الائمة الاثنا عشر عند أهل السنة

يقول الطبراني عن جابر بن سمرة : « يكون لهذه الأُمّة اثنا عشر قيّماً » ـ لم يقل خليفة، ولم يقل أميراً ـ « لا يضرّهم من خذلهم، كلّهم من قريش »
Wednesday, August 10, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الائمة الاثنا عشر عند أهل السنة
 الائمة الاثنا عشر عند أهل السنة

 





 

يقول الطبراني عن جابر بن سمرة : « يكون لهذه الأُمّة اثنا عشر قيّماً » ـ لم يقل خليفة، ولم يقل أميراً ـ « لا يضرّهم من خذلهم، كلّهم من قريش »(1) .
إذا ما رجعنا إلى كتب أصحابنا وجدناهم يروون هذا الحديث بأسانيدهم إلى جابر نفسه، وتجدون الحديث مشتملاً على ألفاظ وخصوصيات أُخرى، وسأقرأ لكم تلك الخصوصيات عندما أُريد أنْ أستدلّ بهذا الحديث على إمامة الأئمّة (عليهم السلام) .
وإلى الآن عرفنا من هذه الأحاديث :
أوّلاً : عدد الأئمّة على وجه التحديد، عدد الخلفاء، أو القوّام على هذا الدين على وجه التحديد : اثنا عشر .
ثانياً : يقول رسول الله بأنّ هؤلاء باقون إلى قيام الساعة .
ثالثاً : يقول رسول الله بأنّ عزّ الإسلام منوط بوجود هؤلاء، بإمامة هؤلاء، بخلافة هؤلاء .
رابعاً : هؤلاء أئمّة قوّام للدين، وإن خذلوا وإن خولفوا .
يقول أصحابنا بأنّ المراد من هذا العدد وهؤلاء الذين ذكرهم رسول الله أو أشار إليهم هم أئمّتنا الاثنا عشر سلام الله عليهم .
ومن العجيب أنّ إمامة أئمّتنا بنفس العدد والنص موجود في الكتب السماوية السابقة، وثابت عند أهل الكتاب وأهل الأديان السالفة، ولذا لو أنّ أحداً من أهل الكتاب أسلم، صار شيعيّاً، وهذا ما ينصّ عليه ابن تيميّة في منهاج السنّة (2) .
فإذا كان المراد بنظر أصحابنا من هذا الحديث أئمّتنا الأطهار
الإثنا عشر، فلنرجع إلى أئمّة أهل السنّة ومحدّثيهم الحفّاظ الكبار، لنلاحظ ماذا يقولون في معنى هذا الحديث، ومَن المراد من هؤلاء الأئمّة في هذا الحديث الثابت ؟ فهنا أُمور :
الأمر الأوّل : هذا الحديث لا يمكنهم ردّه، لصحّته ووجوده في الصحيحين وغيرهما من الكتب .
الأمر الثاني : إنّهم لا يريدون أن يعترفوا بما تقوله الشيعة الإمامية .
الأمر الثالث : إنّ الذين تولّوا الأمر بعد رسول الله عددهم أكثر من هذا العدد بكثير .
ومع الإلتفات إلى هذه الأُمور الثلاثة، لاحظوا ما يقولون في شرح هذا الحديث، وانظروا كيف يضطربون وتتضارب أفكارهم وآراؤهم وأقوالهم في شرح هذا الحديث وبيان معناه، ولو أردتُ أنْ أذكر لكم كلّ ما حصلت عليه من كلماتهم لطال بنا المجلس، وعندنا بحوث لاحقة أيضاً فلا يبقى لها مجال .
لقد اضطربوا في معنى هذا الحديث اضطراباً كبيراً، فابن حجر العسقلاني في فتح الباري يذكر آراء ابن الجوزي والقاضي عياض، ويباحثهم فيما قالا، وابن كثير الدمشقي يذكر في كتابه البداية والنهاية ـ حيث يعنون هذا الحديث ـ يذكر آراء البيهقي وغيره ويناقشهم، ولا بأس أنْ أقرأ لكم رأي ابن كثير فقط، وبه أكتفي لئلاّ يطول بنا البحث .
يقول ابن كثير بعد أنْ يذكر رأي البيهقي وغيره : وفيه نظر، وبيان ذلك : إنّ الخلفاء إلى زمن الوليد بن يزيد أكثر من اثني عشر على كل تقدير، وبرهانه إنّ الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي خلافتهم محققة بنص حديث سفينة : « الخلافة بعدي ثلاثون سنة »، ثمّ بعدهم الحسن بن علي كما وقع ـ لأنّ عليّاً أوصى إليه، وبايعه أهل العراق وركب وركبوا معه لقتال أهل الشام ـ ثمّ معاوية، ثمّ ابنه يزيد بن معاوية، ثمّ ابنه معاوية بن يزيد، ثمّ مروان بن الحكم، ثمّ ابنه عبد الملك بن مروان، ثمّ ابنه الوليد بن عبد الملك، ثمّ سليمان بن عبد الملك، ثمّ عمر بن عبد العزيز، ثمّ يزيد بن عبد الملك، ثمّ هشام بن عبد الملك .
فهؤلاء خمسة عشر، فزادوا ثلاثة، وعلى كلّ تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزيز ، فهذا الذي سلكه أي البيهقي على هذا التقدير يدخل في الإثني عشر يزيد بن معاوية، ويخرج منهم عمر بن عبد العزيز، الذي أطبق الأئمّة على شكره وعلى مدحه، وعدّوه من الخلفاء الراشدين، وأجمع الناس قاطبة على عدله، وأنّ أيّامه كانت من أعدل الأيّام، حتّى الرافضة يعترفون بذلك(إذن، يظهر : إنّ الملاك في الأئمّة أن يكونوا عدولاً، حتّى يُعَدوا في الإثني عشر الذين أرادهم رسول الله، فيعترض على القوم لماذا أدخلتم يزيد بن معاوية وأخرجتم عمر بن عبد العزيز ؟ والحال أنّ عمر بن عبد العزيز معروف بالعدل ؟) .
فإن قال : ـ يعني البيهقي ـ أنا لا أعتبر إلاّ من اجتمعت الأُمّة عليه، لزمه على هذا القول أنْ لا يعدّ علي بن أبي طالب ولا ابنه، لأنّ الناس لم يجتمعوا عليهما، وذلك لأنّ أهل الشام بكاملهم لم يبايعوهما، وعدّ حينئذ معاوية وابنه يزيد وابن ابنه معاوية بن يزيد، ولم يعتد بأيّام مروان ولا ابن الزبير، لأنّ الأُمّة لم تجتمع على واحد منهما، ولكن هذا لا يمكن أن يسلك، لأنّه يلزم منه إخراج علي وابنه الحسن من هؤلاء الإثني عشر، وهو خلاف ما نصّ عليه أئمّة السنّة بل الشيعة(3) .
فهذا قول من أقوالهم، وهو من البيهقي، ثمّ هذا قول ابن كثير باعتراضه على البيهقي حيث يقول بأنّ لازم كلامكم إخراج علي والحسن من الاثني عشر .
ولو أردتم التفصيل، فراجعوا : شرح النووي على صحيح مسلم، راجعوا فتح الباري في شرح صحيح البخاري، وراجعوا تفصيل كلام ابن كثير في تاريخه، فقد ذكروا في هذه الكتب أن بعضهم أخرج الإمام عليّاً (عليه السلام) والحسن من الأئمّة الاثني عشر، وأدخلوا في مقابلهما ومكانهما معاوية ويزيد ابن معاوية وأمثالهما.
الکلام حول هذا الحديث، يقع في جهتين :
الأولى : في تحقيق الوجوه التي ذكرها القوم في معناه، ونقدها واحداً واحداً .
والثانية : في بيان معناه على ضوء الأدلّة المتقنة من الكتاب والسنّة، لاسيّما سائر الأحاديث الصحيحة الواردة في الموضوع، لأنّ الحديث يفسّر بعضه بعضاً .
وبعبارة أُخرى : يتكوّن البحث في معنى هذا الحديث من فصلين :
أحدهما : في الموانع عن انطباق الحديث على الأشخاص الذين ذكرهم القوم
والثاني : في مصاديقه الذين قصدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وكلّ ذلك بالنظر إلى الأحاديث الصحيحة وأخبار أولئك الأشخاص المدوّنة في كتب السير والتواريخ .
هذا، وقد توافق القوم على ذكر جملة من ملوك بني أُميّة في عداد الخلفاء الإثني عشر، وذلك باطلٌ بالنظر إلى أن الحديث في « الخلفاء » لا « الملوك » وبالنظر إلى ما ورد في كتب الفريقين في ذمّ بني أُميّة، لاسيّما الحديث المعتبر بتفسير قوله تعالى :
( ... وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) [ الاسراء : 60 ]من أنّ المراد بنو أُميّة .
لكن ممّا يهوّن الخطب أنّهم بعد أنْ شرّقوا وغرّبوا، اضطرّوا إلى الإعتراف بعدم فهمهم للحديث، وكما ذكرنا في الأُمور الثلاثة، فإنّ الحقيقة هي أنّهم لا يريدون أن يعترفوا بما تقوله الشيعة، ورغم جميع محاولاتهم، وعلى مختلف آرائهم، فإنّ الحديث لا ينطبق على خلفائهم وأئمّتهم، فماذا يفعلون ؟ يعترفون بأنّا لم نفهم معنى هذا الحديث، لاحظوا هذه الكلمات :
يقول الحافظ ابن العربي المالكي كما في شرح الترمذي(4) : لم أعلم للحديث معنى .
وفي فتح الباري عن ابن البطال إنّه حكى عن المهلب قوله ـ وهي عبارة مهمة ـ : لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث بشيء معيّن(5) .
وعن ابن الجوزي : قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث وتطلّبت مضانّه وسألت عنه، فلم أقع على المقصود(6) .
أقول : المقصود معلوم، المقصود يقع عليه من كان عنده إنصاف ولم يكن عنده تعصّب .
والملاحظ أنّهم يحاولون قدر الإمكان تطبيق الحديث على زمن حكومة بني أُميّة، مع أنّهم يروون عن النبي أن الخلافة بعده ثلاثون سنة، ثم يكون الملك، وقلّ ما رأيت منهم من يشارك حكّام بني العباس في معنى هذا الحديث، نعم، وجدته في كلام الفضل ابن روزبهان، فلاحظوا من يرى ابن روزبهان أنّهم الأئمّة الإثنا عشر، يقول :
إنّ عدد صلحاء الخلفاء من قريش اثنا عشر [ وكأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قيّد هذا الحديث بالصلحاء، والحال أنّه لا يوجد في لفظ الحديث كلمة : الصلحاء، أو ما يؤدّي معنى كلمة الصلحاء ]وهم : الخلفاء الراشدون، وهم خمسة ـ يعني منهم الحسن (عليه السلام)ـ ثمّ عبدالله بن الزبير وعمر بن عبد العزيز فهؤلاء سبعة، وخمسة من بني العباس .
أمّا مَن هؤلاء الخمسة من بني العباس ؟ لا يذكرهم، فمن يذكر ؟ يذكر هارون ؟ يذكر المتوكل ؟ يذكر المنصور الدوانيقي ؟ أيّهم يستحقّ أن يطلق عليه اسم خليفة رسول الله والامام من بعده ؟ فهو لا يذكر أحداً، وإنّما يقول خمسة، وكأن تقسيم هذا الأمر فوّض إلى الفضل ابن روزبهان، فجعل من هؤلاء سبعة ومن هؤلاء خمسة .
وعلى كلّ حال، ليس لهم رأي يستقرّون عليه، ثمّ يعترفون بعدم فهمهم للحديث، وفي الحقيقة ليس بعدم فهم، وإنّما عدم اعتراف بالواقع والحقيقة .
حقيقة الاثني عشر

إذن، ما هي الحقيقة ؟

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد أن يعرّف الأئمّة من بعده ويعيّن عددهم
على وجه التحديد، وقد فعل هذا، لكن اللغط والصياح والضجّة من حوله، كلّ ذلك منع من سماع الحاضرين صوته ونقلهم ما سمعوا من رسول الله، فكان السبب في خفاء صوته في الحقيقة هذه الضجّة من حوله، لا أنّ صوته ضعف، أو حصل مثلاً انخفاض في صوته، ورسول الله ـ كما جاء في بعض ألفاظ هذا الحديث ـ قد قال :
« كلّهم من بني هاشم » .
يقول جابر بن سمرة : كنت مع أبي عند النبي، فسمعته يقول : « بعدي اثنا عشر خليفة »، ثمّ أُخفي صوته، [ لاحظوا : ثمّ أُخفي صوته ] فقلت لأبي : ما الذي أخفى صوته ؟ قال : قال :
« كلّهم من بني هاشم »، وعن سماك بن حرب أيضاً مثل ذلك .
ثمّ نلاحظ القرائن الموجودة في لفظ الحديث، والقرائن ذكرتها في خلال البحث، أُكرّرها مرّةً أُخرى بسرعة :
« لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة » .
يكون لهذه الأُمّة اثنا عشر قيّماً لا يضرّهم من خذلهم »، يظهر :
إنّ هناك من الأُمّة خذلاناً، ومن الذي خذل معاوية ؟ ومتى خذل يزيد ؟ ومتى خذل مروان وغير أُولئك ؟ أهل البيت هم الذين خُذلوا ، هم الذين خولفوا .
ويظهر من كلمة « القيّم » أنّ المراد هو الإمامة بالمعنى الحقيقي ، أي الإمامة الشرعية، وليس المراد هو الحكومة وبسط اليد ونفوذ الكلمة والسيطرة على السلطة الإجرائية .
وإذا رجعنا إلى أحاديثنا وأسانيدنا المتصلة إلى جابر بن سمرة وغيره وجدنا أشياء أُخرى، فلاحظوا الرواية :
عن سلمان : « الأئمّة بعدي اثنا عشر »، ثمّ قال : « كلّهم من قريش، ثمّ يخرج المهدي ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ فيشفي صدور قوم مؤمنين ، ألا إنّهم أعلم منكم فلا تعلّموهم، ألا إنّهم عترتي ولحمي ودمي، ما بال أقوام يؤذونني فيهم، لا أنالهم الله شفاعتي »(7)
فهذا لفظ من ألفاظ الحديث .
ومن ألفاظ الحديث عن أبي هريرة : « أهل بيتي ـ الأئمّة بعدي اثنا عشر كذا ـ أهل بيتي عترتي من لحمي ودمي، هم الأئمّة بعدي، عدد نقباء بني إسرائيل »(8) .
عن حذيفة بن أسيد : « الأئمّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب الحسين ومنّا مهدي هذه الأُمّة، ألا إنّهم مع الحق والحق معهم، فانظروا كيف تخلفوني فيهم »(9) .
وهذه من ألفاظ حديث الأئمّة إثنا عشر، والألفاظ هذه موجودة في كتاب كفاية الأثر في النص على الأئمّة الإثني عشر .
وإذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أخبر بعدد الأئمّة من بعده وعيّنهم بهذه الأوصاف، وأنّهم من العترة، وأنّهم أعلم، وأنّهم كذا، وأنّهم كذا ، ثمّ قال : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما »، فيكون قد أشار (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حديث الثقلين، والحديث يفسّر بعضه بعضاً، فقد كان هذا من مداليل حديث الثقلين .
المصادر :
1- المعجم الكبير للطبراني 2/196 رقم 1794 ـ دار إحياء التراث العربي .
2- منهاج السنة 8 / 242 .
3- البداية والنهاية المجلد 3 الجزء 6/249 ـ 250 ـ دارالفكر ـ بيروت .
4- عارضة الأحوذي في شرح الترمذي 9/69 .
5- فتح الباري في شرح صحيح البخاري 13/180 .
6- فتح الباري في شرح صحيح البخاري 13 / 181 .
7- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر : 44 ـ انتشارات بيدار ـ قم ـ 1401 .
8- كفاية الأثر : 89 .
9- كفاية الأثر : 130 .

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.