ظهرت نظرية الإمام المهدي المنتظر على يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد بين للمسلمين ما أوحى إليه ربه حول الإمام المهدي المنتظر، وأطلعهم على كليات وتفاصيل هذه النظرية تماما، كما أوحيت إليه، وفهم المسلمون الذين استمعوا إليه، وفهموا منه بأن الإمام المهدي المنتظر هو خاتم أئمة أهل بيت النبوة الذين اختارهم الله تعالى لقيادة الأمة من بعده، وأن ظهور الإمام المهدي من الحتميات الإلهية التي لا بد من وقوعها، ذات يوم، وأكد الرسول هذه الحقيقة بكل وسائل التأكيد، وبينها بكل طرق البيان إلى درجة أن الرسول قد قال:
(لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله ذات اليوم حتى يبعث الله الإمام المهدي فيملأ الأرض عدلا)، وقد فصلنا ذلك ووثقناه توثيقا كافيا في الأبواب السابقة وأجمعت الأمة على حتمية صدور هذه الأحاديث عن رسول الله. كان المسلمون على عهد رسول الله يرسلون هذه الحقائق التي سمعوها من رسول الله إرسال المسلمات، ويعتبرونها جزءا من علوم الغيب التي خص الله بها نبيه، ويؤمنون بها كما يؤمنون ببقية الأمور الغيبية من جنة ونار وعذاب وثواب، مع الاختلاف بعمق هذا الإيمان من فرد إلى فرد..
تغييب نظرية الإمام المهدي وإخفائها
بعد فتح مكة، وبعد أن بردت جراحات المواجهة بين الرسول وبين بطون قريش وبعد أن استسلمت بطون قريش، واضطرت لإعلان إسلامها، حدث تقارب بين المهاجرين والطلقاء من أبنائها، واستذكر الطرفان قتلى البطون وتفاصيل المواجهة بين تلك البطون وبين رسول الله وآله، وفهموا حقيقة، أن الرسول قد رتب الأمور من بعده ليكون أول خلفائه علي بن أبي طالب، ويتعاقب على الحكم من بعده أحد عشر إماما أو خليفة وكلهم من ذرية النبي ومن بني هاشم وأن الرسول قد أعلن كل ذلك على المسلمين، بسلسلة مترابطة من الأحاديث النبوية، وأخبرهم بأن ترتيب الأمور من بعده عمل ربانيولا علاقة له به وما هو إلا عبد مأمور يعلن ما يأمره الله بإعلانه، هذه الترتيبات لم ترق لبطون قريش ولا لأبنائها المهاجرين منهم والطلقاء، واستبعد أبناء البطون أن يكون الله تعالى قد رتب مثل هذه الأمور، فهل يعقل برأي البطون أن يكون النبي من بني هاشم، وأن يكون الخلفاء هاشميون! إن هذا أمر لا يمكن تصديقه! فكيف يصرف الله تعالى الشرف كله عن بطون قريش ال 23 ويحصر شرفي النبوة والخلافة ببني هاشم!
وقدر قادة البطون بأن محمدا كبشر هو الذي وضع هذا الترتيب ولا علاقة لله به!
ثم توصلوا أي نتيجة مفادها بأن حصر النبوة والخلافة ببني هاشم إجحاف على حد تعبير عمر بن الخطاب!! وأن الأفضل والأوفق والأصوب أن يختص الهاشميون بالنبوة لا يشاركهم فيها أحد من البطون، وأن تختص بطون قريش بالخلافة لا يشاركهم فيها أي هاشمي قط، وبناء على هذا أجمعت قريش إلا من هدى الله، وصممت أن تستولي على منصب الخلافة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع وأخذت تعد العدة وتتربص، وتنتظر بفارغ الصبر موت النبي لتنفذ ما اتفقت عليه، ولما قعد النبي على فراش المرض، وأيقنت البطون بحتمية موته، شرعت بالفعل بتنفيذ مخططها الرامي إلى الاستيلاء على منصب الخلافة بالقوة والتغلب، وكثرة الأتباع، وتجاهل كافة الترتيبات التي أعدها النبي لعصر ما بعد النبوة، وأعلن أنها ترتيبات إلهية!! إلى درجة أن زعامة بطون قريش قد واجهت النبي شخصيا وهو مريض.
وقالت له: (أنت تهجر، ولا حاجة لنا بوصاياك، لأن القرآن عندنا وهو يكفينا!) وقد أكد أئمة أهل بيت النبوة ومن والاهم أن هذه التصريحات الخطيرة قد صدرت بالفعل من زعامة بطون قريش، وأكد العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء (أهل السنة) بأن هذه التصريحات قد صدرت بالفعل من زعامة بطون قريش للنبي وهو على فراش المرض، فقد رواها البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه... الخ، وقد وثقنا كل ذلك في كتابينا (نظرية عدالة الصحابة) و (المواجهة) وفي الباب الأول من هذا الكتاب.
وما يعنينا إبرازه في هذا المجال هو أن حزب بطون قريش استطاع أن يستولي على منصب الخلافة خلال يومين فقط، وواجه المسلمين بأمر واقع فإما أن يقبلوه، وإما أن يواجه وجاهة الأكثرية (زعامة بطون قريش) تلك الزعامة التي حاربت النبي وقاومته 23 سنة، ومن يقوى على مواجهة بطون قريش بعد النبي!!
ولنفترض أن عليا بن أبي طالب والهاشميين قد قرروا آنذاك مواجهة البطون، فإن تلك المواجهة ستكون انتحارا، وستؤدي إلى فتنة قد تقتلع دين الإسلام من جذوره، وترد الناس إلى الشرك فلا يبقى من الإسلام لا اسمه ولا رسمه ولا مضمونه، بل ستقتلع تلك الفتنة لو حدثت كل ما بناه الرسول من جذوره، لذلك فضل أهل بيت النبوة الاحتجاج بشكل لا يشق جماعة المسلمين، ولو تيسرت لأهل بيت النبوة أسباب القوة لتمكنوا من هزيمة الانقلابيين بأقل الخسائر، ولكن سريعا قبض الانقلابيون على منصب الخلافة والنفوذ والمال وفتحوا أبواب مواجهة بين المسلمين وبين الدولتين الأعظم.
كيف غيبت دولة الخلافة نظرية الإمام المهدي المنتظر وأحفتها ؟
لما قبضت بطون قريش على منصب الخلافة بالقوة والتغلب والقهر وكثرة الأتباع، عزلت أهل بيت النبوة وأولياءهم عزلا تاما، وحرمت عليهم تولي الوظائف العامة وبنفس الوقت قربت أعداء أهل بيت النبوة، ومن لا يرون لأهل البيت أي فضل، وسلمتهم الإمارات وقيادات الجيوش والأعمال، وحتى لا تحرج دولة الخلافة نفسها، وحتى لا يحتج أهل بيت النبوة وأولياؤهم بالنصوص الشرعية والأحاديث النبوية، أصدرت دولة الخلافة قرارا أو مرسوما يمنع منعا باتا كتابة ورواية الأحاديث النبوية بأي أمر من الأمور، وكان هذا أول مرسوم أعلنه الخليفة الأول بعد استلامه للسلطة، والأعظم أن دولة الخلافة قامت بحرق المكتوب من أحاديث الرسول، وبررت دولة الخلافة مرسومها هذا بالقول:(بأن كتاب الله يكفي ولا حاجة لحديث رسول الله، لأنه يورث الخلاف والاختلاف على حد تعبير الخليفة الأول فقد خاطب المسلمين قائلا: (فمن سألكم عن شئ فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله. وبقيت قرارات مؤسسي دولة الخلافة سارية المفعول طوال مائة عام، لأنه لم يجرؤ أحد أن يعيب أو ينقض سنة الخلفاء الثلاثة الأول المؤسسين للخلافة التاريخية لأن تلك الخلافة راشدة، وبالتالي لم يتمكن أحد من رواية وكتابة الأحاديث النبوية التي اشتملت عليها نظرية المهدي المنتظر، لأن هذا المهدي من أهل بيت النبوة، ولأن النبي قد أكد بأنه ختم أئمة أهل البيت، فإذا انتشرت الأحاديث النبوية التي تصدع بإمامته فيقول المسلمون ما بال الذين سبقوه من أئمة أهل البيت لم يتولوا الخلافة!!
وفي ذلك إحراج للخلفاء، ونسف لثقافتهم، لذلك غيبت كافة الأحاديث النبوية التي تحدثت عن المهدي المنتظر طوال المائة عام التي منعت فيها دولة الخلافة كتابة ورواية الأحاديث النبوية، ولم يكن بوسع أحد من المسلمين أن يتحدث خلال تلك المدة عن المهدي المنتظر أو عن أهل بيت النبوة، أو يروي عنهم أي حديث نبوي إلا سرا، خوفا من بطش دولة الخلافة، وتجنبا لإسخاط الخلفاء، وحرصا على العطاء، أو الحصول على حصة مناسبة من النفوذ بتلك الدولة. أما أئمة أهل بيت النبوة، ورثة علمي النبوة والكتاب، فقد كانوا يتحدثون بالسر للصفوة القليلة من أوليائهم حتى لا يجعلوا لدولة الخلافة عليهم سبيلا لأن هدف دولة الخلافة آنذاك كان منصبا على إيجاد السبل للقضاء التام على أهل بيت النبوة حتى لا يكشفوا حقيقة ما جرى فيما بعد، وحتى لا يكتشف الناس طبيعة دولة الخلافة. والأسس التي قامت عليها، وهكذا نجح الخلفاء بتغييب وإخفاء المعالم الأساسية لنظرية المهدي المنتظر طوال مائة عام.
نظرية الإمام المهدي تعود للظهور في عهد معاوية
لقد كان معاوية أوضح من الذين سبقوه بمنع رواية وكتابة الأحاديث النبوية فقد قهر المسلمين، ولم يعد هناك ما يخشاه، لقد قدر معاوية أن الغاية من منع رواية وكتابة الأحاديث النبوية تكمن في رغبة بطون قريش بإخفاء المكانة، والفضائل التي خص بها الله ورسوله آل محمد، وإذا كان قرار منع رواية وكتابة الحديث النبوي قد ظل ساريا طوال هذه المدة، فما الذي يضمن لمعاوية سريانه طول الزمان!! فبوقت يطول أو يقصر سيضطر المسلمون لرواية الأحاديث النبوية وكتابتها، وحينها سيكتشفون مكانة أهل بيت النبوة وفضائلهم التي لا تعد ولا تحصى وسجلهم التاريخي الحافل بالفخر والأمجاد، وسيكتشفون أيضا أن لمعاوية وأخوته وأبيه وأجداده سجل تاريخي أسود حافل بالعداء لله ولرسوله وللاسلام وهو مختلف بالكامل عن سجلهم الرسمي الذي كتبوه بالرعب والارهاب والقوة وأجبروا الرعية على التسليم بصحة ما جاء فيه!!وفكر معاوية طويلا، فرأى أن الرأي كل الرأي بإبقاء قرار منع رواية وكتابة الأحاديث النبوية ساريا كما أراد الخلفاء المؤسسون، ولمواجهة المستقبل واحتمالية رواية وكتابة الحديث فيما بعد، رأى معاوية أن يقود بنفسه حملة لرواية فضائل الخلفاء الثلاثة الأول خاصة الثالث الأموي لا حبا بهم - مع أنهم هم الذين مكنوا له وأوصلوه للخلافة عمليا - ولكن كراهية بآل محمد وأهل بيته وللبطن الهاشمي عامة، وتتفرع من حملة فضائل الخلفاء الثلاثة حملة أخرى تتحدث عن فضائل الصحابة كل الصحابة، معتبرا نفسه وأباه وأخوته وأبناء عمومته من أجلاء الصحابة لأنهم شاهدوا رسول الله وجالسوه وسمعوا منه، لا حبا بالصحابة الكرام السابقين إلى الإيمان ولكنه نكاية بآل محمد وأهل بيته، وإرغاما لأنوفهم، ومحاولة لتجريدهم من كل مميزة أو فضيلة تميزهم عليه وعلى غيره، وسخر معاوية كافة طاقات الدولة وإمكانياتها، وجند كل عمالها لإنجاح هذه الحملة وكان معاوية صريحا في مراسيمه حيث قال: (فلا تدعو خبرا يرويه أحد من الناس بأبي تراب أو بأهل بيته، إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة). (1)،
وهذا يعني أن معاوية وعماله وأركان دولته قد قادوا عملية الوضع على رسول الله، وأغرق معاوية وعماله الرواة بالعطايا والصلات، وانشقت الأرض عن الألوف من الرواة فجأة فرووا عشرات الألوف من أحاديث الفضائل التي لم يقلها الرسول ولم ينزل بها الله سلطانا إنما هي محض اختلاق لإرغام أنوف بني هاشم كما يقول ابن نفطويه.
(راجع المرجع السابق، وكتاب الأحاديث للمدائني)، وبعد أن تجمعت له تلك السيول الجارفة من الروايات أمر معاوية بكتابتها وإشاعتها، وروايتها بين الناس، وفرض على العامة والخاصة حفظها، والعمل بها، ولاح لمعاوية ولأركان دولته بأنهم قد احتاطوا للمستقبل، وهدموا مجد آل محمد وأهل بيته، وجردوهم من مكانتهم وكافة فضائلهم، أو على الأقل ضيعوا فضائل آل محمد وأهل بيته، وسط هذا المحيط المترامي الأطراف من الفضائل. ومن غرائب هذه الحملة أن الرواة قد اكتشفوا بأن فضيلة الطهارة خاصة بأهل بيت النبوة ولا يمكن انتزاعها منهم لأنها مثبتة بالقرآن الكريم، فتفتقت عبقريات الرواة عن حديث يخص أعداء الله (بالطهارة والزكاة)! وتفصيل ذلك أن رسول الله لعن نفرا معينا من المسلمين كالحكم بن العاص، ومعاوية نفسه، وأباه وغيرهم وشاع أمر لعن الرسول لهذه النفر بشكل لا يمكن إنكاره أو التنكر له، وعالجت طواقم رواة معاوية هذا الأمر على الصيغة التالية: (بأن الرسول بشر يتكلم في الغضب والرضى وأثناء غضبه كان قد لعن بعض الصحابة (الحكم بن العاص) عدو الله ورسوله، ولما سكن عنه الغضب سأل الله أن يجعل هذا اللعن زكاة وطهورا لمن بدرت منه بحقهم!!
واستجاب الله، فصار عدو الله الحكم بن العاص زاكيا ومطهرا وأولى بالخلافة من الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وابنا النبي لماذا لأنهما مطهرين فقط، أما الحكم بن العاص فهو (زاكي ومطهر) وأما ولي الله بالنص، وإمام المتقين بالنص، وفارس الإسلام، وأعلم الناس بأحكامه فهو (ملعون) حاشاه حسب قوانين معاوية، لذلك من واجب الرعية كلها أن تلعنه على المنابر، وفعلا لعنه معاوية، ولعنته رعية معاوية ومن المدهش بالفعل أن البخاري ومسلم قد رويا حديث (تحويل أعداء الله إلى زكاة ومطهرين، وقد وثقنا ذلك في كتابينا (الخطط السياسية) و (المواجهة).
معاوية يظهر نظرية المهدي المنتظر بعد إخفائها بمناسبة الحديث عن الفضائل التي قاد معاوية وأركان دولته حملتها اكتشفوا بأن الإمام المهدي المنتظر من أهل بيت النبوة، وأن عليا بن أبي طالب وأهل بيت النبوة يعتبرونه من مفاخرهم وفضائلهم التي لا تدانى، ولا ترقى لها فضيلة من فضائل القوم، فطالما ردد الإمام علي بفخر ظاهر (بنا فتح وبنا يختم) فلا معاوية ولا أركان دولته لهم القدرة على أن يمحوا من الذاكرة ما قاله الرسول عن الإمام المهدي المنتظر، لقد كانت أحاديث الرسول المتعلقة بالمهدي المنتظر من القوة والشيوع بحيث لا يمكن إنكارها أو التنكر لها، حتى من رجل مثل معاوية وطواقم مثل طواقمه،
فكانت حملة الفضائل مناسبة لإظهار نظرية الإمام المهدي بعد إخفائها، ولتأكيد وجود هذه النظرية وقوتها وتأصلها في نفوس المسلمين، واكتشفت طواقم معاوية أن إنكار النظرية مستحيل، وأن تجاهلها أكثر استحالة، وأوامر معاوية واضحة (لا تدعو فضيلة يرويها أحد من المسلمين بأبي تراب أو بأهل بيته إلا وتأتوني بمناقض لها في الصحابة) ولكن كيف يأتوه بمناقض لفضيلة المهدي بالصحابة ؟ هل يقولون بأن المهدي من ذرية أبي بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو أو زيد من الصحابة ؟ ولكن لماذا من ذريتهم وليس من ذرية الرسول ؟ وكيف يمكن اقتلاع قناعة المسلمين وقتذاك بأنهم قد سمعوا الرسول يؤكد بأن المهدي من عترته أهل بيته، لذلك رأت طواقم معاوية بأن البديل الوحيد والممكن هو رواية أحاديث تفيد بأن المهدي من أمة محمد!!!
وهذه الأحاديث في ما بعد ستشكك بكون المهدي من آل محمد، وستؤدي بعض المهام التي يرمي لها معاوية.
والخلاصة أن معاوية وبدون قصد منه، وعندما قاد حملة الفضائل وسخر لهاموارد دولة الخلافة ساهم مساهمة فعالة بإظهار نظرية الإمام المهدي بعد خفائها وبالتأكيد على وجودها وقوتها، واستقرارها في نفوس المسلمين وأن محاولات رواته لتنحية هذا الشرف عن أهل بيت النبوة، وإلحاقه بغيرهم باءت بالفشل الذريع، لأن آل محمد هم من أمته بل هم سنامها وتاج فخارها.
الظهور العام والشامل لنظرية الإمام المهدي المنتظر
بعد أن اقتنع رعايا دولة الخلافة التاريخية بعدم صواب، وعدم منطقية استمرار منع رواية وكتابة أحاديث الرسول، وبعد انتقال منصب الخلافة من الأسرة الأموية إلى الأسرة العباسية، وبعد أن استقرت الثقافة التاريخية في النفوس، وألقى فقهها أجرانه في الأرض لم تر دولة الخلافة أي ضرر من كتابة ورواية الأحاديث النبوية، خاصة مع تكون رأي عام ينادي بكتابة ورواية الأحاديث النبوية، وكيف يمكن الاستمرار بمنع رواية وكتابة الأحاديث النبوية، بالوقت الذي تشجع فيه الدولة، وتقبل فيه الرعية على ترجمة كتب الأمم السابقة وفلسفاتها وعلومها وأساطيرها!! ثم إنه لا محذور من أن يتقول على دولة الخلافة، متقول ويتهمها بأنها قد خرجت على سنة مؤكدة من سنن الخلفاء الثلاثة الأول، فالرعية كلها مقتنعة بضرورة كتابة ورواية الأحاديث النبوية بشكل لا يتعارض مع نظام دولة الخلافة، أو ثقافتها، أو فقهها النافذ، وهكذا أرخت الدولة الحبل لرعاياها وعلمائها، وتفتحت أبواب ومنافذ رواية الحديث النبوي وكتابته بعد حظر دام أكثر من مائة عام.علماء دولة الخلافة يعثرون على نظرية الإمام المهدي
بوقت قصير جدا عثر علماء دولة الخلافة على نظرية الإمام المهدي المنتظر، واكتشفوا أنها نظرية إسلامية من جميع الوجوه، وأن الأحاديث المتعلقة بها قد صدرت بالفعل عن رسول الله، وأن هذه النظرية جزء لا يتجزء من النظام السياسي الإسلامي وأن الرسول قد بشر بالفعل بالمهدي المنتظر، وأكد وبكل وسائل التأكيد على حتمية ظهوره، وأن هذا المهدي من عترة النبي أهل بيته، وأنه خاتم أئمة أهل بيت النبوة، وأنه سيبايع حتما بين الركن والمقام، أو بين زمزم والمقام، وأنه سيؤسس دولة آل محمد، وسيفتح أقاليم الأرض كلها، وينتقم من الظالمين، ويسقط كافة حصونهم، ويكون دولة عالمية، وأنه سيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، وأن سكان العالم في زمانه سيعتنقون جميعهم دين الإسلام، وأن عيسى ابن مريم سينزل من السماء في زمانه، فيكون وزيرا له، ويصلي خلفه، وتوصلوا إلى اسمه واسم أبيه وكنيته، وإلى علامات ظهوره، وكل هذه المعلومات قد استقوها من أحاديث نبوية صحت عندهم، وتواترت بينهم، ورووها عن النبي بنفس الطرق والوسائل التي رووا فيها أحام الدين الأساسية من صلاة وصوم وزكاة وحج... الخ، وبعد أن رووا هذه الأحاديث أخرجوها في صحاحهم ومسانيدهم ولشد ما عجبوا عندما اكتشفوا أن أهل بيت النبوة كانوا يعرفون هذه الأحاديث قبلهم بمائة سنة، وأن مضامين هذه الأحاديث صحيحة عند أهل بيت النبوة، ومتواترة بينهم.وهكذا أجمعت الأمة أئمة أهل بيت النبوة وشيعتهم، والخلفاء وشيعتهم على صحة نظرية الإمام المهدي المنتظر، وجزمت الأمة بأسرها على أن الأحاديث النبوية التي تحدثت عن المقاطع الأساسية لنظرية الإمام المهدي المنتظر قد صدرت بالفعل عن رسول الله، وأنها جزء من أنباء الغيب التي أوحاها الله لرسوله، لأن الرسول لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله إياها، وبالتالي صار الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر جزء من عقيدة المسلم الدينية، وظهرت نظرية الإمام المهدي ظهورا عاما وشاملا ونهائيا، فليس بإمكان قوة في الأرض أن تمحو هذا الاعتقاد من نفوس المسلمين، وقد فشلت كافة محاولات التشكيك بهذا الاعتقاد، وبقيت نظرية الإمام المهدي صامدة، وشامخة، وقد تعرضنا لمحاولات التشكيك وأثبتنا فسادها وفشلها..
ترتيب أحداث ووقائع ظهور الإمام المهدي المنتظر
صحيح أن الإمام المهدي المنتظر سيظهر بفجأة كالساعة، ولكن وبالضرورة تسبق ظهوره سلسلة من الوقائع والأحداث التي تفضي حتما إلى هذا الظهور، وتؤدي إليه مباشرة، فيكون الظهور التام للإمام المهدي هو قمة حركة الوقائع والأحداث المبرمجة إلهيا، والمسيرة تماما وفق مخطط إلهي، بحيث يترجم هذا المخطط ترجمة تصب في خانة نواميس نظرية الابتلاء الإلهي، فتستوعب البشرية المكلفة ما يحدث، وتفهمه، وتتفاعل معه سلبا أو إيجابا ليكون هذا التفاعل موضعا للثواب أو العقاب.وباستقراء الأحاديث النبوية التي غطت أنباء نظرية المهدي المنتظر يتبين لنا، بأن حركة الظهور ستمر عبر سلسلة من المراحل، تتمخض عن ولادة عصر الإمام المهدي بكل ما فيه من كفاية ورخاء وعدل وانسجام مطلق.
المرحلة الأولى
انتشار الاعتقاد بالإمام المهدي وإيمان المسلمين بهذا الاعتقادوقد تولى الرسول الأعظم بنفسه، نشر هذا الاعتقاد، فهو الذي بشر بالإمام المهدي المنتظر، وأكد وبكل وسائل التأكيد على حتمية ظهوره، وأنه سيملأ.
الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، وأن عيسى ابن مريم سيصلي خلفه، ويكون أحد أعوانه وأنصاره، والرسول نفسه هو الذي تولى بيان كافة الأمور الكلية والتفصيلية المتعلقة بالإمام المهدي، مؤكدا بأنها من أنباء الغيب التي خص الله بها نبيه، وبالرغم من المحنة التي تعرض لها الحديث النبوي إلا أن هذه الأنباء قد شاعت وانتشرت بين المسلمين واعتقدوا بها، وآمنوا بأنها من أنباء الغيب المحتومة الوقوع.
والفئة المتنورة من المسلمين أخذت ترصد حركة الأحداث وتتمنى أن تتاح لها الفرصة لتكون من أنصار الإمام المهدي وأعوانه، وأن تساهم بصنع وإخراج عهده الذهبي، بمعنى أنها لا تكتفي بأن تشهد عصر المهدي، بل تريد أن توطد له، وأن تنال شرف المشاركة طمعا بما عند الله، وهروبا من مخاطر السلبية، واستفادة من تجارب التاريخ حيث أنه لا ينبغي على المؤمن أن يقف من الأحداث موقف المتفرج، بل يتوجب عليه أن يؤثر بها سلبا أو إيجابا، ثم إن المهدي المنتظر إمام شرعي اختاره الله، ومن واجب المؤمنين أن يضعوا أنفسهم تحت تصرفه، وأن يسلموا له قيادتهم، وأن يكونوا حيثما يتوقع منهم الإمام أن يكونوا.
المرحلة الثانية
إفلاس كافة العقائد الوضعية وأنماط حكمها واعتراف البشرية بعجز تلك العقائد وعدم أهليتهاقبل أن يظهر الإمام المهدي، تتاح الفرصة للبشرية لتجرب كافة العقائد الوضعية، وأنماط الحكم المنبثقة عنها، وأن تخضع لسيطرة حكام من مختلف النوعيات، ثم تكتشف البشرية بالتصوير الفني البطئ فشل وإفلاس وعجز كافة العقائد الوضعية، وكافة أنماط الحكم المنبثقة عنها، وتقر وتعترف ولو في قرارة النفوس، وبعد التجربة والمعاناة، بعدم أهلية العقائد الوضعية، وأنماط الحكم المنبثقة عنها لتحقيق العدل والكفاية والرخاء لبني البشر، ولتتساءل: أليس لله عقيدة ؟ أليس لعقيدته نمط حكم!! أليس لله أولياء يمكنهم أن يحكموا البشرية!!
وتقيم البشرية الموقف، وترى أن الأرض قد فاضت بالظلم والجور، وأن كافة الوسائل البشرية للإنقاذ قد استنفدت وفشلت فشلا ذريعا، وأن الحياة لا تطاق، ولا شئ ينقذ العالم إلا المهدي، عندئذ يتهيأ المناخ النفسي، والجو العام الملائم لظهور الإمام المهدي. وتقديره حق قدره، وإبرازه بصورة المنقذ الفعلي الوحيد في العالم. والتطلع إليه على هذا الأساس.
المرحلة الثالثة
بروز علامات الظهور وتواليهالم يترك رسول الله المسلمين في حالة غموض، إنما بين لهم بيانا كافيا كافة الأمور المتعلقة بالإمام المهدي، ووصفها وصفا دقيقا، فأكد على وجود علامات تسبق ظهور الإمام المهدي وتتزامن مع هذا الظهور، وأن هذه العلامات ستبرز تباعا ويتوالى ظهورها، حتى إذا اكتمل ظهورها، طلع الإمام المهدي وظهر للعالم كالنجم الثاقب المتألق. وقد وصف رسول الله هذه العلامات وصفا علميا دقيقا، تفهمه العامة والخاصة، وهي من الوضوح بحيث أنها لا تخفى على أحد إن بدأت بالظهور، وقد أفردنا في البحوث السابقة فصلا خاصا عن علامات الظهور.
ولا تبدأ إلا بعد أن يتيقن العالم ويقر إقرارا صريحا أو ضمنيا، بإفلاس كافة العقائد الوضعية، وأنماط الحكم المنبثقة عنها وعدم أهليتها لسياسة وإدارة الجنس البشري، وأن تلك العقائد والأنماط هي التي ملأت الأرض بالظلم والجور، وأن مشاكل العالم عصية ومستعصية على الحل، وأن المهدي المنتظر هو المؤهل الوحيد والقادر على أن يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، وأن العدل الإلهي والحكم الإلهي وقيادة أولياء الله هي المخرج الوحيد للعالم عندئذ تبدأ علامات الظهور بالبروز واحدة تلو الأخرى، وبالصورة التي بسطناها في موضعها وحتى تكتمل.
المرحلة الرابعة
وجود فئة مميزة تؤمن بالإمام المهدي وتضع نفسها تحت تصرفهعندما تبدأ علامات الظهور بالبروز واحدة بعد الأخرى، وعندما تعصف المحن بأبناء الجنس البشري، ويشتد البلاء وعندما يكتشف الناس أن الحل الوحيد والمصلح الوحيد للعالم هو المهدي يخرج من بين المسلمين أفراد هم أكثر الناس إحساسا بالبلاء، ورغبة بالخلاص، وإيمانا بالإمام المهدي المنتظر وثقة بقدرته الهائلة على التغيير، وفوق هذا وذلك هم في قمة الوعي والإخلاص لله، فيطلبون الإمام المهدي، ويبحثون عنه وكل واحد منهم لا يعرف الآخر،
وفي ساعة مباركة تلتقي هذه الفئة التي تجمعت من بلاد شتى على غير موعد بالمهدي المنتظر، في مكان ما حول الكعبة المشرفة، بين الركن والمقام أو بين زمزم والمقام، فيتعارفون ويتعرفون على الإمام المهدي، ويتعلقون به، ويضعون أنفسهم تحت تصرفه والأحاديث النبوية المتواترة تؤكد بأن عدد أفراد هذه الفئة لا يتجاوز ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا وهو عدد يطابق لعدد الذين خاضوا مع الرسول غمار معركة بدر، وفي معرض حديثنا عن أصحاب المهدي وأنصاره تعرضنا إلى مواطن أفراد هذه الفئة، وعددهم، وصفاتهم ووثقنا كل ذلك فارجع إليه إن شئت.
وهنالك فئة من المؤمنين رصدت الأحداث وراقبت علامات الظهور، وأيقنت أن الإمام المهدي، يتأهب للظهور وأنه بحاجة إلى الأعوان والأنصار، فأعدت للأمر عدته، واستعدت للخروج والبحث عن الإمام المهدي المنتظر، لتعثر عليه وتضع نفسها تحت تصرفه وتنال شرف صحبته ومشاركته في عملية التغيير الكبرى، وأبرز مثال على هذه الفئات حملة الرايات السود القادمون من إيران أو المشرق.
الفئة المؤمنة المؤسسة تضع نفسها تحت تصرف الإمام المهدي الذي يتأهب للظهوربعد جهد مضن، وعناء كبير، وجدت الفئة المؤمنة الإمام المهدي وتعرفت عليه، وتعرف عليها، ووضعت نفسها تحت تصرفه، وأقسم أفرادها بأنهم لن يفارقوه حتى الموت، واطمأن المهدي بهم، واطمأنوا به، وأيقن الإمام المهدي، بأنه قد آن أوان ظهوره، وبدأ بانتظار الأمر الإلهي بالظهور..
المرحلة الخامسة
ظهور السفياني ومسابقته للزمنأكد الرسول الأعظم، وأئمة أهل بيت النبوة الأطهار بأن ظهور السفياني من الأمور المحتومة حتى قيل: لا مهدي بدون سفياني، ولا سفياني بدون مهدي، فظهور السفياني من أبرز وأشهر العلامات الدالة على ظهور الإمام المهدي، بل إن ظهور الإمام المهدي سيتزامن مع عصر السفياني، وقد فصلنا ذلك وبيناه في الفصول السابقة. والسفياني كما بينا سابقا رجل من ذرية أبي سفيان حاقد على آل محمد، كاره لدولتهم، وهو خبيث وذكي، فقد رصد الأحداث رصدا دقيقا، وقدر بأن الإمام الهاشمي المهدي سيظهر، وسيحاول أن يبني دولة لآل محمد، فأراد السفياني أن يسبق المهدي، ويبني ملكا أمويا، ليصرف شرف المهدي عن آل محمد، كما حاول أجداده أن يصرفوا شرف النبوة والخلافة عن بني هاشم فيجمع حوله الناصبة وشانئي أهل البيت، وطلاب الدنيا والمغامرين ويؤسس لنفسه قاعدة بالوادي اليابس، ثم ينطلق منه إلى درعا وحوران ودمشق والعراق والحجاز، ويرفع شعارات براقة كوحدة العرب، ووحدة المسلمين، ويصمم على تكوين امبراطورية أموية فقط لغايات التصدي لآل محمد، وبناء الملك الأموي الذي سيحول بين آل محمد وبين ما يريدون. يسابق الزمن، ويحاول أن يستبق الأحداث ليواجه الإمام المهدي بملك قائم ومستقر، وبأمر واقع فيجهض حركة المهدي عند ظهورها. ويئدها وهي في مهدها.
المرحلة السادسة
مبايعة الإمام المهدي وظهورهبينما تكون جيوش السفياني مشتبكة بحروب ومعارك متعددة لبسط نفوذ السفياني على العالمين العربي والإسلامي، وبالوقت الذي تكون فيه منطقة الحجاز في حالة ضعف وتفكك واسترخاء بسبب أزمة حكم تعصف بالنظام السائد فيه.
وفي ليلة مباركة، وبين الركن والمقام، أو بين زمزم والمقام يبايع الإمام المهدي ال 313 رجلا، ويلتقي الإمام المهدي أمرا إلهيا بالظهور، فيظهر بالفعل،.
وتبدأ الآيات والمعجزات والعلامات المتزامنة مع ظهوره بالظهور.
وبمدة محدودة يبسط الإمام المهدي سلطانه على منطقة مكة ويبايعه أهلها، وينضم إلى جيشه عشرة آلاف مقاتل منهم، ثم يولي على مكة أحد أصحابه، ويتوجه إلى المدينة، قال الإمام الباقر: (يبايع القائم بمكة على كتاب الله وسنة رسوله، ويستعمل على مكة، ثم يسير نحو المدينة فيبلغه أن عامله على مكة قد قتل، فيرجع إليهم، فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك).
ثم ينطلق فيدعو الناس بين المسجدين إلى كتاب الله وسنة رسوله والولاية لعلي بن أبي طالب والبراءة من عدوه(2)
ويبسط الإمام المهدي سلطانه على المدينة المنورة، ويبايعه أهلها فيقيم فيها ما يشاء، ثم يخرج متوجها إلى العراق، وعندما يسير المهدي باتجاه العراق يكتب السفياني لأهل المدينة (إن لم تقتلوه) أي والي الإمام المهدي لأقتلن مقاتلكم، ولأسبين ذراريكم)، فيقتلونه فيأتي الخبر المهدي، فيرجع إليهم، ويقتل قريش، حتى لا يبقى منهم إلا أكلة كبش..). (3)
ويرتب الإمام المهدي أمور المدينة، ويتابع استعداداته للذهاب إلى الكوفة.
آية الخسف أوضح علامات ظهور الإمام المهدي وأدلها عليه
يسمع المسلمون كلهم بظهور الإمام المهدي، وبمبايعته بين الركن والمقام وبإخضاعه مكة لسلطانه، ومبايعة أهلها له، وأنه قد كون جيشا من أصحابه وممن اتبعه من أهل مكة قوامه عشرة آلاف مقاتل وأن جيش المهدي ينوي دعوة الناس بين المسجدين، ثم الاتجاه إلى المدينة المنورة لإخضاعها لسلطانه أيضا.
ويسمع السفياني ما سمعه الناس، فيجن جنونه، ويجهز جيشا عظيما من خيرة رجاله، ويولي قيادة هذا الجيش لأحد أقربائه (سفياني آخر) ويأمره بأن يتوجه إلى مكة وأن يقضي بكل العنف والقسوة والشدة على الإمام المهدي وحركته، ويتوجه جيش السفياني إلى الحجاز بالفعل، ويسمع المسلمون كلهم بهذا الجيش، يصل جيش السفياني إلى الحجاز، ويعتقد أنه لم يبق بينه وبين القضاء على الإمام.
المهدي، يخسف الله الأرض بذلك الجيش فلا ينجو منه إلا اثنان أحدهما يبشر بالخسف، والآخر يخبر السفياني بما حدث، هناك يتيقن المسلمون أن الإمام المهدي قد ظهر بالفعل، وأن السفياني هو عدو الله الذي حذر منه رسول الله، فتفيض عواطفهم الدينية نحو الإمام المهدي فالخسف آية ظهور يعلمها الخاصة والعامة، والسفياني آية ظهور أخرى، ونتيجة للخسف بجيش السفياني يتلقى ضربة معنوية قاتلة، ويبدأ نجمه بالأفول السريع، وترتفع الروح المعنوية لأنصار الإمام المهدي، ويوقنون بأن الله معه، وأن كل ما أخبرهم به رسول الله من أنباء الغيب حق لا ريب فيه.
المرحلة السابعة
الذهاب إلى العراق، وإنشاء قاعدة للعمليات، واتخاذ الكوفة عاصمة لهبعد أن يخضع للإمام المهدي مكة والمدينة وما بينهما لسلطانه، يتجه إلى العراق وإلى الكوفة بالذات، وقد روى الإمام الباقر: (أن الإمام المهدي يدخل الكوفة، وفيها رايات ثلاث قد اضطربت، فتصفو له، ويدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء)...(4)
وروى الإمام الباقر أيضا: (كأني بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله والمؤمنون بين يديه وهو يفرق الجنود في البلاد. (الحديث رقم 836). وروى الإمام الباقر أيضا (بأن الكوفة ستكون عاصمته... ومنها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه، والقوم من بعده، وهي منازل الأنبياء والأوصياء والصالحين)...(5)
لماذا اختار الإمام المهدي العراق قاعدة للعمليات والكوفة عاصمة له ؟
لأن العراق نقطة تجمع كبرى لشيعة أهل بيت النبوة، ففيه أعوانه وأنصاره ولأن العراق مجاور لبلاد الشرق / فارس وما حولها، تلك البلاد التي تضم نخبة.
شيعة أهل بيت النبوة، ولأن في إيران آنذاك حكم موالي لأهل بيت النبوة وجند مجندة للمهدي وهم حملة الرايات السود، ولأن الكوفة عاصمة أبيه التي شهدت انتصار الحق وهزائمه، ويريدها الإمام المهدي أن تشهد انتصار الحق الأعظم، وهزيمة الباطل الساحقة، ثم إن الإمام المهدي يتصرف بتوجيه رباني، وبعهد من رسول الله.
المرحلة الثامنة
قاعدة الإمام المهدي وقيادة عملياته العسكريةيفهم من الأحاديث النبوية، ومن أحاديث أئمة أهل بيت النبوة، بأن الإمام المهدي سيجعل من مدينة الكوفة قاعدة له، ومنطلقا لأعماله الحربية، ومقرا لقيادة عملياته العسكرية، فمنها يسير الجيوش، ومنها يصدر أوامره إلى أنصاره في مختلف البلاد.
القضاء على السفياني وحركته
يبدو من الأحاديث بأن السفياني سيخطط للاستيلاء على كافة البلاد العربية والإسلامية وتكوين امبراطورية أموية تسخر كافة طاقاتها ومواردها لإجهاض حركة الإمام المهدي والقضاء عليه، وتنفيذا لهذا المخطط يسير السفياني سراياه وجيوشه إلى فلسطين والأردن وسوريا والعراق والجزيرة، ويشتبك عسكريا مع الأتراك ويكتب إلى الإيرانيين للدخول في طاعته وإلا غزاهم!
وعندما يعلم السفياني بظهور الإمام المهدي ومبايعة أهل مكة وبعزم المهدي على المسير إلى المدينة، ومنها إلى العراق، عندها يجن جنون السفياني ويجهز جيشا كبيرا من خيرة قواته، ويأمره بالزحف على الحجاز والقضاء على المهدي وحركته، ولكن الله تعالى يخسف الأرض بذلك الجيش ولا ينجو منه غير اثنين، ويتلقى السفياني بهذا الخسف ضربة معنوية ساحقة تقصم ظهره عمليا، وتنهي أمره، وتبدأ جيوشه الأخرى بالتراجع، ويفقد بعضها الاتصال بقيادته، وتتفكك قواته، وتنهار روحها المعنوية تماما، بالوقت الذي تكون فيه قوات الإمام المهدي وأنصاره يطاردون بقايا جيوش السفياني، ويبدو أن السفياني قد يسلم قيادة أكثر من.
جيش من جيوشه إلى أمويين (سفيانيين)، وأن الناس سيطلقون مصطلح السفياني على كل قائد من قادة تلك الجيوش، لكن القادة الأمويين يخضعون في النهاية لقيادة كبيرهم وعميد البيت الأموي ووارث أحفاده وهو المعروف بالسفياني وهو المقصود بالأحاديث النبوية، وتشير الأحاديث النبوية، وأحاديث أئمة أهل بيت النبوة، بأن الإمام المهدي وأنصاره سيقضون على حركة السفياني، وعلى أنصاره، وأن السفياني نفسه سيبايع الإمام المهدي، ثم ينقض البيعة، وأن الإمام المهدي سيقتله. (6)
المصادر :
1- (راجع شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 3 ص 595، تحقيق حسن تميم)
2- معجم احاديث الامام المهدي (راجع الحديث رقم 834)
3- معجم احاديث الامام المهدي (الحديث 835)،
4- معجم احاديث الامام المهدي (الحديث رقم 838).
5- معجم احاديث الامام المهدي الحديث رقم 939).
6- معجم احاديث الامام المهدي (راجع الأحاديث رقم 346 و 348 و 349 و 350 و 353 والحديث رقم 658).