. القرعة

ولو عمل بالقاعدة المصطادة المذكورة، وإلاّ فالقرعة متعينة، لأنّ مظانها هي المخاصمة ليس غير، وقد درسنا روايات القرعة مرّة بعد مرّة فوجدناها واردة في موضع المخاصمة كتاباً وسنة، غير رواية واحدة شذت عن تلك الموارد، وردت في الشاة الموطوءة المشتبهة
في قطيع غنم، ولو عمل بها في مواضع المخاصمة لم يلزم تأسيس فقه جديد وإن اشتهر في الألسن، والظاهر أنّ المقام من مشاكل الأُمور التي لم يرد فيه شيء سوى القول بالتنصيف إذا أمكنت استفادة حكم المقام منه، ولولاه القول بالقرعة في المقام قوي.
وإن علم المالك وا لمقدار وجب دفعه إليه.
المسألة 28: لا فرق في وجوب إخراج الخمس و حلّيّة المال بعده بين أن يكون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها، كما إذا اشتبه الحرام بين أفراد من جنسه أو من غير جنسه.
المسألة 29: لا فرق في كفاية إخراج الخمس في حلّيّة البقيّة في صورة الجهل بالمقدار و المالك بين أن يعلم إجمالاً زيادة مقدار الحرام أو نقيصته عن الخمس، و بين صورة عدم العلم ولو إجمالاً، ففي صورة العلم الإجماليّ بزيادته عن الخمس أيضاً يكفي إخراج الخمس، فإنّه مطهّر للمال تعبّداً، و إن كان الأحوط ـ مع إخراج الخمس ـ المصالحة مع الحاكم الشرعيّ أيضاً بما يرتفع به يقين الشغل و إجراء حكم مجهول المالك عليه، و كذا في صورة العلم الإجماليّ بكونه أنقص من الخمس، وأحوط من ذلك المصالحة معه ـ بعد
إذا كان الاختلاط على وجه الإشاعة، كما في اختلاط الدهن بالدهن يكون عدم التميّز واقعياً، وهذا بخلاف ما إذا كان اشتبه بين أفراد جنسه كاشتباه كتاب بين الكتب، أو بين أُمور مختلفة الجنس كشيء من أثاث البيت فعدم التميّز ظاهري، وعلى الأوّل، يكون المخرج عين المال المعلوم مالكه، أو مجهوله فلا يحتاج إلى معاوضة قهرية، بخلاف الثاني، فلوكان المخرج في نفس الأمر نفس ماله، فهو،وإلاّ فيجب التصالح على معاوضة قهرية بين ماله ومال المالك حتى يكون حلالاً له.
والظاهر شمول الاختلاط لجميع الصور.
إخراج الخمس ـ بما يحصل معه اليقين بعدم الزيادة.
إذا جهل مقدار الحرام، فتارة يعلم بأنّ مقداره يزيد عن الخمس ويتردّد بين ربعه أو ثلثه، وأُخرى يعلم بأنّه ينقص منه قطعاً ويتردّد بين كونه سدسه أو سُبعه، وثالثة لا يعلم واحداً من الأمرين، وقد مضى حكم القسم الثالث إنّما الكلام في الصورتين الأُولتين.
الصورة الأُولى : إذا علم بزيادة الحرام عن الخمس: ففيها وجوه واحتمالات:
الأوّل: ما اختاره الماتن من الاكتفاء بالخمس في تطهيره من الحرام وأنّه مطهّر تعبّدي، وربّما يؤيد هذا القول بالنبويّ المرويّ في غوالي اللآلي «ما اجتمع الحلال والحرام إلاّ غلب الحرامُ الحلالَ» فيغلب جانب الحلّية الجانب الآخر ويتملّك الكل ويكتفي بالخمس، وليس له دليل سوى التمسك بإطلاق صحيحة عمّار بن مروان من قوله ـ عليه السَّلام ـ : «والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس».(5)
وربّما يؤيد هذا القول بأنّ موضوع الأخبار وموردها هو الخلط وعدم الميز لا عدم معلومية المقدار، و من المعلوم عدم المجال لدعوى القدر المتيقّن فيما أخذ موضوعاً في لسان الأدلّة، لأنّ العبرة بعدم الميز والخلط الذي هو صادق على جميع الصور المتصورة من حيث مقدار الحرام فيصدق على الجميع بمناط واحد بلا تفاوت بينها، فلا وجه لمنع الإطلاق، ولا لدعوى الانصراف.
ولا يخفى عدم إمكان المساعدة، مع هذا القول.
أمّا أوّلاً: فلأنّ ادّعاء الإطلاق في صحيحة عمّار أمر مشكل، لأنّه ليس إلاّ في مقام بيان الخمس على وجه الإجمال، وفي مثله الأخذ بالإطلاق أمر مشكل، والقول بأنّ تمام الموضوع هو عدم الميز والخلط مثل القول بأنّ تمام الموضوع هو المعادن والكنز والحال أنّ الخمس لا يتعلّق بهما إلاّبشروط، وهذا يكشف عن عدم كون الصحيحة في مقام البيان.
وأمّا الأحاديث الحاكية عن قول الإمام أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ فبما أنّ اللفظ الصادر عنه ـ عليه السَّلام ـ غير معلوم، فلا يمكن الاعتماد عليه في الموارد المشكوكة.
وثانياً: أنّ الاكتفاء بالخمس فيما علم كون الحرام أزيد والإلزام به فيما إذا كان أقلّ أمر بعيد حسب الأُصول المسلّمة، فالتعبّد به يحتاج إلى تصريح خاص، ولا يصحّ فيه الاكتفاء بالإطلاق، ولأجل ذلك قال صاحب الجواهر: لو اكتفي بإخراج الخمس هنا لحلّ ما علم من ضرورة الدين خلافه إذا فرض زيادته عليه كما أنّه لو كُلِّف به مع فرض نقيصته عنه وجب عليه بذل ماله الخاص له.
وثالثاً: ما أفاده الشيخ في جانب التعليل بأنّ قوله ـ عليه السَّلام ـ :«فإنّ اللّه قد رضي من المال بالخمس» بمعنى كفاية الخمس عن الزائد الواقعي لو ثبت، لا عن الزائد المعلوم.
الثاني: إخراج خمسه وصرفه في مصرف الخمس، وإخراج الزائد والتصدّق به بحكم أنّه مجهول المالك، وهو الظاهر من بعض أعلام العصر.
يلاحظ عليه: أنّ المورد داخل تحت إحدى الطائفتين لا كلتيهما، فعلى الطائفة الأُولى يُكْتفى بالخمس لا غير، وعلى الطائفة الثانية يجب التصدّق بالجميع والمعاملة معه معاملة المجهول المالك، فالجمع بينهما لا تساعده الأدلّة.
الثالث: إخراج الخمس والزائد معاً وصرفه في مصرف الخمس، وهو خيرة المحقّق الخوئي. الظاهر أنّه جمع بين الأمرين المتنافيين، لأنّ صرف الجميع في مصرف الخمس آية أنّه داخل تحت روايات المقام (الحرام المختلط بالحلال) مع أنّ
إذا علم قدر المال ولم يعلم صاحبه بعينه لكن علم في عدد محصور ففي وجوب التخلّص من الجميع ولو بإرضائهم بأيّ وجه كان، أو وجوب إجراء حكم مجهول المالك عليه، أو استخراج المالك بالقرعة، أو توزيع ذلك المقدار عليهم بالسويّة وجوه، أقواها الأخير.
لازمه هو إخراج الخمس لا الجميع، وإخراج الجميع دليل على دخوله تحت نصوص الصدقة مع أنّ مصرفه الفقراء، لا الخمس، فالجمع بين دفع الجميع وصرفه في مصرف الخمس جمع بين الأمرين المتنافيين.
الرابع: إنّ هذه الصورة من فروع القسم الثاني، لا القسم الأوّل، أعني: «ما إذا علم مقداره ولم يعلم مالكه تصدق به عنه»، غير أنّ معلومية المقدار على قسمين، إمّا أن يعلم على وجه التحقيق وإمّا أن يعلم نسبياً وإضافياً. فقد عرفت انصراف أدلّة الخمس عن هذه الصور فالواجب في المقام هو التصدّق فقط، نعم لا يجب عليه التصدّق إلاّ بالقدر المتيقن، مثلاً إذا علم أنّ الحرام الموجود في ماله، أزيد من الخمس، وفي الوقت نفسه يتراوح بين الربع والثلث، فالأوّل هو القدر المتيقّن والثاني هو القدر المشكوك فيكلّف بدفع الأوّل دون الثاني.
إلاّ إذا كان عامل منجّز للأكثر، على ما ذكرناه في القسم الثالث كما إذا كان عالماً بالمقدار ثمّ طرأ عليه النسيان.
الصورة الثانية: فالقول بلزوم دفع الخمس خلاف منصرف أخباره، خصوصاً أنّه في مقام الامتنان، وأي امتنان في إلزام دفع الأكثر؟! فالحقّ الاكتفاء بالحق المعلوم، ويكون مصرفه مصرف الصدقة.
قد ذكر في المتن وجوهاً أربعة للتخلّص من الحرام.
الأوّل: وجوب التخلّص من الجميع ولو بإرضائهم بأيّ وجه كان، للعلم بالاشتغال، ولا يُقْطع بالبراءة إلاّ من هذا الطريق. وهو خيرة المحقّق الخوئي في مستنده وتعليقته على العروة، ويتوجّه عليه إشكالان:
1. استلزامه الضرر غير القابل للتحمّل كما إذا كان العدد المحصور عشرة أو فوقها، ومعنى ذلك أن يدفع أضعاف ما عليه من المال، وهو مرفوع بقاعدة لا ضرر على القول بحكومتها على الأحكام الشرعية.
ثمّ إنّ المحقّق الخوئي أجاب عن الإشكال بما ذكره الشيخ الأنصاري عند البحث عن دليل الانسداد في فرائده وقال: إنّ حديث نفي الضرر إنّما يتكفّل بنفي الضرر الناشئ من قبل الحكم بنفسه فكلّ حكم كان تشريعه في مورد ضرراً على المكلّف فهو منفي في الشريعة المقدسة بالدليل الحاكم، وأمّا إذا لم يكن الحكم بنفسه ضرريّاً وإنّما الضرر نشأ من إحراز الامتثال كما في المقام فمثله غير مشمول للحديث بوجه.
وبعبارة أُخرى: الواجب على المكلّف الضامن هو إعطاء المال الحرام وتسليمه إلى مالكه، وهذا الحكم في نفسه لا ضرر فيه بوجه، وإنما يترتّب الضرر على إحراز الوصول إليه الناشئ من حكم العقل بوجوب الاحتياط من أجل تنجيز العلم الإجمالي، وهو أجنبي عن الحكم الشرعي.
يلاحظ عليه: أنّ حكم العقل بتنجيز العلم الإجمالي فرع شمول إطلاق الدليل لهذه الصورة كالنبوي: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» أو قوله: «حرمة ماله كحرمة دمه»(6) وإلاّ فلا يحكم العقل بالتنجيز، وعليه يعود الضرر إلى إطلاق
التشريع وشموله لهذه الصورة لا إلى حكم العقل. أضف إليه عدم الفرق بين الضررين في نظر العرف المخاطب بنفي الضرر و الضرار.
2. قد عرفت أنّ الحكم بالتنجيز فرع شمول الدليل لصورة الاختلاط. ولا يستبعد شموله إذا كان الاستيلاء عدواناً، كما هو مفاد قاعدة «على اليد» فيجب عليه الخروج عن اشتغال الذمة بالمقدمة العلمية وبما أنّه يكون هو السبب، فلا يشمله حديث لا ضرر ولا ضرار، لأنّه حديث امتنان والغاصب ليس أهلاً للامتنان الذي فيه الضرر على صاحب المال.
وأمّا إذا كان الاختلاط بعامل طبيعي، أو إنسان آخر ، فادّعاء لزوم تحصيل البراءة فرع وجود الإطلاق وشمول دليل ردّ مال الغير إليه لهذه الصورة فلابدّ من تحصيل البراءة بوجه آخر.
الثاني: كونه بحكم مجهول المالك
هذا هو الوجه الثاني، وعطفه على مجهول المالك فرع كون الموضوع للتصدّق هو الجهل بالمالك لا عدم التمكّن من إيصاله، وإلاّ فلا يصحّ العطف، والظاهر من روايات الباب أنّ الموضوع عدم التمكن من الإيصال، ففي صحيحة يونس بن عبد الرحمان قال: سئل أبو الحسن الرضا ـ عليه السَّلام ـ وأنا حاضرفقال: رفيق كان لنا بمكّة فرحل منها إلى منزله ورحلنا إلى منازلنا، فلمّا أن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا فأي شيء نصنع به؟ قال: «تحملونه حتى تحملوه إلى الكوفة». ثمّ إنّ الإمام ـ عليه السَّلام ـ أمر بالتصدّق في ذيل الحديث بعد اليأس عن التمكّن منه.
الثالث: استخراج المالك بالقرعة، لكونه من موارد التنازع وقد وردت فيها القرعة، وهو خيرة السيد الحكيم.
وأورد عليه في مستند العروة من عدم شمول دليلها، لأنّه في كلّ أمر مشكل، أي لم يتضح فيه التكليف الواقعي ولا الظاهري غير المنطبق بالمقام، لأنّه بعد العلم بالضمان وتردد المالك بين محصور، فبمقتضى العلم الإجمالي يجب الخروج عن العهدة بإرضاء المالك الواقعي.
يلاحظ عليه: بعدم تمامية الإشكال، لأنّ حكم العقل بتنجز الواقع، فرع وجود إطلاق في دليل ردّ مال الغير إليه، فيحكم بوجوب البراءة العقلية وبالتالي لا يبقى للقرعة موضوع. ولكنّه غير تام لما عرفت من أنّه يصحّ فيما إذا كان الاستيلاء عن عدوان لا عن غيره، كما إذا صار عمل الغير أو العامل الطبيعي سبباً لاختلاط مال الغير مع ماله، فهو عندئذ يكون أشبه للودعي، حيث لم يكن الاستيلاء لأجل الانتفاع بمال الغير.
نعم يرد على القول بالرجوع إلى القرعة، بأنّ الرجوع إليها منحصر بما إذا لم يكن هناك حلّ شرعي أو عقلي أو عقلائي، فإذا كانت هنا قاعدة عقلائية وسيرة سائدة منهم من الرجوع إلى قاعدة العدل والانصاف فتكون أدلّة القرعة منصرفة عن هذه الصورة لوجود مفزع عقلائي كما عرفت.
الرابع: التوزيع
والمراد منه، هو القيام بما يكون موافقاً لقاعدة العدل والإنصاف، فلو تردّد بين شخصين فينصف وإلاّفيثلث وهكذا.
الخامس: التخيير بين القرعة والتوزيع، لأنّ لكلّ من القرعة والتوزيع وجهاً. وفي القرعة موافقة احتمالية ولو أصاب الواقع يصل المال إلى صاحبه بأجمعه، وفي الثاني موافقة قطعية للعلم بوصول جزء من المال إلى صاحبه وإن اشتمل على مخالفة قطعية للعلم بوصول مقدار من مال المالك إلى غيره، وبما أنّه لا ترجيح لأحد الأمرين فيكون مخيّراً بين القرعة والتوزيع.
وهناك احتمال سادس ذكره السيد الحكيم: وهو التخيير بين التوزيع والدفع إلى واحد منهم لعدم إمكان الاحتياط، فيدور الأمر بين الموافقة الاحتمالية الملازمة للمخالفة الاحتمالية، وبين الموافقة القطعية مع المخالفة القطعية كذلك، ولا مرجّح في نظر العقل.
ثمّ إنّ السيّد الحكيم أورد على هذا الاحتمال ما هذا حاصله:
أنّ ذلك يتمّ مع تميز المال وعدم ضمان اليد كالودعي ونحوه،وأمّا مع عدم التميّز فولاية القسمة لذي اليد محتاجة إلى دليل، كما أنّه مع ضمان اليد لا مجال لحكم العقل لرفع الضمان بالتوزيع أو التخيير، وإنّما يجدي في رفع العقاب لا غير، فرفع الضمان يحتاج إلى دليل، ولأجل هذا الإشكال لا يجدي الرجوع إلى الحاكم الشرعي في القسمة لأنّها لا ترفع الضمان، نعم لو أمكن الرجوع إليه في دفع المال بعد القسمة والخروج عن الضمان كان الحاكم هو المكلّف بالإيصال إلى المالك ويتخيّر حينئذ بين التوزيع ودفعه إلى واحد لما عرفت، لكن ثبوت الولاية للحاكم في القبض عن المالك مع حضوره وإمكان الإيصال إليه، غير ظاهر، لعدم الدليل عليها حينئذ فالمتعيّن الرجوع إلى القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل.
وحاصل ما أفاده أنّ التخيير إنّما يصحّ بشرطين:
أ. أن يكون مال الغير متميّزاً غير محتاج إلى القسمة، ولم يكن من بيده المال ضامناً كالودعي دون المقام الذي اختلط ماله بماله، وكان ذو اليد ضامناً فليس له و كذا إذا لم يعلم قدر المال وعلم صاحبه في عدد محصور، فإنّه بعد الأخذ بالأقلّ كما هو الأقوى، أو الأكثر كما هو الأحوط، يجري فيه الوجوه المذكورة.
الولاية على التقسيم أوّلاً، ولا يرفع الضمان بالتوزيع أو التخيير.
ب. نعم لو رجع إلى الحاكم الشرعي فيما إذا كان له الولاية يصحّ الإفراز والتقسيم ويتعيّن المال المفروز لغيره، ويكون ذو اليد ضامناً لإيصال ما عيّنه الحاكم إلى صاحبه ، ولا يرتفع الضمان، لا بالتوزيع ولا بالتخيير بل بإرضاء كلّ مثل بما تحت يده.
وليس للحاكم الشرعي تنفيذ عمله مع كون المالك معلوماً ومحصوراً بين شخصين.
يلاحظ عليه: أنّه صحيح فيما إذا كان غاصباً أو ضامناً أو كان مباشراً للاختلاط، دون ما إذا كان العامل له أمراً طبيعياً أوإنساناً غيره، فيصحّ له القيام بالإفراز بإذن الحاكم الشرعي، فيكون أشبه بالودعي حيث لم يكن الاستيلاء لصالح الانتفاع، فيكون مخيّراً بين الأمرين لعدم الترجيح.
فالحقّ، أنّ هذه الحوادث أوضح مصداق لقوله ـ عليه السَّلام ـ : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا» فله الولاية في القسمة وتعيين ماله وإخراجه عن يد المديون، فعندئذ يكون مختاراً بين التوزيع والقرعة لما عرفت من اعتبار كلتا القاعدتين، أو بين التوزيع، والتخيير، أعني: الدفع إلى واحد منهم لعدم المزية لواحد على الآخر.
إذا لم يعلم قدر المال تحقيقاً، ولكن علم نسبيّاً، ودار الأمر بين الأقلّ والأكثر،
إذا كان حقّ الغير في ذمّته لا في عين ماله فلا محلّ للخمس.
فيقع الكلام في موردين:
الأوّل: في المقدار الذي يجب دفعه، فهل هو الأخذ بالأقل، أو الأخذ بالأكثر، أو التفصيل الماضي في الأخذ بالأقل، إلاّ في موارد مثل ما إذا سبق العلم التفصيلي بمقداره، ولكن عرض النسيان، أو دار الأمر بين المتبائنين، أحدهما أكثر عدداً أو قيمة؟ وقد عرفت الحقّ فيه في شرح قوله: ولو انعكس بأن علم المالك ولم يعلم المقدار تراضيا بالصلح ونحوه وإن لم يرض المالك بالصلح ففي جواز الاكتفاء بالأقل....
الثاني: كيفية دفعه ففي الوجوه المذكورة في الفرع السابق من هذه المسألة.
للمسألة صورتان:
أحدهما: إذا استولى على مال الغير بغصب وغيره فأتلفه قبل الاختلاط فطرأ الجهل بالمقدار أو بالمالك أو كليهما.
ثانيهما: إذا استولى على مال الغير وحصل الخلط ثمّ أتلفه بنفسه أو بآفة سماوية، فيقع الكلام في هذه الصورة في لحوقها بالمال الموجود المختلط حلاله بحرامه وعدمه، والذي يدل على ذلك ما ذكره الشيخ وغيره.بأنّه إذا تصرّف في المال المختلط بالحرام بحيث صار في ذمّته تعلّق الخمس بذمّته (الصورة الثانية) ولو تصرف في الحرام المعلوم فصار في ذمّته وجب دفعه صدقة (الصورة الأُولى). إذا علمت ذلك فنقول:
أمّا الصورة الأُولى: فلا موضوع للخمس، لأنّ الموضوع هو المال المختلط، وأمّا الثابت ابتداءً في الذمّة فهي مشغولة بنفس الحرام فيجب عليه أداؤها حسب القواعد.
وأمّا الصورة الثانية: ففيه وجهان مبنيان على أنّ تعلّق الخمس بالمختلط بالحرام كنفس تعلّقه بسائر الموارد كالمعادن والغوص، وأنّ أصحاب الخمس يملكون بعد الاختلاط جزءاً من المال على وجه الإشاعة، أو على نحو الكلي في المعيّن، أو بنحو آخر نظير تعلّق حقّ الرهانة بالعين المرهونة كما سيوافيك.
أوّ أنّ تعلّق الخمس عليه من سنخ آخر، وهو أنّه لو أراد المالك إفراغ ذمّته من الحرام وتطهير ماله منه فقد صالحه الشارع بالخمس وجعله طريقاً تعبدياً لتشخيص الحرام فما لم يقم بالتطهير ليس لأصحاب الخمس في المال المختلط شيء فلا تكون العين مشتركة بينهم وبين المالك ولا متعلّقاً للحقّ.
فعلى الأوّل: يكفي التخميس وإن أتلفه ذو اليد بعد الاختلاط، لأنّه يكون المورد نظير إتلاف المعادن والكنوز حيث لا يتغيّر حدّ الواجب سواء بقيت العين أم لم تبق، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بالثاني، فإنّ الخمس إنّما يتعلّق بماله إذا قام بالتخميس وأخرجه من ماله، وأمّا إذا لم يقم بذلك حتى تلفت العين كلّها فلا موجب للخمس وهو المصالحة، ولا مناص عليه إلاّ الخروج عن نفس ما اشتغلت به ذمّته ولو بالاحتياط.
وربما يستظهر من رواية عمّار بن مروان أنّ تعلّقه به كتعلّقه بسائر الموضوعات وعليه فاللازم هو الاكتفاء به إذا كان مختلطاً أتلفه المالك أو تلفت بآفة سماوية، ولكن استفادة الإطلاق من رواية عمار لا يخلو عن إشكال لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، وسيوافيك تفصيل القول فيه عند تعرض الماتن للمسألة في المسألة الثامنة والثلاثين فانتظر. نعم إذا غصبه وأتلفه بلا
و حينئذ فإن علم جنسه و مقداره و لم يعلم صاحبه أصلاً، أو علم في عدد غير محصور، تصدّق به عنه بإذن الحاكم، أو يدفعه إليه، وإن كان في عدد محصور، ففيه الوجوه المذكورة، والأقوى هنا أيضاً الأخير.
و إن علم جنسه و لم يعلم مقداره بأن تردّد بين الأقلّ و الأكثر أخذ بالأقلّ المتيقّن و دفعه إلى مالكه إن كان معلوماً بعينه.
وإن كان معلوماً في عدد محصور فحكمه كما ذكر.
و إن كان معلوماً في غير المحصور أو لم يكن علم إجماليّ أيضاً تصدّق به عن المالك بإذن الحاكم أو يدفعه إليه، وإن لم يعلم جنسه و كان قيميّاً فحكمه كصورة العلم بالجنس إذ يرجع إلى القيمة و يتردّد فيها بين الأقلّ والأكثر، وإن كان مثليّاً ففي وجوب الاحتياط وعدمه وجهان.
اختلاف فلا يجزي فيه الخمس لعدم شمول أدلّته لهذا المورد لعدم الاختلاط المصحح للمصالحة، فما ذكره الماتن قدَّس سرَّه على وجه الإطلاق منظور فيه بل يجب تقييده بما إذا لم يكن هناك اختلاط.
إذا كان حقّ الغير في ذمّته لا في عين ماله يقع الكلام في موضعين:
أحدهما: في مقدار ما يجب دفعه.
ثانيهما: إلى من يجب دفعه؟
ولنقدّم الكلام في الثاني على الأوّل، فنقول: إذا كان مال الغير في ذمّة
شخص فهو لا يخرج عن صور أربع، إمّا أن يكون المالك معلوماً بشخصه، أو معلوماً في عدد محصور، أو معلوماً في عدد غير محصور، أو مجهولاً مطلقاً.
ففي الأوّل يدفع إلى مالكه، وفي الثاني ففيه الوجوه الخمسة المذكورة في المسألة السابقة، أي ما إذا كان مال الغير مختلطاً بمال الشخص وتردّد في عدد محصور، وقد مرّ الأقوى من الأقوال، وفي الثالث والرابع يتصدّق من جانب المالك، وبما أنّ حكم الأُولتين واضح، فلنبحث حكم الأخيرتين فنقول:
أمّا التصدق في الصورتين الأخيرتين (العدد غير المحصور والمجهول المطلق) فهو الظاهر من الأخبار، وموردها وإن كان هو الأعيان الشخصية لكن العرف يساعد على إلغاء الخصوصية وتعميمه إلى ما في الذمة، وقد عرفت تعميم ما ورد في الأعيان المتميزة إلى غير المتميزة، وهذا إحدى القرائن على صحّة ما قلناه من لزوم التصدّق فيما إذا جهل الشخص وعلم المقدار.
وعلى كلّ تقدير فالأخبار دالة على أنّ المالك إذا لم ينتفع من ماله فلينتفع من ثوابه، ويمكن استفادة ذلك من بعض الروايات.
1. ما رواه يونس بن عبد الرحمان، قال: سئل أبو الحسن الرضا ـ عليه السَّلام ـ وأنا حاضر ـ إلى أن قال: ـ فقال: رفيق لنا بمكّة فرحل منها إلى منزله ورحلنا إلى منزلنا فلما أن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا فأيّ شيء نصنع به؟ قال: «تحملونه حتى تحملوه إلى الكوفة» قال: لسنا نعرفه ولا نعرف بلده ولا نعرف كيف نصنع؟ قال: «إذا كان كذا فبعه فتصدّق بثمنه» الخ.
والحديث وإن ورد في المال المشخص خارجاً، لكن العرف يساعد على إلغاء الخصوصية، وأنّ التصدّق أحد الطرق لوصول المال إلى صاحبه بعد اليأس، ويستفاد من الحديث سقوط التعريف سنة إذا كان الواجد آيساً.
2. وما رواه معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ : في رجل كان له على رجل حقّ، ففقده ولا يدري أين يطلبه، ولا يدري أحيّ أم ميّت، ولا يعرف له وارثاً ولا نسباً ولا ولداً؟ قال: «اطلب»، قال: فإنّ ذلك قد طال فأتصدّق به قال: «اطلبه».
إنّ الإمام ـ عليه السَّلام ـ إنّما أمر بالطلب والفحص لأجل عدم حصول اليأس، ويستظهر منه أنّه مع اليأس فالوظيفة المسلّمة بين الإمام والسائل هو الصدقة، والرواية واردة في الحقّ المتمثل في الذمّة لا في المال الموجود في الخارج.
3. روى الصدوق مرسلاً قال: وقد روي في خبر آخر «إن لم تجد له وارثاً وعرف اللّه عزّ وجلّ منك الجهد فتصدّق بها».
وعلى ذلك فالأمر من الجهة الثانية ، أعني: كيفية إيصاله إلى المالك واضح، ففي المعيّن يدفعه إليه، وفي المحصور يعمل بالقرعة، أو التوزيع، وفي غير المحصور أو المجهول المطلق يتصدّق .
إنّما الكلام في المقدارالذي يجب أن يدفعه، وقد ذكر المصنف صوراً ثلاث:
1. إذا علم الجنس والمقدار.
2. إذا علم الجنس دون المقدار.
3. إذا جهل الجنس دون المقدار.
ولم يذكر الصورة الرابعة إذا جهل الجنس والمقدار.
أمّا الصورة الأُولى: فلو علم صاحبه فلا إشكال، ولو علم في عدد محصور يجري فيه ما تقدّم فيما إذا كان الحرام مختلطاً، وإن كان في عدد غير محصور أو لا يعلم صاحبه بوجه من الوجوه فيتصدّق، لعدم إمكان إرضاء الكل، وقد عرفت أنّ الظاهر من الروايات أنّ التصدّق أحد طرق إيصال المال إلى صاحبه.
أمّا الصورة الثانية: أعني ما إذا كان الجنس معلوماً والمقدار مجهولاً، سواء كان قيمياً كما إذا علم أنّه أتلف شاة الغير مردداً بين الواحد والاثنين، أو مثلياً كما إذا علم أنّه أتلف حنطة الغير وتردّد بين كونه خمسين منّاً، أو ثلاثين، فيقتصر في كلا الموردين بالأقل لانحلال العلم الإجمالي، وأمّا كيفية الإيصال فيأتي فيها الأقسام المذكورة في الصورة الأُولى من كون المالك معلوماً بشخصه، أو في عدد محصور، أو غير محصور، أو لا يعلم أصلاً، والحكم واحد.
الصورة الثالثة:
أعني ما إذا كان الجنس مجهولاً دون المقدار، فلها أقسام:
1. ما يكون التالف قيمياً مردداً بين الجنسين كالشاة والبقرة.
2. ما يكون التالف مثلياً مردداً بين الجنسين كالحنطة والشعير.
3. ما يكون التالف مردداً بين المثلي والقيمي كما لو تردّد المغصوب بين الشاة والحنطة.
وإليك الكلام في جميع الأقسام:
القسم الأوّل: إذا كان التالف قيمياً
إذا كان التالف قيمياً، يكون مضموناً بقيمته، فإن تساوت قيمة الجنسين (الغنم والبقر) فلا إشكال، وإلاّ فيدفع أقلّ القيمتين أخذاً بالانحلال، إلاّ إذا كان علم القيمة التي استقرت في الذمّة ثمّ طرأ عليه النسيان.
هذا من غير فرق بين القول بضمان قيمة يوم المخالفة أو قيمة يوم التلف أو قيمة يوم الأداء، فانّ الاختلاف في القيمة ناش من إبهام التالف، وأنّه هل هو الغنم أو البقر؟ وأمّا اختلاف الفقهاء في قيمة أيّ يوم من الأيّام، فغير مؤثر في ذلك، لأنّ الاختلاف في اليوم الذي يجب أداء قيمتها فيه، لا يؤثّر في تردّد الأمر بين الأقلّ والأكثر، وذلك لأنّ ضمان العين في القيمي ينتهي إلى ضمانها بقيمتها فتكون ذمّته مشغولة بالقيمة بعد ما كانت مشغولة بالعين فبعد التبدّل يدور الأمر بين الأقلّ والأكثر.
وبذلك يظهر ما في حاشية بعض الأساطين حيث فصّل بين ما اشتغلت الذمة بالقيمة كما في الضمانات ففيه الأقل، وما إذا اشتغلت بنفس العين كما في العقود فحكمه حكم المثلي، فقوّى وجوب الاحتياط في المتبائنين بتحصيل المراضاة مع الإمكان، وإلاّ فيوزّع على محتملات ما اشتغلت به الذمة، ففي المردّد بين جنسين يعطي نصف كلّ منهما وفي الثلاث ثلث كلّ منهم.
يلاحظ عليه: أنّ الأمر دائر بين المتبائنين من قبيل الانقلاب إلى القيمة، وحكمه الاحتياط، ولكن بعد الانقلاب إلى القيمة يدور الأمر بين الأقل والأكثر وعلى ذلك يكفي الأقل.
وما تقدّم منّا من لزوم الاحتياط في موردين:
1. إذا عرضه النسيان ،
2. إذا دار أمر الحرام بين المتبائنين فإنّما هو فيما إذا كان الحرام باقياً غير تالف، أي كان موجوداً بين الحلال لا ما في مثل المقام الذي تلف وانتهى ضمانه إلى الضمان بالقيمة فإنّ مقتضى القواعد هو الأخذ بالأقل.
وبذلك يعلم ضعف ما أفاده بعض الأعلام المعاصرين من أنّ الثابت في الذمّة في التالف أو المتلف نفس العين حسب قوله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» و على ذلك فنفس العين في ذمّة الضامن. نعم في مقام الأداء يؤدي القيمة من جهة كونها مرتبة نازلة من العين بعد تعذرها فيكون حكمه حكم المثلي (القسم الثاني).
يلاحظ عليه: أنّ هذا الاختلاف غير مؤثر في المسألة، لأنّا نفترض أنّ العين باقية على ذمّة الضامن إلى يوم الأداء، ولكنّه في وقت الأداء يتبدل إلى القيمة ويكون أمر المتبدل إليه دائراً بين الأقل والأكثر حسب اختلاف المتبدَّل ويأتي حديث الانحلال بعد الانتقال.
والفرق بين القيمي والمثلي هو أنّ القيمي ينتقل نهاية إلى القيمي ويكون المضمون قيمته، بخلاف المثلي فالمضمون فيه هومثله فيبقى، المضمون في ذمّته من دون انتقال إلى القيمي، ولذلك يفترق حكمه، مع حكمه الذي سيوافيك في القسم الثاني.
وهنا احتمال آخر وهو أنّه يدفع القدر المعلوم المتيقن من القيمي وينتصف الزائد، عملاً بقاعدة العدل والانصاف، وقد مرّ في كلام بعض الأساطين.
القسم الثاني: إذا كان التالف مثلياً
إذا كان الجنس المردّد مثلياً كما إذا دار أمر التالف بين الحنطة والشعير، فيكون المرجع إلى المتبائنين دون الأقلّ والأكثر، لأنّ المضمون هو نفس الجنس المردّد بين الحنطة والشعير، واختلافهما في القيمة لا يوجب كون المورد من قبيل الأقل والأكثر.
فهنا وجوه لإفراغ الذمة:
1. التوزيع: ويمكن تصويره بأحد وجهين:
أ. توزيع العين، لأنّه يعلم أنّ عليه شيئاً مردداً بين منّ حنطة أو منِّ شعير، فيعطي من كلّ نصفه.
ب. إنّ الجهل بالجنس يوجب الانتقال إلى القيمة ويعطي القدر المعلوم وينتصف الزائد، كلّ ذلك أخذاً بقاعدة العدل والإنصاف.
2. القرعة: وذلك لأنّ الواجب على الضامن إيصال المال إلى المضمون عنه، وهو يحصل بدفع كلا المالين إليه، وبما أنّه ليس له التصرّف في كلا المالين، ينحصر الطريق بالقرعة فإذا كان المرجع نهايتاً، هو القرعة فليكن هو المرجع في المبدأ وأنّ الضامن يقرع بين الجنسين بإذن الحاكم.
3. دفع الأقلّ: ببيان أنّه ليس للمالك أخذ شيء من هذه الأجناس فلا محيص من إسقاط الخصوصية واختيار القيمة، فحينئذ الأمر يدور بين الأقلّ والأكثر، فلا يأخذ المالك إلاّ الأقل، لا أنّ الدافع لا يكون مكلّفاً إلاّ بالأقل، حيث إنّ الواجب عليه في هذه الصورة مردّد بين المتبائنين، بخلاف ما لو كان قيمياً لأنّه مردّداً بين الأقل والأكثر فلا يكون مكلّفاً إلاّ بدفع ما اشتغلت به ذمّته وهو الأقل. نعم بعد إسقاط الخصوصية يرجع إلى ذلك.
وعلى هذا الاحتمال لا فرق بين القيمي والمثلي في أنّ الواجب هو أخذ الأقل.
القسم الثالث: إذا كان التالف مردداً بين المثلي والقيمي
إذا كان التالف مردّداً بين المثلي والقيمي، كما لو تردّد الحرام بين الحنطة والشاة، فيعلم حكمه ممّا ذكرناه في المثلي، ففيه الوجوه الثلاثة.
ولعلّ الأوضح هو الوجه الأوّل.
الصورة الرابعة :
أي إذا كان الجنس والمقدار مجهولين، كما إذا تردّد التالف بين الحنطة والارز، وعلى كلّ تقدير تردّد بين ثلاثين منّاً أو خمسين، فيعلم حكمه ممّا ذكر.
الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك كما في سائر أقسام الخمس، فيجوز له الإخراج و التعيين من غير توقّف على إذن الحاكم، كما
اتّفقت كلمتهم على ولاية المالك لإخراج خمس ماله ودفعه من غيره من دون توقّف على إذن الحاكم، وأمّا جواز صرفه في مجاله بنفسه فسيأتي في المستقبل، وهل الحكم في المقام أيضاً كذلك أو يحتاج الإخراج والدفع من مال آخر إلى إذن الحاكم الشرعي؟
فقد حكم بعضهم باتحاد حكمه مع سائر الموارد وثبوت الولاية في الإخراج والدفع من غير المال متمسّكاً بأنّ تعلّق الخمس عليه نظير تعلّقه بالموارد الأُخر على ما في رواية عمّار بن مروان، فيجري فيه ما يجري فيها، وخالف أكثر مشاهير العصر وقالوا بالاستجازة.
والحقّ، هو الثاني: لأنّ طبع المسألة يقتضي ذلك لوجود الفرق بينهما، لأنّ روح التخميس في سائر الموارد، عبارة عن تخميس نفس ماله والقيام بالوظيفة بأداء الخمس من ماله وتصرف الإنسان في ماله لا يحتاج إلى الاستئذان، وسيوافيك أنّ العين ليس مشاعاً بين المالك وأصحاب الخمس، بل غاية ما يستفاد تعلّق حقّهم عليها كتعلّق حقّ المرتهن وأمثاله، وللإنسان القيام بترخيص ماله عن الرهن، وهذا بخلاف المال المختلط بالحرام فانّه يتصرف في مال الغير، ويقرّره ويشخصه في المفروز، ويتملّكه ويدفع من مال آخر.
فالقيام بها يستدعي الولاية وهي ثابتة للحاكم دون المالك.
وبذلك يعلم أنّه لا يصحّ التمسك بالإطلاقات في كلا الموردين، إذ ليست في ذلك الصدد حتّى يكون السكوت دليلاً على العموم.
لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس فالأقوى ضمانه، كما هو كذلك في التصدّق عن المالك في مجهول المالك فعليه غرامته له، حتّى في النصف الّذي دفعه إلى الحاكم بعنوان أنّه للإمامعليه السَّلام.
والتمسك بالإطلاق المقامي وأنّه لو كان الإذن شرطاً لاشتهر وبان، إنّما يصح في الموارد التي كان التصرف فيها أمراً طبيعياً كما في دفع خمس ماله، لا في مثل المقام الذي طبعه المنع وعدم الجواز، لأنّ الحكم الأوّلي للتصرّف في مال الغير بلا إذنه هو الحرمة، والتصرّف يتوقف على الجواز، ففي مثل المقام لا يصحّ الاعتماد بالسكوت.
في المسألة قولان:
الأوّل: الضمان ، اختاره الشهيد في الروضة وقال: ولو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس ففي الضمان له وجهان، أجودهما ذلك. واختاره صاحب الجواهر حيث جعل مقتضى الحكم بالتخميس هو رفع الإثم فقط مع التحفّظ على الضمان.
أقول: استدل على الضمان بوجوه:
الأوّل: كونه مقتضى الاستيلاء العدواني، وعلى اليد ما أخذت حتى تؤدي.
الثاني: الإتلاف، بدفعه إلى أصحاب الخمس.
الثالث: إلحاقه بباب اللقطة، وأنّ حكم الشارع بالدفع لا يرفع الضمان كما هو كذلك فيها.(7)
بل يمكن استظهار الضمان في مطلق مجهول المالك وإن لم يكن لقطة،
وذلك بما رواه حفص بن غياث المِنقري، قال: سألت أبا عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعاً واللص مسلم هل يرد عليه؟ فقال: «لا يردّه، فإن أمكنه أن يردّه على أصحابه فعل، وإلاّ كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها، فيعرّفه حولاً، فإن أصاب صاحبَها ردّها عليه، وإلاّ تصدّق بها، فإن جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم، فإن اختار الأجر فله الأجر وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له».
فإذا ثبت الضمان في باب اللقطة وفيما أودعه بعض اللصوص، يمكن إلغاء الخصوصية والحكم بالضمان في المقام أيضاً، هذا غاية ما يمكن الاستدلال به على الضمان.
الثاني: عدم الضمان وعدم كفاية الأدلة المذكورة في إثباته:
أمّا اليد، وإن كانت عدوانيةً، لكنّها صارت بعد المراجعة إلى الحاكم الشرعي يداً مأذونة، والإطلاقات غير شاملة لمثلها، وعلى فرض الشمول، فلو دلّ دليل على عدم الضمان نقيّد الإطلاق به.
وأمّا الإتلاف فلا يوجب الضمان إذا كان بأمر الشارع، فالمتبادر منه رفع التكليف والوضع معاً، إلاّ إذا دلّ عليه دليل كما في اللقطة، وأمّا الحكم بالضمان في مورد قبول الوديعة من اللصوص فلعلّه لأجل علمه بكون المودع مال الغير ، وبذلك صارت يده يداً عاديّة، لا يداً مأذونة، فالحكم بالضمان فيه لا يصير منشأ للضمان في المقام، وليس الأمر بالدفع حكماً ظاهرياً متوقفاً على عدم مطالبة المالك، كيف؟ وأنّ الحكم الظاهري لابدّ أن يكون محتمل المطابقة للواقع، وهنا نعلم بمخالفته للواقع على كلّ حال، بل هو من قبيل الواقعي الثانوي، ومقتضى إطلاق دليل الإجزاء.
وأمّا إلحاقه بباب اللقطة كما في دليل القائل بالضمان فغير صحيح، لأنّ الحكم في المقيس عليه على خلاف القاعدة، فكيف يصحّ القياس مع بطلانه في ذاته؟ كما عرفت الفرق بين المقام، وما أودعه بعض اللصوص، ثمّ إنّ في الروايات قرائن تدل على عدم الضمان.
1. انّ المتبادر من الروايات الحاكية لفعل الإمام ـ عليه السَّلام ـ أنّ التخميس مصالحة شرعية نيابة عن المالك، وولاية عليه، وبذلك تفرغ ذمّته عن أيّة تبعة، والحكم بالضمان بعد مطالبة المالك، يخالفه.
2. إنّ ظاهر قوله ـ عليه السَّلام ـ : «إنّ اللّه قد رضي من ذلك المال بالخمس» أنّه لو أدّى الخمس، يكون الباقي له بلا إشكال، فالحكم بالضمان ولزوم الأداء منه بعد المطالبة لا تساعده العبارة، وتوهم أنّ التصالح بالخمس راجع إلى تحديد الحرام به ليحلّ له الباقي فقط ولا صلة له بالتصالح من جانب المالك ولاية، كما ترى.
3. إنّ الظاهر من رواية داود بن أبي يزيد ولاية الشارع على مجهول المالك، حيث قال: قال رجل: إنّي قد أصبت مالاً وإنّي قد خفت فيه على نفسي ـ إلى أن قال: ـ «فأنا واللّه، ماله صاحب غيري».
والحديث يحتمل أن يكون المصاب لقطة أو شيئاً قد اغمض في طلبه من جهة كونه حلالاً أو حراماً.
ومع فرض الولاية والقيام بالتخميس أو التصدّق بأمر الشارع فالحكم بالضمان لأجل الإتلاف بعيد عن الأذهان، وأمّا الضمان في باب اللقطة فليس من باب الإتلاف، بل هو حكم تعبّدي يحدث، عند المطالبة، ولأجل ذلك لو لم يطالب لما كان ضامناً، ولو كان وجه الضمان الإتلاف، يجب أن يستقرّ عليه قبل المطالبة وهو خلاف المشهور وخلاف ظاهر الروايات، وبذلك يعلم عدم صحّة
لو علم بعد إخراج الخمس أنّ الحرام أزيد من الخمس أو أقلّ لا يستردّ الزائد على مقدار الحرام في الصورة الثانية، وهل يجب عليه التصدّق بما زاد على الخمس في الصورة الأُولى أو لا؟ وجهان، أحوطهما الأوّل، وأقواهما الثاني.
التمسك بقاعدة الإتلاف، إذ لو كانت هي مصدر الضمان يثبت الضمان مطلقاً وإن لم يتبيّن المالك، بل يجب عليه إيصاؤه، وكلّ ذلك على خلاف القاعدة.
نعم: لو قام بالتخميس من عند نفسه من دون مراجعة إلى الحاكم الشرعي كان للضمان وجه، لا ما إذا دفعه إليه أو قام به نيابة ووكالة عنه.
ثمّ الظاهر من الماتن، اختصاص الضمان بالخمس لا ما اشتغلت به ذمّته، وهو غير تام، إذ لو صحّت المصالحة لما كان للضمان وجه، ولو لم تتم يضمن ما تعلّقت به ذمّته ولو بالعمل بالاحتياط لا الخمس.
للمسألة صورتان:
الأُولى: إذا علم الحرام أزيد من الخمس.
الثانية: إذا كان الحرام أقلّ منه.
أمّا الأُولى: يقع البحث في وجوب التصدّق بمازاد على الخمس، ففيه وجوه:
1. يسترجع الخمس ويتصدّق بمقدار الحرام لأهل الصدقة.
2. إنّ الباقي بعد التخميس موضوع جديد للمال المخلوط فيه الحلال بالحرام فيجري عليه حكمه من الصور الأربع السابقة، ويعمل في كلّ صورة بحكمها الخاص، وهو خيرة المحقّق الخوئي.
3. صحّة التخميس الأوّل والتصدّق بالباقي لافتراض كون المقدار الحرام معلوماً.
4. كفاية التخميس وعدم لزوم التصدق بالباقي.
أقول: الوجه الأوّل، احتمال محض، ومدفوع، بأنّ استرجاعه، إبطال لعمل عبادي وقع بأمر الشارع، وهو يحتاج إلى الدليل، أضف إلى ذلك قوله ـ عليه السَّلام ـ : «وإنّ اللّه قد رضي من هذا المال بالخمس»واسترجاعه، يخالف هذا الرضا.
ويمكن الاستئناس بما ورد في اللقطة: إذا جاء صاحبها فانّه لا يسترجع الصدقة: والذي يجمع بينهما كون العملين من الأُمور العبادية.
والوجه الثاني: حاصله أنّ الباقي بعد التخميس ـ المعلوم بعد وجود الحرام فيه ـ موضوع جديد للمال المخلوط فيه الحلال بالحرام، فيجري عليه حكمه من أنّه:
1. إن علم مقداره ومالكه دفعه إليه.
2. وإن يعلم مقداره ولم يعلم مالكه تصدّق.
3. وإن جهل كلاهما تعلّق به خمس آخر.
وهذا الوجه يخالف إطلاق الأدلّة فإنّها ظاهرة في حلّية المال مطلقاً وإن انكشف أنّ الحرام أزيد، خصوصاً قوله ـ عليه السَّلام ـ «وسائر المال لك حلال» وهذا يؤيد ما قلناه، من أنّ التخميس مصالحة شرعية بين الحاكم نيابة عن المالك وصاحب المال المختلط، ومعنى المصالحة، هو الاكتفاء بالمدفوع، وإن تبيّن الخلاف وأنّ الحرام أزيدمن الخمس فإيجاب الزائد يحتاج إلى الدليل سواء كان بصورة الصدقة أو بصورة التخميس.
والوجه الثالث: مدفوع، بإطلاق الروايات بكفاية التخميس. وبذلك يعلم قوّة الوجه الرابع، لأنّ ظاهره كفاية المصالحة عمّا يطرأ ويتبين من الزيادة.
المسألة 35: لو كان الحرام المجهول مالكه معيّناً  فخلطه بالحلال ليحلّله بالتخميس خوفاً من احتمال زيادته على الخمس فهل يجزيه إخراج الخمس أو يبقى على حكم مجهول المالك؟ وجهان، والأقوى الثاني لأنّه كمعلوم المالك حيث إنّ مالكه الفقراء قبل التخليط. وأمّا الصورة الثانية: فاحتمال استرداد الزائد مدفوع بما ذكرناه ،وقد عرفت أنّ طبيعة المصالحة لا تنفك عن احتمال الزيادة والنقص غالباً، وفائدة التخميس هو جواز تصرفه في المال المخلوط، وهو في مقابل دفع الشيء الزائد ليس بقليل، وقد عرفت أنّه عمل قربيّ لا يبطل.
مشخصاً في الخارج غير معلوم المقدار.
قال في الجواهر: ولو خلط الحرام بالحلال، عمداً خوفاً من كثرة الحرام لتجتمع شرائط الخمس فيجتزي بإخراجه، عصى بالفعل وأجزأه الإخراج، ويحتمل قويّاً تكليف مثله بإخراج ما يقطع بالبراءة إلزاماً له بأشقّ الأحوال، ولظهور الأدلّة في غيره.
والظاهر أنّ الوجه هو انصراف أدلّة التخميس عن المورد لأجل وروده في المختلط ابتداءً، بل يعمّ ذلك وما كان متميّزاً وصار مخلوطاً لعوامل خارجية، إذ الاقتصار على الأوّل يوجب خروج أكثر الموارد و ـ مع ذلك كلّه ـ لا يشمل الاختلاط لغاية التخميس والسيطرة على مال الغير عن ذاك الطريق، بل مورده مورد الإنسان المتهيّئ لإخراج الحرام من ماله، وهذا هو الوجه لعدم الشمول لا ما ذكره المصنف: من أنّه كمعلوم المالك حيث إنّ مالكه الفقراء. وذلك لأنّهم لا لو كان الحلال الّذي في المختلط ممّا تعلّق به الخمس وجب عليه بعد التخميس للتحليل خمس آخر للمال الحلال الّذي فيه.
يتملّكون إلاّ بالقبض، فكيف يكون معلوم المالك أو كمعلومه؟
وتظهر الثمرة بين القولين في موردين.
فلو قلنا بشمول الأدلّة لهذه الصورة، يتعيّن الخمس والمصرف مصرفه، وعلى ما قوّينا يتعين الأقل، إلاّ إذا عرضه النسيان، أو دار أمره بين المتبائنين فيتعيّن الأكثر والمصرف مصرف الصدقة.
وهو مقتضى القاعدة لتعدّد الأسباب المقتضي لتعدّد المسبب، إلاّ إذا دلّ دليل على الاكتفاء بالمسبب الواحد، كما في موارد تعدّد أسباب الحدث الأكبر والأصغر، قال في الجواهر: ولو كان خليط الحرام ممّا فيه الخمس أيضاً لم يكف خمس واحد، كما صرّح به بعضهم لتعدد الأسباب المقتضي لتعدّد المسببات، فيجب حينئذ بعد إخراج خمس التطهير، خمس آخر.
وبعبارة أُخرى: أنّ المختلط بالحرام تارة يكون مالاً موروثاً يعلم بوجود الحرام فيه أو موهوباً أو نحو ذلك، وأُخرى يكون ممّا تعلّق به الخمس كالمعادن وأرباح المكاسب، فالحكم بالتخميس في روايات الباب ناظر إلى حلّ مشكلة الاختلاط.
وأمّا الحيثيّة الثانية فليست مطروحة حتى ينفى وجوب التخميس الثاني عنه بالإطلاق، أو بقوله ـ عليه السَّلام ـ : «وسائر المال لك حلال» والحاصل، أنّ المختلط عنوان، والمعدن عنوان آخر، ولكلّ حكمه.
نعم احتمل المحقّق الهمداني قدَّس سرَّه الاكتفاء بالخمس الأوّل: قائلاً بأنّ حمله على إرادته من حيث الاختلاط مع وروده في المال المجتمع بالكسب في الأزمنة السابقة الذي يتعلّق به خمس الاكتساب أيضاً لا يخلو من بعد، خصوصاً مع ما فيه من التعليل.(8)
يلاحظ عليه: أنّ العبارة الحاكية لقضاء أمير المؤمنين مختلفة، ففي رواية السكوني: «كسبت مالاً» وفي رواية الحسن بن زياد و مرسلة الصدوق: «أصبتُ مالاً»، وبما أنّ الرواية منقولة بالمعنى فلا اعتبار بلفظ السكوني وأمثاله. أضف إلى ذلك، أنّ أحكام الخمس خصوصاً في أرباح المكاسب قد بيّنه الأئمّة ـ عليهم السَّلام ـ في الظروف المتأخرة عن زمن أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ لمصلحة فيه فلا يكون السكوت دليلاً على عدمه.
ثمّ الظاهر من الماتن تقديم خمس الاختلاط على خمس السبب الآخر، فلو عمل كذلك فأخرج خمس الجميع، يبقى أربعة أخماس، فإن علم مقدار ما تعلّق به الخمس فهو، وإلاّ فهل الواجب هو إخراج خُمْس الباقي (أربعة أخماس) أو يقتصر بخمس المتيقن بكونه حلالاً، لاحتمال أنّ بعض ما بقي من مال الغير، فيكون تعلّق الخمس بغير المتيقن بكونه حلالاً، مجرى للبراءة؟
إذا وقفت على ذلك فاعلم أنّه لا وجه لتقديم تخميس الاختلاط على الخمس، وهو أشبه بتعلّق الضريبة على الضريبة، فلو قدّمنا تخميس الاختلاط فلازمه دفع الخمس من الخمس الثاني الذي هو ملك للإمام ـ عليه السَّلام ـ والسادة.
وإن شئت قلت: إنّ الهدف من تخميس الاختلاط هو إفراز المال المجهول من ناحية المالك والمقدار، والمفروض أنّ خمس الأرباح ليس مجهولاً من حيث المالك، فلا وجه لتعلّقه به.
وربّما يعلل تقديم تخميس الجهة الأُخرى على التخميس من جهة الاختلاط بأنّ الروايات ناظرة إلى المال المخلوط فيه الحلال بالحرام، فموضوعه المال المؤلف من هذين الصنفين.
فبعض له حلال وبعضه حرام لا يعرف صاحبه، وأمّا المشتمل على صنف ثالث بحيث لا يكون له ولا يكون من المال الحرام الذي لا يعرف صاحبه، فهو غير مشمول لتلك الأدلّة، ومقامنا من هذا القبيل فهو يعلم أنّ مقداراً من هذا المال المختلط، أعني: الخمس، من حصّته لا له ولا من المال الحرام، بل هو ملك للسادة والإمام ـ عليه السَّلام ـ وعليه لابدّ من إخراجه ليتمحض المال في كونه حلالاً مخلوطاً بالحرام ثمّ يخمس بعدئذ للتحليل وبعنوان الاختلاط.
وعلى ذلك، يكفي تقديم خمس الجهة الثانية، وهو لا يتعلّق ظاهراً إلاّ بالمقدار المتيقن من الحلال فيدفع خمسه لا مجموع المال بخلاف تخميس الاختلاط فإنّه يتعلّق بالمجموع، وعلى ذلك فلوكان مجموع المال 100 ديناراً وكان المتيقن منه حلالاً هو 50 ديناراً يخمس الثاني ويدفع 10 دنانير فيبقى له 90 ديناراً ثمّ يخمسه بعنوان تطهيره من مال الغير ويدفع 18 ديناراً فيبقى له 72 ديناراً.
وأمّا إذا قدّمنا تخميس الاختلاط، فبما أنّه يتعلّق بالمجموع يجب عليه أن يدفع 20 ديناراً من تلك الجهة، ثمّ لو قلنا بتعلّق الخمس بمقدار الحلال وهو الخمسون فيخرج عشرة دنانير فيبقى له 70 ديناراً.
نعم لو قلنا بتعلّق الخمس بالباقي ـ لا بالمقدار المتيقن كونه حلالاً ـ أعني الثمانين فيخرج ستة عشر ديناراً فيبقى له 64 ديناراً.
المسألة 37: لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاصّ أو العامّ فهو كمعلوم المالك على الأقوى، فلا يجزيه إخراج الخمس حينئذ.
إذا تصرّف في المال المختلط قبل إخراج الخمس بالإتلاف لم يسقط و إن صار الحرام في ذمّته فلا يجري عليه حكم ردّ المظالم على الأقوى و حينئذ فإن عرف قدر المال المختلط اشتغلت ذمّته بمقدار خمسه، و إن لم يعرفه ففي وجوب دفع ما يتيقّن معه بالبراءة أو جواز الاقتصار على ما يرتفع
قد تقدّم عند قوله: الخامس: المال المختلط بالحرام أنّه لو علم المالك وجهل المقدار تراضيا بالصلح ونحوه، وإن لم يرض المالك بالصلح ففي جواز الاكتفاء بالأقلّ، أووجوب إعطاء الأكثر وجهان الأحوط الثاني، والأقوى الأوّل إذا كان المال بيده.
إذا عرفت ذلك فهل يلحق المقام بما ذكره هناك من الصلح أو الاكتفاء بالأقلّ أو لزوم الأكثر؟ والإلحاق مبني على انصراف أدلّة تخميس الحلال المختلط بالحرام عن مثله فإنّ الأخماس والزكوات والأوقاف إن لم يكن لها مالك شخصي لكن لها مالك كلي وهو الجهات والعناوين الكلية الواردة في لسان الأدلّة.
وعلى ذلك يجب الرجوع إلى الحاكم الشرعي لولايته على هذه الأموال والأُمور، وهل يجوز الاكتفاء بالمتيقن من هذه الأُمور، أو يجب تحصيل البراءة ويدفعالأكثر المحتمل، أو الفرق بين ما علم و عرض النسيان له و بين الجهل بالمقدار من أوّل الأمر؟ الأقوى الثالث، ثمّ الأوّل، و ربّما يكون أزيد من الخمس أو أقلّ.
به يقين الشغل وجهان الأحوط الأوّل، والأقوى الثاني.
لا شكّ أنّه لو تصرّف الإنسان في الحرام المشخص الخارجي، المجهول المالك يجب الخروج عنه بدفعه صدقة. إنّما الكلام فيما إذا كان مخلوطاً بالحلال هل هو كذلك، أو لا.
قال الشيخ: لو تصرّف في المال المختلط بالحرام بحيث صار في ذمّته تعلّق الخمس بذمته ولو تصرف في الحرام المعلوم فصار في ذمّته وجب دفعه صدقة.
أقول: المسألة مبنية على أنّ تعلّق الخمس بالمختلط كتعلّقه بسائر الموارد الأُخرى فكما أنّ لأصحاب الخمس سهماً فيما يخرج من المعادن وغيرها فهكذا لهم سهم في الحلال المختلط أو أنّ تعلّقه به بنحو آخر، وهو أنّه إذا ندم الإنسان وأراد تخليص ذمّته فعندئذ رضي الشارع بدفع الخمس منه فكأنّه نوع مصالحة بين ولي المالك المجهول وصاحب المال المختلط.
فعلى الوجه الأوّل: يجب الخمس سواء كان موجوداً أو صار تالفاً، كسائر الموارد التي يتعلّق بها الخمس: فلو أتلف ما أخرج من المعدن أو أتلف ما ملكه من طريق العثور على الكنز، يتعلّق الخمس بذمّته.
وعلى الثاني: يتعيّن التصدّق، لانتفاء الموضوع بالإتلاف فانّ الاختلاط من صفات الأعيان الخارجية ومع إتلاف المال كلّه لا موضوع له، فالذمة تشتغل بنفس الحرام الواقعي لا الخمس.
وبما أنّ المختار عندنا،هو القول الثاني كما مرّ الكلام في المسألة الحادية والثلاثين، يتعيّن القول بجريان المظالم على الأقوى وذلك لظهور الأدلّة في وجوب الخمس من المال الخارجي عند التطهير، وذلك كما في قوله ـ عليه السَّلام ـ : «فانّ اللّه قد رضي من ذلك المال بالخمس» ، فهو إشارة إلى المال الخارجي، وقوله ـ عليه السَّلام ـ : «ائتني بخُمسه» وقوله ـ عليه السَّلام ـ : «وسائر المال لك حلال» فالكلّ ظاهر في المال الخارجي فتظهر الثمرة في مصرفه، وذلك لأنّه على القول بعدم شمول روايات الباب لما أتلفه قبل التخميس، يتعين صرف ما تحصل به البراءة في مصرف الصدقة، بخلاف ما لو قلنا بالوجه الآخر، فهل يجب إخراج القدر المتيقن من الحرام وصرفه في مصرف الصدقة أو يجب دفع الأكثر لتحصيل اليقين بالبراءة أو تنصيف المقدار المتيقن والمقدار المحتمل وأخذ النصف من كلّ منهما؟ وجوه أقواها، الأوّل، أحوطها الثاني ثمّ الثالث.
وعلى القول بوجوب الخمس، فلو علم قدر المال المختلط التالف اشتغلت ذمّته بمقدار خمسه، وإن لم يعرفه، ففي وجوب دفع ما يتيقن معه البراءة أو جواز الاقتصار على ما يرتفع به يقين الشغل، أو التفصيل بين ما علم و طرأ عليه النسيان فالأوّل وبين غيره فالثاني أقواها، الأخير.
ما ذكره من الوجوه مبني على أنّ تعلّق الخمس بالمال المختلط كتعلّقه بسائر الموارد من المعادن والكنوز وأرباح المكاسب، وأنّ أصحاب الخمس يملكون فعلاً شيئاً من ذاك المال، إمّا بنحو الإشاعة أو الكلي في المعين أو بنحو كون المال موضوعاً لحقّ فعليّ لهم، إلى غير ذلك من الوجوه التي تشترك جميعاً في أنّ أصحابه يملكون فعلاً شيئاً من ذلك المال.
وأمّا على المختار من أنّ الخمس وسيلة لتشخيص الحرام من الحلال، إذا كان المالك بصدد التطهير منه، وأمّا إذا لم يكن بهذا الصدد، فلا صلة لولي الخمس بهذا المال، يكون الحرام المختلط بالحلال باقياً على ملك مالكه الحقيقي، ويكون أمره بيد الحاكم الشرعي حسب ولايته على المال المجهول.
ولنطرح المسألة على كلا المبنيين.
أمّا على المبنى الأوّل يكون تصرّف البائع في مقدار الخمس فضوليّاً فإن اختار وليّ الخمس الردَّ، يرجع في استرجاع الخمس إلى كلّ من البائع والمشتري لجريان يدهما عليه، وإن اختار الإمضاء يرجع إلى من شاء منهما أيضاً، لأنّه باع بقيمته الواقعية أو أزيد فيأخذ الخمس من الثمن، نعم لو باع بأقلّ من قيمته الواقعية فليس له الإمضاء إلاّ إذا اقتضت المصلحة ذلك.
وبذلك يعلم أنّ قوله : «ضمنه» إنّما يناسب إذا كان التصرّف في المال المختلط متلفاً للعين، وأمّا إذا كان ناقلاً لها بالبيع، فالخمس باق على ملك أصحابه، والبيع بالنسبة إليه فضوليّ، ولا تخلو الحال عن صورتين: إمّا أن يمضي فينتقل الخمس إلى الثمن المختلط، وإمّا أن يرد فيكون الثمن مشتركاً بين البائع والمشتري، فللأوّل أربعة أخماس منه لأنّه لا يملك أزيد منها، وللمشتري خمس واحد لأنّه استرجع منه خمس المبيع بالرد، وبهذه النسبة يكون المبيع مشتركاً بين المشتري وأصحاب الخمس، فللأوّل، أربعة أخماس، وللثاني، خمس واحد
المصادر :
1- السرائر: 1/487. . الشرائع: 1/181. . الجامع للشرائع: 148. . المنتهى:1/548. . الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
2- الوسائل: ج12، الباب 5 من أبواب الربا ، الحديث 2و3.
3- مصباح الفقيه:14/160. . الحدائق الناضرة: 12/365.
4- مصباح الفقيه:14/173.
5- غوالي اللآلي: 2/132 برقم 358 . الوسائل: ج6، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
6- المستدرك:14/7ـ8، الباب 1 من أبواب كتاب الوديعة، الحديث12. . الوسائل:ج8، الباب 158 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3.
7- الجواهر:16/75. . الوسائل: الجزء 17، الباب 2 من أبواب اللقطة، الحديث 2و5.
8- مصباح الفقيه:14/163.

 



نظرات کاربران
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.