الاخوة والنقل

يقول ابن حجر رحمه الله تعالى : " إن الذي يتصدى لضبط الأفعال والأقوال والرجال يلزمه التحري في النقل فلا يجزم إلا بما يتحققه لا يكتفي بالقول الشائع "
Monday, October 10, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الاخوة والنقل
 الاخوة والنقل

 






 

يقول ابن حجر رحمه الله تعالى : " إن الذي يتصدى لضبط الأفعال والأقوال والرجال يلزمه التحري في النقل فلا يجزم إلا بما يتحققه لا يكتفي بالقول الشائع "
مثلاً : تجد من الإخوة من يحضر درساً فينقل عن الشيخ كلاماً ربما لم يقله ، أو فهمه بطريق الخطأ ، في مثل هذه الأحوال ينبغي أن تتحرى فتسأل الشيخ أو الثقات الأثبات حتى لا تنتشر المقولات الكاذبة عن الدعاة والعلماء.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بئس مطية الرجل زعموا "(1) فهذه من علامات السند المنقطع ؛ لذلك لابدَّ من اتصال السند ، والتحقق والتحري بنفسك ، خاصةً إذا ترتب على ذلك مفسدة كالطعن في أحد من أهل العلم والصلاح ، وإن كان في الواقعة أمرٌ فادح كموقف أو قول أو فعل في حق المستور فينبغي ألا يبالغ في إفشائه ، بل يكتفي بالإشارة لئلا يكون الأمر فلتة ، أو على غير الوجه الذي تتصوره.
لذلك يحتاج المسلم إلى أن يكون عارفاً بمقادير الناس ، وبأحوالهم ومنازلهم فلا يرفع الوضيع ، ولا يضع الرفيع.
فيا لله لو أعطى الناس بدعواهم لذهبت أموال وأنفس كثيرة لا يعلمها إلا الله ، فإياك وسماع الدعاوى فإنَّها لا تثمر خيراً ، وأكثر الشرور تأتى من " قيل وقال وسمعت وظننت وبلغني " .
فإياك .. إياك فمن صحت عدالته ، وعُلم بالعلم عنايته ، وسلم من الكبائر ولزم المروءة ، وكان خيره غالباً ، وشره أقل عمله ، فهذا لا يُقبل فيه قول قائل لا برهان له به.
فدلائل الأمور أشد تثبيتاً من شهادات الرجال ، إلا أن يكون في الخبر دليلٌ ، ومع الشهادة برهانٌ ؛ لأن الدليل لا يكذب ولا ينافق ، ولا يزيد ، ولا يبدل ، وشهادة الإنسان لا تمتنع من ذلك وهذا هو الحق - إن شاء الله - الذي لا حق غيره.
القاعدة الثالثة :التثبت من كلام الأقران وأرباب المذاهب والجماعات في بعضهم البعض.
كلام الأقران لا يعبأ به خاصة إذا بدا لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد ، كذلك في الإخوة الأقران الذين بينهم وبين بعض تنافس كأصحاب المحلات الواحدة ، أو المهنة المشتركة ، أو أصحاب دعوات مختلفة أو أصحاب أفكار متباينة.
هؤلاء لا يقبل كلام بعضهم في بعض - كما يقول الإمام الذهبي - في قاعدته الذهبية.
" كلام الأقران يُطوى ولا يُروى ، فإن ذُكر تأمله المحدث فإن وجد له متابعاً ، وإلا أعرض عنه ".
مثلاً : يشيع أن تجد العداوات بين الأصحاب إذا اختلفوا ، وناءت بهم السبل ، أو رجل كان متزوجاً من امرأة فطلقها فيبدأ في التقول عليها ، أو العكس فكل ذلك يُطوى ولا يُروى إلا إذا وُجد الدليل على صدق القائل.
ينبغي أن نحمل الكلام محملاً حسناً ، وحسن الظن واجب ، والتأويل الحسن لازم لسلامة الصدر.
القاعدة الرابعة : الخبرة بمدلولات الألفاظ ومقاصدها .
يقول الأدباء : قد يوحش اللفظ ، وكله وُدّ.
حين يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - مثلاً - " ثكلتك أمك" (2) معناها فقدتك ، فاللفظ موحش ولكنه يفيض محبة ، فالرسول أراد أن يفهمه وقد قال له - صلى الله عليه وسلم - " إني لأحبك يا معاذ "(3)
ففهم مدلولات الألفاظ ضرورة ، فمن الألفاظ ما يجرى على الألسنة بغير قصد لمدلوله الظاهر ، بل يتعارف الناس فيه معنى آخر ، ويتداول بينهم حتى يعود هو المتبادر.
كمثل قولهم : ويله وويل أمه ، تربت يمينه ،... الخ هذه العبارات ، وهنا ينظر أصحاب العقول البصيرة ، فيتأملوا قرائن الحال والمتكلم ، فإن كان ولياً فهو الولاء ، وإن بدا القول خشناً ، وإن كان عدواً فهو البلاء حتى ولو بدا القول حسنا(4)
يقول الإمام السبكي : " فكثيراً ما رأيت من يسمع لفظة فيفهمها على غير وجهها ، فيغير على الكتاب والمؤلف ومن عاشره ومن استن بسنته مع أن المؤلف لم يرد بذلك الوجه الذي وصل إليه ذلك الرجل " .
إذا كان الرجل ثقة مشهوداً له بالإيمان والاستقامة فلا ينبغي أن يُحمل كلامه وألفاظ كتاباته على غير ما تعود منه بل ينبغي التأويل الصالح ، وحسن الظن الواجب به وبأمثاله ، ليس شيء أنفع لمن لا يدرى مدلول الألفاظ من أن يسيء الظن بنفسه ، وأن يرجع إلى غيره ، ليس في الدنيا إنسان إلا وهو في حاجة إلى تثقيف وزيادة علم ، والمستعين بغيره أبداً على خير ، فلذلك ينبغي أن نفهم مدلولات الألفاظ ، فإن فهم الألفاظ على وجه خطأ هو الذي يُفسد ويسيء.

أن لا يجرح من لا يحتاج إلى جرحه .

ينبغي على المسلم حفظ لسانه ، وصيانة جارحته عن أعراض المسلمين ، فليس هو عليهم بحفيظ ولا بمسيطر.
وشأن المسلم أن ينشغل بدعوة الناس وردهم إلى الإسلام رداً جميلاً ، لا أن يوطن نفسه في تصنيف الناس والحكم عليهم.
ومن الناس من لا تحتاج إلى البحث عنه ، لا تفتش عن عدالته أو جرحه ، حتى وإن بدت أمارات حرص ، فلا ينبغي أن تنشغل بالمفضول - أو قل ما هو من جنس المتروك - عن الفاضل من الأعمال والأقوال والطاعات.
القاعدة السادسة:عدم الاكتفاء بنقل الجرح فقط فيمن وجد فيه الجرح والتعديل .
فإذا عُلم عن المرء خيره وشره ، فلا ينبغي أن نكون أصحاب نفوس ذبابية لا تقف إلا على الشيء القذر ، بل ينبغي أن نتحلى بصفة الإنصاف ، وإن كنا في زمان قل فيه من يعرف وأقل منه من يُنصف .
مثلاً : يسألونك عن بعض الجماعات فتقول : أناسٌ على خير كثير ، نحسبهم مخلصين ، وفي الدعوة مجتهدين ، وأصحاب سمت وأدب وهدى صالح لكن عندهم بعض البدع .
فلا تنقل أنهم مبتدعة أو على بدعة في بعض ما يصنعون ، ولكن تنقل التعديل والتجريح معاً.

الحذر من حسن الهيئة .

فلا يوزن الناس بهيئاتهم ، فهذا مما يشترك فيه المجروحون وأهل العدالة، والصور خداعة ، بل يقاس الناس بأفعالهم ومواقفهم وأقوالهم على موجب الحق والعدل ، فلا نغتر بالشكل أو المظهر.
فليس أحدٌ حجةً على الإسلام بمظهره ، فلا يعظم المرء عندنا لمجرد حسن الهيئة وإظهاره للسنة والتزين بها.
فليس كل من حلق لحيته مجرماً فاسقاً ، ولا كل ملتحٍ صار بلحيته من أولياء الله الصالحين ، وإن كنا نقول : حلق اللحية حرام ، وإدمان حلقها كبيرة من الموبقات ، لكن فيمن يحلقون لحاهم أتقياء ، وأنت لا تدرى فليس كل عُذر يذكر.
فليس الحكم على الأشخاص بالمظهر ، قال تعالى عن المنافقين " وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ "[ المنافقين / 4] فالمظهر ليس شرطاً للعدالة.

شرط جواز الجرح عدم قصد التحقير .

قال الإمام السبكي ـ رحمه الله ـ : " كنت جالساً بدهليز دارنا فأقبل كلب فقلت : اخسأ كلب ابن كلب" قال : فزجرني والدي من داخل البيت ، قلت : سبحان الله أليس هو كلباً ابن كلب ، فقال : شرط الجواز عدم قصد التحقير ، قلت : وهذه فائدة "
مثلاً : أحد الناس مشهور باسم الأعرج - مثلاً - ولا يُعرف إلا بهذه الكنية ، فلا يجوز أن تناديه بهذا إلا بغير قصد التحقير ، وإلا صارت غيبة ، أما إذا قيلت على وجه التعريف فليست بغيبة ،وكذلك الشأن في كل الأمور ، إنك عندما تتكلم على جماعة من الجماعات ، أو دعوة من الدعوات ، أو شخص من الأشخاص فلا ينبغي أن تتكلم بنية التحقير والتهوين من شأنه لإيذائه ، وإنما تقصد بيان الحق ونصرة الدين ، فلا تنتصر لنفسك ، أو تكون نيتك طلب العلو بإنزال قدر خصمك ، فإن فعلت فإنك إذاً من الآثمين،فاللهم طهر ألسنتنا عن قول الزور ، وطهر قلوبنا عن الضغائن والغل والجور ، واجعلنا هداة مهديين لا ضالين ولا مضلين.

لتعميق أواصر الأخوة

النصيحة للإصلاح
من الأسباب الجالبة لتعميق أواصر الأخوة ، أن تنصح أخاك فيما يصلحه ، فإنه دليل اهتمامك به ، وحرصك على ما ينفعه ، قال تعالى : " وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" [سورة العصر ]
يقول ابن القيم رحمه الله : " وهذا نهاية الكمال ، فإن الكمال أن يكون الشخص كاملاً في نفسه مكملاً لغيره ".
تأمل معي هذا الكلام الممتع ، هذا هو الكمال الحقيقي ، وهذه حقيقة النصيحة المأمور بها في هذه السورة " وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ "
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : " أعظم ما عبد الله به نصيحة خلقه ، قال تعالى : " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين " [فصلت/ 33]
فشأن هذا أن تقوم اعوجاج نفسك ، وفي نفس الوقت تقوِّم اعوجاج الناس حسب مقياس الذكر الذي هو مقياس كل شيء - كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ـ
النصيحة والتواصي بها في الإسلام تعتبر من أكبر إنجازات هذا الدين العظيم ، وهي من مقتضيات التوحيد ، وقد بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عليها.
يقول جرير بن عبد الله البجلي : بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم(5) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - " الدين النصيحة "(6) ، وهذا نظير قوله - صلى الله عليه وسلم - "الحج عرفة "(7) أي أن النصيحة هي عماد الدين وقوامه ، والمدار عليها وحدها.
وحقيقة النصيحة أن تقبل الحق ممن قاله ، وإن كان بغيضاً ، وأن ترد الباطل على قائله وإن كان حبيباً.
فتقبل الحق ولو جاء به الشيطان ، ونرد الباطل ولو قال به شيخ الإسلام.
يقول ابن القيم في مدارج السالكين ـ وقد مر بكلمة ذكرها الشيخ الهروي وتحتاج إلى رد ـ : وشيخ الإسلام حبيب إلينا ولكن الحق أحب إلينا منه .
فنحن نحب الحق ، وندور معه حيث دار ، سواءٌ جاء الحق من صغير أو كبير ، من عدو أو صديق ، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.
فينبغي على المسلم أن يسعى للنصيحة ، ويطلبها من الصالحين الصادقين الموثوق بهم ، الذين يعرفون بدينهم وتقواهم .
فهذا عمر بن عبد العزيز يطلب النصيحة من أحد رعيته (عمرو بن مهاجر) فيقول : يا عمرو إذا رأيتني ملت عن الحق فضع يدك في تلابيبي ، ثم قل لي وهزني ، ثم قل : ماذا تصنع يا عمر.
فأين - الآن - من يطلب النصيحة ؟!! قالوا : افتضحوا فاتفقوا فالجميع لا يقبل النصيحة ، وصار عامة الخلق مجاملاً ، فلا تسمع إلا الثناء العاطر ، والمبالغات في المدح ، وكلنا يعرف أنه خداع . نسأل الله لنا ولكم العافية.
يقول الحسن البصري : إلى من يشكو المسلم إذا لم يشك لأخيه المسلم ، ومن الذي يلزمه من أمره مثل الذي يلزمه ، إن المسلم مرآة أخيه المسلم يبصره عيبه ، ويغفر له ذنبه.
قد كان من كان قبلكم من السلف الصالح يلقى الرجلُ الرجلَ فيقول : يا أخي ما كل ذنوبي أبصر ، ولا كل عيوبي أعرف ، فإذا رأيت خيراً فمرني ، وإن رأيت شراً فانهني.
على هذا كانت لقاءاتهم ، أما الآن فترى من يبصر القذاة في عين أخيه ، ولا يبصر الجذع في عين نفسه ، ولا ينصح بل يشمت ويفرح ؛ ولذلك لا بد أن نتواصى ونتناصح ؛ لأنَّ هذا دليل الحب في الله .
يقول ابن مسعود - رضي الله عنه - : " إذا رأيتم أخاكم قارف ذنباً فلا تكونوا أعواناً للشيطان عليه ، أن تقولوا : اللهم خذه اللهم العنه ، ولكن اسألوا الله له العافية.
هذا هو هدى ابن مسعود الذي أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باتباعه. وقال - صلى الله عليه وسلم - " وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه "(8)
فاللهم عافنا والمسلمين والمسلمات من الذنوب والخطايا.
كان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون : كنا لا نقول في أحد شيئاً حتى نرى على ما يموت فإن ختم له بخير علمنا أو رجونا أن يكون قد أصاب خيراً ، وإن خُتم له بشر خفنا عليه عمله.
أنت لا تدرى من يختم له بخير ، ربما تبذل النصيحة لإنسان ما فتكون سبباً لهدايته فيكون هو وحسناته في صحيفة حسناتك.
قالوا مقالة عجيبة قالوا : إن عثمان بن عفان أحد حسنات أبى بكر الصديق .
فعثمان بكل بذله وكل إنفاقه وجهاده ومكانته الكبيرة عند الله ورسوله كلها في ميزان حسنات أبى بكر لأنه الذي دعاه إلى الإسلام.
عليك أخي أن تبذل النصح لجميع المسلمين ولا تيأس ، فقد يهدى الله بك رجلاً مثل عثمان ، فيكون هو وعمله الذي هو أفضل من عملك في ميزان حسناتك.
لذلك مودتك لإخوانك تأبى أن تراهم على شيء من الزلل ولا تنصحه ولا تحاول تغييره وإصلاحه ، فالمؤمن بإخوانه النصحاء الأمناء.
قال الشاعر:
ما ضاع من كان له صاحب...... يقدر أن يصلح من شأنه
فإنما الدنيا بسكانها....... وإنما المرء بإخوانه
إخوتاه من علامات الحب في الله بذل النصح لأخيك ، إذ من أحب أخاه في الله ثم رآه يصنع ما يشينه عند ربه ، لا يبغض عمله ولا ينصحه فهذا لم يحبه في الله.
إخوتاه .. تفقدوا إخوانكم ، تصافحوا تعارفوا تجاوروا ، عليك أن تسأل عن أخيك إذا غاب لماذا لم يأت ؟ هل ألم به طارئ ؟ هل...؟ هل .... ؟ ولا يستريح بالك حتى تطمئن عليه ، إن رواد المقاهي والنوادي وغيرها إذا غاب أحدهم لا يهدأ لهم بال حتى يستفسروا عن سبب غيابه ، أما نحن فلا ، فلماذا ؟ نحن أولى منهم بهذا ، لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتفقد أصحابه في صلاة الصبح إذا غاب أحدهم فيسأل عنه .
إننا نتآكل إذا لم نبحث عن لمّ شملنا المبعثر ، لا بد أن نبحث عن كل عضو منا ، وننشغل بإصلاح أنفسنا ، وتفقد أحوال الآخرين حتى لا تسقط سائر الأعضاء ، عليك أن تمد يديك إلى إخوانك الذين على مشارف الهلكة ، تقول لهم : إننا نريد لك الجنة ، ونخشى أن يمسك أقل شيء من عذاب الله ، فما ـ والله ـ تطيقه.
أخي ما الذي ضيعك ؟ ما الذي غيرك ؟ نخشى أن تموت الآن فكيف تجد نفسك ؟! هكذا إخوتاه تماسكوا ترابطوا فليأخذ كل واحد منكم بيد أخيه ، ويد الله مع الجماعة .
قال عبد الرحمن بن يزيد : قال لي بلال بن سعد : بلغني أن المؤمن مرآة أخيه ، فهل تستريب من أمري شيئاً .
أريدك أن تصنع كصنيع بلال بن سعد ، تذهب إلى أخيك ، وقل له : اصدقني القول هل تستريب من أمري شيئاً ؟ واسأله النصح وكيف يرى العلاج ؟ وحاول سريعاً أن تداوى آفاتك.
يقول سعيد بن جبير : رحم الله رجلاً أهدى إلىَّ عيوبي ، وإذا أهديت إلينا العيوب لا نحرد ، ولا نُبرئ أنفسنا حتى لا نكون معجبين بل نعترف.
قال الإمام الذهبي ـ رحمه الله تعالى ـ : " وعلامة المخلص إذا عوتب في نفسه ، وفي عمله أن لا يحرد ولا يبرئ نفسه ولا يكون معجباً ، بل يعترف ، ويتهم نفسه ويستغفر الله ".
مثال ذلك : أن يأتيك رجل فيتهمك بالرياء أو الخيلاء ، هنا اتهم نفسك وقل : جزاك الله خيراً ، وسل الله المغفرة أما إذا أخذتك العزة بالإثم ، ووجدت في نفسك روح التشفي ممن اتهمك فهذا نذير عدم الإخلاص.
دخل رجل على إبراهيم النخعي في مجلس درسه وأمامه الناس فوقف على باب المسجد وقال : يا مُرائي . فبكى إبراهيم وقال : نعم صدقت أول رجل يعرف اسمي ، من أعلمك باسمي ؟ فقام ودخل بيته وأغلق الباب.
لا بد من اتهام النفس ، فإنها محل الجناية ، ولا تتوارى بل عنف نفسك في الحال .
قال الشعبي مرة في مجلسه : والله لو قيل ليخرج شر من في المسجد لبادرتكم.
هكذا يرى أنه من شرار الناس ، يتهم نفسه ، والنصيحة لا تنقص أحدهم عند الآخر شيئاً ، بل تزيده وتنميه وتطوره.
قال بلال بن سعد : أخٌ لك كلما لقيك ذكرك بنصيبك من الله ، وأخبرك بعيب فيك ، أحب إليك وخير لك من أخ وضع في كفك ديناراً.
فالأخ الذي يقابلك فيقول لك : كيف حال قلبك مع الله ؟ ما هي أخبار ورد القرآن والذكر والقيام ؟ كيف حال الصيام وغض البصر ؟ كيف حال طلبك للعلم وحضور الدروس ... الخ مثل هذا الأخ لا يقدر فضله بثمن ؟ فينبغي أن يكون أحب إليك من رجل جاء فأعطاك شيئاً من المال ولو كان كثيراً ، إن كنت حقاً صادقاً مع الله ، أما إذا قسا قلبك وعميت بصيرتك ولم تنفعك الكلمات فتلك مصيبة تحتاج إلى البكاء بين يدي رب الأرض والسماء.
من أدب التواصي والنصيحة - هداك الله - ألا تغضب على أخيك إذا نصح لك في قلبك ودقيقك ، بعض الناس إذا نُصح يحزن ، وهذا دليل عدم صدقه مع الله ، بل عليك أن تتقبل النصيحة في الصغيرة والكبيرة ، وتظهر البشاشة في وجه ناصحك ، وتشكره لرعايته لك ، كما ينبغي عليك أن تصبر عند سماع النصيحة ، إذا جاءتك بأسلوب خشن .
يقول بعض السلف : لا تهربوا من خشونة كلامي ، فما رباني إلا الخشن من الكلام في دين الله عز وجل ، ومن هرب منى ومن أمثالي لا يُفلح .
فمن لم يصبر على مُر الكلام لا تراه ينجح ، لا بد من شدة توقظك ، والأمر في الأول والآخر لا يعدو مصلحتك.
علينا أن نشجع الناصحين الأمناء ، وأن نستمع لهم بإنصات ، فالإنسان لا يرى إلا إذا خرج عن الصورة التي يتأملها ، أما إذا كنت في داخلها فإنك لا تراها.
نعم الهدية - والله - أن ينصحك أخوك في الله ، ونعم العطية أن تنصح أخاك في الله .
يقول سفيان الثوري - رحمه الله - إن الرجل ليحدثني بالحديث قد سمعته قبل أن تلده أمه فيحملني حسن الأدب أن أنصت واستمع له.
وحقيقة من الدرر المنقودة التي هي في حياة المسلمين مفقودة درة الأدب ، فأين الأدب مع الله ؟!! .
وقد شددنا القول في شأن القبول أما البذل
فأولاً : عليك أن تخلو بأخيك بعيداً عن أعين المتطفلين ، والشامتين ، تساره في أذنه ، تنصحه على سبيل الرحمة لا التوبيخ والتقريع .
ثانياً : عليك أن تراعى قلب أخيك ، وتراعى حالته النفسية فترفق به ، تلطف بمعنوياته ،وتراعي مقتضى الحال ، فتتخير الوقت المناسب والظروف المناسبة ليقبل نصيحتك .
ثالثاً : عليك أن تنصحه فيما يصلحه ويرفعه ، وتظهر له اهتمامك به.
قال حاتم : إذا رأيت من أخيك عيباً فإن كتمته فقد خُنته ، وإن قلته لغيره فقد اغتبته ، وإن واجهته به فقد أوحشته فقيل له : كيف أصنع ؟
فقال : تُكني عنه ، وتُعرِّض به ، وتجعله في جملة الحديث....
فمثلاً : ترى أخاك لا يغض بصره ، فتذهب لتنصحه تقول : حديث جميل جداً كنت أحب أن يكون حديثاً صحيحاً " النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة ، فمن تركها من خوف الله أثابه ـ جل وعزـ إيماناً يجد حلاوته في قلبه "(9).
ثم تتكلم معه عن فوائد غض البصر ، ولذة غض البصر ، ومتعة غض البصر ، وحُسن غض البصر ، وخطورة إطلاق الطرف ، وهكذا لا بد من اللطف ، فتجمل العبارة وتتكلم بأسلوب غير مُنَفّر هذا بين الإخوة بعضهم مع بعض ، أمَّا الشيخ المربى فقد يقسو ويشتد على تلاميذه ليصلح اعوجاجهم، وهذا أمر مقبول ينبغي أن يفهم ذلك.
المصادر :
1- أخرجه أبو داود (4972) ك الأدب ، باب في قول الرجل زعموا ، والإمام أحمد (4/119) ، (5/401) ، والبخاري في الأدب المفرد (762) والطحاوي في مشكل الآثار (1/68) ، وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في الصحيحة (866) وصحيح الأدب المفرد (586).
2- أخرجه الترمذي (2616) وابن ماجة (3973) وفي صحيح الترمذي (2110) ، وصحيح ابن ماجة (3209).
3- أخرجه أبو داود (1522) والنسائي (1303) والإمام أحمد في مسنده (5/247) ، وفي صحيح الجامع (7969) .
4- انظر أحكام صنعة الكلام للقلاعي .
5- أخرجه البخاري (57) ومسلم (56) ك الإيمان ، باب بيان أن الدين النصيحة.
6- أخرجه مسلم (55) ك الإيمان ، باب بيان أن الدين النصيحة.
7- الترمذي (889) والنسائي (3016) ك مناسك الحج ، باب فرض الوقوف بعرفة (3044) وابن ماجه (3015) ك المنسك ، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع ، وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الترمذي (705) ، وصحيح ابن ماجه (2441).
8- الترمذي (3799) ك المناقب عن رسول الله ، باب مناقب عمار بن ياسر ، وقال : حديث حسن ، والإمام أحمد في مسنده (5/385 ، 402) وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في الصحيحة (1233) ، وصحيح الجامع (2511).
9- أخرجه الحاكم في المستدرك (4/349) وأخرجه الطبرانى في الكبير (10/173) ، وهو في مسند الشهاب (1/195) ، وقال الهيثمى في المجمع (8/63) .

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.