المسلمون بعد الرسول (ص)

بمجرد أن لبى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) نداء ربه والتحق بالرفيق الأعلى وسمع المسلمون بالفاجعة التي ألمت بهم، ضج من كان في المسجد بالبكاء والعويل وأخذهم الذهول، وسرى ذلك بسرعة البرق في أنحاء المدينة المنورة سريان
Sunday, September 18, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
المسلمون بعد الرسول (ص)
المسلمون بعد الرسول (ص)

 







 

بمجرد أن لبى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) نداء ربه والتحق بالرفيق الأعلى وسمع المسلمون بالفاجعة التي ألمت بهم، ضج من كان في المسجد بالبكاء والعويل وأخذهم الذهول، وسرى ذلك بسرعة البرق في أنحاء المدينة المنورة سريان النار في الهشيم، وتجمعوا في المسجد وحوله.
وجاء عمر بن الخطاب ومعه المغيرة بن شعبة، وكان أبو بكر بالسنح - ضيعة له خارج المدينة -، ودخلا حجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مسجى على سريره، فكشف عن وجهه الشريف، فلما تيقن بموته (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج إلى الناس في المسجد وهم بتلك الحالة المدهوشة، رافعا عقيرته ومهددا بقوله:
إن رجالا من المنافقين يزعمون بأن محمدا قد مات، وإنه والله ما مات ولكنه قد ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قالوا بأنه قد مات، ووالله ليرجعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما رجع موسى وليقطعن أيدي وأرجل رجال زعموا أنه مات، ثم شهر سيفه وقال: ولئن بلغني عن رجل من المسلمين يزعم أن محمدا قد مات ضربته بسيفي هذا، وهو يرعد ويهدد ويتوعد.
فأثر قوله هذا في العامة من المسلمين تأثير السحر وأصابهم الذهول والحيرة.
وبهذه الفذلكة السياسية المحنكة استطاع عمر الهيمنة على عقول الناس، وإغفالهم عن الاعتقاد بموت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ينصرفوا ولا يفكروا في مبايعة خليفته الذي عينه يوم غدير خم قبل وفاته بسبعين يوما، لحين وصول أبي بكر المدينة من السنح. ولما أحس الأنصار بجدية إقدام المهاجرين لتنفيذ مخططهم التآمري الذي دبروه بليل لتنحية الإمام علي (عليه السلام) عن الخلافة وسبقهم في السيطرة على سدة الحكم وإحساسهم بدنو خيوط مؤامرة الانقلاب من الالتفاف حول أعناقهم، بادروا بعقد اجتماع عام لهم في سقيفتهم - سقيفة بني ساعدة - لانتخاب سعد ابن عبادة الأنصاري زعيما لهم وخليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دون المهاجرين، متناسين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وحقه في الخلافة.
ولما وصل أبو بكر من السنح في هذا الخضم المتلاطم بأمواج الأحداث السياسية السريعة، استلم دوره في تنفيذ المخطط وأخذ زمام المبادرة بيده فدخل حجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو لا يزال مسجى على سريره، فكشف عن وجهه الشريف، ثم خرج إلى الناس وقال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم قرأ الآية الشريفة: وما محمد... الخ.
وخمد عمر ولم ينبس ببنت شفة، لأن دوره قد انتهى، وقال: والله لكأني ما سمعت بهذه الآية. وجاء من يخبر أبا بكر وعمر وغيرهما بأن الأنصار مجتمعون في سقيفة بني ساعدة لانتخاب سعد بن عبادة خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دونهم.
فركضوا مسرعين ودخلوا عليهم السقيفة، وهناك حدثت الأحداث الرهيبة، وجرى الصراع المرير والتنازع الحاد، واستطاع المهاجرون بحنكتهم السياسية ودهائهم المعهود أن يشقوا صفوف الأنصار بين الأوس والخزرج ويثيروا الضغائن والحزازات القديمة فيما بينهم، وأخيرا تغلبوا عليهم وقفز أبو بكر على سدة الخلافة بدهائه، وجئ به إلى المسجد يزفونه كما تزف العروس، وكل من يجدوه في الطريق يخطفوا يديه ويمسحوها على يدي أبي بكر لمبايعته بالخلافة، شاء أم أبى.
يجري هذا وعلي بن أبي طالب وأهل بيته وشيعته منهمكون في تجهيز النبي، ذاهلين من شدة المصاب عما يجري في الخارج. وقد ذكرنا ذلك مفصلا في كتابنا علي في الكتاب والسنة (1) وفي كتابنا محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (2) من موسوعة المصطفى والعترة.
منذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا نمت هذه البذرة نموا سريعا وترعرعت ولقحت وأعطت ثمارها وأصبحت الأمة فرقا وأحزابا ونحلا يضرب بعضهم رقاب البعض ويكفر بعضهم بعضا، كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم).
ذكر الشيخ المفيد في إرشاده، أنه قال: أيها الناس، لألفينكم ترجعون بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض، فتلقوني في كتيبة كمجر السيل الجرار، ألا وإن علي بن أبي طالب أخي ووصيي يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله (3).
وتوسعت الخلافات ثم توسعت حتى صارت كل شرذمة تدعي لنفسها الأحقية بالإسلام، ولها عقيدة ورأي ومذهب خاص.
وجاء دور بني أمية بعد عهد أبي بكر وعمر وعثمان ليحيكوا على منوالهم، بإغراء المرتزقة بالأموال من وعاظ السلاطين لينسجوا من خيالهم أحاديث ما أنزل الله بها من سلطان، مدعين بأنها من أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كذبا وبهتانا، في فضائلهم وفضائل حكام بني أمية، كأبي هريرة وسمرة بن جندب وأبي موسى الأشعري وابن أبي الدرداء، وغيرهم من هذه النكرات، العابدين لأهوائهم، ليغيروا معالم الدين ضاربين حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عرض الحائط، على رغم قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (4).
لقد أدرك أعداء الإسلام أن أهل البيت (عليهم السلام) مصدر الأصالة والنقاء، ومفزع المسلمين في الشدائد والمحن، وأن لهم مقاما وحرمة في نفوس أبناء الإسلام كافة، فالكل ينظر إليهم بالاحترام والتقدير، ويقدس ما يصدر عنهم، وينتهي إليهم، لذلك حاولت العناصر المخربة والمدسوسة أن تتجه إلى مصدر الأصالة والنقاء فتتستر تحت ظلاله،
وترفع كذبا وزيفا شعار الولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، الذين لعنوهم وتبرأوا منهم، ولتخطط بكيد وخبث لهدم عقيدة التوحيد والقضاء على رسالة الإسلام وتشويه منهج أهل البيت (عليهم السلام)، الدعاة إلى الله، والأمناء على رسالة التوحيد، فافتعلوا عقائد ضالة وفلسفات منحرفة، فقالوا بحلول الله - جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا - في أجساد الأئمة، وقالوا بتفويض الله الأمور من الرزق والتأثير في الخلق والجنة والنار إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
بل وينسب بعضهم الألوهية لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، كل ذلك كيدا للإسلام وأهله، وهدما لعقيدة التوحيد، وكان وراء هذه التيارات العناصر المجوسية، والمانوية، والمزدكية، وأمثالها، التي أعلنت نفاقا الدخول في الإسلام ولم تؤمن به، كما شارك الفكر اليهودي والنصراني المحرف بهذه الحملة التخريبية (إن هذا العمل التخريبي والأفكار الضالة لا ينحصر دورها ومحاولاتها الهدامة ضد أهل البيت ومحاولة التستر تحت شعارهم.
بل عملوا على إدخالها عن طريق بقية فرق وطوائف المسلمين الأخرى، لذا تصدى الفلاسفة والعلماء ورجال الحديث من مذاهب المسلمين الأخرى لمواجهتها والتخلص منها، وما زلنا نشاهد كثيرا من المدسوسات والعقائد غير الصحيحة في كتب المسلمين وتراثهم من مختلف الطوائف، وهي ما يرفضها المحققون الملتزمون).
وكم استطاعوا عن هذا الطريق من بلبلة العقول، وزرع الشبهات، ودس الروايات والمفاهيم الضالة، ونسبتها لأهل البيت كذبا وتزويرا، لذا فقد تصدى نفر من العلماء الأعلام وصنفوا كتب الرجال، وفرزوا العناصر المدسوسة لتشخيص الكذابين والوضاعين وأصحاب العقائد الضالة من عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحتى آخر سلسلة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الرواة الأمناء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لإسقاط كل رواية مدسوسة.
ولكشف كل راو متستر دساس، كما فعل النجاشي في كتابه المعروف ب‍رجال النجاشي، والشيخ الطوسي في كتابيه الفهرست و رجال الطوسي، وغيرهما. ويحدثنا التأريخ عن وجود فرق ضالة ومنحرفة نسبت نفسها لأهل البيت (عليهم السلام) كالغلاة والمفوضة، وقد تبرأ أهل البيت منهم ولعنوهم وطردوهم وأبعدوهم، بل وحكم فقهاء الإمامية بنجاسة الغلاة والمفوضة.
وقد عد النوبختي (النوبختي: هو أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي، من أعلام الإمامية في القرن الثالث الهجري) فرقا عديدة من الغلاة والمفوضة في كتابه فرق الشيعة، وذكر مواقف أئمة أهل البيت (عليهم السلام) منهم، نذكر منها قوله: وأما أصحاب (أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع الأسدي) ومن قال بقولهم، فإنهم افترقوا لما بلغهم أن أبا عبد الله جعفر بن محمد الإمام الصادق (عليه السلام) لعنه وبرئ منه ومن أصحابه.
إلى أن قال: وفرقة منهم قالت إن أبا عبد الله جعفر بن محمد (الصادق) هو الله - جل وعز وتعالى علوا كبيرا - وإن أبا الخطاب نبي مرسل. فرقة قالت: جعفر بن محمد هو الله - عز وجل وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - وإنما هو نور يدخل في أبدان الأوصياء فيحل فيها، فكان ذلك النور هو جعفر بن محمد (الصادق) ثم خرج منه فدخل في أبي الخطاب (5).
ثم تابع النوبختي عرضه لهذه العقائد الضالة فقال: فهذه فرق أهل الغلو ممن انتحل التشيع وإلى (الخرمدينية) (وهم فرقة من الشيعة العباسية (الراوندية القائلين بإمامة العباس عم الرسول صلى الله عليه وآله ويسمون (الأبا مسلمية) لقولهم بإمامة أبي مسلم، وادعائهم بأنه حي لا يموت، وقالوا بالإباحات وترك الفرائض، وإلى أصلهم ترجع فرقة (الخرمية) أتباع بابك الخرمي الذين استباحوا المحرمات وقتلوا المسلمين في الجبال بناحية أذربيجان (6)
والمزدكية (المزدكية: أتباع مزدك الذي ظهر في أيام قباد والد أنوشيروان، واسم كتابه الذي ادعى نزوله عليه ديستاو، وقولهم كقول المانوية (ديانة فارسية قديمة) في الأصلين: النور والظلمة. والمزدكية هم الذين أباحوا المحرمات، وزعموا أن الناس شركاء في الأموال والنساء، وإليه يمت المذهب الاشتراكي. تعليق السيد محمد صادق بحر العلوم على كتاب فرق الشيعة للنوبختي.)
والزنديقية (الزنديقية: هم الذين رفضوا تعاليم الأديان الإلهية بحجة تحرر الفكر)
والدهرية (الدهريون: هم القائلون إن العالم موجود أزلا وأبدا، لا صانع له، وهم فرقة من الكفار الملحدين) مرجعهم جميعا لعنهم الله، وكلهم متفقون على نفي الربوبية عن الجليل الخالق - تبارك وتعالى عن ذلك علوا كبيرا - وإثباتها في بدن مخلوق، على أن البدن مسكن لله، وأن الله تعالى نور وروح ينتقل في هذه الأبدان - تعالى الله عن ذلك - إلا أنهم مختلفون في رؤسائهم الذين يتولونهم، يبرأ البعض من بعض ويلعن بعضهم بعضا (7).
كما نقل النوبختي من أخبار الفرق الضالة المنقرضة التي حاولت التستر بالانتساب إلى أهل البيت (عليهم السلام) فرقه قالت: إن محمد بن الحنفية ابن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو المهدي سماه الإمام علي مهديا، لم يمت ولا يموت ولا يجوز ذلك، ولكنه غاب ولا يدرى أين هو، وسيرجع ويملك الأرض، ولا إمام بعد غيبته إلى رجوعه إلى أصحابه، وهم أصحاب ابن كرب (8).
ثم قال:وحمزة بن عمارة البربري منهم، وكان من أهل المدينة، ففارقهم وادعى أنه نبي، وأن محمد بن الحنفية هو الله - عز وجل وتعالى عن ذلك علوا كبيرا - وأن حمزة هو الإمام، وإنه ينزل عليه سبعة أسباب من السماء فيفتح بهن الأرض ويملكها، فتبعه على ذلك ناس من أهل المدينة وأهل الكوفة، فلعنه أبو جعفر (الباقر) محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام)، وبرئ منه وكذبه وبرئت منه الشيعة (9).
كما لعن الإمام الصادق (عليه السلام) صائدا النهدي الذي تابع هذه الفرقة الضالة وعده من الشياطين، وقد عده الصادق في رواية فيمن كذب عليه (10).
وفيما يلي نذكر ما رواه علماء الشيعة عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تحديد موقفه من أولئك الضالين الغلاة، ومن آرائهم المنحرفة، ولعنه وطرده. ننقل لهم مثلا لهذا الموقف موقفه من أتباع أبي الجارود، فقد نقل ابن النديم في الفهرست: إن الإمام الصادق (عليه السلام) قال عنه: لعنه الله، إنه أعمى القلب، أعمى البصر (11).
كما لعن من الغلاة أبا منصور العجلي، فقد ورد: وأبو منصور العجلي قد لعنه الإمام الصادق ثلاثا، كما ذكره الكشي في رجاله: 300، وصلبه يوسف بن عمر الثقفي والي العراق في أيام هشام ابن عبد الملك (12)
المصادر:
1- علي في الكتاب والسنة 2: 449.
2- موسوعة المصطفى والعترة 1: 443.
3- محمد رسول الله: 437. موسوعة المصطفى والعترة
4- كنز العمال 3: 8238
5- النوبختي، فرق الشيعة: 59، طبعة 1388 ه‍.
6- أنظر فرق الشيعة: 46 و47، طبعة 1355 ه‍، النجف
7- النوبختي، فرق الشيعة: 60.
8- النوبختي، فرق الشيعة: 44.
9- النوبختي، فرق الشيعة: 45.
10- النوبختي، فرق الشيعة: 45.
11- ابن النديم، الفهرست: 227.
12- سعد بن عبد الله الأشعري، المقالات والفرق: 47.



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.