اقسام الخلافة

مسألة: عن أبي حنيفة: ان عليا انعزل يوم التحكيم. الجواب: لوكان علي اماما من قبل الخلق انعزل بهم، لكنه من قبل اللّه، فلاينعزل بعزل الخلق. هذا مع أن أبابكر انعزل عن أداء براءة (1) وعن حمل راية خيبر (2) وعن راية ذات السلاسل (3) وأقام على (عليه افضل الصلاة والسلام) بها.
وأبوبكر عزل نفسه يوم [قال:] (أقيلوني، ولست بخيركم ). (4) وانعزل أبوبكر عن أداء الصلاة جماعة. نصبته عائشة لذلك، فلما سمع النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) صوته قال: من نصبه ؟ قالوا: عائشة. قال مخاطبا: (انكن لصويحبات يوسف ). ثم قام يجر رجليه، احدى يديه على عنق على (عليه افضل الصلاة والسلام) والاخرى على عضد الفضل بن العباس، ودخل المسجد ولم يلتفت إلى صلاته واستأنف بالصلاة. (5)
وعزلهما في دعوى اليهودى بثمن الدرع الذي ادعى على النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) ونصب عليا(عليه افضل الصلاة والسلام)لذلك. (6)

[مزية المولود على فطرة الإسلام]

مسألة: كل من ادعى لصحابي الايمان، فلابد من اقامة البرهان عليه، وذلك لايمكن، لما أن الايمان قلبى ولا اطلاع لاحد عليه، الا عليا(عليه افضل الصلاة والسلام)، فان ايمانه بالنظرفطرى لايحتاج إلى البرهان، كما لايحتاج إليه الشافعي وأبو حنيفة وغيرها من التابعين. (7)

[قوله تعالى: (وسلام على عباده الذين اصطفى)]

مسألة: قال اللّه تعالى:(وسلام على عباده الذين اصطفى ) هذا المصطفى هو آل محمد(صلی الله عليه وآله وسلم) (8) بدليل قوله (صلی الله عليه وآله وسلم): (ان اللّه اصطفى من ولد اسماعيل قريشا، واصطفى من قريش هاشما)، يعني: بني هاشم (9).

[الإمامة تحفظ مصالح الأمة]

مسألة: يحصل بسبب الامام حفظ الش رع كما أوحى به، وحسم موادالاختلاف بين العلماء، وأمن الط رق،وحفظ السبل عن الحراميين والقطاع، وأمن العباد، وحفظ أموالهم وأعراضهم وأنفسهم وبلادهم ومواشيهم في الصحارى، والامربالمعروف، والنهي عن المنكر، وردع الفساق وقهرهم، وترغيب الصلحاء بالطاعة، ودعوة أهل الضلال.

[قوله تعالى: (وسيجنبها الاتقى ) و شأن نزوله]

مسألة: قوله تعالى: (وسيجنبها الاتقى الذي يوتي ماله يتزكى ). (10) قيل: وردفي أبي بكر. (11) الجواب: الخصم قال هو أتقى وكل أتقى أكرم. بل نقول: الاية في على (عليه افضل الصلاة والسلام) نزلت، لأنه امام المتقين، كما ذكرنا. (12)
وعلي أعطى في صلاته الخاتم، كما ذكرنا في آية الخاتم. (13) والمعروف أن الاية نزلت في أبي الدحداح. وقصته: أن فقيرا كان في داره نخلة لرجل. ولما بلغ الحصاد وأراد أن يقطعه سقطت منها حبات تمرها، وأخذها أولاد صاحب البيت. فنزل الصاحب وأدخل أنامله في أفواههم وأخذها منه. فجاء الفقير إلى الرسول واشتكى منها. فنادى الرسول بأن: من اشترى هذه النخلة لهذا الفقير وهبت له بستانا في الجنة. فقام أبوالدحداح ومشى إلى صاحب النخلة، وقابض تلك النخلة ببستان له، وأعطاه النخلة من الفقير، فنزلت فيه الاية. (14).

ايمان أبي طالب بن عبدالمطلب

معروف أنه لما توفي أشار النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) عليا(عليه افضل الصلاة والسلام) بغسله. وعند المخالف لايجوز أن يغسل المؤمن الكافر، فلوكان أبوطالب كافرا لما أمر عليا بغسله. (15) وأيضا سئل عن ايمان أبيه، فقال: واللّه ما عبد أبي ولاجدي عبدالمطلب ولا هاشم ولاعبد مناف صنما قط. (16) وأيضا كان ايواء النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) بيته، كما قال: (ألم يجدك يتيما فوى ). باجماع أهل القبلة مدة خمسين سنة. (17)
وقال اللّه تعالى في حق المؤوي: (والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم ). وأيضا كان خطيب النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) في تزويج خديجة، وخطيب النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) لايجوز أن يكون كافرا. (18)
وأيضا كان النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) يؤاكله، ويخالطه، ويحبه، (19) حتى قال اللّه تعالى: (انك لاتهدي من أحببت ). وعند المخالف أن الاية نزلت في شأن أبي طالب. (20) وقال اللّه تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء). فان كان كافرا حرم على النبي محبته.
وأيضا لما رأى جعفرا ابنه يصلي مع النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) في المسجد الحرام، قال: (صل جناحك بجناح ابن عمك ). ورغبه بصلاته. ولو كان كافرا منعه من ذلك.
وأيضا لما هاجر جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة مع أربعين نفسا من الذكور والاناث منهم عثمان بن عفان، وأمر النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) جعفرا عليهم، فكتب أبوطالب إلى كبير الحبشة:

 

تعلم مليك (21) الجيش أن محمدا *** وزير لموسى والمسيح بن مريم (22)
أتى بهدى مثل الذي اتيا به *** وكل بأمر اللّه يهدي ويعصم
وانكم وتتلونه في كتابكم *** بصدق حديث لا حديث المبرجم (23)
ولا تجعلوا للّه ندا وأسلموا *** فان طريق الحق ليس بمظلم (24)
ولما أسلم حمزة، أخوه فرح به ويقول:
فصبرا أبايعلى على دين أحمد *** وكن مظهرا للدين وفقت صابرا
وحط من أتى بالدين من عند ربه *** بصدق وحق، لاتكن حمز، كافرا
فقد سرني اذ قلت: انك مؤمن *** وكن لرسول اللّه في اللّه ناصرا
وناد قريشا بالذي قد أتيته *** جهارا، وقل: ماكان أحمد ساحرا (25)

وله أيضا:

ان ابن امنة النبي محمدا *** عندي بمثل منازل الاولاد (26)

هذه الابيات وأمثالها إلى أربع مائة من شعره تدل على ايمانه واقراره بنبوته وأنه كان مسلما.
وعن الصادق:(عليه افضل الصلاة والسلام): ان مثل أبي طالب في هذه الامة كمثل أصحاب الكهف حيث (27) أظهروا الكفر و أبطنوا الايمان. (28)
وكان كشمعون وصى عيسى، أظهر دين جبار أنطاكية مدة سنة، حتى خلص بذلك صالحين من أوصياء عيسى كانا في حبس الجبار، ولم يكن التخليص لهما الا بالمساعدة مع الجبار،كذلك لم يتمكن أبوطالب من نصرة دين محمد(صلی الله عليه وآله وسلم) الا بمساعدته كفار قريش.
يروى عن زين العابدين (عليه افضل الصلاة والسلام) أنه قال: الحمدللّه الذي لم يجعل للفاجر على يدا، فان محبة الفجار تجر إلى النار. وقال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) (جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء اليها)، (29) والخصم يقول: بأنه كان يحب أباطالب، ومحبة الكافر كفر. وحاشاالنبي (صلی الله عليه وآله وسلم) من ذلك.
وأيضا كان له يوم بعثته أربعة أعمام، أسلم ثلاثة لم يذكرهم اللّه في كتابه، بخلاف أبي لهب، فلوكان أبوطالب مثله لذكره. ولما لم يذكر علمنا أنه تعالى جعله من المؤمنين.
وفي الخبر: فاسكتوا عما سكت اللّه عنه. (30)

اسلام علي (عليه افضل الصلاة والسلام) صبيا

وأما ايمان على (عليه افضل الصلاة والسلام) فلم يلزم الايمان به: كما لمحمد، بل وجب للعالمين الايمان بخلافته وولايته وكان في ذلك اليوم صبيا. والخصم يقول: لا اعتبار لايمان الصبى. فنقول له: كما لا يعتبر ايمانه لا يعتبر كفره أيضا.
وأيضا كان سنه ثلاثة وستين وكان بعد النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) ثلاثين سنة باقيا، ومع النبي ثلاثة وعشرين، فبقي من ذلك لصباه عشرسنين، أواثنا عشر، [عند] من قال بخمسة وستين. وأيضا مر النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) به، فقال له بعد بعثته: (يا على، أسلم ) ودعاه إلى الدين.
فقال: ما هذا الدين ؟ فقال: دين جدك ابراهيم (عليه افضل الصلاة والسلام). فقال: حتى اشاور أبي أباطالب.فقال (صلی الله عليه وآله وسلم): (لكن اكتمه).
فأئتمنه النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) والايتمان يكون من البالغ أومن هو قريب منه. فقال على (عليه افضل الصلاة والسلام): (اذاكان كذلك فأعرض على الاسلام ). فعرض عليه و قبله من غير الرجوع إلى أبيه. وهذادليل أنه أخذه عاقلا، لاصبيا. وأيضا حصل الاجماع بأن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) دعاه إلى الاسلام من بين صبيان العالمين. (31)
فتخصيصه من بين صبيان العالمين له فخر عظيم، وعلم تعالى فيه من عظائم أمور الدين.
وأيضا من عادات الصبيان اللهو واللعب والميل إلى طريقة الوالدين، فلما لم يقم على (عليه افضل الصلاة والسلام) بذلك، وعدل عن جميع ذلك إلى الاسلام، علمنا أنه حجة من حجج اللّه وبيناته الذي يقتدي به العالمون.
بل شعره الذي قال كاتبا إلى معاوية، ومن ذلك:
سبقتكم إلى الاسلام طرا *** غلاما ما بلغت أوان حلمي
يدل على أنه لم يحتلم، أي لم يبلغ أوان ما يحتلم فيه المراهق(32).
المصادر:
1- تفسير الامام الحسن العسكري: 559, ترجمة الامام علي بن أبي طالب 2: 376, فرائد السمطين 1: 61.
2- المستدرك على الصحيحين 3: 109, المناقب لابن المغازلي: 180, ترجمة الامام علي بن أبي طالب 1: 212.
3- 2820الكامل في التاريخ 1: 604, تفسير علي بن ابراهيم القمي ج2 ذيل (والعاديات).
4- الإمامة والسياسة 1: 14, تاريخ الطبري 2: 450, التمهيد للباقلا ني: 195, الاربعين في أصول الدين: 444.
5- الشافي في الإمامة 2:159ـ 160, الارشاد للمفيد 1: 183, اعلام الورى: 141.
6- بحار الانوار 40: 223, نقلا عن مناقب آل أبي طالب.
7- لكونهم مولدين زمن الاسلام وعلى فطرة الاسلام , بخلاف بعض المتقدمين من الصحابة.
8- مجمع البيان 4: 228.
9- الاربـعـيـن في أصول الدين: 473, فيض القدير 2: 210, فضائل الخمسة من الصحاح الستة 1: 7.
10- الليل /17, 18. انظر: حديقة الشيعة: 213.
11- الكشاف 4: 764, الاربعين في أصول الدين: 453.
12- اللوامع النور انية: 518, البرهان في تفسير القرآن 4: 471ـ472.
13- الكشاف 1: 649, اعلام الورى: 168, الطرائف: 47, كشف اليقين: 365.
14- مجمع البيان 5: 501.
15- الغدير 7: 372 نقلا عن طبقات ابن سعد, نزهة الكرام و بستان العوام 1: 118.
16- نزهة الكرام وبستان العوام 1: 95ـ96.
17- اعلام الورى: 60ـ62, نزهة الكرام وبستان العوام 1: 97.
18- اعلام الورى: 146, هامش السيرة النبوية 1: 201, الكامل في التاريخ 1: 472, النقض: 167.
19- مجمع البيان 4: 259ـ260.
20- الـدر المنثور 5: 133ـ134. ولكن السيد ابن طاووس (ره) رد هذا القول في الطرائف: 306.
21- 2859الغدير 7: 331, أبوطالب مؤمن قريش:183.
22- الـغـديـر 7: 331, نقلا عن المستدرك على الصحيحين 2: 623. وفي بعض الـمـصـادر: (نبى كموسى والمسيح بن مريم) وهو الاصح. انظر رسالة (ايمان أبي طالب) اللمفيد: 38, نزهة الكرام وبستان العوام 1: 98.
23- الـمـرجـم. والـمـبرجم من البرجمة وهي غلظ الكلام. (النهاية لابن الاثير 1: 113).
24- ايمان أبي طالب للمفيد: 38, نزهة الكرام وبستان العوام 1: 98, أبوطالب مؤمن قريش: 183.
25- الـغـديـر 7: 357, نـقلا عن اسد الغابة 1: 287, السيرة الحلبية 1: 286, أبوطالب مؤمن قريش: 155, نزهة الكرام وبستان العوام 1: 114.
26- 2868في رسالة ايمان أبي طالب للمفيد: 36 / الغدير 7: 59, / نزهة الكرام وبستان العوام 1: 97.
27- بحار الانوار 35: 158, نقلا عن معاني الاخبار: 83.
28- الأصول من الكافي 1: 448, الاختصاص: 241, نزهة الكرام وبستان العوام 1: 105.
29- حـلية الاولياء 4: 121, من لايحضره الفقيه 4: 273 و301, تحف العقول 36 و52.
30- غوالي اللا لي 3: 166.
31- المعيار والموازنة: 66.
32- سنن الترمذى 5: 306, المناقب لابـن الـمـغازلي: 13ـ 16و194, ترجمة الامام علي بن أبي طالب 1: 32ـ89, المستدرك على الـصحيحين 3: 111, المعيار والموازنة: 66ـ79,تلخيص الشافي 1: 129, اعلام الورى: 185, بناء المقالة الفاطمية 6ـ 62 و315ـ 318.