كان الإمام بعد الرضا (عليه السلام) ابنه محمد بن علي الجواد (عليه السلام) بالنص عليه والإشارة من أبيه إليه، وتكامل الفضل فيه. قال الشيخ المفيد (رحمه الله): فممن روى النص عن أبي الحسن الرضا على ابنه أبي جعفر (عليهما السلام) بالإمامة: علي بن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، وصفوان بن يحيى، ومعمر بن خلاد، والحسين بن يسار، وابن أبي نصر البزنطي، وابن قياما الواسطي، والحسن بن الجهم، وأبو يحيى الصنعاني، والخيراني، ويحيى بن حبيب الزيات، في جماعة كثيرة يطول بذكرهم الكتاب (1).
وفيما يلي نورد النص على الإمام الجواد (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام):
- عن زكريا بن يحيى النعمان، قال: سمعت علي بن جعفر بن محمد يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين، فقال في حديثه: لقد نصر الله أبا الحسن الرضا (عليه السلام) لما بغى عليه إخوته وعمومته - وذكر حديثا طويلا حتى انتهى إلى قوله -: فقمت وقبضت على يد أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام)، وقلت له: أشهد أنك إمام عند الله، فبكى الرضا (عليه السلام) ثم قال: يا عم، ألم تسمع أبي وهو يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيبة، يكون من ولده الطريد الشريد، الموتور بأبيه وجده، صاحب الغيبة، فيقال: مات أو هلك، أي واد سلك؟ فقلت: صدقت، جعلت فداك (2).
- وعن صفوان بن يحيى، قال: قلت للرضا (عليه السلام): قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر، فكنت تقول: يهب الله لي غلاما. فقد وهبه الله لك وقر عيوننا به، فلا أرانا الله يومك، فإن كان كون، فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر الجواد وهو قائم بين يديه. فقلت: جعلت فداك، وهذا ابن ثلاث سنين! قال (عليه السلام): وما يضر من ذلك! قد قام عيسى بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث سنين (3).
- وعن معمر بن خلاد، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) وذكر شيئا، فقال: ما حاجتكم إلى ذلك، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيرته مكاني. وقال: إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة (4).
وعن الحسين بن يسار، قال: كتب ابن قياما إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) كتابا يقول فيه: كيف تكون إماما وليس لك ولد! فأجابه أبو الحسن (عليه السلام): وما علمك أنه لا يكون لي ولد، والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ذكرا يفرق بين الحق والباطل (5).
- وعن ابن أبي نصر البزنطي، قال: قال لي ابن النجاشي: من الإمام بعد صاحبك؟ فأحب أن تسأله حتى أعلم. فدخلت على الرضا (عليه السلام) فأخبرته، قال: فقال لي: الإمام ابني وليس له ولد، ثم قال: هل يجترئ أحد أن يقول: ابني، وليس له ولد؟! ولم يكن ولد أبو جعفر (عليه السلام)، فلم تمض الأيام حتى ولد (صلى الله عليه) (6).
- وعن ابن قياما الواسطي - وكان واقفا - قال: دخلت على علي بن موسى، فقلت له: أيكون إمامان؟ قال: لا، إلا أن يكون أحدهما صامتا. فقلت له: هو ذا أنت، ليس لك صامت؟ فقال لي: والله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق وأهله، ويمحق به الباطل وأهله. ولم يكن في الوقت له ولد، فولد له أبو جعفر (عليه السلام) بعد سنة (7).
- وعن الحسن بن الجهم، قال: كنت مع أبي الحسن الرضا (عليه السلام) جالسا، فدعا بابنه وهو صغير، فأجلسه في حجري، وقال لي: جرده، انزع قميصه. فنزعته. فقال لي: أنظر بين كتفيه. فنظرت، فإذا في إحدى كتفيه شبه الخاتم داخل اللحم، ثم قال لي: أترى هذا؟ مثله في هذا الموضع كان من أبي (عليه السلام) (8).
- وعن أبي يحيى الصنعاني، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام)، فجيئ بابنه أبي جعفر (عليه السلام) وهو صغير، فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه (9). - وعن الخيراني، عن أبيه، قال: كنت واقفا بين يدي أبي الحسن الرضا (عليه السلام) بخراسان. فقال قائل: يا سيدي، إن كان كون، فإلى من؟ قال: إلى أبي جعفر ابني. فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر (عليه السلام). فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن الله سبحانه بعث عيسى بن مريم رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر (10).
- وعن يحيى بن حبيب الزيات، قال: أخبرني من كان عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) جالسا، فلما نهض القوم قال لهم أبو الحسن الرضا (عليه السلام): ألقوا أبا جعفر فسلموا عليه، وجددوا به عهدا. فلما نهض القوم التفت إلي فقال: يرحم الله المفضل، إنه كان ليقنع بدون هذا (11).
- وعن زكريا بن آدم، قال: إني لعند الرضا (عليه السلام) إذ جيئ بأبي جعفر (عليه السلام) له، وسنه أقل من أربع، فضرب بيده إلى الأرض، ورفع رأسه إلى السماء وهو يفكر، فقال له الرضا (عليه السلام): بنفسي أنت لم طال تفكيرك؟ فقال: فيما صنع بأمي فاطمة... إلى أن قال: فاستدناه وقبل بين عينيه، ثم قال: بأبي أنت وأمي، أنت لها - يعني الإمامة - (12).
- وعن دعبل بن علي الخزاعي، قال: أنشدت مولاي علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قصيدتي - إلى أن قال -: فقال (عليه السلام): يا دعبل، الإمام بعدي محمد ابني، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر - الحديث (13).
- وعن معمر بن خلاد، قال: سمعت إسماعيل بن إبراهيم يقول للرضا (عليه السلام): إن ابني في لسانه ثقل، فأنا أبعث به إليك غدا تمسح على رأسه وتدعو له، فإنه مولاك. فقال: هو مولى أبي جعفر، فابعث به غدا إليه (14).
- وعن جعفر بن محمد النوفلي، قال: أتيت الرضا (عليه السلام) وهو بقنطرة أربق (أربق: من نواحي رامهرمز من خوزستان.)، فسلمت عليه، ثم جلست، وقلت: جعلت فداك، إن أناسا يزعمون أن أباك حي! فقال: كذبوا لعنهم الله، لو كان حيا ما قسم ميراثه، ولا نكح نساؤه، ولكنه ذاق الموت كما ذاقه علي بن أبي طالب (عليه السلام). قال: قلت له: ما تأمرني؟ قال: عليك بابني محمد من بعدي، وأما أنا فإني ذاهب في وجه لا أرجع (15).
- وعن محمد بن عيسى، قال: أخبرني مسافر مولى أبي الحسن (عليه السلام)، قال: أمرني أبو الحسن (عليه السلام) بخراسان، فقال: ألحق بأبي جعفر فإنه صاحبك (16).
- وعن محمد بن أبي عباد - وكان يكتب للرضا (عليه السلام)، ضمه إليه الفضل بن سهل - قال: ما كان (عليه السلام) يذكر محمدا ابنه (عليه السلام) إلا بكنيته، يقول: كتب إلي أبو جعفر، وكنت أكتب إلى أبي جعفر، وهو صبي بالمدينة، فيخاطبه بالتعظيم، وترد كتب أبي جعفر (عليه السلام) في نهاية البلاغة والحسن. فسمعته يقول: أبو جعفر وصيي وخليفتي في أهلي من بعدي (17).
- وعن إبراهيم بن أبي محمود، قال: كنت واقفا عند رأس أبي الحسن علي ابن موسى (عليه السلام) بطوس، فقال له بعض من كان عنده: إن حدث حدث فإلى من؟ قال: إلى ابني محمد، وكأن السائل استصغر سن أبي جعفر. فقال له أبو الحسن علي ابن موسى (عليه السلام): إن الله بعث عيسى بن مريم (عليه السلام) نبيا ثابتا بإقامة شريعته في دون السن الذي أقيم فيه أبو جعفر ثابتا على شريعته (18). - وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) أنا وصفوان بن يحيى، وأبو جعفر (عليه السلام) قائم، وقد أتى له ثلاث سنين، فقلنا له: جعلنا الله فداك، إن حدث حدث، فمن يكون بعدك؟ قال: ابني هذا، وأومأ إليه. قال: فقلنا له: وهو في هذا السن؟! قال: نعم، وهو في هذا السن، إن الله تبارك وتعالى احتج بعيسى بن مريم (عليه السلام) وهو ابن سنتين (19).
- وعن ابن قياما، قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وقد ولد له أبو جعفر (عليه السلام)، فقال: إن الله قد وهب لي من يرثني ويرث آل داود (20).
- وعن كلثم بن عمران، قال: قلت للرضا (عليه السلام): أنت تحب الصبيان، فادع الله أن يرزقك ولدا. فقال (عليه السلام): إنما أرزق ولدا واحدا وهو يرثني. فلما ولد أبو جعفر (عليه السلام) كان طول ليلته يناغيه في مهده، فلما طال ذلك علي عدة ليال، قلت: جعلت فداك، قد ولد للناس أولاد قبل هذا، فكل هذا تعوذه! فقال: ويحك! ليس هذا عوذة، إنما أغره بالعلم غرا. وكان مولده ومنشأه على صفة مواليد آبائه (عليهم السلام) (21).
- وعن صفوان بن يحيى، وعبد الرحمن بن أبي نجران، قالا: حدثنا الحسين بن قياما - وكان من رؤساء الواقفة - فسألنا أن نستأذن له على الرضا (عليه السلام) ففعلنا، فلما صار بين يديه، قال له: أنت إمام؟ قال: نعم. قال: إني أشهد الله أنك لست بإمام! قال: فنكت (عليه السلام) في الأرض طويلا منكس الرأس، ثم رفع رأسه إليه، فقال له: ما علمك أني لست بإمام؟ قال له: إنا قد روينا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن الإمام لا يكون عقيما، وأنت قد بلغت السن، وليس لك ولد! قال: فنكس رأسه أطول من المرة الأولى، ثم رفع رأسه، فقال: إني أشهد الله أنه لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولدا مني. قال عبد الرحمن بن أبي نجران: فعددنا الشهور من الوقت الذي قال، فوهب الله له أبا جعفر (عليه السلام) في أقل من سنة... الحديث (22).
إلى هنا أوردنا هذه الأحاديث لإثبات نصه (عليه السلام) على الإمام من بعده.
المصادر :
1- الإرشاد 2: 274.
2- الكافي 1: 259 / 14، الإرشاد 2: 275، بحار الأنوار 50: 21 / 7.
3- الكافي 1: 258 / 10، إثبات الوصية: 185، الإرشاد 2: 276، كفاية الأثر: 279، بحار الأنوار 50: 21 / 8.
4- الكافي 1: 256 / 2، الإرشاد 2: 276، بحار الأنوار 50: 21 / 9.
5- الكافي 1: 257 / 4، رجال الكشي: 553 / 1044، بحار الأنوار 50: 22 / 10، الإرشاد 2: 277.
6- الكافي 1: 257 / 5، الإرشاد 2: 277، بحار الأنوار 50: 22 / 11.
7- الكافي 1: 257 / 7، و288 / 11، الإرشاد 2: 278، بحار الأنوار 50: 22 / 2.
8- الكافي 1: 257 / 8، الإرشاد 2: 278، بحار الأنوار 50: 23 / 13.
9- الكافي 1: 258 / 9، إثبات الوصية: 184، الإرشاد 2: 279، بحار الأنوار 50: 23 / 14.
10- الكافي 1: 258 / 13، إثبات الوصية: 186، الإرشاد 2: 279، بحار الأنوار 50: 23 / 15.
11- الكافي 1: 256 / 1، رجال الكشي: 620 / 593، الإرشاد 2: 280، بحار الأنوار 50: 24 / 16.
12- العوالم 23: 78 / 22، بحار الأنوار 50: 59 / 34 (ضمن الحديث)، كلاهما عن دلائل الإمامة: 212.
13- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 265، كفاية الأثر: 271.
14- بحار الأنوار 50: 36 / 13، العوالم 23: 76 / 18، وكلاهما عن الكافي 1: 321 / 11
15- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 216 / 16، بحار الأنوار 48: 260 / 12.
16- رجال الكشي: 506 / 972، بحار الأنوار 50: 34 / 18.
17- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 240 / 1، بحار الأنوار 50: 18 / 2.
18- كفاية الأثر: 273، بحار الأنوار 50: 34 / 20، حلية الأبرار 2: 432.
19- كفاية الأثر: 275، بحار الأنوار 50: 35 / 23، حلية الأبرار 2: 434.
20- بصائر الدرجات: 138 / 14، بحار الأنوار 50: 18 / 3.
21- إثبات الوصية: 210، العوالم 23: 68 / 10. 02:
22- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 209 / 13، إعلام الورى: 323، بحار الأنوار 49: 34 / 13.