![شروط الإمام شروط الإمام](https://rasekhoon.net/_files/thumb_images700/article_ar/A13581.jpg)
يقول جمهور الفقهاء والمتکلمين على أن أهل الإمامة ومستحقها من هو مجتهد في الأصول والفروع ...
لم يتعرّض في هذه الشروط التي نسبها إلى « الجمهور » لمذهب أصحابنا ... فنقول : إن مذهب أصحابنا أنّ الإمامة منصب إلهي كالنبوة ، وطريق تعيين الإمام هو النصّ أو ما يقوم مقامه لا غير ، فكلّ ما يعتبر في النبوة معتبر في الإمامة ، وكلّما ليس بمعتبر في النبوة فليس معتبراً في الإمامة ، وكما أن النبي ليس بمجتهد بل هو مبلّغ لما أمره الله تعالى بإبلاغه بالوحي كذلك الإمام فهو مبلّغ لما أخذه وتعلّمه من النبي ...
( وههنا صفات أخرى في أشتراطها خلاف :
الأولى : أن يكون قرشياً ...
الثانية : أن يكون هاشمياً ، شرطه الشيعة .
الثالثة : أن يكون عالماً بجميع مسائل الدين ، وقد شرطه الإمامية .
الرابعة : ظهور المعجزة على يده ، إذ به يعلم صدقه في دعوى الإمامة والعصمة ، وبه قال الغلاة .
ويبطل هذه الثلاثة أنا ندل على خلافة أبي بكر ، ولا يجب له شيء مما ذكر .
الخامسة : أن يكون معصوماً ، شرطها الإمامية والإسماعيلية .
ويبطله أن أبابكر لا عصمة له إتفاقاً ) .
أما الأول ـ وهي أن يكون قرشياً ـ فلم يتعرّض لرأي أصحابنا فيها مع أنّهم قائلون بإشتراطها ، وحديث « الأئمة من قريش » ، لم يثبت عندنا إستدلال الصحابة به بل الثابت عن عمر القول بخلافه .
وأمّا دليل القول الآخر : وهو مارووه عن النبي صلّى الله عليه وآله سلّم أنه
قال : « وعليكم بالسمع والطاعة ولو عبداً حبشياً » فحديث باطل مختلق ، لكن القوم قائلون بحصته ، ولذا حمل في الكتاب وغيره على بعض الوجوه .
وأما الثلاثة التي بعدها فقد أبطلها بدليله على خلافة أبي بكر وكونه إماماً ، مع أنه لم يكن هاشمياً ، ولم يكن عالماً بمسائل الدين ، ولم تظهر على يده معجزة ولا كرامة
وفي هذا الكلام ـ مع الإعتراف بجهل أبي بكر بمسائل الّدين ، وهو الواقع كما لا يخفى على من له إلمام بالأخبار والسّير والتواريخ ، والاعتراف بعدم ظهور شيء مما يقتضي أن يكون له كرامة عنه الله على يديه ـ دلالة على أنه إذا بطل دليل خلافته ثبت اعتبار تلك الصفات .
هذا ، ولا يخفى أنه قد نسب الثانية والثالثة إلى « الشيعة » ونسب الرابعة إلى « الغلاة » ولسنا ندري من يعني من « الغلاة » ؟ ولماذا هذا التفريق ؟ مع أنّ الرابعة منصوص عليها في كتاب أصحابنا في طريق تعيين الإمام ، قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : « فصل في إيجاب النص على الإمام أو ما يقوم مقامه من المعجز الدالّ على إمامته » (1) .
وقال العلاّمة الحلّي : « الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه ، لأنّ العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلاً يعلمها إلاّ الله تعالى ، فلا بدّ من نص من يعلم عصمته عليه أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه » (2) .
لكن العمدة في الصفات المعتبرة ـ كما اعترف في الكتاب : 352 ـ المعصمة
وقد أخرج هذا الحديث في بعض الصّحاح عن العرباض بن سارية عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في وصيّة له وموعظة للمسلمين فيها الأمر باتّباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده واطاعة من تولّى أمورهم ولو كان عبداً حبشيّاً ، وهو حديث باطل ساقط بجميع طرقه .
والأعلميّة ... وقد نصّ على عدمهما في أبي بكر ... أما إعتبار العصمة فقد تعرض لبعض حجج أصحابنا عليه كما ستعرف ، وأما عتبار الأعلمية فسكت عن ذكر وجهه .
( احتجوا على إشتراط العصمة بوجهين :
الأول : إن الحاجة إلى الإمام إمّا للتعليم ... الجواب : منع كون الحاجة اليه لأحدهما ، بل لما تقدم من دفع الضرر المظنون .
الثاني من الوجهين قوله تعالى : ( لا ينال عهدي الظالمين ) في جواب إبراهيم عليه السلام حين طلب الإمامة لذريته ، وغير المعصوم ظالم فلا ينال عهد الإمامة .
الجواب : لا نسلم أن الظالم من ليس بمعصوم بل من ارتكب معصيةً مسقطةً للعدالة مع عدم التوبة والإصلاح ) .
أقول :
ليس إحتجاج أصحابنا على اشتراط العصمة منحصراً بالوجهين المذكورين ... فلقد احتجوا بوجوه من العقل والكتاب والسنة :
أما من العقل فقد عرفت أنّ « الإمامة » خلافة النبّي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنه يعتبر في « الإمام » كل ما يعتبر في « النبي » إلاّ الوحي ... و « العصمة » معتبرة في النبّي بالإتفاق فهي معتبرة في الإمام كذلك .
وأيضاً : قد عرفت أن الغرض من نصب الإمام حفظ الشريعة وإقامة الدين وردع الظالم عن ظلمه والإنتصاف للمظلوم منه ، فلو جاز أن يكون غير معصوم يجوز منه الخطأ والغلظ والسهو والنسيان لكان ذلك نقضاً للغرض من نصبه .
وأيضاً : لو صدرت من الإمام معصية فإن أطيع كانت إطاعته معصيةً لله ، وإن أنكر عليه وقعت الفتنة والضرر العظيم ، وهذا نقض للغرض من نصبه .
وما ذكره من أن الحاجة إلى إلامام ليس لما تقدّم ، بل لدفع الضرّر المظنون
فيه : أنه إنما يدفع الضرر المظنون به إذا كان معصوماً ، والعصمة لا يعلمها إلا الله ، ولذا قلنا بوجوب نصب الإمام على الله ووجوب النصّ عليه منه ، وأما تفويض النصب إلى الخلق فإنه يوجب الإختلاف ويؤدي إلى الضرّر المطلوب زواله .
وأما الكتاب فقد قال تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتّمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريّتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) (3) .
أمّا « الظالم » فهو « عنه أهل اللغة وكثير من العلماء : واضح الشيء في غير موضعه » (4) .
وغير المعصوم كذلك كما هو واضح ، وأما « العهد » فالمراد منه ـ كما ذكر المفسّرون (5) ـ هو « الإمامة » فمعنى الآية : أنّ غير المعصوم لا يناله الإمامة .
فأين الجواب الذي ذكره عن هذا الإستدلال ؟
وأمّا السنّة فأحاديث كثيرة :
منها : حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين فإنه نص في وجوب متابعة الأئمة من عترة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ... لكونهم معصومين ... فهو يدلّ على وجوب عصمة الإمام ... وهذا هو الحديث كما أخرجه مسلم بسنده عن زيد بن أرقم قال :
« قال رسول الله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خّماً بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال : أما بعد ، ألا يا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين ، أوّلهما : كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثمّ قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ... » (6) .
ومنها : قوله : صلّى الله عليه وآله وسلّم :
« عليّ مع القرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض » (7) فإنه يفيد ثلاثة أمور :
أحدها : معنى العصمة ، وهوعدم التخطّي عن القرآن .
والثاني : إشتراط هذا المعنى في الإمام .
والثالث : وجوده في علي عليه السلام .
ومنها : قوله صلّى الله عليه وآله وسلم « علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار » (8) فإنّه كسابقه في إفادة الأمور المذكورة .
طريق تعيين الإمام
( وتثبت أيضاً ببيعة أهل الحلّ والعقد خلافاً للشيعة ) .
مذهب أصحابنا الإثني عشرية عدم الثبوت بذلك ، وذلك لأنّه قد عرفت أنّ عمدة الشروط المعتبرة في « الإمامة » هي « العصمة » و « الأعلميّة » ، ولما كانت « العصمة » من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلا الله ورسوله ، فلا بدّ من النصّ الكاشف عنها منهما أو المعجز القائم مقام النص ، ولذا كان نصب الإمام واجباً على الله سبحانه ، ولم يفوّض إلى الناس .
وأمّا « الأعلمية » فكذلك ، ولو فرض أن يمكن لبعض الناس الإطلاع عليها فإنّ الإختلاف بينهم في تعيين الواجد لها غير مأمون ، وفي ذلك نقض الحديث ، فإن شئت الوقوف على طرقه وأسانيده فراجع كتابنا ( خلاصة عبقات الأنوار ) .
للغرض الذي من أجله يحتاج إلى الإمام .
وبهذا يظهر أنّ « الإمامة » لا تكون بالبيعة ولا بالشورى ...
ومن العجب أنهم يقولون بتفويض أمر الإمامة إلى « الامة » ثم يقولون بأنها « تثبت ببيعة أهل الحلّ والعقد » ثم يقولون بأن « الواحد والإثنين من أهل الحلّ والعقد كاف » ! « كعقد عمر لأبي بكر ، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان » فكيف يحلّ لمن يؤمن بالله واليوم الآخر ، إيجاب إتباع من لم ينص الله تعالى عليه ولا رسوله ولا إجتمعت الأمة عليه ، على جميع الخلق في شرق الدنيا وغربها ، لأجل مبايعة واحد أو إثنين !!
الإمام الحق بعد النبي
وهو عند السنة أبوبكر وعند الشيعة علي
لنا وجهان :
الأول : إنّ طريقة إمّا النص أو الإجماع بالبيعة ، أما النص فلم يوجد لما سيأتي . وأما الاجماع فلم يوجد على غير أبي بكر إتفاقاً من الأمة .
الثاني : الإجماع منعقد على حقّية إمامة أحد الثلاثة : أبي بكر وعلي العباس ، ثم إنهما لم ينازعا أبابكر ... ) .
أقول :
أما الوجه الأوّل ففيه :
أولاً : إنّ الطريق منحصر في النصّ أو ما يقوم مقامه كما عرفت .
وثانياً : إنّ النص موجود كما سيأتي .
وثالثاً : الإجماع غير منعقد على أبي بكر ، ودعوى إتفاق الأمة على تحقّقة باطلة ... وكيف يدّعى إنعقاد الإجماع عليه ولم يبايعه زعيم الخزرج سعد بن عبادة وولده وذووه إلى أن مات أبوبكر ، ولم تبايعه بضعة الرّسول وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها حتى فارقت الحياة ، ولم يبايعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مدة حياتها ، والزبير ، لم يبايعة إلاّ بعد أن كسروا سيفه وأخذوه قهراً ، والمقداد لم يبايعه إلاّ ما ضربوه ، وكذلك سلمان وأبوذر وعمّار وحذيفة وبريدة وأتباعهم ، وكثير من سائر المسلمين ؟!
وأمّا الوجه الثاني ففيه :
إنه إن أريد ثبوت الإجماع على حقيّة أحد الثلاثة بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وقبل بيعة أبي بكر فهو ممنوع ، لأنّ المسلمين أو أهل الحلّ والعقد منهم لم يجتمعوا حتى تعرف آراؤهم ، ومن اجتمع منهم في السقيفة كان بعضهم يرى أنّ سعد بن عبادة حقيق بها ، فكيف يدعي وقوع الإجماع حينئذ على حقيّة أحد الثلاثة المذكورين ؟ على أنّا لم نسمع أن أحداً ذكر العباس حينئذ .
وإن أريد ثبوت الإجماع المذكور بعد بيعة أبي بكر فهو ينافي ما زعموه من الإجماع على بيعة أبي بكر خاصة إن اتفق زمن الإجماعين ، وإلاّ بطل الاجماع على حقيّة أحد الثّلاثة سواء تقدّم أم تأخّر ، لأ، الإجماع على تعيين واحد هو الذي يجب اتّباعه ، فيكون الحق مختصاً بأبي بكر ولم يصح جعل الإجماع على حقيّة أحد الثلاثة دليلاً ثانياً . ويحتمل بطلان الإجماع المتقدّم وصحة المتأخّر مطلقاً ، وهو الأقرب .
قوله : « إنّهما لم ينازعا أبابكر ولو لم يكن على الحق لنازعاه كما نازع علي معاوية ، لأنّ العادة تقضي بالمنازعة في مثل ذلك » .
فيه : إن أريد من المنازعة خصوص المحاربة فإنّه لم يكن له ناصر إلاّ أقلّ القليل ، وقد صرّح بقلّة ناصريه في غير واحد من خطبه وكلماته ، ومن أشهرها الخطبة الشقشقية حيث قال : « فطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء » .
وقوله : « وفاطمة مع علوّ منصبها زوجته والحسن والحسين ... » عجيب جداً ، فإنّ فاطمة عليها السّلام لم يصدّقها أبو بكر في مطالبتها بفدك ، وردّ شهادة الحسنين عليهما السلام ، فكيف يقدم على المحاربة إعتماداً على أنّ هذه زوجته وهما ولداه ، فضلاً عن الإعتماد على غيرهم كالذين ذكرهم ؟
وإن أريد من المنازعة مخالفة أبي بكر والمطالبة بحقّه فهذا ما قد فعله ، فقد إمتنع مدة حياة فاطمة عليها السلام عن البيعة ، كما لم يأمرها بالبيعة حتى توفيت ، مع علمه بأنّ « من بات وليس في عنقه بيعة أمام فمات مات ميتة جاهلية » بل إنه حملها ـ والحسنين ـ مستنصراً وجوه المسلمين فلم ينصروه ، كما رواه غير واحد من المؤرخين (9) وذكره معاوية في كتاب له إلى أمير المؤمنين .
هذا ، ولا يخفى ما في عبارة الكتاب من التناقض ، فهو في الوقت الذي يدعي الإجماع على خلافة أبي بكر يعترف بكون فاطمة وولديها والعباس والزّبير وأبي سفيان والأنصار ... مع أمير المؤمنين عليه السلام !! اللهم إلاّ أن يريد من « الإجماع » عمر بن الخطاب الذي انعقدت ببيعته خلافته !!
وممّا يشهد بوجود المخالفين والكارهين خلافة أبي بكر تفسير بعض المحشّين على الكتاب قول عمر : « كانت بيعة أبي بكر فلتةّ وقى الله شرّها ... » بأن « معنى وقى الله سرّها : سرّ الخلاف الذي كان يظهر من المهاجرين والأنصار ... » .
ومما يشهد بعدم إنعقاد الإجماع على إمامته لجوء بعضهم تارةً إلى دعوى غيرهما طريق كما قال !
( وكلام الشيعة في إثبات إمامة علي يدور على أمور ، أحدها : أن الإمام يجب أن يكون معصوماً لما مر ، وأبوبكر لم يكن معصوماً إتفاقاً ... والواجب منع وجوب العصمة ، وقد تقدّم ) .
قد تقدّم إجمالاً وجوب عصمة الإمام بدلالة الكتاب والسنة والعقل .
ودعوى إبن تيمية في مقام نفي عصمة أمير المؤمنين عليه السلام : « إنه لم يكن بأولى في العصمة من أبي بكر وعمر وعثمان » (10) .
مردودة بالإجماع المصرّح به في الكتاب وغيره ، وبإعتراف أبي بكر نفسه ، وبدلالة كتب السّير والتواريخ ، لكن هذه الدعوى من شواهد صحة ما ذهب إليه أصحابنا من إعتبار العصمة ، ولعلّ الوجه في دعواه ذلك هو التنبّه إلى عدم تحقق الإجماع علىخلافته مع عدم وجود النصّ عليه .
( ثانيها :البيعة لا تصلح طريقاً إلى إثبات الإمامة ، وإمامة أبي بكر إنما تستند إليها إتفاقاً ، الجواب مر ) .
إنّ الطريق الصحيح إلى إثبات الإمامة وتعيين الإمام هو النصّ لما عرفت ، على أنّ الإجماع لم ينعقد على إمامة أبي بكر ، ودعوى الإتفاق على ذلك إن أراد منها ـ كما هوالظاهر ـ الإتفاق بين الإمامية ومخالفيهم كاذبة ، إلاّ أن يريد الإتفاق على إستنادها إليها على فرض ثبوتها لعدم النصّ عليه بالإتفاق ، لكن الثابت عدمها .
علي أفضل الخلائق بعد الرسول
( وثالثها : علي أفضل الخلائق بعد رسول الله عليه السلام ، ولا يجوز إمامة المفضول مع وجود الفاضل .) .
أمّا أنّ علياً هو الأفضل أو أبوبكر فقد ذكر أدلّة الطرفين ثم قال : ( وأعلم أنّ مسألة الأفضلية لا مطمع فيها في الجزم واليقين ... والنصوص المذكورة من الطرفين بعد تعارضها لا تفيد القطع على ما لا يخفى على منصف ، لكنّا وجدنا السلف قالوا بأن الأفضل أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي . وحسن ظنّنا بهم يقضي بأنهم لو لم يعرفوا ذلك ما أطبقوا عليه ، فوجب علينا اتّباعهم في ذلك ، وتفويض ما هو الحق فيه إلى الله ) .
هذا كلام الماتن هناك وتبعه الشارح فأين الجواب ؟
وأمّا أنّه لا يجوز إمامة المفضول مع وجود الفاضل فقد تعرّض وهذه عبارته : ( منعه قوم لأنه قبيح عقلاً ... وجوّزه الأكثرون إذ لعلّه أصلح للإمامة ... وفصّل قوم ... ) فهو ليس إلا ناقلاً للأقوال ، فأين الجواب ؟
ونحن إذا أجبنا عن أدلة أفضلية أبي بكر إجمالاً وتفصيلاً ، وبقيت أدلة افضلية علي عليه السلام بلا معارض ، ثم ذكرنا كلمات من بعض أكابر القوم في قبح إمامة المفضول مع وجود الأفضل ... ثبت ما ذهب إليه أصحابنا في الصغرى والكبرى ، ولم يبق مجوّز لأتباع السّلف فيما ذهبوا إليه في مسألة التفضيل لو كانوا مطبقين عليه كما زعم فكيف وهم مختلفون ؟
( ورابعها : نفي أهلية الإمامة عن أبي بكر لوجوه ... ) .
أقول :
أولاّ : هذه بعض الوجوه لا كلّها .
وثانياً : إنما يستدل بها بعد التنزل عن إعتبار النصّ .
قوله :
( شرائط الإمامة ما تقدم وكان أبوبكر مستجمعاً لها ، يدل عليه كتب السير والتواريخ ) .
إن الشرائط التي ذكرها وادعى الإجماع عليها هي أن يكون الإمام :
1 ـ مجتهداً في الأصول والفروع ، متمكّناً من إقامة الحجج وحلّ الشبه في العقائد الدينية ، مستقلاً بالفتوى في النوازل ...
2 ـ ذل رأي وبصارة بتدبير الحرب والسلم ...
3 ـ شجاعاً قويّ القلب .
4 ـ عدلاً في الظاهر ، لئلاّ يجوز .
5 ـ عاقلاً ، ليصلح للتصرّفات .
6 ـ بالغاً ، لقصور عقل الصبّي .
7 ـ ذكراً ، إذ النساء ناقصات عقل ودين .
8 ـ حرّاً ، لئلا يشغله خدمة السّيد عن وظائف الإمامة ...
قال :
( فهذه الصفات شروط معتبرة في الإمامة بالإجماع ) .
ثم قال :
( وههنا صفات أخرى في اشتراطها خلاف ) فذكر خمسة شروط هي :
1 ـ أن يكون قرشياً .
2 ـ أن يكون هاشمياً .
3 ـ أن يكون عالماً بجميع مسائل الدين .
4 ـ ظهور المعجزة على يده .
5 ـ أن يكون معصوماً .
ثم قال بالنسبة إلى الثاني والثالث والرابع من هذه الشروط ( ويبطل هذه الثلاثة أنا ندل على خلافة أبي بكر ولا يجب له شيء مما ذكر ) .
وبالنسبة إلى الخامس منها : ( ويبطله أن أبابكر لا تجب عصمته إتفاقاً ) .
إذن لم يتوفر في أبي بكر من هذه الشروط المختلف فيها إلاّ الأول وهو كونه قرشياً .
وأما الشروط المدّعى عليها الإجماع ، فالذي كان متوفّراً منها فيه بلا خلاف هي الأربعة التالية .
الحريّة ، الذكورة ، البلوغ ، العقل .
فالصّفات التي كان مستجمعاً لها هي هذه الأربعة والقرشيّة ... ولكن لا حاجة إلى الإستدلال لها بكتب السير والتواريخ .
وأما الأربعة الأولى وهي :
الإجتهاد ، البصيرة ، الشّجاعة ، العدالة . فكتب السير والتواريخ تشهد بعدم توفّرها فيه ...
ولو سلّمنا توفّر الثمانية كلّها فيه والقرشية ... فقد استجمع هذه الصفات غير واحد من الصحابة ... فما الذي رجّح أبابكر على المستجمعين لها منهم ؟
على أنّك قد عرفت أن عمدة الشرائط العصمة والأفضلية والأعلمية ، وأنّ طريق تعيين الإمام هو النصّ أو ما يقوم مقامه ...
( ولا نسلّم كونه ظالماً ... ) .
قد ذكرنا معنى قوله تعالى : ( ولا ينال عهدي الظالمين ) .
المصادر :
1- تلخيص الشافي 1 / 275 .
2- الباب الحادي عشر بشرح المقداد 48
3- سورة البقرة 124 .
4- قاله الراغب في المفردات : 315 .
5- الرازي 3 / 40 ، البيضاوي : 26 ، أبو السعود 1 / 156 .
6- صحيح مسلم 7 / 122 باب فضل علي . وهذا الحديث تجده في سائر المسانيد والسنن وجوامع
7- المستدرك 3 / 124 وتلخيصه للذهبي ، وقد صحّحه كلاهما .
8- هذا الحديث بهذا اللفظ ونحوه في سنن الترمذي 2 / 298 والمستدرك 3 / 124 وقال : هو صحيح على شرط مسلم ، وفي غيرهما .
9- الإمامة والسياسة : 13 ، شرح نهج البلاغة عن الجواهري .
10- منهاج السنة : 2 / 168 .