افضلية العلم ونشره

قوله تعالى في قصة طالوت : (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم ) فجعل سبحانه سبب تفضيله العلم .
Wednesday, October 19, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
افضلية العلم ونشره
 افضلية العلم ونشره

 






 

قوله تعالى في قصة طالوت : (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم )(1) فجعل سبحانه سبب تفضيله العلم .
وقال سبحانه :(أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمّن لايهدّي إلاّ أن يهدى فما لكم كيف تحكمون)(2) وهذا من أعظم دلائل فضل العلم و العلماء العالمين بما علموا.
وقال أميرإلمؤمنين عليه السلام : «من عبدالله بغيرعلم كفرمن حيث لايعلم ،ألا وان الأدب حجة العقل ، والعلم حجة القلب ، والتلطّف مفتاح الرزق» .
وقال الصادق عليه السلام : «إن الشيطان ليطمع في عابر بغيرأدب ، أكثرمن طمعه في عالم بأدب ، فتأدبوا وإلأّ فأنتم أعراب » .
وقال الباقر عليه السلام : «صمت ألأديب عند الله أفضل من تسبيح الجاهل» .
وقال علي بن الحسين عليه السلام : «العلم دليل العمل ، والعمل وعاء الفهم ،والعقل قائد الخير، والهوى مركب المعاصي ، والدنيا سوق الآخرة، والنفس تاجر، والليلوالنهار رأس المال ، والمكسب الجنة، والخسران النار» .
ومن كتاب الخصال : عن السكوني ، عن جعفربن محمد، عن أبيه عليهماالسلام قال : «العلم خزائن والمفاتيح ألسؤال ، فاسألوا - يرحمكم الله - فإنه يؤجرفيه (3) أربعة : السائل ، والمتكلم ، والمستمع ، والمحب لهم» (4).
ومن كتاب الخصال لابن بابويه رحمه الله : عن جعفربن محمد، عن أبيه ، عنابائه ، عن علي عليه السلام قال : «إن في جهنم رحى تطحن، أفلا تسألوني : ماطحنها؟فقيل : وما طحنها يا أميرالمؤمنين ؟ قال : العلماء الفجرة، والقراء الفسقة، والجبابرةالظلمة، والوزراء الخونة، والعرفاء الكذبة، وإن في جهنم لمدينة يقال لها: (الحصينة)أفلا تسألوني : ما فيها ؟ فقيل له : وما فيها يا أمير المؤمنين ؟ فقال : فيها أيدي الناكثين» (5) .
ومن كتاب الخصال : عن أبي عبداللهّ عليه السلام ، قال عليه السلام : «إن من العلماء من يحب أن يخزن علمه ولا يؤخذ عنه ، فذاك في الدرك الأول من النار.
ومن العلماء من إذا وُعظ انف وإذا وَعظ عنف ، فذاك في الدرك الثّاني من النار.
ومن العلماء من يرى أن يضع علمه عند ذوي الثروة والشرف ولا يرى له في المساكين وضعاً فذاك في الدرك الثالث من النار.
ومن العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين ، فإن ردّ عليه شيءمن قوله ، أوقصرفي شيء من أمره غضب ، فذاك في الدرك الرابع من النار.
ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصارى، ليعزبه دينه ويكثربهحديثه ، فذاك في الدرك الخامس من النار.
ومن العلماء من يضع نفسه للفتيا ويقول : سلوني ، ولعله لايصيب حرفاَواحداً، والله لايحب المتكلفين ، فذاك في الدرك السادس من النار.
ومن العلماء من يتخذ علمه مروءة وعقلاَ، فذاك في الدرك السابع من النار» (6) .
يقول العبد الفقير إلى رحمة الله وعفوه ، الحسن بن علي بن محمد بن الديلمي ،تغمده الله برحمته ومسامحته وغفرانه - جامع هذا المجموع -: إن من العلماء أيضاً منيعنف بالمتعلم ، ويثقل عليه ، ويحمله من التكاليف ما يشق عليه في أول امره ، وإنماينبغي أن يأخذه استدراجاً وتلطفاً، ويخاطبه على قدرعقله وبصيرته ، ويحمله ما يسعهوعاؤه ، فما تستوي أخلاق الناس ولا بصائرهم ، فقد يعطى زيد مالم يعط عمرومن الفهم والذكاء والوعاية، فمتى حمل الضعيف حمل القوي ، حمله ذلك على الترك والاهمال ، لأن لكل انسان حالاً يؤخذبها ، ويخاطب على قدرها .
فقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : «إن الله - تبارك وتعالى -وضع الاسلام على سبعة أسهم: على الصبر، والصدق ، واليقين ، والرضا ، والوفاء ، والعلم ، والحلم ، ثم قسم ذلك بين الناس ، فمن اجتمعت له هذه السبعة أسهم فهو كاملالايمان محتمل .
**ثم قسم لبعض الناس سهماً ولبعض سهمين ولبعض السبعة اسهم ، فلاتُحَمِّلوا صاحب السهم سهمين ، ولاصاحب السهمين ثلاثة، ولا صاحب الستةسبعة، فيشق ذلك عليهم ويثقل وتنفرونهم ، ولكن ترفقوا بهم ، وسهلوا لهم المدخل .
وسأضرب لكم مثلاً تعتبروا به ، انه كان رجل مسلماً وكان له جاركافر،وكان الكافر يرفق بالمسلم ويحسن إليه ، فأحب له المسلم إلايمان ،.
ولم يزل يزينه لهويرغبه فيه حتى أسلم ، فأخذه المؤمن وذهب به إلى المسجد فصلى ، معه الفجر، فقال له :لوقعدنا نذكر الله حتى تطلع الشمس ؟ فقعد معه ، فقال : لوتعلمت القرآن إلى أن تزول الشمس ، وصمت اليوم كان أفضل ؟ فقعد معه وصام ، حتى صلى الظهروالعصر،فقال : لوصبرت حتى نصلي المغرب والعشاء الاخرة؟ ثم نهضا وقد بلغ مجهوده ، وكاد يتلف مما ضيق وثقل عليه .
فلما كان من الغد جاءه فدَقّ عليه الباب ، ثم قال له : اخرج حتى نمضي[إلى] المسجد، فأجابه : أن انصرف ، فإن هذا دين شديد لا أطيقه .
فلا تخرقوا بهم ، أماعلمتم أن امارة بني امية كانت بالسيف والعنف والجور، وأن إمامتنا بالرفق والتألف والوقار والتقية وحسن الخلطة والورع والإجتهاد ،فرغّبوا الناس في دينكم وما أنتم فيه».
هذا اخركلامه عليه السلام ، ذكره عنه - مرفوعا- ابن بابويه في كتاب الخصال (7) .
**وقال عليه السلام للحارث الهمداني - في وصيته له - «وخادع نفسك في العبادة، وارفق بها ولا تقهرها، وخذ عفوها ونشاطها، إلاّ ما كان مكتوباً عليك من الفريضة، فإنه لابد من قضائها، وتعاهدها عند محلها».
وقال الحسن بن علي العسكري عليه السلام : «إن للقلوب إقبالاً وادباراً، فإذاأقبلت فاحملوها على النوافل ، واذا ادبرت فاقصروها علم ، الفرائض » .
ولقد صدق عليه السلام ونصح ، فإن القلوب إن لم تنشط وتقبل على العلوموالعبادات لم يبالغ منها المراد، ولهذا ذم الله تعالى المنافقين بقوله تعالى : (ولايأتون الصلاةإلاّ وهم كسالى ولا ينفقون إلاّ وهم كارهون)(8).
وقال تعالى في موضع اخر:(وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤُن الناس ولايذكرون الله إلاّ قليلا * مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء)(9) فذم سبحانه وتعالى الكسل عند العبادة، والتردد بين أن يفعل وأن لايفعل ، فلم يبق أن يكون المرادإلاّ أن يقبل العبد بقلبه وجوارحه وعمله الخالص على ربه سبحانه ، فيقبل حينئذ عليه ويعطيه سؤله ومراده .
فصل: وإذا كان من العلماء قراء القرآن المجيد- بل من خيارهم - فلنذكرحالهم وصفاتهم ، مضافاً إلى فضل قراءته ، والتَمسك به عند اختلاف الناس .
روى الشيخ الفقيه أبوالفتح الكراجكي رحمه الله في كتابه (كنزالفوائد)مرفوعاً إلى الحارث الأعور قال : دخلت على أمير المؤمنين علي عليه السلام ، فقلت : ياأمير المؤمنين ، ألا ترى الناس قد وقعوا إلى الاحاديث !
قال : «وقد فعلوها».
قلت : نعم .
قال : «اما أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه واله يقول : سيكون بعدي فتنة، قلت فما المخرج منها يا رسول الله صلى الله [عليك ] ؟ قال : كتاب الله ، فيه نبأ ماكان قبلكم ، وخبرما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هوالفصل ليس بالهزل ، ما تركه من جبار إلاّ قصمه الله ، ومن ابتغى الهدىَ من غيره أضلّه الله تعالى، وهوحبل الله المتين ، وهو لذكر الحكيم ، والصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس بهالألسن ، ولا يشبع منه العلماء، ولايخلق (10) عن [كثرة] الرد، ولا تنقضي عجائبه ،هو الذي لم يثنه الجن حين سمعته ان قالوا(إنا سمعنا قرآناعجباً * يهدي إلى الرشد)(11) منقال، به صدق ، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي إلى صراطمستقيم».
وروي عن رسول الله صلّى الله عليه واله أنه قال : «ألا اُخبركم بالفقيه كل الفقيه ؟ قالوا: بلى يا رسول الله ، قال : إن الفقيه كل الفقيه ، الذي لايؤيس ، الناس من روح الله ، ولا يؤمنهم مكر الله ، ولا يقنطهم من رحمة الله ، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى ماسواه ، ألا لاخير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خيرفي عبادة ليس فيها تفقه، ولا في علم ليسفيه تفهم».
وروى عنه عليه الصلاة والسلام وعلى آله أنه قال في قول الله تعالى(كونواربانيين بما كنتم تعلّمون الكتاب)(12) قال: «حقاً على من يقرأ القرآن أن يكون فقهياً».
وقال : «أهل القرآن ، أهل الله وخاصته».
وقال عليه السلام : « تعلموا كتاب الله وتعاهدوه وافشوه ، فوالذي نفس محمدبيده لهوأشد تفلتاً من المخاض (13) من عقله».
وقال : «من سره أن يتمتع ببصره في الدنيا، فليكثرمن النظرفي المصحف».
وقال : «مثل المؤمن الذي يقرأ القران كمثل الاترجة، التي ريحها طيب وطعمها طيب ، ومثل المؤمن الذي لايقرأ القرآن كمثل التمرة، طعمها طيب ولا ريح لها،ومثل الفاجر- الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجرالذي لايقرأ القران كمثل الحنظلة، طعمها مر ولا ريح لها».
وروي عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال : «انصتوا إلى ذكرالله، فإنه أحسن الحديث ، واقتدوا بهدي نبيكم ، فإنه أفضل الهديَ ، وأستنّوا بسنّته ، فإنها أفضل السنن، وتعلموا كتاب الله ، واستضيئوا بنوره ، فإنّه أشفى لما في الصدور، واسمعوا لهوأنصتوا لعلكم ترحمون».
وجاء في الحديث عن محمد بن علي الباقرعليهما السلام أنه قال : «قراء ألقرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن ، فاتخذه بضاعة، واستدربه الملوك ، واستطال به على الناس،ورجل قرأ القرآن ،فحفظ حروفه وضيع حدوده ، وأقامه مقام القدح ، فلا كثر الله هؤلاءمن حملة القرآن . ورجل قرأ القران ، فوضع دواء القرآن على داء قلبه، فسهر ليله ،وظمىء به نهاره ، وقام به في مساجده ، وتجافى به عن فراشه ، فذاك من الذين يدفع العزيزالجبار بلاءهم، ويزيل أعداءهم ، وأولئك ينزل الله عزوجل الغيث عليهم من سمائه .
ثم قال : إذا قرأتم القرآن فبيّنوه تبياناَ، ولا تهذوه هذّاً كهذّ الشعر، ولاتنثروه نثر الرمل، ولكن افرغوا له القلوب القاسية . ولا يكن همّ أحد كَم آخرالسورة،واقرؤوه بألحان العرب وأصواتها ، وإياكم ولحون أهل الكبائر، واعربوا به فإنه عربي ولاتقرؤوه هذرمة، وإذا مررتم بآية فيها ذكرالجنة، فقفوا عندها واسألوا الله الجنة، وإذامررتم بآية فيها لا ذكر النار، فقفوا عندها وتعوذوا بالله من النار، وحسنوه بأصواتكم ، فإنالله تعالى أوحى إلى موسى بن عمران عليه السلام : إذا وقفت بين يديٌ فقف موقف الذليل الفقير، وإذا قرأت التوراة فاسمعنيها بصوت حزين .
ولقد كان علي بن الحسين عليهما السلام يقرأ القرآن فربما مرعليه المار فيصعق من حسن صوته .
واقرؤوه في المصحف ، فإنه من قرأه في المصحف متع ببصره ، وخفف عن والديه وأنه ليعجبني في أن يكون في البيت مصحف ، وأن البقعة التي يقرأ فيها القرآن ويذكرالله تعالى فيها ، تكثر بركتها ، وتحضرها الملائكة، ويهجرها الشيطان ، وتضيءلأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض ، وأن البيت الذي لايقرأ فيه القرآن ولا يذكرفيه الله تعالى، تقل بركته ، وتهجره الملائكة، ويحضره الشيطان . ومن قرأالقران وهوشاب مؤمن ، اختلط القرآن بلحمه ودمه ، وجعله الله مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيرا عنه يوم القيامة» .
وقال عليه السلام «لقارئ القرآن بكلّ حرف يقرؤوه في الصلاة قائماً مائةَحسنة، وقاعداً خمسون حسنة، ومتطهراً في غير الصلاة خمس وعشرين حسنة ، وغيرمتطهر عشر حسنات أما أني لا أقول المر[حرف] (14) بل له بالألف عشر، وباللام عشر،وبالميم عشر، وبالراء عشر».
وقال عليه السلام : «قراءة القرآن أفضل من والذكر أفضل من الصدقة، والصدقة أفضل من الصيام، والصوم جنة من النار» .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «فإذا التبست عليكم الامور كقطع الليل المظلم ، فعليكم بالقرآن ، فإنه شافع مشفع ، وشاهد مصدق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو أوضح دليل ، إلى خير سبيل ، من قالبه صدق ، وْمن عمل به وفق ، ومن حكم به عدل ، ومن أخذ به أجر».
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «القرآن ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه، ولاتكشف الظلمات إلاّ به» .
وقال عليه السلام - عقيب كلام ذكرفيه النبي صلى الله عليه واله ووصفه ثم قال - : «قبضه الله إليه كريماً صلى الله عليه وآله ، وخلف فيكم ما خلفت الأنبياءفي أممها، إذ لم يتركوهم هملاً بغير طريق واضح ولا علم قائم ، كتاب ربكم ، مبيناًحلاله وحرامه، وعامه وعِبَرَه وأمثاله ، ومرسله وحدوده ، ومحكمه ومتشابهه، ومفسراًجمله ، مبيناً غوامضه ، بين مأخوذ ميثاق علمه ، وموسع على ، العباد في جُمَله ، وبين مثبتفي الكتاب فرضه ، معلوم في السنة نسخه ، وواجب في السنة أخذه ، مرخص في الكتاب تركه ، وبين واجب بوقته ، ونايل في مستقبله ، ومباين بين محارمه ، من كبير أوعد عليه نيرانه ، وصغير أرصد له غفرانه ، وبين مقبول في أدناه ، وموسع في أقصاه».
وقال عليه السلام : «القرآن آمر وزاجر، صامت ناطق ، حجة الله على خلقه،أخذ عليهم ميثاقه ، وارتهن عليه أنفسهم ، أتم نوره ، وأكرم به دينه ، وقبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وقد فرغ إلى الخلق من أحكام الهدى به ، فعظموا منه - سبحانه -ماعظم من نفسه ، فإنه لم يخف عنكم شيئاً من دينه ، ولم يترك شيئاً رضيه أوكرهه ، إلاّوجعل له علماً بادياً، وآَية محكمة، تزجرعنه أوتدعوإليه ، فرضاه فيما مضى واحد، وسخطه فيما بقي واحد.
واعلموا أنه لن يرضى عنكم بشيء سخطه على من كان قبلكم ، ولن يسخط عليكم بشيء رضيه ممن كان قبلكم ، وإنما تسيرون في اثرين ، وتتكلمون برجع قول قد قاله الرجال من قبلكم».
وقال عليه السلام - في بعض خطبه - «فانظر- أيها السائل - فما دلّك القرآن عليه من صفته ، فائتم به ،واستضيء بنور هدايته ، وما كلفك الشيطان علمه ، مماليس في الكتاب عليك فرضه ، ولا في سنة النبي صلى الله عليه وآله وأئمة الهدى اثره ، فكل علمه إلى الله تعالى، فإن ذلك منتهى حق الله عليك .
واعلم أن الراسخين في العلم ، هم الذين اغناهم عن اقتحام السدد المضرو بةدون الغيوب ، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح الله تعالىاعترافهم بالعجزعن تناول مالم يحيطوا به علماً، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهمالبحث عن كنهه رسوخا، فاقتصرْ على ذلك ، ولا تقدرعظمة الله سبحانه على قدرعقلكفتكون من الهالكين»(15).
وقال عليه السلام : «وكتاب الله بين أظهركم ، ناطق لايعيى لسانه ، وبيتلاتهدم أركانه ، وعز لايهزم أعوانه » .
وقال عليه السلام - في نهج البلاغة - في التحكيم : «انا لم نحكم الرجالو إنما حكمنا القران ،و هذا القران إنما هو خط مسطور بين الدفتين ، لاينطق بلسان ولا بدَّلهمن ترجمان ، وإنما ينطق عنه الرجال ، ولما دعانا القوم إلى أن نحكم بيننا القران ، لم نكنالفريق المتولي عن القرآن - كتاب الله تعالى- ، و[ قد](16) قال الله سبحانه (فإن تنازعتمفي شيء فردوه إلى الله والرسول)(17) فرده إلى الله أن نحكم بكتابه ، ورده إلى الرسول أننأخذ بسنته ، فإذا حكم بالصدق في كتاب الله فنحن أحق الناس به ، وإن حكم بسنةرسول الله فنحن أولاهم به »(18).
وقال عليه السلام :« فإن أطعتموني حملتكم - إن شاء ألله - على سبيل الجنة ،وإن كان ذا مشقة شديدة، ومذاقة مريرة.
وسبيل أبلج المنهاج أنورالسراج ، بالإيمان يستدل على الصالحات ،وبالصالحات يستدل على الإيمان ، وبالإيمان يعمر العلم، وبالعلم يرهب الموت ، وبالموتتختم الدنيا، وبالدنيا تحرز الآخرة، وإن الخلق لامقصر لهم عن القيامة، مرقين (19) في مضمارها إلى الغاية ألقصوى .
قد شخصوا من مستقر الأجداث ، وصاروا إلى مضائق الغايات ، لكل دارأهل لايستبدلون بها ، ولا ينفكون عنها، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لخلقان من خلق الله ، وانهما لايقربان من أجل ، ولا ينقصان من رزق ، وعليكم بكتاب اللهّ،فإنه الحبل المتين ، والنور المبين ، والشفاء النافع ، والري الناقع ، والعصمة للمستمسك بها ،والنجاة للمتعلق به ، لايعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستعتب ، لاتخلقه كثرة ألرد وولوجألسمع ، من قال به صدق ومن عمل به سبق».
فقام إليه رجل فقال : أخبرنا عن الفتنة .
فقال : «لمّا انزل الله تعالى قوله (الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهملايفتنون)(20) علمت أن الفتنة لاتنزل بنا ورسول الله بين أظهرنا، فقلت : يا رسول الله ،ما هذه الفتنة التي أخبرك الله بها؟ فقال : يا علي ، إن امتي سيفتنون من بعدي ، فقلت :يا رسول الله أوليس قلت لي في يوم احد، حيث استشهد من استشهد من المسلمين ،وحيزت الشهادة عني فشق ذلك علي ، فقلت لي : ابشر، فإن الشهادة من ورائك ؟ فقاللي : إن ذلك لكذلك ، فكيف صبرك إذاً؟ فقلت : يا رسول الله ، ليس هذا من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشرى والشكر. فقال يا: يا علي إن القوم سيفتنون بأموالهم،ويمنون. بدينهم على ربهم ، ويتمنون رحمته ، ويأمنون سطوته ، ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء الساهية، فيستحلون الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية، والربا بالبيع .فقلت : يا رسول الله ، فبأي المنازل أنزلهم عند ذلك، أبمنزلة ردة، أم بمنزلة فتنة؟ فقال : بمنزلة فتنة»(21).
وقال عليه السلام : «يأتي على الناس زمان ، يبايع فيه المضطرون ، وقد نهىرسول الله عن بيع المضطرين»(22).
وقال عليه السلام - في خطبة له يذكر فيها فضل القرآن وشيئاً منمواعظه -: «انتفعوا ببيان الله ، واتعظوا بمواعظ الله واقبلوا نصيحة الله ، فإن الله قد أعذرإليكم بالجليلة، واتخذ عليكم الحجة، وبين لكم محابّهُ من الأعمال ومكارهه منها ؛لتبغوا هذه وتتجنٌبوا هذه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول : إن الجنةحفت بالمكارة، وان النار حفت بالشهوات .
واعلموا، أنه مامن طاعة الله شيء إلا يأتي في كره ، ومامن معصية الله[شئ] إلا يأتي في شهوة، فرحم الله رجلاً نزع عن شهوته ، وقمع هوى نفسه ، فإنهذه النفس أبعد شيء منزعاً، وإنّها لاتزال تنزع إلى المعصية في هوى .
واعلموا - عباد الله - أنّ المؤمن لايصبح ولا يمسي إلا ونفسه ظنون (23) عنده ،فلا يزال زارياَ عليها ، ومستزيداً لها، فكونوا كالسابقين قبلكم والماضين أمامكم،قوضوا(24) من الدنيا تقويض الراحل ، وطووها طي المنازل .
واعلموا أن هذا القرآن هوالناصح الذي لايغش ، والهادي الذي لايضل ،والمحدّث الذي لايكذب ، وما جالس هذا القران أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان ،زيادة في هدى، ونقصان من عمى .
واعلموا أنه ليس على أحد بعد القران من فاقة، ولا لأحد قبل القران من غنى ،فاستشفوه من أدوائكم ، واستعينوا به على لأوائكم ، فإن فيه شفاء من أكبر الداء،وهو الكفرو النفاق ، والغي والضلال ، واسألوا الله به ، وتوجهوا إليه بحبه ، ولا تسألوا به خلقه ، فإنه ما توجه العباد إلى الله بمثله .
واعلموا أنه شافع مشفع ، وشاهد مصدق ، وأنه من شفع له القران يوم القيامةشفع فيه ، ومن محل (25) به القران يوم القيامة صدق عليه ، وانه ينادي مناد يوم القيامة:ألا إن كل حارث مبتلىً في حرثه وعاقبة عمله غير حرثة القرآن ، فكونوا من حراثه وأتباعه ، واستدلّوه على ربكم ،واستنصحوه على أنفسكم ، واتهموا عليه آراءكم ،واستغشوا فيه أهواءكم ،العمل (العمل ثم النهاية النهاية، والإستقامة الإستقامة، ثم الصبرالصبر، والورع الورع) .
إن لكم نهاية فانتهوا إليها، وإن لكم علماً فاهتدوا بعلمكم ، وإن للأسلامغاية فانتهوا إلى غايته، واخرجوا إلى الله مما افترض عليكم من حقه ، وبين لكم منوظائفه ، أنا شاهد لكم وحجيج يوم القيامة عنكم ، ألا وإن القدر السابق قد وقع ،والقضاء الماضي قد تورد، وإني متكلم بعِدَةِ الله وحجته ، قال الله تعالى :(ان الذين قالواربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم المَلائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتمتوعدون)(26) وقد قلتم : ربنا الله ، فاستقيموا على كتابه ، وعلى منهاج أمره ، وعلى الطريقةالصالحة من عبادته ، ولا تمرقوا منها، ولا تبدعوا فيها، ولاتخالفوا عنها، فإن أهل المروق منقطع بهم عند الله يوم القيامة.
ثم إياكم وتهزيع الاخلاق وتصريفها ، واجعلوا اللسا ن واحداً ، وليخزن الرج للسانه ، فإن هذا اللسان جموح المصاحبة، والله ما أرى أحداً يتقي تقوىً تنفعه حتى يختزن لسانه ، فإن لسان المؤمن من وراء قلبه ، وإن قلب المنافق من وراء لسانه ، لأن المؤمن إذاأراد أن يتكلم بكلام تدبره في نفسه ، فإن كان خيراً أبداه ، وإن كان شراً واراه ، وإن المنافق يتكلم بما أتى على لسانه ، لايدري ماذا عليه مما له ، وقد قال رسول الله صلى اللهعليه وآله : لايستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ، فمن استطاع منكم أن يلقى اللهّ - سبحانه - وهو نقي الراحة من دم المسلمين وأموالهم ،سليم اللسان من أعراضهم ، فليفعل .
واعلموا -عباد الله - أن المؤمن يستحل العام ما استحل عاماً أول ، ويحرّم العام ما حرّم عاماً أول ، وإن أول ما أحدث الناس البدع ، ولا يحل لكم شيء مما حُرّمعليكم ، ولكن الحلال ما أحلّ الله ، والحرام ما حرّم الله ، فقد جربتم الاُموروصرفتموها، ووعضتم بمن كان قبلكم ، وضربت الأمثال لكم ، ودعيتم إلى الأمرالواضح ، فلا يصم عن ذلك إلأّ أصم ، ولا يعمى عنه إلاّ أعمى، ومن لم ينفعه الله تعالى بالبلاء والتجارب ، لم ينتفع بشيء من العظة، وأتاه التقصيرمن أمامه ، حتى يعرف ماأنكر، وينكر ما عرف ، وإنما الناس رجلان : متّبع شرعة، ومبتدع بدعة، ليسّ معه منالله سبحانه برهان سنة، ولاضياء حجة، وان الله - سبحانه - لم يعظ أحداً بمثل هذاالقران ، فإنه حبل الله المتين ، وسببه الأمين ، وفيه ربيع القلب ، وينابيع العلم ، وماللقلب جلاء غيره ، مع أنه قد ذهب المتذكرون ، وبقي المتناسون والناسون ، فإذا رأيتمخيراً فأعينوا عليه ، وإذا رأيتم شراً فاذهبوا عنه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمكان يقول : يا ابن ادم ، اعمل الخير، ودع الشر، فإذا أنت جواد قاصد.
ألا وإن الظلم ثلاثة : فظلم لايغفر، وظلم لايترك ، وظلم مغفور لايطلب .
فأما الظلم الذي لايغفر، فالشرك باللهّ تعالى، قال الله تعالى :(إن الله لايغفرأن يشرك به)(26)و أما الظلم الذي لايترك ، فظلم العباد بعض لبعض .وأما الظلم الذي يغفر، فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات (27).
القصاص هناك شديد، ليس هوجرحاً بالمدى، ولاضرباً بالسياط ، لكنه مايستصغر ذلك معه ، فإياكم والتلون في دين الله ، فإن جماعة فيما تكرهون من الحق ، خيرمن فرقة فيما تحبون من الباطل ، وإن الله سبحانه لم يعط أحداَ بفرقة خيراً، ممن مضى ولافيمن بقي .
يا أيها الناس ، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، وطولا لمن لزم بيته ،وأكل قوته ،واشتغل بطاعة الله ، وبكى على خطيئته ، فكان من نفسه في شغل ، والناسمنه في راحة»(28).
وقال عليه السلام لبعض أصحابه : «واعلم أن الدنيا داربلية، لم يفرغ صاحبها ساعة قط ، إلا كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة»(29).
وقال عليه السلام : «العلم وراثة كريمة، والاداب حلل مجددة، والفكر مرآةصافية، وصدرالعاقل صندوق سره ، والبشاشة حبالة المودة، والاحتمال ينفي العيوب »(30).
**وقال عليه السلام : «اليقين على أربع شعب : على تبصرة الفطنة، وتأولا لحكمة، وموعظة العبرة، وسنة الأولين ، فمن بصرفي الفطنة ثبتت له الحكمة، ومنثبتت له الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين .
والعدل على أربع شعب : على غائص الفهم ، وغورالعلم ، وزهرة الحكم ،ورساخة الحلم ، فمن فهم علم غورالعلم ، ومن علم غور العلم صدرعن شرائع الحكم ،ومن حلم لم يفرط في أمره ، وعاش في الناس »(31).
المصادر :
1- البقرة 2 : 247 .
2- يونس 35:10.
3- في المصدر: في العلم .
4- الخصال : 244 /‏ 101 .
5- الخصال : 296 / 65 .
6- الخصال : 352 / 33 .
7- الخصال : 354 / 35 .
8- التوبة 9 : 54.
9- النساء 4 : 142 ، 103 .
10- خلق الثوب : بلي وتقادم عهده «مجمع البحرين - خلق - 5: 158 »».
11- الجن 72 : 1 ، 2 .
12- آل عمران 3 : 79 .
13- المخاض : الحوامل من النوق (الصحاح - مخض - 3 : 1105).
14- في البحار 92 : 201.
15- نهج البلاغة 1: 160 .
16- أثبتناه من النهج .
17- النساء 4 : 59.
18- نهج البلاغة 2 : 7 / 121 .
19- أرقل في سيره : أسرع «الصحاح - رقل - 4 : 1712».
20- العنكبوت 29 : 1 ، 2 .
21- نهج البلاغة 2 : 62 / 151، من كلام له عليه السلام خاطب به أهل البصرة .
22- نهج البلاغة 3 : 264 /468 .
23- الظنون : التي يظن فيها الظنون ، يعني انها متهمة عنده . اُنظر«الصحاح - ظن - 6 : 2160»
24- تقوضت الصفوف : تفرقت «الصحاح - قوض - 3: 1103».
25- محل به : كاده ، ورفع أمره إلى السلطان « الصحاح -محل - 5: 1817»».
26- فصلت 41 : 30.
27- النساء 4 : 48 .
28- نهج البلاغة 2 : 109 /171 .
29- نهج البلاغة 3 : 127 / 59 ، من كتاب له عليه السلام إلى الاسود بن قطيبة صاحب جندحلوان .
30- نهج البلاغة 3 : 152 / 4 ، 5 .
31- نهج البلاغة 3: 157 / 30 .

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.