
حديث الثقلين مفسّراً لحديث الأئمّة الإثني عشر :
يقول رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم: « إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض »، معنى ذلك : إنّ الأئمّة من العترة باقون ما بقي القرآن لا يفترقان ولا يتفرَقان، والحديث حديث صحيح مقطوع صدوره ومقبول عند الطرفين، فعندما يقول رسول الله :
« إنّي تارك فيكم الثَقَلين أو الثقْلين »، فقد قرن رسول الله الأئمّة من العترة بالقرآن، والقرآن مادام موجوداً فالعترة موجودة، فالعترة موجودة ما دام القرآن موجوداً، أي إلى آخر الدنيا، فالعترة موجودة إلى آخر الدنيا، لذا قال في حديث الإثني عشر : « حتّى تقوم الساعة » .
وإن كنتم في شك ممّا قلته في معنى حديث الثقلين، فلاحظوا نصوص عبارات القوم في شرح حديث الثقلين من هذه الناحية :
يقول المنّاوي في فيض القدير في شرح حديث الثقلين : تنبيه : قال الشريف ـ يعني السمهودي الحافظ الكبير ـ هذا الخبر يُفهم وجود من يكون أهلاً للتمسّك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كلّ زمان إلى قيام الساعة، حتّى يتوجّه الحث المذكور إلى التمسّك به، كما أنّ الكتاب كذلك، فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض(1) .
ومثلها عبارة ابن حجر المكي في الصواعق : وفي حديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع مستأهل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك(2).
وقال الزرقاني المالكي في شرح المواهب اللّدنيّة: قال القرطبي : وهذه الوصية وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام آله وبرّهم وتوقيرهم ومحبّتهم، ووجوب الفرائض التي لا عذر لأحد في التخلّف عنها، هذا مع ما علم من خصوصيّتهم به (صلى الله عليه وسلم)، وبأنّهم جزء منه، كما قال : « فاطمة بضعة منّي »، ومع ذلك فقابل بنو أُميّة عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق، فسفكوا من أهل البيت دماءهم، وسبوا نساءهم، وأسروا صغارهم، وخرّبوا ديارهم ، وجحدوا شرفهم وفضلهم، واستباحوا سبّهم ولعنهم، فخالفوا وصيّته وقابلوه بنقيض قصده، فوا خجلتهم إذا وقفوا بين يديه، ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه، فالوصيّة بالبرّ بآل البيت على الإطلاق، وأمّا الاقتداء فإنّما يكون بالعلماء العاملين منهم، إذ هم الذين لا يفارقون القرآن . قال الشريف السمهودي : هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلاً للتمسّك به من عترته في كلّ زمان إلى قيام الساعة(3) .
فيكون حديث « إنّي تارك فيكم الثقلين » دليلاً على إمامة أئمّتنا، وعددهم في حديث الأئمّة بعدي إثنا عشر، وفي ذلك الحديث أيضاً تصريح بأنّهم موجودون إلى قيام الساعة .
هذا بنحو الاختصار، وقد تركت بعض القضايا الأُخرى التي كنت قد سجّلتها هنا فيما يتعلّق بالنص على الأئمّة الإثني عشر .
فكان دليلنا على إمامة الأئمّة الإثني عشر من النصوص : حديث الأئمّة بعدي إثنا عشر، وحديث الثقلين .
العصمة والأفضلية
وأمّا العصمة :فحديث « إنّي تارك فيكم الثقلين » يدلّ على عصمة الأئمّة
من العترة النبويّة بكلّ وضوح، كما سنذكر ذلك في بحث العصمة إنْ شاء الله تعالى .
وأمّا الأفضليّة :
أي : أفضليّة أئمّتنا سلام الله عليهم، فإنّه يدلّ على
أفضليّتهم حديث الثقلين من جهات عديدة، لأنّ حديث الثقلين دلّ على تقدّمهم في العلم وغير العلم، وهذه جهات تقتضي الأفضليّة بلا شك ، وإن كنتم في شك فأقرأ لكم بعض العبارات :
قال التفتازاني في شرح المقاصد ـ وأرجو الملاحظة بدقة ـ : وفضّل العترة الطاهرة، لكونهم أعلام الهداية وأشياع الرسالة، على ما يشير إليه ضمّهم ـ أي ضمُّ العترة إلى كتاب الله ـ في إنقاذ المتمسّك بهما عن الضلالة(4) .
ولو راجعتم شرّاح حديث الثقلين، وحتى اللغويين ـ لو تراجعونهم في معنى ثِقْل أو ثَقَل حيث يتعرضون لحديث الثقلين ـ يقولون : إنّما سمّاهما ـ أي الكتاب والعترة ـ بالثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما .
وقد نصّ شرّاح الحديث، كالمنّاوي في فيض القدير، والقاري في المرقاة في شرح المشكاة، والزرقاني المالكي في شرح المواهب اللدنية، وغير هؤلاء : على أنّ حديث الثقلين يدلّ على أفضليّة العترة .
ولاحظوا كلام نظام الدين النيشابوري في تفسيره المعروف، يقول بتفسير قوله تعالى : ( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُه ) (5) .
( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ ) استفهام بطريق الإنكار والتعجب، والمعنى من أين يتطرّق إليكم الكفر والحال أنّ آيات الله تتلى عليكم على لسان الرسول غضّة، في كلّ واقعة، وبين أظهركم رسول الله يبيّن لكم كلّ شبهة، ويزيح عنكم كلّ علة [فرسول الله إنّما يكون بين الاُمّة ويبعثه الله الى الناس لهذه الغاية وهي : يبيّن لكم كلّ شبهة ويزيح عنكم كلّ علّة ] قلت : أمّا الكتاب فإنّه باق على وجه الدهر، وأمّا النبي فإنّه وإن كان قد مضى إلى رحمة الله في الظاهر، ولكن نور سرّه باق بين المؤمنين، فكأنّه باق، على أنّ عترته ورثته يقومون مقامه بحسب الظاهر أيضاً، فيكونون ـ أي العترة ـ يبيّنون كلّ شبهة ويزيحون كلّ علّة، ولهذا قال : « إنّي تارك فيكم الثقلين »(6) .
فمسألة الأفضليّة أيضاً واضحة على ضوء أحاديث القوم وكلمات علمائهم .
وأمّا حديث السفينة، فذاك دليل آخر على أفضليّتهم وعلى عصمتهم أيضاً، ولربّما نتعرّض للبحث عن حديث السفينة في مباحث العصمة إن شاء الله تعالى .
أفضلية الأئمة واحداً واحداً :
وأمّا أفضليّتهم واحداً واحداً، أي من الحسن والحسين إلى آخرهم (عليهم السلام)، فأقرأ لكم حول كلّ إمام بعض الكلمات وبسرعة :
ثبتت أفضليّتهما بآية المباهلة وآية التطهير وغيرهما ، وبالأحاديث المتّفق عليها الواردة في حقّهما، كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة »، رواه أحمد في المسند، الترمذي والنسائي في صحيحيهما والحاكم في المستدرك ، وهو أيضاً في الإصابة وغير هذه الكتب(7)، وحتّى أنّ المنّاوي يقول عن السيوطي : إنّ هذا الحديث متواتر(8) .
الإمام السجّاد (عليه السلام) :
وصفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بزين العابدين، والحديث متّفق عليه ، ومن رواته صاحب الصّواعق(9)، وعن يحيى ابن سعيد إنّهقال : هو أفضل هاشمي رأيته في المدينة(9)، وقصيدة الفرزدق في حقّه معروفة ومشهورة(10) .
أعلم الناس وأفضلهم في عهده، ولذا لقّبه النبي بالباقر ، لأنّه بقر العلم، وكان من الآخذين عنه أبو حنيفة وابن جريج والأوزاعي والزهري وغيرهم، وهؤلاء أئمّة أهل السنّة في ذلك العصر .
قال أبو حنيفة : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد(11)، وقد
حضر عنده هو ومالك بن أنس وغيرهما من أئمّة أهل السنّة، وفي مختصر التحفة الإثنا عشرية عن أبي حنيفة إنّه قال : لولا السنتان لهلك النعمان(12)، يعني السنتين اللتين حضر فيهما عند الإمام الصادق (عليه السلام)، وقال ابن حبّان : من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً .
لقّبوه بالعبد الصالح كما في تهذيب الكمال وغيره من
المصادر(13)، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني : مناقبه كثيرة(14)، وقال ابن حجر المكي في الصواعق : كان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم(15)، قالوا : وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله(16) ـ أي في حياته وبعد حياته ـ وقد ذكروا له كرامات عجيبة، كقضيّته مع شقيق البلخي التي ذكرها ابن الجوزي في صفة الصفوة(17) .
ذكروا إنّه كان يجلس في المسجد النبوي ويفتي الناس
وهو ابن اثنتين وعشرين سنة، لاحظوا هذه الكلمة في تهذيب التهذيب وفي المنتظم لابن الجوزي وغيرهما من الكتب(18)، وقد رووا أنّ من تلامذته : أحمد بن حنبل كما في سير أعلام النبلاء(19)، وقال الذهبي عن الإمام الرضا (عليه السلام) : كان سيّد بني هاشم في زمانه وأجلّهم وأنبلهم وكان المأمون يعظّمه ويخضع له(20)، وقال ابن حجر : قال الحاكم ـ رجاءً لاحظوا هذه القضية ـ : سمعت أبا بكر بن المؤمّل بن الحسن بن عيسى يقول : خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة، وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا وهم إذ ذاك متوافرون، خرجنا إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا بطوس، فرأيت من تعظيمه ـ أي تعظيم ابن خزيمة ـ لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرّعه عندها ما تحيّرنا(21).
فليسمع من يحرّم زيارة القبور والتضرّع عند القبور في المشاهد المشرفة .
قال الذهبي بترجمته : من سادات أهل بيت النبوّة، وكذا
قال الصفدي(22)، وفي تاريخ الخطيب ما يفيد أنّه كان يرجع إليه ـ أي إلى الإمام الجواد ـ في معاني الأخبار وحقائق الأحكام(23)
الإمام الهادي (عليه السلام) :
قال الخطيب : أشخصه جعفر المتوكل من مدينة رسول الله
إلى بغداد، ثمّ إلى سرّ من رأى، فقدمها وأقام فيها عشرين سنة
وتسعة أشهر، ولذا عرف بالعسكري(24)، وقال الذهبي : كان المتوكل فيه نصب وانحراف(25)، وقد شهد أعلام أهل السنّة بفقه الإمام الهادي وعبادته وزهده، قال اليافعي : كان الإمام علي الهادي متعبّداً فقيهاً إماماً(26)، وقال ابن كثير : كان عابداً زاهداً(27)، وكان سلام الله عليه أعلم علماء عصره، وقد ظهرت منزلته العلميّة في قضيّة اتّفقت للمتوكل عجز العلماء عن إعطاء الرأي الصحيح فيها، وكان الرأي في تلك القضية للإمام (عليه السلام)، ذكر القضيّة الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد(28) .
الإمام العسكري (عليه السلام) :
كان أكثر عمره تحت النظر، وكان الناس ممنوعين منالالتقاء به، والاستفادة منه، وحال الحكام دون أن تظهر علوم هذا الإمام (عليه السلام) للأُمّة، ومع ذلك فقد ظهرت منه فوائد، وظهرت منه كرامات، ونقلت عنه روايات كثيرة، وبإمكانكم المراجعة إلى كتاب حلية الأولياء وإلى لسان الميزان(29)، إلى الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة(30) وإلى الصواعق المحرقة(31)وإلى نور الأبصار(32)والى روض الرياحين لليافعي(33) وإلى جامع كرامات الأولياء للنبهاني(34)، وغير هذه الكتب .
الإمام المهدي عجّل الله فرجه :
یوجد علی موقعنا شرح مفصل في مقالات متعددة لمقام الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف .. فراجع
وإن أردتم أن تعرفوا ابن تيميّة ورأيه في هؤلاء الأئمّة وحقده وتعصّبه ونصبه، فراجعوا كتاب منهاج السنّة
ونسأل الله التوفيق لنا ولكم وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين .
المصادر :
1- فيض القدير 3/15 .
2- الصواعق المحرقة : 232
3- شرح الزرقاني على المواهب اللّدنيّة 7/7 ـ 8 ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ 1414 .
4- شرح المقاصد 5/303 ـ الشريف الرضي ـ قم ـ 1409 .
5- سورة آل عمران : 101 .
6- تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان 2/221 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ 1416 .
7- مسند أحمد 3/3، 62، 64، 82، سنن الترمذي 5/656 رقم 3768، مستدرك الحاكم 3/167، الإصابة 2/12 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت .
8- فيض القدير 3/415 .
9- الصواعق المحرقة : 302 ـ 304 .
10- فيض القدير في شرح الجامع الصغير 3 / 415 .
11- ديوان الفرزدق 2/178 ـ دار صادر ـ بيروت .
12- سير أعلام النبلاء 6/257 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1405 . (4) مختصر التحفة الإثنا عشرية : 9 .
13- تهذيب الكمال 29/44، تاريخ بغداد 13 / 27 .
14- تهذيب التهذيب 10 / 303 .
15- الصواعق المحرقة : 307 .
16- الصواعق المحرقة : 307 .
17- صفة الصفوة 2/185 .
18- تهذيب التهذيب 7/339 ـ دارالفكر ـ 1404، المنتظم لابن الجوزي 10/119 ـ 120 رقم 1114 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ 1412 .
19- سير أعلام النبلاء 9/388 ـ مؤسسة الرسالة ـ 1405 .
20- تاريخ الإسلام من 201 ـ 210 : 270 ـ دار الكتاب العربي ـ 1411 .
21- تهذيب التهذيب 7 / 339 .
22- تاريخ الإسلام من 211 ـ 220 : 385، وفيه « كان من سَرَوات آل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم).
23- تاريخ بغداد 3 / 54 .
24- تاريخ بغداد 12/56 .
25- سير أعلام النبلاء 12 / 35، الكامل في التاريخ 7 / 55 .
26- مرآة الجنان 2/119 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ 1417 .
27- البداية والنهاية المجلد 6 الجزء 11/15 ـ دارالفكر ـ بيروت .
28- تاريخ بغداد 12/56 ـ 57 .
29- لسان الميزان 1 / 209 .
30- الفول المهمّة : 284 ـ 290 ـ منشورات الأعلمي طهران .
31- الصواعق المحرقة : 314 .
32- نور الأبصار : 183 ـ 185 ـ دارالفكر ـ بيروت .
33- روض الرياحين، وعنه جواهر العقدين ق2 ج2 / 431 .
34- جامع كرامات الأولياء 2/18 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ 1417 .