جعفر الصادق عليه السلام

هو الإمام السادس من أئمّة أهل البيت الطاهر - رضي الله عنهم اجمعين - ولقّب بالصادق لصدقه في مقاله، وفضله أشهر من أن يذكر. ولد عام 80 هجري، وتوفّي عام 148 هجري، ودفن في البقيع جنب قبر أبيه محمّد الباقر وجدّه علي زين العابدين وعم
Sunday, September 11, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
جعفر الصادق عليه السلام
 جعفر الصادق عليه السلام

 





 


هو الإمام السادس من أئمّة أهل البيت الطاهر - رضي الله عنهم اجمعين - ولقّب بالصادق لصدقه في مقاله، وفضله أشهر من أن يذكر. ولد عام 80 هجري، وتوفّي عام 148 هجري، ودفن في البقيع جنب قبر أبيه محمّد الباقر وجدّه علي زين العابدين وعم جدّه الحسن بن علي - رضي الله عنهم اجمعين - فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه(1).
قال محمّد بن طلحة: هو من عظماء أهل البيت وساداتهم ، ذو علوم جمّة، وعبادة موفورة، وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتبع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسّم اوقاته على انواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذكّر بالآخرة، واستماع كلامه يزهد في الدنيا، والاقتداء بهداه يورث الجنّة، نور قسماته شاهد انّه من سلالة النبوّة وطهارة أفعاله تصدع انه من ذرّية الرسالة: نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من اعيان الائمّة واعلامهم، مثل: يحيى بن سعيد الانصاري، وابن جريج، ومالك بن انس، والثوري، وابن عيينة، وأبي حنيفة، وشعبة، وأبو أيّوب السجستاني وغيرهم، وعدوا اخذهم عنه منقبة شرّفوا بها وفضيلة اكتسبوها(2).
ذكر أبو القاسم البغّار في مسند أبي حنيفة: قال الحسن بن زياد: سمعت أبا حنيفة وقد سئل: من أفقه من رأيت؟ قال: جعفر بن محمد، لما اقدمه المنصور بعث إليّ فقال: يا ابا حنيفة انّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ لي من مسائلك الشداد، فهيأت له أربعين مسألة، ثمّ بعث إلي أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته.
فدخلت عليه، وجعفر جالس عن يمينه، فلمّا بصرت به، دخلني من الهيبة لجعفر مالم يدخلني لابي جعفر، فسلمت عليه، فأومأ إليّ فجلست، ثمّ التفت اليه فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة. قال: نعم اعرفه، ثمّ التفت اليّ فقال: يا أبا حنيفة ألق على ابي عبد الله من مسائلك فجعلت القي عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربّما تابعنا وربما تابعهم، وربّما خالفنا جميعاً حتى اتيت على الاربعين مسألة فما اخلّ منها بشيء. ثمّ قال أبو حنيفة: أليس أنّ أعلم الناس اعلمهم باختلاف الناس(3).
عن مالك بن أنس: جعفر بن محمد اختلفت اليه زماناً فما كنت اراه إلاّ على احدى ثلاث خصال: امّا مصلّ وأما صائم وأمّا يقرأ القرآن، وما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر افضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً(4).
وعن أبي بحر الجاحظ (مع عدائه لاهل البيت): جعفر بن محمد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه، ويقال: إنّ أبا حنيفة من تلامذته وكذلك سفيان الثوري، وحسبك بهما في هذا الباب(5).
وأمّا مناقبه وصفاته فتكاد تفوق عدد الحاصر، ويُحار في انواعها فهم اليقظ الباصر، حتّى أنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى، صارت الاحكام التي لا تدرك عللها، والعلوم التي تقصر الأفهام عن الاحاطة بحكمها، تضاف اليه وتروى عنه (6).
وقال ابن الصباغ المالكي: كان جعفر الصادق - عليه السلام - من بين اخوته، خليفة ابيه، ووصيّه والقائم بالإمامة من بعده، برز على جماعة بالفضل، وكان أنبههم ذكراً وأجلّهم قدراً، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في البلدان، ولم ينقل العلماء عن احد من اهل بيته ما نقلوا عنه من الحديث.
إنّك اذا تتبّعت كتب التاريخ والتراجم والسير تقف على نظير هذه الكلمات وأشباهها، كلّها تعرب عن اتّفاق الامّة على امامته في العلم والقيادة الروحية، وإن اختلفوا في كونه إماماً منصوصاً من قبل الله عزّ وجلّ، فذهبت الشيعة الى الثاني نظراً الى النصوص المتواترة المذكورة في مظانّها(7).
ولقد امتدّ عصر الإمام الصادق - عليه السلام - من آخر خلافة عبد الملك بن مروان الى وسط خلافة المنصور الدوانيقي، أي من سنة 83 هجري الى سنة 148 هجري فقد ادرك طرفاً كبيراً من العصر الاموي، وعاصر كثيراً من ملوكهم وشاهد من حكمهم اعنف اشكاله، وقضى حياته الاولى حتى الحادية عشر من عمره مع جده زين العابدين، وحتى الثانية والثلاثين مع ابيه الباقر ونشأ في ظلّهما يتغذّى تعاليمه وتنمو مواهبه وتربّى تربيته الدينية، وتخرّج من تلك المدرسة الجامعة فاختصّ بعد وفاة ابيه بالزعامة سنة 114 هجري، واتسعت مدرسته بنشاط الحركة العلمية في المدينة ومكة والكوفة وغيرها من الاقطار الإسلامية.
«وقد اتّسم العصر المذكور الذي عاشه الإمام بظهور الحركات الفكرية، ووفود الآراء الاعتقادية الغريبة الى المجتمع الإسلامي واهمها عنده هي حركة الغلاة الهدامة، الذين تطلّعت رؤوسهم في تلك العاصفة الهوجاء الى بث روح التفرقة بين المسلمين، وترعرعت بنات افكارهم في ذلك العصر ليقوموا بمهمة الانتصار لمبادئهم التي قضى عليها الإسلام، فقد اغتنموا الفرصة في بث تلك الآراء الفاسدة في المجتمع الإسلامي، فكانو يبثّون الاحاديث الكاذبة ويسندونها الى حملة العلم من آل محمد، ليغرّوا به العامّة، فكان المغيرة بن سعيد يدّعي الاتصال بابي جعفر الباقر ويروي عنه الاحاديث المكذوبة، فأعلن الإمام الصادق - عليه السلام - كذبه والبراءة منه، وأعطى لاصحابه قاعدة في الاحاديث التي تروى عنه، فقال: «لا تقبلوا علينا حديثاً إلاّ ما وافق القرآن والسنّة، او تجدون معه شاهداً من احاديثنا المتقدمة».
ثمّ إنّ الإمام قام بهداية الأمّة الى النهج الصواب في عصر تضاربت فيه الآراء والأفكار، واشتعلت فيه نار الحرب بين الامويين ومعارضيهم من العباسيين، ففي تلك الظروف الصعبة والقاسية استغلّ الإمام الفرصة فنشر من احاديث جدّه، وعلوم آبائه ما سارت به الركبان، وتربّى على يديه آلاف من المحدّثين والفقهاء. ولقد جمع أصحاب الحديث اسماء الرواة عنه من الثقات - على اختلاف آرائهم ومقالاتهم - فكانوا أربعة آلاف رجل(8).
وهذه سمة امتاز بها الإمام الصادق عن غيره من الأئمة - عليه وعليهم السلام -.إنّ الإمام - عليه السلام - شرع بالرواية عن جدّه وآبائه عندما اندفع المسلمون الى تدوين احاديث النبيّ صلى الله عليه وآله بعد الغفلة التي استمرّت الى عام 143 هجري(9) حيث اختلط آنذاك الحديث الصحيح بالضعيف وتسرّبت الى السنّة، العديد من الروايات الاسرائيلية والموضوعة من قبل أعداء الإسلام من الصليبيين والمجوس بالاضافة الى المختلقات والمجعولات على يد علماء السلطة ومرتزقة البلاط الاموي.
ومن هنا فقد وجد الإمام - عليه السلام - أنّ أمر السنّة النبويّة قد بدأ يأخذ اتجاهات خطيرة وانحرافات واضحة، فعمد - عليه السلام - للتصدّي لهذه الظاهرة الخطيرة، وتفنيد الآراء الدخيلة على الإسلام والتي تسرّب الكثير منها نتيجة الاحتكاك الفكري والعقائدي بين المسلمين وغيرهم.
إنّ تلك الفترة شكّلت تحدّياً خطيراً لوجود السنّة النبويّة، وخلطاً فاضحاً في كثير من المعتقدات، لذا فانّ الامام - عليه السلام - كان بحق سفينة النجاة من هذا المعترك العسر.
إنّ علوم أهل البيت - عليهم السلام - متوارثة عن جدّهم المصطفى محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي اخذها عن الله تعالى بواسطة الامين جبرئيل - عليه السلام - ، فلا غرو ان تجد الامّة ضالتّها فيهم - عليهم السلام -، وتجد مرفأ الأمان في هذه اللجج العظيمة، ففي ذلك الوقت حيث اخذ كل يحدث عن مجاهيل ونكرات ورموز ضعيفة ومطعونة، او اسانيد مشوشة، تجد انّ الإمام الصادق - عليه السلام - يقول: «حديثي حديث ابي، وحديث ابي حديث جدي، وحديث جدي حديث علي بن ابي طالب، وحديث علي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحديث رسول الله قول الله عزّ وجلّ».
بيد أنّ ما يثير العجب ان تجد من يعرض عن دوحة النبوّة الى رجال قد كانوا وبالاً على الإسلام وأهله وتلك وصمة عار وتقصير لا عذر فيه خصوصاً في صحيح البخاري.
فالإمام البخاري مثلاً يروي ويحتج بمثل مروان بن الحكم، وعمران بن حطّان وحريز بن عثمان الرحبي وغيرهم، ويعرض عن الرواية عن الإمام الصادق - عليه السلام -.
أمّا الأوّل: فهو الوزغ ابن الوزغ، اللعين ابن اللعين على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمّا الثاني: فهو الخارجي المعروف الذي اثنى على ابن ملجم بشعره لا بشعوره، وأمّا الثالث: فكان ينتقص عليّاً وينال منه، ولست ادري لمَ هذا الامر، انه مجرد تساؤل.
إنّ للإمام الصادق وراء ما نشر عنه من الاحاديث في الاحكام التي تتجاوز عشرات الآلاف، مناظرات مع الزنادقة والملحدين في عصره، والمتقشفين من الصوفية، ضبط المحّققون كثيراً منها، وهي في حد ذاتها ثروة علمية تركها الإمام - عليه السلام -، وأمّا الرواية عنه في الاحكام فقد روى عنه ابان بن تغلب ثلاثين الف حديث.
حتى أنّ الحسن بن علي الوشاء قال: ادركت في هذا المسجد (مسجد الكوفة) تسعمائة شيخ كل يقول حدّثني جعفر بن محمّد(10).
وأمّا ما اثر عنه من المعارف والعقائد فحدّث عنها ولا حرج، ولا يسعنا نقل حتى القليل منها، ومن اراد فليرجع الى مظانّها(11).
يقول «سيد أمير علي» بعد النقاش حول الفرق المذهبية والفلسفية في عصر الإمام، يقول:
«ولم تتخذ الآراء الدينية اتّجاهاً فلسفياً إلاّ عند الفاطميين، ذلك انّ انتشار العلم في ذلك الحين اطلق روح البحث والاستقصاء، واصبحت المناقشات الفلسفية عامّة في كلّ مجتمع من المجتمعات، والجدير بالذكر انّ زعامة تلك الحركة الفكرية انّما وجدت في تلك المدرسة التي ازدهرت في المدينة، والتي اسّسها حفيد علي بن ابي طالب المسمّى بالإمام جعفر والملقب بالصادق، وكان رجلاً بحاثة ومفكراً كبيراً جيد الإلمام بعلوم ذلك العصر، ويعتبر أوّل من اسس المدارس الفلسفية الرئيسية في الإسلام.
ولم يكن يحضر محاضراته أولئك الذين اسّسوا فيما بعد المذاهب الفقهية فحسببل كان يحضرها الفلاسفة وطلاب الفلسفة من الانحاء القصية، وكان الإمام «الحسن البصري» مؤسس المدرسة الفلسفية في مدينة البصرة، وواصل بن عطاء مؤسس مذهب المعتزلة من تلاميذه، الذين نهلوا من معين علمه الفياض وقد عرف واصل والإمام العلوي بدعوتهما الى حرية ارادة الإنسان...(12)
وأمّا حِكَمه وقصار كلمه، فلاحظ تحف العقول، وأمّا رسائله فكثيرة منها رسالته الى النجاشي والي الاهواز، ومنها: رسالته في شرائع الدين نقلها الصدوق في الخصال، ومنها: ما أملاه في التوحيد للمفضل بن عمر، الى غير ذلك من الرسائل التي رسمها بخطّه(13).
ونقتطف من وصاياه وكلماته الغزيرة وصية واحدة وهي وصيته لسفيان الثوري:
الوقوف عند كل شبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وترك حديث لم تروه(14)، أفضل من روايتك حديثاً لم تحصه.
إنّ على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فدعوه(15).
ونختم هذا البحث بما قاله ابو زهرة في هذا المجال:
إنّ للإمام الصادق فضل السبق وله على الاكابر فضل خاص، فقد كان ابو حنيفة يروي عنه، ويراه أعلم الناس باختلاف الناس، وأوسع الفقهاء إحاطة، وكان الإمام مالك يختلف اليه دارساً راوياً وكان له فضل الاستاذية على أبي حنيفة فحسبه ذلك فضلاً.
وهو فوق هذا حفيد علي زين العابدين الذي كان سيد اهل المدينة في عصره فضلاً وشرفاً وديناً وعلماً، وقد تتلمذ له ابن شهاب الزهري، وكثير من التابعين وهو ابن محمد الباقر الذي بقر العلم ووصل الى لبابه فهو ممن جعل الله له الشرف الذاتي والشرف الإضافي بكريم النسب، والقرابة الهاشمية، والعترة المحمدية (16).
وبما كتبه الأستاذ اسد حيدر إذ قال:
كان يؤمّ مدرسته طلاب العلم ورواة الحديث من الاقطار النائية، لرفع الرقابة وعدم الحذر فأرسلت الكوفة، والبصرة، وواسط، والحجاز الى جعفر بن محمد افلاذ اكبادها، ومن كل قبيلة من بني اسد ومخارق، وطي، وسليم، وغطفان، وغفار، والازد، وخزاعة، وخثعم، ومخزوم، وبني ضبة، ومن قريش، ولا سيّما بني الحارث بن عبد المطلب، وبني الحسن بن الحسن بن علي.
ولمّا توفّي الإمام شيّعه عامّة الناس في المدينة، وحُمل الى البقيع ودفن في جوار ابيه وجدّه - عليهما السلام -، وقد أنشد فيه ابو هريرة العجلي قوله:
أقول وقد راحوا به يحملونه *** على كاهل من حامليه وعاتق
أتدرون ماذا تحملون الى الثرى *** ثبيراً ثوى من رأس علياء شاهق
غداة حثا الحاثون فوق ضريحه *** تراباً وأولى كان فوق المفارق
فسلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيّاً.
المصادر :
1- وفيات الأعيان 1 / 327 رقم الترجمة 31.
2- كشف الغمة 2 / 368 وفيه أيّوب السختياني والصحيح ما ذكرناه.
3- بحار الأنوار، ج 47 ص 217 - 218. اسد حيدر: الإمام الصادق والمذاهب الاربعة ج 4 ص 335 نقلاً عن مناقب ابي حنيفة للمكي ج 1 ص 173، وجامع مسانيد ابي حنيفة ج 1 ص 252، وتذكرة الحفّاظ للذهبي ج 1 ص 157.
4- التهذيب، ج 2 ص 104 والمجالس السنيّة ج 5.
5- رسائل الجاحظ، ص 106.
6- كشف الغمة 2 / 368.
7- لاحظ الكافي 1 / 306 - 307.
8- الارشاد 270 والمناقب لابن شهر آشوب 4 / 257.
9- تاريخ الخلفاء للسيوطي خلافة المنصور الدوانيقي، فقد حدد تاريخ التدوين بسنة 143 هجري.
10- الرجال للنجاشي 139 برقم 79.
11- الاحتجاج 2 / 69 - 155 والتوحيد للصدوق، وقد بسطها على أبواب مختلفة.
12- مختصر تاريخ العرب، تعريب: عفيف البعلبكي ص 193.
13- ولقد جمع أسماء هذه الرسائل السيّد الامين في اعيانه 1 / 668.
14- أي لم تروه عن طريق صحيح، والفعل مبني للمجهول.
15- اليعقوبي، التاريخ ج 3 ص 115.
16- محمد أبو زهرة: الإمام الصادق ص 30.

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.