
إعلم، أن الموت غير القتل، والذي يدل على أنهما غير ان قول الله عز وجل: (أفان مات أوقتل)(1) وقوله تعالى: (ولئن متم أوقتلتم)(2) وقوله سبحانه: (ماماتوا وما قتلوا)(3)وليس يجوز أن يكون التأكيد والتكرير في لفظين يرجعان إلى معنى واحد.
ويدل على ذلك أيضاً العلم بأن الله سبحانه ليس بقاتل لمن مات حتف أنفه،ولوقال قائل في ميت: إن الله قتله، لعاب العقلاء عليه، والموت والقتل عرضان وليسا بجسمين.
وقد قال شيخنا المفيد رضي الله عنه: إن القتل متولد عن الأسباب، ومحله محل حياة الأجسام، والموت معنى يضاد حياة الفاعل المخلوق ولايصح حلوله في الأجسام، قال: وهذا مذهب يختص بي.
والقتل عند جميع أهل العدل من مقدورات العباد، والموت لايقدرعليه أحد إلاّالله عز وجل.
ولو كان القتل هوالموت لكان من ذبح فرس غيره وإبله وغنمه قد أحسن إليه، لأن لولا ذبحه لماتت -على رأي من يقول: إن القتل هو الموت - ومعلوم خلاف ذاك، وذاك أن القتل سبب لزوال الحياة، لأن المقتول لو تعداه القتل لجاز من الله تعالى أن يبقيه أويميته، ولا دليل على أحد الأمرين.
فصل من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه
في الأخوان واداب الأخوة في الإيمان (4)
«الناس إخوان فمن كانت اخوته في غير ذات الله فهي عداوة، وذلك قوله عز وجل: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلاّ المتقين)(5).
من قلب الاخوان عرف جواهر الرجال.
امحض أخاك النصيحة حسنة كانت أم قبيحة، ساعده على كل حال وزل معه حيث مازال، فلا تطلبن منه المجازاة، فإنها من شيم الدناة.
ابذل لصديقك كل المودة، ولا تبذل له كل الطمأنينة، واعطه كل المواساة،ولا تفضي إليه بكل الأسرار، توفي الحكمة حقها، والصديق واجبه.
لايكوننّ أخوك أقوى منك على مودتك.
البشاشة فخ المودة، والمودة قرابة مستفادة.
لايفسدك الظن على صديق أصلحه لك اليقين.
كفى بك أدباً لنفسك ماكرهته لغيرك.
لأخيك عليك مثل الذي لك عليه.
لاتضيعنّ حق أخيك إتكالاًعلى ما بينك وبينه، فإنه ليس لك بأخ من ضيعت حقه.
ولا يكن أهلك أشق الناس بك.
إقبل عذر أخيك، وإن لم يكن له عذر فالتمس له عذراً.
لا يكلف أحدكم أخاه الطلب إذا عرف حاجته.
لا ترغبن فيمن زهد فيك، ولا تزهدن فيمن رغب فيك.
إذا كان للمحافظة موضعاً لاتكثرن العتاب، فإنه يرث الضغينة ويجرالى البغضة، وكثرته من سوء الأدب.
إرحم أخاك وإن عصاك، وصله وإن جفاك.
إحفظ زلة وليك لوقت وثبة عدوك.
من وعظ أخاه سراً فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه.
من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه، وحنينه إلى أوطانه، وحفظ قديم إخوانه.
فصل مما جاء نظماَ في الإخوان (6)
روي أن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام كان يتمثل كثيراً بهذين البيتين:
أخوك الذي لوجئت بالسيف عامداً * لتضربه لم يستَغِشَّك في الود
ولوجئتَهُ تدعوه للموت لم يكن * يردك إبقاءاً عليك من الرد
وقال سالم بن وابصة:
احب الفتى ينفي الفواحشَ سمعه * كأن به من كل فاحشة وقرا
سليم دواعي الصدرلاباسطاً أذى * ولا مانعاً خيراً ولا قائلاً هجرا
إذا ما أتت من صاحب لك زلة * فكن أنت محتالاً لزلته عذرا
غنى النفس ما يكفيك من سدّ خِلة * فإن زاد شيئاًعاد ذاك الغنى فقرا
لغيره:
إذاجمع الفتى حسبا ودينا * فلا تعدل به أبدا قرينا
ولاتسمح بحظك منه بل كن * بحظك من مودته ضنينا(7)
وقال آخر:
وكنت إذا الصديق أرادغيظي * وأشرقني على حنق بريقي
غفرت ذنوبه وصفحت عنه * مخافة أن أعيش بلاصديق
لآخر:
ومن لم يغمض عينه عن صديقه * وعن بعض مافيه يعيش وهو عاتب
ومن يتتبع جاهداً كل عثرة * يجدها ولم يسلم له الدهر صاحب
وقال إياس بن القائف:
يقيم الرجال الأغنياء بأرضهم * ترمي النوى بالمقترين المراميا
فاكرم أخاك الدهرمادمتما معاً * كفى بالممات فرقة وتنائيا
إذا زرت ارضاً بعد طول اجتنابها * فقدر صديقي والبلاد كما هيا
وقال حاتم بن عبدالله:
وما انا بالساعي بفضل زمامها * لتشرب ما في الحوض قبل الركائب
وما أنا بالطاوي حقيبة(8)رحلها * لابعثها خفاً وأترك صاحبي
لبعضهم:
بدا حين اثرى باخوانه * فقلل عنهم شناة(9) العدم
و ذكره الحزم غب الاُمور * فبادر قبل انتقال النعم
لغيره:
ألا إن عبدالله لما حوى الغنى * وصار له من بين إخوانه مال
رأى خلة منهم تسد بماله * فساواهم حتى استوت بهم الحال
لموسى بن يقطين:
تتبع اخوانه في البلاد * فأغنى المقل عن المكثر
ولسلمان بن فلاح:
لي صديق مامسني عدم * مذ وقعت عينه على عدمي
قام بعذري لما قعدت به * ونمت عن حاجتي ولم ينم
أغنى وأقنى ولم يسم كرماً * تقبيل كف له ولاقدم
لبشار بن برد:
أذا كنت في كل ألاُمورمعاتبا * صديقك لم تلق الذي لاتعاتبه
فعش واحداً أوصل أخاك فإنه * مقارف ذنب مرة ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى * ضمئت، وأي الناس تصفومشاربه!
لزياد الأعجم:
أخ لك لاتراه الدهرَإلاّ * على العلات بسّاماً جوادا
أخ لك ليس خلته بمذق إذا ما عاد فقر أخيه عادا
شّاعر:
أذا كان ذواقاً أخوك من الهوى * موجّهة في كل فج ركائبه
فخلّ له وجه الطريق ولاتكن * مطية رحّال كثير مذاهبه
تخاف المنايا أن ترحل صاحبي * كأن المنايا في المقام تناسبه
ولبشار أيضا:
خير إخوانك المشارك في المر * وأين الشريك في المرّأينا
الذي إن شهدت سرك في الناس * وإن غبت كان اُذناً وعينا
مثل سر العقيان إن مسه النار * جلاه البلاء فازداد زينا
وأنشدت لابن معمعة:
أيها العالم الذي * ملأ الأرض علمه
قلت لما جرحت * قلبي بحال تغمه
لا يضرّ الجواد أن * تتوطاه اُمه
ولعمري لَضَمّ * كان أحلى وشمه
لاَتَهَجَّم على الصديق * بشيء يغمه
فإذا أحوج الشجاع * بدا منه سمّه
قال: وأنشدت لغيره:
لاتوردن على الصديق * من الدعابة مايغمّه
واحذر بوادر طيشه يوماً * إذا ماطال حلمه
فالعجل تنطحه على * إدمان مص الضرع اُمّه
فصل آخر في ذكر الاخوة والإخوان (10)
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إذا آخى أحدكم رجلاً فليسأله عن اسمه واسم أبيه وقبيلته ومنزله، فإنه من واجب الحق، وصافي الإخاء، وإلا فهي المودة الحمقاء».
وروي أن داود قال لابنه سليمان عليهما السلام: يا بني، لاتستبدلن بأخ قديم أخاً مستفاداً ما استقام لك، ولا تستقلن أن يكون لك عدو واحد، ولا تستكثرن أن يكون لك ألف صديق.
وأنشد لأمير المؤمنين عليه السلام:
وليس كثيرألف خل وصاحب * وإن عدواً واحداً لكثير
وروي أن سليمان عليه السلام قال: لاتحكموا على رجل بشيء حتى تنظرواإلى من يخادن، فإنما يعرف الرجل بأشكاله وأقرانه، وينسب الى أصحابه وأخدانه.
وروي أنه كانت بين الحسن والحسين صلوات الله عليهما وحشة، فقيل للحسين عليه السلام: لم لاتدخل على أخيك وهو أسن منك ؟ قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: أيّما اثنان جرى بينهما كلام فطلب أحدهما رضا صاحبه، كان سابقاً له إلى الجنة، وأكره أن أسبق أبا محمد إلى الجنة« فبلغ ذلك الحسن عليه السلام فقام يجر رداءه حتى دخل على الحسين صلوات الله عليهما فترضاه.
فصل مما ورد في ذكر الظلم (11)
روى عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام أنه قال:«[قال](12) رسول الله صلى الله عليه واله: أوحى الله إلى نبي من أنبيائه: يا ابنآدم اذكرني عند غضبك أذكرك عند غضبي فلا أمحقك فيمن أمحق، وإذا ظلمت بمظلمةفارض بانتصاري لك، فإن انتصاري لك خيرمن انتصارك لنفسك واعلم أن الخلق الحسن يذيب السيئة كما تذيب الشمس الجليد، وان الخلق السيء يفسد العمل كمايفسد الخل العسل ».
وروي عن رسول الله صلى الله عليه واله أنه قال: «من ولي شيئاً من اُموراُمتي فحسنت سريرته لهم، رزقه الله تعالى الهيبة في قلوبهم، ومن بسط كفه إليهم بالمعروف رزق المحبة منهم، ومن كفّ عن أموالهم وفر الله عز وجل ماله، ومن أخذ للمظلوم من الظالم كان معي في الجنة مصاحباً، ومن كثرعفوه مد في عمره، ومن عم عدله نصرعلى عدوه، ومن خرج من ذل المعصية إلى عز الطاعة، آنسه الله عز وجل بغيرأنيس وأعانه بغير مال ».
وروي أن في التوراة مكَتوب: من يظلم يخرب بيته، ومصداق ذلك في كتابالله عز وجل: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا).
وقد قيل: إذا ظلم من دونك عاقبك من فوقك.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إن الله تعالى يمهل الظالم حتى يقول:اهملني، ثم إذا أخذه اخذة رابية».
وقال صلى الله عليه وآله: «إن الله حمد نفسه عند هلاك الظالمين فقال:(فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)(13) ». ومن كلام إمير المؤمنين في ذلك:«لايكبرن عليك ظلم من ظلمك، فإنما سعى في مضرته ونفعك، وليس جزاء من سرك أن تسوءه.
ومن سلّ سيف البغي قتل به، ومن حفر لأخيه بئراً وقع فيها، ومن هتك حجاب أخيه انهتكت عورات بيته.
بئس الزاد إلى المعاد، العدوان على العباد.
أسد حطوم خير من سلطان ظلوم، وسلطان ظلوم خير من فتن تدوم.
اذكرعند الظلم عدل الله فيك، وعند المقدرة قدرة الله عليك ».
المتنبي:
وأظلم خلق الله من بات حاسداً * لمن بات في نعمائه يتقلب
من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وحكمه:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لاشرف أعلى من الاسلام، ولا كرم أعز من التقوى، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة».
«ومن ضاق صدره لايصبرعلى أداء حق ».
«من كسل لم يؤد حق الله، ومن عظّم أوامرالله أجاب سؤاله ».
«من تنزه عن حرمات الله، سارع إليه عفوالله ».
«من تواضع قلبه لله، لم يسأم بدنه طاعة الله ».
«الداعي بلا عمل، كالرامي بلا وتر».
«ليس مع قطيعة الرحم نماء، ولا مع الفجور غنى».
«عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر»،«تصفية العمل خيرمن العمل ».
«عند الخوف يحسن العمل »، «رأس الدين صحة اليقين ».
«أفضل ما لقيت الله به، نصيحة من قلب، وتوبة من ذنب ».
«إياكم والجدال، فإنه يورث الشك في الدين ».
«بضاعة الآخرة كاسدة، فاستكثروا منها في أوان كسادها».
«اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل ».
«دخول الجنة رخيص، ودخول النارغال ».
«التقي سابق إلى كل خير»، «من غرس أشجار التقى، جنى ثمار الهدى».
«الكريم من اكرم عن ذل النار وجهه ».
«ضاحك معترف بذنبه، أفضل من باك مدلّ على ربه ».
«من عرف عيب نفسه، اشتغل عن عيب غيره ».
«من نسى خطيئته، استعظم خطيئة غيره ».
«ومن نظر في عيوب الناس ونسبها لنفسه، فذاك الأحمق بعينه ».
«كفاك أدباً لنفسك ما كرهته لغيرك ».
المصادر :
1- آل عمران 3: 144.
2- آل عمران 3: 158.
3- آل عمران 3: 156.
4- كنز الفوائد: 34: وفيه تمام الفصل .
5- الزخرف 43: 67.
6- كنزالفوائد: 34 وفيه تمام الفصل.
7- الضنين: البخيل «الصحاح - ضنن - 6: 2156».
8- الحقيبة: من أجزاء الرحل وتكون من خلف «لسان العرب -حقب - 325:1».
9- الشناءة: مثل الشناعة: البغض، وقد خففت الهمزة هنا لإقتضاء الوزن اُنظر«الصحاح - شنأ - 1 : 57 » .
10- كنزالفوائد: 36، وفيه تمام الفصل.
11- كنز الفوائد : 56 - 57، وفيه تمام الفصل.
12- النمل27: 52.
13- الأنعام 6: 45.