انواع المحبة

المحبة كلها جنس واحد ورسمها أنها الرغبة في المحبوب وكراهة منافرته والرغبة في المقارضة منه بالمحبة وإنما قدر الناس أنها تختلف من أجل اختلاف الأغراض فيها وإنما اختلفت الأغراض من أجل اختلاف الأطماع وتزايدها وضعفها أو انحسامها
Thursday, September 1, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
انواع المحبة
 انواع المحبة

 





 

المحبة كلها جنس واحد ورسمها أنها الرغبة في المحبوب وكراهة منافرته والرغبة في المقارضة منه بالمحبة وإنما قدر الناس أنها تختلف من أجل اختلاف الأغراض فيها وإنما اختلفت الأغراض من أجل اختلاف الأطماع وتزايدها وضعفها أو انحسامها فتكون المحبة لله عز و جل وفيه وللاتفاق على بعض المطالب وللأب والابن والقرابة والصديق وللسلطان ولذات الفراش وللمحسن وللمأمول وللمعشوق فهذا كله جنس واحد اختلفت أنواعه كما وصفت لك على قدر الطمع فيما ينال من المحبوب.
فلذلك اختلفت وجوه المحبة وقد رأينا من مات أسفا على ولده كما يموت العاشق أسفا على معشوقه وبلغنا عمن شهق من خوف الله تعالى ومحبته فمات ونجد المرء يغار على سلطانه وعلى صديقه كما يغار على ذات فراشه وكما يغار العاشق على معشوقه فأدنى أطماع المحبة ممن تحب الحظوة منه والرفعة لديه والزلفة عنده إذا لم تطمع في أكثر وهذه غاية أطماع المحبين لله عز و جل
ثم يزيد الطمع في المجالسة ثم في المحادثة والموازرة وهذه أطماع المرء في سلطانه وصديقه وذوي رحمه وأقصى أطماع المحب ممن يحب المخالطة بالأعضاء إذا رجا ذلك ولذلك تجد المحب المفرط المحبة في ذات فراشه يرغب في جماعها على هيئات شتى وفي أماكن مختلفة ليستكثر من الاتصال ويدخل في هذا الباب الملامسة بالجسد والتقبيل وقد يقع بعض هذا الطمع في الأب في ولده فيتعدى إلى التقبيل والتعنيق وكل ما ذكرنا إنما هو على قدر الطمع
فإذا انحسم الطمع عن شيء ما لبعض الأسباب الموجبة له مالت النفس إلى ما تطمع فيه ونجد المقر بالرؤية لله عز و جل شديد الحنين إليها عظيم النزوع نحوها لا يقنع بدرجة دونها لأنه يطمع فيها وتجد المنكر لها لا تحن نفسه إلى ذلك ولا يتمناه أصلا لأنه لا يطمع فيه وتجده يقتصر على الرضا والحلول في دار الكرامة فقط لأنه لا تطمع نفسه في أكثر ونجد المستحل لنكاح القرائب لا يقنع منهن بما يقنع المحرم لذلك ولا تقف محبته حيث تقف محبة من لا يطمع في ذلك فتجد من يستحل نكاح ابنته وابنة أخيه كالمجوس واليهود لا يقف من محبتهما حيث تقف محبة المسلم بل نجدهما يتعشقان الابنة وابنة الأخ كتعشق المسلم فيمن يطمع في مخالطته بالجماع
ولا نجد مسلما يبلغ ذلك فيهما ولو أنهما أجمل من الشمس وكان هو أعهر الناس وأغزلهم فإن وجد ذلك في الندرة فلا تجده إلا من فاسد الدين قد زال عنه ذلك الرادع فانفسح له الأمل وانفتح له باب الطمع ولا يؤمن من المسلم أن تفرط محبته لابنة عمه حتى تصير عشقا وحتى تتجاوز محبته لها محبته لابنته وابنة أخيه وإن كانتا أجمل منها لأنه يطمع من الوصول إلى ابنة عمه حيث لا يطمع من الوصول إلى ابنته وابنة أخيه
ونجد النصراني قد أمن ذلك من نفسه في ابنة عمه أيضا لأنه لا يطمع منها في ذلك ولا يأمن ذلك من نفسه في أخته من الرضاعة لأنه طامع بها في شريعته فلاح بهذا عيانا ما ذكرنا من أن المحبة كلها جنس واحد لكنها تختلف أنواعها على قدر اختلاف الأغراض فيها وإلا فطبائع البشر كلهم واحدة إلا أن للعادة والاعتقاد الديني تأثيرا ظاهرا ولسنا نقول إن الطمع له تأثير في هذا الفن وحده لكنا نقول إن الطمع سبب إلى كل هم حتى في الأموال والأحوال فإننا نجد الإنسان يموت جاره وخاله وصديقه وابن عمته وعمه لأم وابن أخيه لأم وجده أبو أمه وابن بنته فإذ لا مطمع له في ماله ارتفع عنه الهم لفوته عن يده وإن جل خطره وعظم مقداره فلا سبيل إلى أن يمر الاهتمام لشيء منه بباله حتى إذا مات له عصبة على بعد أو مولى على بعد وحدث له الطمع في ماله حدث له من الهم والأسف والغيظ والفكرة بفوت اليسير منه عن يده أمر عظيم
وهكذا في الأحوال فنجد الإنسان من أهل الطبقة المتأخرة لا يهتم لإنفاذ غيره أمور بلده دون أمره ولا لتقريب غيره وإبعاده حتى إذا حدث له مطمع في هذه المرتبة حدث له من الهم والفكرة والغيظ أمر ربما قاده إلى تلف نفسه وتلف دنياه وأخراه فالطمع إذا أصل لكل ذل ولكل هم وهو خلق سوء ذميم وضده نزاهة النفس وهذه صفة فاضلة مركبة من النجدة والجود والعدل والفهم لأنه رأى قلة الفائدة في استعمال ضدها فاستعملها وكانت فيه نجده أنتجت له عزة نفسه فتنزه
وكانت فيه طبيعة سخاوة نفس فلم يهتم لما فاته وكانت فيه طبيعة عدل حببت إليه القناعة وقلة الطمع فإذن نزاهة النفس متركبة من هذه الصفات فالطمع الذي هو ضدها متركب من الصفات المضادة لهذه الصفات الأربع وهي الجبن والشح والجور والجهل والرغبة طمع مستوفي متزايد مستعمل ولولا الطمع ما ذل أحد لأحد وأخبرني أبو بكر بن أبي الفياض قال كتب عثمان بن محامس على باب داره بأستجة يا عثمان لا تطمع .

أقوال في المحبة

من امتحن بقرب من يكره كمن امتحن ببعد من يحب ولا فرق إذا دعا المحب في السلو فإجابته مضمونة ودعوته مجابة إقنع بمن عندك يقنع بك من عندك السعيد في المحبة هو من ابتلي بمن يقدر أن يلقي عليه قفله ولا تلحقه في مواصلته تبعة من الله عز و جل ولا ملامة من الناس وصلاح ذاك أن يتوافقا في المحبة وتحريره أن يكونا خاليين من الملل فإنه خلق سوء مبغض وتمامه نوم الأيام عنهما مدة انتفاع بعضهما ببعض وأنى بذلك إلا في الجنة وأما ضمانه بيقين فليس إلا فيها فهي دار القرار وإلا فلو حصل ذلك كله في الدنيا لم تؤمن الفجائع ولقطع العمر دون استيفاء اللذة
إذا ارتفعت الغيرة فأيقن بارتفاع المحبة الغيرة خلق فاضل متركب من النجدة والعدل لأن من عدل كره أن يتعدى إلى حرمة غيره وأن يتعدى غيره إلى حرمته ومن كانت النجدة طبعا له حدثت فيه عزة ومن العزة تحدث الأنفة من الاهتضام أخبرني بعض من صحبناه في الدهر عن نفسه أنه ما عرف الغيرة قط حتى ابتلي بالمحبة فغار وكان هذا المخبر فاسد الطبع خبيث التركيب إلا أنه كان من أهل الفهم والجود درج المحبة خمسة أولها الاستحسان وهو أن يتمثل الناظر صورة المنظور إليه حسنة أو يستحسن أخلاقه وهذا يدخل في باب التصادق ثم الإعجاب به وهو رغبة الناظر في المنظور إليه وفي قربه ثم الألفة وهي الوحشة إليه إذا غاب ثم الكلف وهو غلبة شغل البال به وهذا النوع يسمى باب الغزل بالعشق ثم الشغف وهو امتناع النوم والأكل والشرب إلا اليسير من ذلك وربما أدى ذلك إلى المرض أو إلى التوسوس أو إلى الموت وليس وراء هذا منزلة في تناهي المحبة أصلا كنا نظن أن العشق في ذوات الحركة والحدة من النساء أكثر فوجدنا الأمر بخلاف ذلك وهو في الساكنة الحركات أكثر ما لم يكن ذلك السكون بلها

صباحة الصور وأنواعها

وقد سئلت عن تحقيق الكلام فيها فقلت الحلاوة رقة المحاسن ولطف الحركات وخفة الإشارات وقبول النفس لأعراض الصور وإن لم تكن ثم صفات ظاهرة القوام جمال كل صفة على حدتها ورب جميل الصفات على انفراد كل صفة منها بارد الطلعة غير مليح ولا حسن ولا رائع ولا حلو الروعة بهاء الأعضاء الظاهرة مع جمال فيها وهي أيضا الفراهة والعتق الحسن هو شيء ليس له في اللغة اسم يعبر به عنه ولكنه محسوس في النفوس باتفاق كل من رآه وفي برد مكسو على الوجه وإشراق يستميل القلوب نحوه فتجتمع الآراء على استحسانه وإن لم تكن هناك صفات جميلة فكل من رآه راقه واستحسنه وقبله حتى إذا تأملت الصفات إفرادا لم تر طائلا وكأنه شيء في نفس المرئي يجده نفس الرائي وهذا أجل مراتب الصباحة ثم تختلف الأهواء بعد هذا فمن مفضل للروعة ومن مفضل للحلاوة وما وجدنا أحدا قط يفضل القوام المنفرد الملاحة اجتماع شيء فشيء مما ذكرنا

الأخلاق والعادات

التلون المذموم هو التنقل من زي متكلف لا معنى له إلى زي آخر مثله في التكلف وفي أنه لا معنى له ومن حال لا معنى لها إلى حال لا معنى لها بلا سبب يوجب ذلك وأما من استعمل من الزي ما أمكنه مما به إليه حاجة وترك التزيد مما لا يحتاج إليه فهذا عين من عيون العقل والحكمة كبير وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو القدوة في كل خير والذي أثنى الله تعالى على خلقه والذي جمع الله تعالى فيه أشتات الفضائل بتمامها وأبعده عن كل نقص يعود المريض مع أصحابه راجلا في أقصى المدينة بلا خف ولا نعل ولا قلنسوة ولا عمامة ويلبس الشعر إذا حضره وقد يلبس الوشي من الحبرات إذا حضره ولا يتكلف ما لا يحتاج إليه ولا يترك ما يحتاج إليه ويستغني بما وجدة عما لا يجد ومرة يمشي راجلا حافيا ومرة يلبس الخف ويركب البغلة الرائعة الشهباء ومرة يركب الفرس عريا ومرة يركب الناقة ومرة يركب حمارا ويردف عليه بعض أصحابه
ومرة يأكل التمر دون خبز والخبز يابسا ومرة يأكل العناق المشوية والبطيخ بالرطب والحلواء يأخذ القوت ويبذل الفضل ويترك ما لا يحتاج إليه ولا يتكلف فوق مقدار الحاجة ولا يغضب لنفسه ولا يدع الغضب لربه عز و جل الثبات الذي هو صحة العقد والثبات الذي هو اللجاج مشتبهان اشتباها لا يفرق بينهما إلا عارف بكيفية الأخلاق والفرق بينهما أن اللجاج هو ما كان على الباطل أو ما فعله الفاعل نصرا لما نشب فيه وقد لاح له فساده أو لم يلح له صوابه ولا فساده وهذا مذموم وضده الإنصاف وأما الثبات الذي هو صحة العقد فإنما يكون على الحق أو على ما اعتقده المرء حقا ما لم يلح له باطله وهذا محمود وضده الاضطراب وإنما يلام بعض هذين لأنه ضيع تدبر ما ثبت عليه وترك البحث عما التزم أحق هو أم باطل حد العقل استعمال الطاعات والفضائل وهذا الحد ينطوي فيه اجتناب المعاصي والرذائل وقد نص الله تعالى في غير موضع من كتابه على أن من عصاه لا يعقل قال الله تعالى حاكيا عن قوم وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ثم قال تعالى مصدقا لهم فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير وحد الحمق استعمال المعاصي والرذائل وأما التعدي وقذف الحجارة
والتخليط في القول فإنما هو جنون ومرار هائج وأما الحمق فهو ضد العقل وهما ما بينا آنفا ولا واسطة بين العقل والحمق إلا السخف وحد السخف هو العمل والقول بما لا يحتاج إليه في دين ولا دنيا ولا حميد خلق مما ليس معصية ولا طاعة ولا عونا عليهما ولا فضيلة ولا رذيلة مؤذية ولكنه من هذر القول وفضول العمل فعلى قدر الاستكثار من هذين الأمرين أو التقلل منهما يستحق المرء اسم السخف وقد يسخف المرء في قصة ويعقل في أخرى ويحمق في ثالثة وضد الجنون تمييز الأشياء ووجود القوة على التصرف في المعارف والصناعات وهذا الذي يسميه الأوائل النطق ولا واسطة بينهما وأما إحكام أمر الدنيا والتودد إلى الناس بما وافقهم وصلحت عليه حال المتودد من باطل أو غيره أو عيب أو ما عداه والتحيل في إنماء المال وبعد الصوت وتسبيب الجاه بكل ما أمكن من معصية ورذيلة فليس عقلا ولقد كان الذين صدقهم الله في أنهم لا يعقلون وأخبرنا بأنهم لا يعقلون سائسين لدنياهم مثمرين لأموالهم مدارين لملوكهم حافظين لرياستهم لكن هذا الخلق يسمى الدهاء وضده العقل والسلامة وما إذا كان السعي فيما ذكرنا بما فيه تصاون وأنفة فهو يسمى الحزم وضده المنافي له التضييع وأما الوقار ووضع الكلام موضعه والتوسط في تدبير المعيشة ومسايرة الناس بالمسالمة فهذه الأخلاق تسمى الرزانة وهي ضد السخف
الوفاء مركب من العدل والجود والنجدة لأن الوفي رأى من الجور أن لا يقارض من وثق به أو من أحسن إليه فعدل في ذلك ورأي أن يسمح بعاجل يقتضيه له عدم الوفاء من الحظ فجاد في ذلك ورأى أن يتجلد لما يتوقع من عاقبة الوفاء فشجع في ذلك أصول الفضائل كلها أربعة عنها تتركب كل فضيلة وهي العدل والفهم والنجدة والجود أصول الرذائل كلها أربعة عنها تتركب كل رذيلة وهي أضداد الذي ذكرنا وهي الجور والجهل والجبن والشح الأمانة والعفة نوعان من أنواع العدل والجود النزاهة في النفس فضيلة تركبت من النجدة والجود وكذلك الصبر الحلم نوع مفرد من أنواع النجدة القناعة فضيلة مركبة من الجود والعدل الحرص متولد عن الطمع والطمع متولد عن الحسد والحسد متولد عن الرغبة والرغبة متولدة عن الجور والشح والجهل ويتولد من الحرص رذائل عظيمة منها الذل والسرقة والغصب والزنا والقتل والعشق والهم بالفقر والمسألة لما بأيدي الناس تتولد فيما بين الحرص والطمع وإنما فرقنا بين الحرص والطمع لأن الحرص هو بإظهار ما استكن في النفس من الطمع والمداراة فضيلة متركبة من الحلم والصبر الصدق مركب من العدل والنجدة من جاء إليك بباطل رجع من عندك بحق وذلك أن من نقل إليك كذبا عن إنسان حرك طبعك فأجبته فرجع عنك بحق فتحفظ من هذا ولا تجب إلا عن كلام صح عندك عن قائله لا شيء أقبح من الكذب
وما ظنك بعيب يكون الكفر نوعا من أنواعه فكل كفر كذب فالكذب جنس والكفر نوع تحته والكذب متولد من الجور والجبن والجهل لأن الجبن يولد مهانة النفس والكذاب مهين النفس بعيد عن عزتها المحمودة رأيت الناس في كلامهم الذي هو فصل بينهم وبين الحمير والكلاب والحشرات ينقسمون أقساما ثلاثة
أحدهما من لا يبالي فيما أنفق كلامه فيتكلم بكل ما سبق إلى لسانه غير محقق نصر حق ولا إنكار باطل وهذا هو الأغلب في الناس والثاني أن يتكلم ناصرا لما وقع في نفسه أنه حق ودافعا لما توهم أنه باطل غير محقق لطلب الحقيقة لكن لجاجا فيما التزم وهذا كثير وهو دون الأول
والثالث واضع الكلام في موضعه وهذا أعز من الكبريت الأحمر لقد طال هم من غاظه الحق اثنان عظمت راحتهما أحدهما في غاية المدح والآخر في غاية الذم وهما مطرح الدنيا ومطرح الحياء لو لم يكن من التزهيد في الدنيا إلا أن كل إنسان في العالم فإنه كل ليلة إذا نام نسي كل ما يشفق عليه في يقظته وكل ما يشفق منه وكل ما يشره إليه فتجده في تلك الحال لا يذكر ولدا ولا أهلا ولا جاها ولا خمولا ولا ولاية ولا عزلة ولا فقرا ولا غنى ولا مصيبة
وكفي بهذا واعظا لمن عقل من عجيب تدبير الله عز و جل للعالم أن كل شيء اشتدت الحاجة إليه كان ذلك أهون له وتأمل ذلك في الماء فما فوقه وكل شيء اشتد الغنى عنه كان ذلك أعز له وتأمل في الياقوت الأحمر فما دونه الناس فيما يعانونه كالماشي في الفلاة كلما قطع أرضا بدت له أرضون وكلما قضى المرء سببا حدثت له أسباب صدق من قال إن العاقل معذب في الدنيا وصدق من قال إنه فيها مستريح فأما تعذيبه ففيما يرى من انتشار الباطل وغلبة دولته وبما يحال بينه وبينه من إظهار الحق وأما راحته فمن كل ما يهتم به سائر الناس من فضول الدنيا إياك وموافقة الجليس السيء ومساعدة أهل زمانك فيما يضرك في أخراك أو في دنياك وإن قل فإنك لا تستفيد بذلك إلا الندامة حيث لا ينفعك الندم ولن يحمدك من ساعدته بل يشمت بك وأقل ما في ذلك وهو المضمون أنه لا يبالي بسوء عاقبتك وفساد مغبتك وإياك ومخالفة الجليس ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك ولا وفي أخراك وإن قل فإنك تستفيد بذلك الأذى والمنافرة والعداوة
وربما أدى ذلك إلى المطالبة والضرر العظيم دون منفعة أصلا إن لم يكن بد من إغضاب الناس أو إغضاب اللهD ولم يكن لك مندوحة عن منافرة الخلق أو منافرة الحق فأغضب الناس ونافرهم ولا تغضب ربك ولا تنافر الحق الاتساء بالنبي صلى الله عليه و سلم في وعظ أهل الجهل والمعاصي والرذائل واجب فمن وعظ بالجفاء والا كفهرار فقد أخطأ وتعدى طريقته صلى الله عليه و سلم وصار في أكثر الأمر مغريا للموعوظ بالتمادي على أمره لجاجا وحردا ومغايظة للواعظ الجافي فيكون في وعظه مسئيا لا محسنا ومن وعظ ببشر وتبسم ولين وكأنه مشير برأي ومخبر عن غير الموعوظ بما يستفتح من الموعوظ فبذلك أبلغ وأنجع في الموعظة فإن لم يتقبل فلينتقل إلى الموعظة بالتحشيم وفي الخلاء فإن لم يقبل ففي حضرة من يستحي منه الموعوظ فهذا أدب الله في أمره بالقول واللين وكان صلى الله عليه و سلم لا يواجه بالموعظة لكن كان يقول ما بال أقوام يفعلون كذا
وقد أثنى عليه الصلاة و السلام على الرفق وامر بالتيسير ونهى عن التنفير وكان يتخول بالموعظة خوف الملل وقال تعالى ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك وأما الغلظة والشدة فإنما تجب في حد من حدود الله تعالى فلا لين في ذلك للقادر على إقامة الحد خاصة ومما ينجع في الوعظ أيضا الثناء بحضرة المسيء على من فعل خلاف فعله فهذا داعية إلى عمل الخير وما أعلم لحب المدح فضلا إلا هذا وحده وهو أن يقتدي به من يسمع الثناء ولهذا يجب أن تؤرخ الفضائل والرذائل لينفر سامعها عن القبيح المأثور عن غيره ويرغب في الحسن المنقول عمن تقدمه ويتعظ بما سلف تأملت كل ما دون السماء وطالت فيه فكرتي فوجدت كل شيء فيه من حي وغير حي من طبعه ان قوي ان يخلع عن غيره من الانواع كيفياته ويلبسه صفاته فترى الفاضل يود لو كان الناس فضلاء وترى الناقص يود لو كان الناس نقصاء
وترى كل من ذكر شيئا يحض عليه يقول وأنا أفعل أمرا كذا وكل ذي مذهب يود لو كان الناس موافقين له وترى ذلك في العناصر إذا قوي بعضها على بعض أحاله إلى نوعيته وترى ذلك في تركيب الشجر وفي تغذي النبات والشجر بالماء ورطوبة الأرض وإحالتهما ذلك إلى نوعيتها فسبحان مخترع ذلك ومدبره لا إله إلا هو من عجيب قدرة الله تعالى كثرة الخلق ثم لا ترى أحدا يشبه آخر شبها لا يكون بينهما فيه فرق وقد سألت من طال عمره وبلغ الثمانين عاما هل رأى الصور في ما خلا مشبهة لهذه شبها واحدا فقال لي لا بل لكل صورة فرقها وهكذا كل ما في العالم يعرف ذلك من تدبر الآلات وجميع الأجسام المركبات وطال تكرر بصره عليها فإنه حينئذ يميز ما بينها ويعرف بعضها من بعض بفروق فيها تعرفها النفس ولا يقدر أحد يعبر عنها بلسانه فسبحان العزيز الحكيم الذي لا تتناهى مقدوراته
من عجائب الدنيا قوم غلبت عليهم آمال فاسدة لا يحصلون منها إلا على إتعاب النفس عاجلا ثم الهم والاثم آجلا كمن يتمنى غلاء الأقوات التي في غلائها هلاك الناس وكمن يتمنى بعض الأمور التي فيها الضرر لغيره وإن كانت له فيها منفعة فإن تأميله ما يؤمل من ذلك لا يجعل له ذلك قبل وقته ولا يأتيه من ذلك بما ليس في علم الله تعالى تكونه فلو تمنى الخير والرخاء لتعجل الأجر والراحة والفضيلة ولم يتعب نفسه طرفة عين فما فوقها فاعجبوا لفساد هذه الأخلاق بلا منفعة .
المصدر : الأخلاق والسير - ابن حزم

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.