تاريخ التدوين في التفسير

يبدو أنّ أوّل من ألّف تفسيراً للقرآن من الشيعة هو سعيد بن جبير ـ ذلك التابعي الشيعي ـ ( المستشهد عام 95 ه‍ ) لتشيّعه وموالاته علياً ، هذا ولو صحّ ما نسب من الكتب إلى عبد الله بن عبّاس ( المتوفّى سنة 69 ه‍ ) ، لكان هو متقدّماً على ابن
Thursday, July 14, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
تاريخ التدوين في التفسير
 تاريخ التدوين في التفسير





 

يبدو أنّ أوّل من ألّف تفسيراً للقرآن من الشيعة هو سعيد بن جبير ـ ذلك التابعي الشيعي ـ ( المستشهد عام 95 ه‍ ) لتشيّعه وموالاته علياً ، هذا ولو صحّ ما نسب من الكتب إلى عبد الله بن عبّاس ( المتوفّى سنة 69 ه‍ ) ، لكان هو متقدّماً على ابن جبير وهو تلميذ الوصي أمير المؤمنين ، ثمّ توالت بعدهما كتابة التفسير حسب ما عرفت في قائمة القرون ، ولا نطيل الكلام في تاريخ التدوين.
وأمّا تطوير التفسير فقد عرفت أنّ التفسير الرائج بعد رحلة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بعد تفسير « غريب القرآن » ، هو التفسير بالأثر ، فكانت هذه هي السنّة المتبعة لدى الشيعة إلى نهاية القرن الرابع ، وإنّما حصل التطور في أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس ، وأوّل تفسير ظهر في الأوساط العلمية بالطابع العلميّ الجديد ، هو تفسير الشريف الرضي قدّس الله سرّه.
ثمّ استمر هذا النمط في الأوساط العلميّة إلى أوائل القرن العاشر ، وفيه راج التفسير بالأثر من جديد ، فأُلّفت موسوعات كبار لتفسير القرآن بالأثر ولم نر لها مثيلاً في القرون الأُولى ، وقد دام ذلك النمط حتى غلب على النمط العلمي ، وذلك عند تسرّب الاتجاه الاخباري إلى الأوساط العلميّة.
ولمّا حل القرن الرابع عشر ، وقف غير واحد من المفكّرين الإسلاميّين وقادتهم على الوضع المؤسف المحدق بالمسلمين بسبب تأخرهم عن موكب الحضارة ، ونشوب أظفار الاستعمار ببلاد المسلمين ، وعند ذلك شعروا بأنّ إحياء المجد الداثر وتجديد الحضارة الإسلامية في جميع أبعادها رهن العودة إلى القرآن الكريم من جديد وتطبيقه على الحياة بدل العناية الزائدة بقراءات القرآن وحججها أو المناقشة في الاعراب ودلائله ، فرجعوا إلى أحضان كتاب الله ، ونظروا إليه بمنظار خاصّ فاكتشفوا ـ حقّاً ـ آفاقاً جديدة ، غفل عنها الأقدمون ، آفاقاًترتبط بالحياة عن قريب ، وتعدّ أُسساً لها ، فعطفوا اهتمامهم على تلك المباحث والآفاق المكتشفة ، وعكفوا على دراستها دراسة معمّقة ، فازدهرت المدارس ومحافل العلماء بالأبحاث القرآنية ، وانتشرت تفاسير بنمط حديث لم يكن لها مثيل في القرون السابقة ، فعند ذلك حصل تطوير جديد أعمق بكثير من التطوير العلمي الحاصل بيد أمثال الشريف الرضي وأخيه المرتضى ، وفي الحقيقة هذا المنهج الموجود في عصرنا الحاضر تطوير حديث ومنهج متكامل يتفوّق على المنهج العلمي ، ولم يكن بدّ للمفكرين من إبداع هذا التطوير وذلك لوجهين :
الأوّل : انّ الغزو الفكري الذي تعرّض له الإسلام والمسلمون بمختلف أشكاله من خلال تأسيس علوم اجتماعية ونفسيّة واقتصادية و ... ، وابداع نظريات حديثة حول النبوّة والوحي وغير ذلك ألجأ المفكّرين إلى دراسة هذه الآراء والبحث عنها بحثاً جذرياً حتى يصونوا بأبحاثهم القيّمة ، الإسلام والمسلمين عن تأثير هذه السموم التي بثّها ويبثها علماء الغرب في الشرق في صورة حقائق راهنة.
وقد نجح علماء التفسير في تحقيق أُمنيّتهم هذه نجاحاً باهراً وأدخلوا في التفسير مسائل هامّة أُلهموا بها من خلال الآيات القرآنية ، بيد أنّ بعضهم أفرط عند تطبيق الآيات الكونيّة على المكتشفات العصريّة ، وقد كان عليهم الأخذ بالحدّ الأوسط.
الثاني : انّ طبيعة الذكر الحكيم تقتضي ذلك التطوير ، بل ولن يقف الركب على هذا الحد وسيواجه المستقبل تطويراً ثالثاً ، ورابعاً في تفسير الذكر الحكيم ، كيف والنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرّف معجزته الكبرى بقوله : « ظاهره أنيق وباطنه عميق ، له تخوم وعلى تخومه تخوم ، لا تحصى عجائبه ، ولا تبلى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ». (1)
وهذا أمير المؤمنين عليه‌السلام يصف الذكر الحكيم بقوله : « أُنزل عليه ( النبي ) الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه ، وسراجاً لا يخبو توقّده ، وبحراً لا يدرك قعره ، ومنهاجاً لا يضلّ نهجه ، وشعاعاً لا يظلم ضؤوه ، وفرقاناً لا يخمد برهانه ، وتبياناً لا تهدم أركانه » ـ إلى أن قال ـ : و « بحر لا ينزفه المستنزفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضها الواردون ». (2)
وهذا هو الإمام الطاهر علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ، سأله سائل وقال : ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدرس إلاّ غضاضة ؟ فقال : « إنّ الله تعالى لم يجعله لزمان دون زمان ، ولا لناس دون ناس ، وهو في كلّ زمان جديد وعند كلّ قوم غض إلى يوم القيامة ». (3)

التفاسير الشيعية في قفص الاتّهام

قد تعرّفت على خدمة الشيعة للذكر الحكيم منذ رحلة صاحب الرسالة إلى يومنا هذا ، ولعلّ ما مرّ عليك أقلّ من معشار ما حفظته يد التاريخ ومعاجم التفسير والرجال ، فحقيق على كلّ من يحب الحقّ والحقيقة تقدير تلكم الثلّة الجليلة من الأُمّة ، ومن حسن الحظ أنّه قام بذلك الواجب الضمائر الحرّة من أهل العلم والفضل شكر الله مساعيهم.بيد أنّ بعض المتسرّعين في القضاء أرادوا اتّهام تفاسير الشيعة بأُمور :
1. تعصّبهم لأثبات معتقداتهم ومقالاتهم.
2. كون تفاسيرهم تفاسير طائفيّة.
3. قولهم بتحريف الذكر الحكيم.
وإليك شرح تلك الاتهامات ونقدها.
أمّا الأوّل : فقد أشار إليه الدكتور الذهبي في كتابه « التفسير والمفسّرون » ، واستدلّ بمواضع من تفاسير الشيعة كمسألة الرؤية ، والمسح على الرجلين ، وحلّيّة المتعة إلى غير ذلك ، حيث إنّ الشيخ الطبرسي يسعى في تلك الموارد لإثبات مذهب الشيعة.
يلاحظ عليه : أنّه لو كان ذلك أمراً خطأ فهو شامل لحال جميع التفاسير من غير فرق بين السنّة والشيعة ، فانّ الطبرسي ونظراءه لو أصرّوا على إثبات امتناع رؤية الله ـ تبارك وتعالى ـ عند الوصول إلى تفسير قوله سبحانه : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ) فالرازي وهو من أئمّة الأشاعرة عندما وصل إلى تفسير قوله سبحانه : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ... ) أخذ بتفسير الآية على مذاق الأشاعرة ، فلماذا كان سعي الطبرسي لإثبات معتقده خطأ ، ولكن كان سعي الرازي على ما يرويه من إثبات الرؤية أمراً صحيحاً ؟! وليس الرازي بمنفرد في هذا العمل ، بل التفاسير عامّة مصبوغة بهذه الصبغة ، فانّ لكلّ مفسّر آراء ومعتقدات يراها عقائد صحيحة ، نزل بها الوحي أو دلّ عليه العقل ، ففي كلّ موضع يهتم بدعم عقائده واستعراض الآيات الدالّة عليه حسب معتقده ، وليس ذلك أمراً خطأ إذا كان البحث موضوعياً هادئاً ، وليس المترقّب من كلّ مؤلّف هادف إلاّ ذلك ، وإنّما البغيض التعصّب على الباطل مع العلم به.(4)
يقول الأُستاذ الشيخ محمود شلتوت ، شيخ الأزهر في تقديمه لكتاب « مجمع البيان » :
فليس من الإنصاف أن نكلّف عالماً مؤلّفاً بحّاثة درّاكة ، أن يقف من مذهبه وفكرته التي آمن بها موقف الفتور ، كأنّه لا تهمّه ولا تسيطر على عقله وقلبه ، وكلّ ما نطلبه ممّن تجرد للبحث والتأليف ، وعرض آراء المذاهب وأصحاب الأفكار ، أن يكون منصفاً ، مهذب اللفظ ، أميناً على التراث الإسلامي ، حريصاً على أخوّة الإيمان والعلم ، فإذا جادل ففي ظل تلك القاعدة المذهبيّة التي تمثل روح الاجتهاد المنصف البصير : « مذهبي صواب يحتمل الخطأ ، ومذهب غيري خطأ يحتمل الصواب ».
وهذا هو تفسير « المنار » الذي طبق العالم صيته وصوته يستعرض آيات الأحكام ويستدلّ بها على ما يوافق مذهبه ، كما يستعرض آيات العقائد والمعارف فيستشهد بها على مختاره ، ولو جمع ما أورده على الشيعة في مجال الأحكام والعقائد لجاء رسالة حتى أنّ سبّب ذلك قيام عالم بارع من علماء الشيعة بنقد ما أورده على الشيعة في مناره ، ونقده نقداً علمياً موضوعياً انتشر في حياة صاحب المنار ، ولم يقدر السيد محمد رشيد رضا على الإجابة عنه ثانياً.
وأمّا الثاني : وهو اتهام تفاسير الشيعة بأنّها تفاسير طائفية يحاولون تطبيق الآيات القرآنية على أئمّتهم وقادتهم خصوصاً الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام فنقول :
إنّ اتّهام تفاسير الشيعة بكونها تفاسير طائفية يعرب عن أنّ القائل لم يفرّق بين التفسير والتطبيق ، فحمل الروايات الواردة في حقّ الإمام أمير المؤمنين كلّها على التفسير ، ولم يقف على أنّ الروايات الواردة في ذلك المجال على قسمين :
1. ما يتضمّن أسباب النزول ويبيّن أنّ الآية حسب النصوص الروائية نزلت في حقّ شخص خاصّ كما هو الحال في غير واحد من الآيات الواردة في حقّ الإمام ك‍ « آية الإكمال » و« آية التبليغ » و« آية الولاية » ، إلى غير ذلك من الآيات التي اعترف المحدّثون والمفسّرون بنزولها في حقّ الإمام ، فنقل ما يدعم ذلك لا يكون دليلاً على الطائفية لو لم يكن دليلاً على البخوع بالحقيقة وخضوعاً أمام
الحقّ.
2. ما يتضمّن الجري والتطبيق لا بمعنى أنّ الآية وردت في حقّ فرد خاصّ ، بل الآية على معناها العامّ ، ولكن الرواية تشير إلى مصداقها المثالي الذي هو أكمل المصاديق ، وليس هذا بعيداً عن طبيعة القرآن ، بل بما أنّ القرآن كتاب الأجيال والقرون ، يقتضي صحّة ذلك الجري والتطبيق ، فانّ القرآن كما عرّفه الإمام أبو جعفر محمد الباقر عليه‌السلام : « ... حي لا يموت والآية حيّة لا تموت ، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام وماتوا ؛ ماتت الآية ومات القرآن. فالآية جارية في الباقين كما جرت في الماضين ».
ولأجل إيقاف القارئ على الفرق بين التفسير والتطبيق نأتي ببعض ما ورد في كتب أهل السنّة حول الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام .
قال سبحانه : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ).
قال جلال الدين السيوطي في الدر المنثور : أخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة والديلمي وابن عساكر وابن النجّار ، قال : لمّا نزلت ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على صدره فقال : أنا المنذر وأومأ بيده إلى منكب عليّ ـ رضي الله عنه ـ فقال : « أنت الهادي يا علي ، بك يهتدي المهتدون من بعدي ».
وقال : وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ سمعت رسول الله يقول : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ) ووضع يده على صدر نفسه ، ثمّ وضعها على
صدر علي ويقول : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ).
ولا يشكّ أحد أنّ علياً من المصاديق الجليّة الكاملة لقوله : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، وليس مصداقاً منحصراً فيه ، وكان تفسير النبي الآية بعلي من باب الجري والتطبيق ، وبإراءة فرد مثالي يفوق جميع الأفراد ، فكلّ ما ورد في التفاسير الشيعية من هذا الباب أي الجري والتطبيق ، حتى يقف المسلمون على أمثل المصاديق وأوسطها.
إنّ النبيّ الأكرم هو الأُسوة والقدوة ، فقد طبّقت الآية الماضية على فرد مثالي تعليماً للأُمّة ، وقد اقتدت به الأئمّة في هذا المضمار ، وإليك بعض الأمثلة ، قال سبحانه : ( الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ ) انّ الآية الكريمة تندّد بالذين ينقضون العهد ويقطعون الصلة ويفسدون في الأرض ، ولا يشكّ ذو مسكة أنّ الآية تتضمّن حكماً كلّياً عامّاً حيّاً إلى يوم القيامة ، ولها عبر القرون آلاف المصاديق والجزئيات غير أنّ أئمّة الشيعة يفسّرون قوله : ( وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ) بقطع الصلة الواجبة في حقّ علي وعترته الطاهرة ، وليس ذلك تفسيراً بمعنى حصر الآية في هذا الفرد ، بل تطبيقاً للآية على الحقّ المهضوم عبر الأجيال ، وقد قال سبحانه : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ )
قال سبحانه : ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ... ) 4 فقد فسّر بصراط الأنبياء كما فسّرت بالإمام أمير المؤمنين ولا شكّ أنّ كلّ ذلك تطبيق على المصداق الأجلى ، وعلى ضوء ذلك يقدر القارئ الكريم الملمّ بالتفاسير الشيعيّة ، على تمييز التفسير عن الجري والتطبيق ، وعند ذلك يقف على قيمة النسبة المذكورة.(5)
وأمّا الثالث : فمن رجع إلى كتب المحقّقين من الشيعة الذين يعبأ بقولهم ورأيهم ، ويعدّ كلامهم مثالاً لعقيدة الشيعة يقف على أنّ رمي الشيعة وتفاسيرها بالتحريف بهتان عظيم ، وانّ من نسب التحريف إلى الشيعة إنّما استند إلى وجود روايات في تفاسيرهم الروائية مشعرة بالتحريف أو دالّة عليها ، ولكنّ الرواية غير العقيدة ، وليس نقل الرواية دليلاً على صحّتها ، ولو كان ذلك دليلاً على التحريف فهناك رواياتٌ دالّة على التحريف مبثوثة في كتب التفسير والحديث والتاريخ والسنّة ، ولكنّا نجلّ المحقّقين منهم عن القول بذلك ، فروايات التحريف تديّن بها الحشوية من العامّة وبعض الغلاة من الخاصّة ، والشيعة وأئمّتهم وعلماؤهم برآء منهم ومن مقالتهم.
ولأجل إيقاف القارئ على صحّة هذا المقال نأتي بأسماء مجموعة من محقّقي الشيعة عبر القرون صرّحوا بصيانة القرآن الحكيم من التحريف :
1. أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ، المعروف بالصدوق ( المتوفّى 381 ه‍ ) ، يقول : اعتقادنا في القرآن أنّه كلام الله ووحيه وتنزيله وقوله ، وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم عليم ، وأنّه القصص الحقّ ، وأنّه لحق فصل وما هو بالهزل ، وانّ الله تبارك وتعالى محدثه ومنزله وربّه وحافظه والمتكلّم به ».
2. السيد المرتضى علي بن الحسين الموسوي العلوي ( المتوفّى 436 ه‍ ) قال :
إنّ جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود ، وأُبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي عدّة ختمات وكلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوت.
3. أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المعروف بشيخ الطائفة ( المتوفّى 460 ه‍ ) قال : وأمّا الكلام في زيادة القرآن ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى وهو الظاهر في الرواية. قيل : إنّه رويت روايات كثيرة من جهة الشيعة وأهل السنّة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ؟ لكنّ طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً والأولى الإعراض عنها.
4. أبو علي الطبرسي ، صاحب تفسير « مجمع البيان » يقول : الكلام في زيادة القرآن ونقصانه. أمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أنّ في القرآن تغييراً أو نقصاناً ، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه. (6)
5. السيد علي بن طاووس الحلي ( المتوفّى 664 ه‍ ) قال : إنّ رأي الإمامية هو عدم التحريف.
6. الشيخ زين الدين العاملي النباطي البياظي ( المتوفّى 877 ه‍ ) يقول في تفسير قوله : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) أي إنّا لحافظون له من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان.
7. القاضي السيد نور الله التستري صاحب كتاب « إحقاق الحق » ( المتوفّى 1019 ه‍ ) يقول : ما نسب إلى الشيعة الإمامية من وقوع التغيير في القرآن ليس ممّا يقول به جمهور الإمامية إنّما قال به شرذمة قليلة منهم ، لا اعتداد بهم فيما بينهم.
8. الشيخ بهاءالدين نابغة عصره ونادرة دهره محمد بن حسين المشتهر ببهاء الدين العاملي ( المتوفّى 1030 ه‍ ) قال : الصحيح انّ القرآن العظيم محفوظ من ذلك زيادة كان أو نقصاناً ، وما اشتهر بين العلماء من إسقاط اسم أمير المؤمنين عليه‌السلام في بعض المواضع فهو غير معتبر عند العلماء والمتتبّع للتاريخ والأخبار والآثار يعلم بأنّ القرآن ثابت بغاية التواتر وبنقل الآلاف من الصحابة ، وانّ القرآن الكريم كان مجموعاً في عهد الرسول.
9. المحدّث الأكبر الفيض الكاشاني صاحب كتاب الوافي الذي يعدّ من الجوامع الحديثية المتأخّرة ( المتوفّى 1091 ه‍ ) قال : وقال الله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) وقال : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) عندئذٍ كيف يتطرّق إليه التحريف والتغيير ... ، مع أنّ خبر التحريف مخالف لكتاب الله ، مكذّب له فيجب ردّه والحكم بفساده وتأويله.
10. الشيخ الحرّ العاملي ( المتوفّى 1104 ه‍ ) يقول في كتابه : والمتتبّع للتاريخ والأخبار والآثار يعلم يقيناً بأنّ القرآن ثابت بغاية التواتر وبنقل الآلاف من الصحابة ، وانّ القرآن كان مجموعاً مؤلفاً في عهد الرسول.
هذه هي الشخصيات الكبيرة من الإمامية الذين عرفت تنصيصهم على عدم طروء التحريف على الذكر الحكيم ، وقد جئنا بأسماء القائلين بعدم التحريف إلى نهاية القرن الحادي عشر ، وأمّا الذين نصّوا على عدم التحريف في القرون الأخيرة فحدّث عنهم ولا حرج ، كيف وقد ألّفوا رسائل كبيرة وصغيرة حول الموضوع ، ونحن نسأل من يرمي الشيعة بالقول بالتحريف بأنَّه بأي دليل يقول :
بأنّ تنصيص الشخصيات الأربع الأُول على عدم التحريف من باب التقية ، أهكذا أدب العلم وأدب الإسلام ؟ أليس الله تعالى يقول : ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ) والعجب أنّه يستشهد على هذا النظر بقول أعداء الشيعة ويترك قول علمائهم ، وبما أنّ الكاتب يستند في بعض أبحاثه إلى كلمات قائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني قدس‌سره نأتي بنصّ كلامه في هذا الموضع ، وهذا ما جاء في محاضراته التي أُلقيت قبل خمسين سنة :
إنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابة ، يعترف ببطلان تلك المزعمة « التحريف » ، وأنّه لا ينبغي أن يركن إليها ذو مسكة ، وما وردت فيه من الأخبار ، بين ضعيف لا يستدلّ به ، إلى مجعول يلوح منه أمارات الجعل ، إلى غريب يقضي منه العجب ، إلى صحيح يدلّ على أنّ مضمونه تأويل الكتاب وتفسيره ، إلى غير ذلك من الأقسام التي يحتاج بيان المراد منها إلى تأليف كتاب حافل ، ولولا خوف الخروج عن طور البحث لأرخينا عنان البيان إلى تشريح تاريخ القرآن وما جرى عليه طيلة القرون ، وأوضحنا لك أنّ الكتاب هو عين ما بين الدفّتين ، والاختلاف الموجود بين القرّاء ليس إلاّ أمراً حديثاً لا ربط له بما نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين.
الرسائل المفردة حول صيانة القرآن من التحريف :
إنّ علماء الشيعة الإمامية لم يقتصروا على هذه الجمل القصيرة حول صيانة الذكر الحكيم من التحريف ، بل ألّفوا حولها رسائل مفردة منذ أربعة قرون :
1. الشيخ الحر العاملي قد أفرد رسالة في هذا الموضوع أسماها « تواتر القرآن ».
2. الشيخ عبد العالي الكركي ، فقد ألّف رسالة في نفي النقيصة عن القرآن ، ذكرها العلاّمة الشيخ محمد جواد البلاغي في « آلاء الرحمان » وقد جاء في الرسالة كلام الصدوق ، ثمّ اعترض على نفسه بورود روايات تدلّ على التحريف فأجاب بأنّ الحديث إذا جاء على خلاف الدليل من الكتاب والسنّة المتواترة أو الإجماع ولم يمكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه ، وجب طرحه.
3. المتتبّع البارع الشيخ آغا بزرگ الطهراني مؤلّف « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » ، فقد أفرد رسالة أسماها « النقد اللطيف في نفي التحريف ».
4. العلاّمة الحجّة الشيخ عبد الحسين الرشتي الحائري ، فقد ألّف رسالة حول الموضوع أسماها « كشف الاشتباه ».
5. خصّص العلاّمة المحقّق السيد الطباطبائي في ميزانه بحثاً مبسوطاً بصيانة الذكر الحكيم عند تفسير قوله : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ).
6. إنّ العلاّمة المحقّق السيد الخوئي ـ دام ظلّه ـ قد أفرد بحثاً ضافياً حول صيانة الذكر الحكيم في كتابه « البيان في تفسير القرآن » ، وقد أغرق نزعاً في التحقيق فلم يبق في القوس منزعاً.
7. وقد قام العلاّمة الشيخ رسول جعفريان بتأليف رسالة نافعة حول الموضوع أسماها « أُكذوبة تحريف القرآن » حياه الله وبياه.
8. زميلنا العلاّمة الحجّة الشيخ محمد هادي معرفة ، صدر منه كتاب باسم « صيانة القرآن من التحريف » وهو كتاب جليل.
9. العالم الجليل السيد علي الميلاني ، قام بنشر كتاب أسماه « التحقيق في نفي التحريف » حفظه الله.
وليست عقيدة الشيعة حول الذكر الحكيم أمراً خفياً على المحقّقين من السنّة ، فهذا علاّمة الهنود رحمة الله الهندي نقل عقيدة الشيعة في كتابه ، وقال : « إنّ القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية محفوظ عن التغيير والتبديل ، ومن قال منهم : بوقوع النقصان فيه ، فقوله مردود غير مقبول عندهم ».
وأخيراً نلفت نظر القارئ إلى محقّق عصرنا السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ، فقد قال في كتابه « أجوبة موسى جار الله » : نسب إلى الشيعة القول بتحريف القرآن بإسقاط كلمات وآيات ، ثمّ قال : نعوذ بالله من هذا القول ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل ، وكلّ من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا ، فانّ القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته تواتراً قطعياً عن أئمّة الهدى من أهل البيت عليهم‌السلام ، ولا يرتاب في ذلك إلاّ معتوه.
ثمّ إنّ المتحاملين على الشيعة في مسألة تحريف القرآن يستندون إلى كتاب « فصل الخطاب » للمحدّث النوري الذي جمع فيه المسانيد والمراسيل التي استدلّ بها على النقيصة ، ولكن غفل المتحامل عن الرسائل الكثيرة التي أُلّفت ردّاً عليه وكفى بذلك ما ذكره العلاّمة البلاغي فقال : إنّ القسم الوافر من الروايات ترجع أسانيده إلى بضعة أنفار ، وقد وصف علماء الرجال كلاً منهم بأنّه :
1. إمّا ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، مجفوّ الرواية.
2. وإمّا أنّه مضطرب الحديث والمذهب يعرف حديثه وينكر ، ويروي عن الضعفاء.
3. وإمّا بأنّه كذّاب متّهم لا أستحلّ أن أروي من تفسيره حديثاً واحداً ، وأنّه معروف بالوقف وأشدّ الناس عداوة للرضا عليه‌السلام .
4. وإمّا بأنّه كان غالياً كذّاباً.
5. وإمّا بأنّه ضعيف لا يلتفت إليه ، ولا يعول عليه ومن الكذّابين.
6. وإمّا بأنّه فاسد الرواية يرمى بالغلوّ ، ومن الواضح أنّ أمثال هؤلاء لا تجدي كثرتهم شيئاً ، هذه حال المسانيد ، وأمّا أكثر المراسيل فمأخوذة من تلك المسانيد.
هذا وصف إجمالي لهذه الروايات التي يستند إليها أعداء الشيعة في هذه النسبة ، ويكفي في ذلك أنّ ثلاثمائة حديث من هذه الأحاديث ، يرويها السيّاري ، ويكفي في ضعفه قول الرجالي المحقّق النجاشي في حقّه : إنّه ضعيف الحديث فاسد المذهب ، مجفوّ الرواية ، كثير المراسيل ، متهم بالغلوّ.
كما أنّ كثيراً من هذه الروايات تنتهي إلى يونس بن ظبيان الذي وصفه النجاشي بقوله : « ضعيف جداً لا يلتفت إلى ما رواه ، كلّ كتبه تخليط ».
كما أنّ قسماً منه ينتهي إلى منخّل بن جميل الكوفي ، وقد نصّ النجاشي على كونه : « ضعيفاً فاسد الرواية ». (7)
الكافي كتاب حديث لا كتاب عقيدةثمّ إنّ كلّ من يتهم الشيعة بالقول بالتحريف يستند إلى وجود روايات التحريف في الكافي ، ولكنّه غفل عن أنّ كتاب الكافي في نظر الإمامية ليس كالصحاح في نظر أهل السنّة الذين يقولون : إنّ كلّ ما في البخاري صحيح ، وإنّما هو كتاب فيه الصحيح والضعيف والمرسل وما يوافق الكتاب وما يخالفه ، فلا يمكن الاستدلال بوجود الرواية فيه على عقيدة الشيعة ، وما يلهج به علماء الحديث في حقّ صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد ويقولون :
وما من صحيح كالبخاري جامعاً *** ولا مسند يلفي كمسند أحمد
أقول : إنّ ما يلهجون به في حقّ كتبهم مخصوص بهم ، فليس كلّ ما في الجوامع الحديثية عند الشيعة ، صحاحاً يستدلّ بكلّ حديث ورد فيها في كلّ موضوع ومورد ، بل الاستدلال يتوقّف على اجتماع شرائط الصحّة التي ذكرها علماء الدراية والحديث ، ونحن والله نعاني من عدم اطلاع هؤلاء على « أبجدية »عقائد الشيعة ومداركها ومصادرها.

التحريف في كتب أهل السنّة

نحن نجلّ علماء السنّة ومحقّقيهم عن نسبة التحريف إليهم ، ولكن لو كان وجود الرواية في كتب التفسير والحديث دليلاً على العقيدة ؛ فقد رويت أحاديث التحريف في كتبهم ، أيضاً ، ولأجل إيقاف القارئ على نماذج من هذه الروايات نشير إلى بعضها.
1. أخرج أبو عبيد في الفضائل وابن مردويه وابن الأنباري ، عن عائشة قال : « كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مائتي آية ، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاّ على ما هو الآن ». (8)
2. عن عمر : « لولا أن يقول الناس : إنّ عمر زاد في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي ». (9)
3. نقل عن ابن مسعود أنّه حذف المعوذتين من المصحف ، وقال : إنّهما ليستا من كتاب الله. (10)
وهناك روايات كثيرة مبثوثة في كتب التفاسير والحديث والتاريخ تحكي عن طروء التحريف على الذكر الحكيم ، ونحن نقتصر على الأقل القليل منها ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب « أُكذوبة تحريف القرآن بين الشيعة والسنّة ».
ونحن نرى أنّ في الإصرار على نسبة التحريف إلى أيّة طائفة من الطوائف الإسلامية ضرراً واسعاً على الإسلام والمسلمين ولا يستفيد منه إلاّ المستعمرون وأذنابهم.
وعلى الرغم من كثرة هذه الروايات نحن لا نؤمن بصحّتها كما لا يؤمن علماء أهل السنّة المحقّقون بها ولا تبتني عقيدتهم عليها فهي بين ضعاف السند ، أو ضعاف الدلالة وقبل كلّ شيء تخالف الذكر الحكيم وإجماع الأُمّة.
المصادر :
1- الكافي : 2 / 599.
2- نهج البلاغة : الخطبة 198 ، ط ( صبحي صالح ).
3- تفسير البرهان : 1 / 26.
4- مفاتيح الغيب : 4 / 293 ، ط مصر في ثمانية أجزاء.
5- نور الثقلين : .: 17 الحديث 86 ؛ تفسير البرهان : 1 / 18.
6- التبيان : 1 / 3. 2. مجمع البيان : 1 / 10.
7- نصوص النجاشي حول هؤلاء الثلاثة ، رجاله : 1 / 211 برقم 190 وج 2 / 423 برقم 1211 وص 372 برقم 1128.
8- الدر المنثور : 5 / 180 ؛ تفسير القرطبي : 14 / 113.
9- صحيح البخاري : 9 / 69 ، باب الشهادة تكون عن الحاكم في ولاية القضاء ، ط مصر ، 1372 ه‍.
10- الدر المنثور : 6 / 416.

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.