
قالوا إن الله جالس على كرسيه كما قال اليهود
عن أبي نضرة قال خطبنا ابن عباس على هذا المنبر منبر البصرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه لم يكن نبي إلا له دعوة تنجزها في الدنيا ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لاَمتي ، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول من تنشق عنه الاَرض ولا فخر ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، آدم فمن دونه تحت لوائي . قال : ويطول يوم القيامة على الناس . . . . قال ثم آتي باب الجنة فآخذ بحلقة باب الجنة فأقرع الباب فيقال من أنت فأقول محمد فيفتح لي فأرى ربي عز وجل وهو على كرسيه أو سريره ، فأخر له ساجداً وأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد بعدي ، فيقال : إرفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع .
قال فأرفع رأسي فأقول : أي رب أمتي أمتي ، فيقال لي : أخرج من النار من كان في قلبه مثقال كذا وكذا فأخرجهم ، ثم أعود فأخر ساجداً وأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد بعدي ، فيقال لي : إرفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع ، فأرفع رأسي فأقول : أي رب أمتي أمتي ، فيقال : أخرج من النار من كان في قلبه مثقال كذا وكذا فأخرجهم ، قال وقال في الثالثة مثل هذا أيضاً ! انتهى .
وهذه الرواية مضافاً إلى ما فيها من تجسيم فهي واحدة من روايات توسيع الشفاعة لتشمل جميع الاَمة برها وفاجرها وظالمها ومظلومها ، وقاتلها ومقتولها ، بل لتشمل كل الكفار تقريباً كما سترى في باب الشفاعة إن شاء الله تعالى . ولم يستثن إخواننا من هذه الشفاعة الموسعة المجانية إلا أهل بيت النبي وشيعتهم !(1)
ـ مجمع الزوائد ج 1 ص 126
وعن ثعلبة بن الحكم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله عز وجل للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لفصل عباده : إني لم أجعل علمي وحلمي فيكم ، إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان فيكم ولا أبالي . رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون .
ـ سير أعلام النبلاء ج 17 ص 656
قال أبونصر السجزي في كتاب الاَبانة : وأئمتنا كسفيان ، ومالك ، والحمادين ، وابن عيينة ، والفضيل ، وابن المبارك ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، متفقون على أن الله سبحانه فوق العرش ، وعلمه بكل مكان ، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا ، وأنه يغضب ويرضى ، ويتكلم بما شاء !
ـ دلائل النبوة للبيهقي ج 5 ص 481
يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إلى الله وهو جالس على كرسيه . انتهى .
وقد أوردنا في الفصلين الثالث والخامس عدداً آخر من رواياتهم في جلوس الله تعالى على عرشه وأطيط العرش من ثقله بزعمهم ، وأثبتنا أن أول من فتح القول بالتجسيم في الاِسلام هو كعب الاَحبار والخليفة عمر .وتناقضت رواياتهم في العرش والكرسي
ـ فردوس الاَخبار للديلمي ج 1 ص 219
ابن عمر : إن الله عز وجل ملأ عرشه ، يفضل منه كما يدور العرش أربعة أصابع بأصابع الرحمن عز وجل .
ـ تفسير الطبري ج 3 ص 8
ـ عن عبدالله بن خليفة أتت امرأة النبي فقال أدع الله أن يدخلني الجنه.. ثم قال (صلی الله عليه وآله وسلم) إن كرسيه وسع السموات والاَرض وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع .
ـ تفسير الطبري ج 3 ص 7
عن الربيع : وسع كرسيه السموات والاَرض ، قال لما نزلت .. قال أصحاب النبي : يا رسول الله هذا الكرسي وسع السموات والاَرض فكيف العرش ؟ فأنزل الله تعالى وما قدروا الله حق قدره . . . . عن أبي موسى : قال الكرسي موضع القدمين . وعن السدي : والكرسي بين يدي العرش وهو موضع قدميه .
ـ فردوس الاَخبار للديلمي ج 5 ص 128
ابن عباس : وسع كرسيه السموات والاَرض ، كرسيه موضع قدمه ، والعرش لا يقدر قدره . ونحوه في تاريخ بغداد ج 9 ص 251 وفي تفسير الصنعاني ج 2 ص 203 وفي فردوس الاَخبار ج 5 ص 128
ـ مجمع الزوائد ج 10 ص 343
وعن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله يجمع الاَمم يوم القيامة ثم ينزل من عرشه إلى كرسيه ، وكرسيه وسع السموات والاَرض .
ـ سنن أبي داود ج 2 ص 419
قال ابن بشار في حديثه : إن الله فوق عرشه ، وعرشه فوق سمواته . وساق الحديث .
ـ إرشاد الساري للقسطلاني ج 5 ص 249
عن بعض السلف أن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه محيط بالعالم من كل جهه .
ـ إرشاد الساري للقسطلاني ج 7 ص 42
قال قوم هو ( أي الكرسي ) جسم بين يدي العرش . . . . وزعم بعض أهل الهيئة من الاِسلاميين أن الكرسي هو الفلك الثامن . . . . وهو الاَطلس .
ـ إرشاد الساري للقسطلاني ج 7 ص 312
قال ابن كثير : والعرش فوق العالم مما يلي رؤس الناس .وقالوا عرش الله كرسي متحرك
ـ مجمع الزوائد ج 10 ص 154
وعن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل فيقول . . . . فيكون كذلك حتى يصبح الصبح ثم يعلو عز وجل على كرسيه . رواه الطبراني في الكبير والاَوسط بنحوه . . . . ويحيى بن إسحاق لم يسمع من عبادة ولم يرو عنه غير موسى بن عقبة ، وبقية رجال الكبير رجال الصحيح .
عبادة بن الصامت : ينزل الله عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا فلا يزال كذلك حتى يصلي الصبح ، ثم يعلو ربنا عز وجل على كرسيه .
ينزل ربنا عز وجل في ظلل من الغمام والملائكة ، ويضع عرشه حيث يشاء من الاَرض .
وقالوا العرش غير الكرسي ، وقالوا العرش هو الكرسي!
ينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي .(2)
ـ معالم التنزيل للبغوي ج 1 ص 239
أبو هريرة : الكرسي هو العرش .
ـ وروى السيوطي في ج 1 ص 324
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كان الحسن يقول الكرسي هو العرش . . . . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . . وسع كرسيه السموات والاَرض ، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد .ورواه في كنز العمال ج 14 ص 636
تفسير قوله تعالى : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً
قال اللّه تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا . ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً . الاِسراء 78 ـ 79 وقالوا يجلس الله على عرشه ويُجْلس النبي إلى جانبه
ـ روى الدارمي في سننه ج 2 ص 325
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قيل له ما المقام المحمود ؟ قال : ذاك يوم ينزل الله تعالى على كرسيه يئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه به ، وهو كسعة ما بين السماء والاَرض ، ويجاء بكم حفاة عراة غزلاً ، فيكون أول من يكسى إبراهيم ، يقول الله تعالى أكسوا خليلي ، فيؤتي بريطتين بيضاوين من رياط الجنة ، ثم أكسى على أثره ثم أقوم عن يمين الله مقاماً يغبطني الاَولون والآخرون . (3)
ـ وقال السيوطي في الدر المنثور ج 1 ص 34 وص 328 وص 324
وأخرج ابن المنذر وأبوالشيخ عن ابن مسعود قال قال رجل يا رسول الله ما المقام المحمود ؟ قال : ذلك يوم ينزل الله على كرسيه يئط منه كما يئط الرحل الجديد من تضايقه ، وهو كسعة ما بين السماء والاَرض . ورواه في كنز العمال ج 14 ص 636
ـ وقال السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 198
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا ، قال : يجلسه بينه وبين جبريل عليه السلام ويشفع لاَمته ، فذلك المقام المحمود .
ـ وروى البيهقي في دلائل النبوة ج 5 ص 481
يأتي رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)يوم القيامة إلى الله وهو جالس على كرسيه .
ـ دلائل النبوة للبيهقي ج 5 ص 486
عن عبد الله بن سلام : .. وينجو النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)والصالحون معه وتتلقاهم الملائكة يرونهم منازلهم .. حتى ينتهي إلى الله عز وجل فيلقى له كرسي .
ـ وروى الديلمي في فردوس الاَخبار ج 3 ص 85
ابن عمر : عسى الله أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، يجلسني معه على السرير .
ـ وفي فردوس الاَخبار ج 4 ص 298
أنس بن مالك : من كرامتي على ربي عز وجل قعودي على العرش .
ـ وقال الشوكاني في فتح القدير ج 3 ص 316
إن المقام المحمود هو أن الله سبحانه يجلس محمداً (صلی الله عليه وآله وسلم)معه على كرسيه ، حكاه ابن جرير . . . . وقد ورد في ذلك حديث .
ـ تاريخ بغداد ج 3 ص 22
أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي ، أخبرنا يحيى بن وصيف الخواص ، حدثنا أحمد بن علي الخراز ، حدثنا المعيطي وغير واحد قالوا : حدثنا محمد بن فضيل عن ليث بن مجاهد في قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا ، قال : يقعده معه على العرش ..
ـ تاريخ بغداد ج 8 ص 52
عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكرسي الذي يجلس عليه الرب عز وجل وما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع ، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد !
قال أبوبكر المروذي قال لي أبو علي الحسين بن شبيب قال لي أبو بكر بن سلم العابد حين قدمنا إلى بغداد : أخرج ذلك الحديث الذي كتبناه عن أبي حمزة فكتبه أبو بكر بن سلم بخطه وسمعناه جميعاً ، وقال أبو بكر بن سلم : إن الموضع الذي يفضل لمحمد صلى الله عليه وسلم ليجلسه عليه . قال أبو بكر الصيدلاني : من رد هذا فإنما أراد الطعن على أبي بكر المروذي ، وعلى أبي بكر بن سلم العابد . . . .
ونفى الفكرة بعض علماء السنة
ـ صحيح شرح العقيدة الطحاوية ج 1 ص 570
قال الاِمام الطحاوي رحمه الله : والشفاعة التي ادخرها لهم حق كما روي في الاَخبار ، ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته ، ولا نأمن عليهم ولا نشهد لهم بالجنة ، ونستغفر لمسيئهم ونخاف عليهم ، ولا نقنطهم .
الشرح : لقد ثبتت الشفاعة منطوقاً ومفهوماً في القرآن الكريم وخاصة للنبي صلى الله عليه وآله ، ومن تلك الآيات قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، الضحى 3 ، وقال تعالى: عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا . الاِسراء 79 ، وتفسير المقام المحمود بالشفاعة ثابت في الصحيحين وغيرهما .
وقال الله تعالى : يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً . طه 9 ـ 10 . وقال تعالى : ما من شفيع إلا من بعد إذنه يونس ـ 3 . وفي شفاعة الملائكة قوله تعالى : بل عباد مكرمون . لا يسبقونه بالقول . وهم بأمره يعملون . يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون .الاَنبياء : 78 . (4)
ومن الغريب العجيب أن يعرض المجسمة والمشبهة عن هذا الوارد الثابت في الصحيحين ، ويفسروا المقام المحمود بجلوس سيدنا محمد على العرش بجنب الله!! تعالى الله عن إفكهم وكذبهم علواً كبيراً ، وهم يعتمدون على ذلك على ما يروى عن مجاهد بسند ضعيف من أنه قال ما ذكرناه من التفسير المنكر المستشنع ،
وقال المستشرقون إنها فكرة مسيحية
ـ مذاهب التفسير الاِسلامي لجولد شهر ص 122 ـ 123
. . . سجلت فتنة ببغداد ، أثارها نزاع على مسألة من التفسير ذلك هو تفسير الآية 79 من سورة الاِسراء : ومن الليل فتهجد به نافلة عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا. ما المراد من المقام المحمود ؟ ذهب الحنابلة . . . . إلى أن الذي يفهم من ذلك هو أن الله سبحانه يقعد النبي معه على العرش . . . . ربما كان هذا متأثراً بما جاء في إنجيل مرقص 16 ، 19 ، وآخرون ذهبوا إلى أن المقام المحمود .. هو مرتبة الشفاعة التي يرفع اليها النبي .واعترفوا بأن بعض هذه الاَحاديث موضوعة
ـ ميزان الاِعتدال ج 4 ص 174
أنبأني جماعة عن عين الشمس الثقفية ، أخبرنا محمد ابن أبي ذر سنة ست وعشرين وخمسمائة ، أخبرنا أبوطاهر عبدالرحيم ، أخبرنا عبدالله بن محمد القباب، أخبرنا أحمد بن الحسن بن هارون الاَشعري ، حدثنا على بن محمد القادسي بعكبرا سنة ست وخمسين ومائتين ، حدثنا محمد بن حماد ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : إذا كان يوم القيامة ينادي مناد : أين حبيب الله فيتخطى صفوف الملائكة حتى يصير إلى العرش ، حتى يجلسه معه على العرش ، حتى يمس ركبته . فهذا لعله وضعه أحد هؤلاء أصحاب مقاتل أو القادسي .
ـ تاريخ بغداد ج 12 ص 112
حدثنا أحمد بن عبد الله الحفار ، قال رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقلت : يا أبا عبد الله ما صنع الله بك ؟ قال : حباني وأعطاني وقربني وأدناني . قال قلت : الشيخ الزمن علي بن الموفق ما صنع الله به ؟ قال : الساعة تركته على زلالي ، يريد العرش . انتهى . وقال في هامشه : الزلية : بكسر الزاي واللام البساط ، والجمع زلالي . عن القاموس .
وقالوا يُجْلس أبا بكر على كرسي عند العرش
ـ تاريخ بغداد ج 4 ص 386
عن ابن أبي ذئب ، عن معن بن الوليد ، عن خالد بن معدان ، عن معاذ بن جبل قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا كان يوم القيامة نصب لاِبراهيم منبر أمام العرش ونصب لي منبر أمام العرش ، ونصب لاَبي بكر كرسي ، فنجلس عليها وينادي مناد يالك من صديق بين خليل وحبيب . !!
تفسير قوله تعالى : فلما آسفونا انتقمنا منهم قال تعالى عن فرعون : فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين . فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين . الزخرف 54 ـ 55
قال أهل البيت عليهم السلام : إن الله لا يأسف كأسفنا
ـ الكافي ج 1 ص 144
محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمه حمزة بن بزيع ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : فلما آسفونا انتقمنا منهم ، فقال : إن الله عز وجل لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون ، فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه، لاَنه جعلهم الدعاة إليه والاَدلاء عليه ، فلذلك صاروا كذلك ، وليس أن ذلك يصل إلى خلقه ، لكن هذا معنى ما قال من ذلك ، وقد قال : من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها ، وقال : ومن يطع الرسول فقد أطاع الله . وقال : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم . فكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك ، وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الاَشياء مما يشاكل ذلك .
ولو كان يصل إلى الله الاَسف والضجر وهو الذي خلقهما وأنشأهما ، لجاز لقائل هذا أن يقول : إن الخالق يبيد يوماً ما ، لاَنه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغيير ، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الاِبادة ، ثم لم يعرف المكون من المكون ولا القادر من المقدور عليه ، ولا الخالق من المخلوق ، تعالى الله عن هذا القول علواً كبيرا ، بل هو الخالق للاَشياء لا لحاجة ، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه ، فافهم إن شاء الله تعالى . انتهى .
أقول : ومما يؤيد تفسير آسفونا في الآية بأنهم آسفوا الاَنبياء والاَوصياء عليهم السلام ، أنه تعالى قال ( آسفونا ) بجمع المتكلم ولم يقل آسفوني بالمفرد ، وقد فسرها الاِمام عليه السلام بأن الله تعالى نسب الفعل إلى نفسه لاَنهم آسفوا عباده الخاصين ، لاَن إغضابهم إغضاب له تعالى .
وهذا يفتح لنا باباً لفهم نسبة الفعل الاِلَهي وقانونها في القرآن ، ومتى يسند الفعل إلى الله تعالى بصيغة المفرد المتكلم ، ومتى يسند بصيغة الجمع ، أو بصيغة الغائب . فإن دراسة الاَفعال المسندة إلى الله تعالى في القرآن ، عن طريق إحصائها وتقسيمها وتحليلها ، سيعطينا فوائد متعددة في معرفة أنواع الفعل الاِلَهي ووسائله . ففي كل نوع من صيغ نسبته إلى الله تعالى هدف ، ووراءه قاعدة ..
فبعض الاَفعال أسندها عز وجل إلى نفسه بصيغة المفرد المتكلم وجمع المتكلم والمفرد الغائب ، مثل : أوحيت ، أوحينا ، نوحي ، أوحي . . . . وبعضها أسندها بصيغة جمع المتكلم والغائب فقط ولم يسندها بصيغة المفرد مثل : بشرنا ، أرسلنا ، صورنا ، رزقنا ، بينا .. الخ . ولم يقل بشرت أو رزقت . . . . الخ .
إن كلمات القرآن وحروفه موضوعة في مواضعها بموجب علوم إلَهية عميقة وحسابات ربانية دقيقة ، كما وضعت النجوم في مواضعها ومداراتها في الكون ( فلا أقسم بمواقع النجوم ، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ، إنه لقرآن كريم ) . وإن كشف أصل وجود القاعدة في نسبة الفعل الاِلَهي في القرآن بحد ذاته أمر مهم . ولكن معادلتها وتطبيقاتها ستبقى على الاَرجح ظناً وتخميناً ، لاَننا محرومون من الذي عنده علم الكتاب روحي فداه !
روى في الاِحتجاج أن شخصاً جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقال له : لولا ما في القرآن من الاِختلاف والتناقص لدخلت في دينكم ! فقال له عليه السلام : وما هو فقال : . . . . أجد الله يقول : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ، وفي موضع آخر يقول : الله يتوفى الاَنفس حين موتها ، والذين تتوفاهم الملائكة طيبين ، وما أشبه ذلك ، فمرة يجعل الفعل لنفسه ومرة لملك الموت ، ومرة للملائكة . . . . فقال أمير المؤمنين : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، تبارك وتعالى ، هو الحي الدائم ، القائم على كل نفس بما كسبت ، هات أيضاً ما شككت فيه :
قال : حسبي ما ذكرت . . . . . قال عليه السلام : فأما قوله : الله يتوفى الاَنفس حين موتها ، وقوله : يتوفاكم ملك الموت ، وتوفته رسلنا ، والذين تتوفاهم الملائكة طيبين ، والذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم . . . . فهو تبارك وتعالى أعظم وأجل من أن يتولى ذلك بنفسه ، وفعل رسله وملائكته فعله ، لاَنهم بأمره يعملون ، فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلاً وسفرة بينه وبين خلقه وهم الذين قال فيهم : الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس .. فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة ، ومن كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة ، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره ، وفعلهم فعله ، وكل ما يأتون به منسوب إليه ، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت وفعل ملك الموت فعل الله لاَنه يتوفى الاَنفس على يد من يشاء ، ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب على يد من يشاء ، وإن فعل أمنائه فعله .
المصادر :
1- مسند احمد ج 1 ص 295
2- فردوس الاَخبار للديلمي ج 5 ص 360 و361 و 365
3- الحاكم في المستدرك ج 2 ص 364 والبغوي في مصابيحه ج 3 ص 552 والهندي في كنز العمال ج 14 ص 412 والسيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 84
4- البخاري 3 ـ 338 و 8 ـ 399 و 13 ـ 422 ومسلم 1 ـ 179 .