
من الالتفاتات اللطيفة في القرآن الکريم التي يشِر اليها الائمة الاطهار عليهم السلام وخاصة الامام الرضا عليه السلام ما يثير في اذهان المفسرين من النقاط المهمة التي تقودهم الی اتباع الاسلوب الافضل في مناهج التفسير والابتعاد عن الذهاب الی ما وراء التفسير .. وهذه نماذج بسيطة من ذلک :
عن محمد بن الفضيل، عن الرضا (عليه السلام)، قال: سألته عن انتظار الفرج، فقال (عليه السلام): أو ليس تعلم أن انتظار الفرج من الفرج؟ ثم قال: إن الله تبارك وتعالى: *(وارتقبوا إني معكم رقيب)*(1).
سورة يوسف
وعنه (عليه السلام)، قال في قوله تعالى: *(وشروه بثمن بخس دراهم معدودة)*(2): البخس: النقص، وهي قيمة كلب الصيد، إذا قتل كانت ديته عشرين درهما (3).وعن العباس بن هلال، قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: إن يوسف النبي، قال له السجان: إني لأحبك. فقال له يوسف (عليه السلام): لا تقل هكذا، فإن عمتي أحبتني فسرقتني، وإن أبي أحبني فحسدني إخوتي فباعوني، وإن امرأة العزيز أحبتني فحبستني (4). وعن الحسن بن موسى، قال: قال الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى: *(حفيظ عليم)*(5) قال: حافظ لما في يدي، عالم بكل لسان (6). وعن إسماعيل بن همام، قال: قال الرضا (عليه السلام) في قول الله تعالى: *(إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم)*(7).
قال (عليه السلام): كانت لإسحاق النبي (عليه السلام) منطقة (8)، يتوارثها الأنبياء، فكانت عند عمة يوسف، وكان يوسف عندها، وكانت تحبه، فبعث إليها أبوه: أن ابعثيه إلي، وأرده إليك، فبعثت إليه: أن دعه عندي الليلة، لأشمه، ثم أرسله إليك غدوة؟ فلما أصبحت، أخذت المنطقة فربطتها في حقوه (9)، وألبسته قميصا، وبعثت به إليه، وقالت: سرقت المنطقة، فوجدت عليه، وكان إذا سرق أحد في ذلك الزمان، دفع إلى صاحب السرقة، فأخذته، فكان عندها (10).
وعن الحسن بن علي الوشاء، عن الرضا (عليه السلام)، مثله وزاد فيه: فلذلك قال إخوة يوسف، حيث جعل الصاع في وعاء أخيه، فقال لهم يوسف: ما جزاء من وجد في رحله؟ قالوا: هو جزاؤه. بإجراء السنة التي تجري فيهم، فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه، ثم استخرجها من وعاء أخيه، فلذلك قال إخوة يوسف: *(إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل)* يعنون المنطقة *(فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم)*(11).
وعن محمد بن الفضيل، عن الرضا (عليه السلام)، في قوله تعالى: *(وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)*(12)، قال (عليه السلام): شرك لا يبلغ به الكفر(13).
سورة الرعد
عن إبراهيم بن العباس، قال: كنا في مجلس الرضا (عليه السلام) فتذاكرنا الكبائر، وقول المعتزلة فيها: إنها لا تغفر، فقال الرضا (عليه السلام): قال أبو عبد الله (عليه السلام): قد نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة، قال الله جل جلاله: *(وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم)*(14).وفي قوله تعالى: *(خوفا وطمعا)*(15)، قال الرضا (عليه السلام): خوفا للمسافر، وطمعا للمقيم (16).
سورة الحجر
وعن إسماعيل بن همام الكوفي، قال: قال الرضا (عليه السلام) في رجل أوصى بجزء من ماله، فقال: جزء من سبعة، إن الله يقول في كتابه: *(لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم)*(17).وفي قوله تعالى: *(فاصفح الصفح الجميل)*(18)، قال (عليه السلام): عفو بغير عتاب (19).
سورة النحل
وعن الوشاء، قال: سألت الرضا (عليه السلام)، فقلت له: جعلت فداك *(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)*(20)؟ فقال (عليه السلام): نحن أهل الذكر، ونحن المسؤولون. قلت: فأنتم المسؤولون، ونحن السائلون؟ قال: نعم. قلت: حقا علينا أن نسألكم؟ قال: نعم. قلت: حقا عليكم أن تجيبونا؟ قال: لا، ذاك إلينا، إن شئنا فعلنا، وإن شئنا لم نفعل، أما تسمع قول الله تبارك وتعالى: *(هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب)*(21).سورة الإسراء
وعن الحسن بن علي بن فضال، قال: قال الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى: *(إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها)*(22)، قال (عليه السلام): إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، وإن أسأتم فلها رب يغفر لها (23).وعن إسماعيل بن همام، قال: قال الرضا (عليه السلام) في قول الله تعالى: *(يوم ندعو كل أناس بإمامهم)*(24)، قال (عليه السلام): إذا كان يوم القيامة قال الله تعالى: أليس عدل من ربكم أن نولي كل قوم من تولوا؟ قالوا: بلى. قال: فيقول: تميزوا، فيتميزون (25).
وعنه (عليه السلام)، في عدة أسانيد، قال: حدثني أبي، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: *(يوم ندعو كل أناس بإمامهم)*، قال (عليه السلام): يدعى كل قوم بإمام زمانهم، وكتاب ربهم، وسنة نبيهم (26).
سورة الكهف
وعن علي بن أسباط، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: كان في الكنز الذي قال الله عز وجل: *(وكان تحته كنز لهما)*(27) لوح من ذهب، فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، محمد رسول الله، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يركن إليها! وينبغي لمن عقل عن الله أن لا يتهم الله في قضائه، ولا يستبطئه في رزقه (28).وعن أبي الصلت الهروي، قال: سأل المأمون الرضا علي بن موسى (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: *(الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا)*(29).
فقال (عليه السلام): إن غطاء العين لا يمنع من الذكر، والذكر لا يرى بالعيون، ولكن الله عز وجل شبه الكافرين بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالعميان، لأنهم كانوا يستقلون قول النبي (صلى الله عليه وآله) فيه، فلا يستطيعون له سمعا (30).
سورة الأنبياء
وعن الحسين بن خالد، عن الرضا (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي، ثم قال: إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، فأما المحسنون فما عليهم من سبيل.قال الحسين بن خالد: فقلت للرضا: يا بن رسول الله، فما معنى قول الله عز وجل: *(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى)*؟ قال (عليه السلام): يعني من ارتضى الله دينه (31).
سورة الفرقان
عن محمد بن عمر بن سعيد، عن بعض أصحابه، قال: سمعت العياشي وهو يقول: استأذنت الرضا (عليه السلام) في النفقة على العيال، فقال: بين المكروهين. قال: فقلت: جعلت فداك، لا والله ما أعرف المكروهين. قال: فقال: بلى يرحمك الله، أما تعرف أن الله عز وجل كره الإسراف وكره الإقتار، فقال: *(والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)*(32).سورة يس
وسئل (عليه السلام) عن رجل قال عند موته: كل مملوك قديم في ملكي فهو حر لوجه الله. فقال (عليه السلام): نعم، إن الله عز ذكره يقول في كتابه: *(والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم)*(33)، فما كان من مماليكه أتى عليه ستة أشهر فهو قديم، وهو حر (34).سورة ص
وعن محمد بن عبيد، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قول الله عز وجل لإبليس: *(ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي)*(35)، قال (عليه السلام): يعني بقدرتي وقوتي (36).سورة الشورى
وعن محمد بن سنان، أن أبا الحسن الرضا (عليه السلام) كتب إليه في علة تحليل مال الولد للوالد بغير إذنه، وليس ذلك للولد. قال (عليه السلام): لأن الولد موهوب للوالد في قول الله عز وجل: *(يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكورا)*(37)،مع أنه المأخوذ بمؤونته صغيرا وكبيرا، والمنسوب إليه، والمدعو له، لقول الله عز وجل: *(ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله)*(38)، وقول النبي (صلى الله عليه وآله): أنت ومالك لأبيك ، وليس الوالدة كذلك، لا تأخذ من ماله إلا بإذنه أو بإذن الأب، لأن الأب مأخوذ بنفقة الولد، ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها (39).
المصادر :
1- تفسير العياشي 2: 159 / 62، البرهان 3: 130 / 5164، والآية من سورة هود: 93.
2- يوسف: 20.
3- تفسير العياشي 2: 172 / 12، البرهان 3: 164 / 5244.
4- تفسير العياشي 2: 175 / 21، البرهان 3: 175 / 5277.
5- يوسف: 55.
6- تفسير العياشي 2: 180 / 39، البرهان 3: 178 / ذيل الحديث 5295.
7- يوسف: 77.
8- المنطقة: ما يشد في الوسط.
9- الحقو: الخصر ومشد الإزار.
10- تفسير العياشي 2: 185 / 53، البرهان 3: 184 / 5312.
11- تفسير العياشي 2: 186 / 54، البرهان 3: 184 / 5313.
12- يوسف: 106.
13- تفسير العياشي 2: 199 / 92، البرهان 2: 212 / 5397.
14- التوحيد: 406 / 4، والآية من سورة الرعد: 6.
15- الرعد: 12.
16- كشف الغمة 3: 99، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 294 / 51.
17- تفسير العياشي 2: 244 / 21، البرهان 3: 370 / 5884، والآية من سورة الحجر: 44.
18- الحجر: 85.
19- كشف الغمة 3: 99، معاني الأخبار: 373 / 1.
20- النحل: 43.
21- الكافي 1: 164 / 3، البرهان 3: 423 / 6031، والآية من سورة ص: 39.
22- الإسراء: 7.
23- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 294 / 48 و49، البرهان 3: 508 / 6264.
24- الإسراء: 71.
25- تفسير العياشي 2: 304 / 125، البرهان 3: 555 / 6466
26- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 33 / 61، البرهان 3: 552 / 6452.
27- الكهف: 82.
28- تفسير العياشي 2: 338 / 67، البرهان 3: 658 / 6743.
29- الكهف: 101.
30- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 136 / 33.
31- كشف الغمة 3: 76، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 136 / 35.
32- الخصال: 55، الباب 2، الحديث 74، والآية من سورة الفرقان: 67.
33- يس: 39.
34- الكافي 6: 195 / 6.
35- ص: 75.
36- التوحيد: 153 / 2، البرهان 4: 683 / 9139.
37- الشورى: 49.
38- الأحزاب: 5.
39- علل الشرائع 1: 211.