النبوة ختمت بمحمد صلی الله عليه وآله وسلم فلم يبق الا الامامة والوزارة، كما كانت لهارون، فتكون الوزارة له بنص القرآن .
ولوكانا وزيرين له لما جعلهما تحت راية أسامة بن زيد عند احتضاره .واسامة كان غلاما لاولاد على (1) (عليه افضل الصلاة والسلام) وذلك دليل أنهما كانادون مملوك على (عليه افضل الصلاة والسلام). (كـان أسـامـة ابـن ام أيـمـن حاضنة النبي , خادمة بيته (صلی الله عليه وآله وسلم) حينما صار بأمره (صلی الله عليه وآله وسلم) أميرالجيش على الصحابة .
كان عمرعند لقائه اسامة يقول : السلام عليك أيها الامير ورحمة اللّه , توفي رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) وأنت على أمير)(2) قيل : صعد النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) إلى أحد، ومعه أبوبكر وعمر وعثمان، فرجف بهم أحد، فقال :اثبت يا احد، فانما عليك نبى وصديق وشهيدان . (3)
الجواب : عجبا من الكاذب .
ان عليا كان من السابقين في جميع المواطن وملاذ الدين، ولم يكن معه صحبة (4)
قط مع كونه نفس الرسول، صهره وابن عمه ومن رباه أبواه (5). ولو كان هذا حقا لما تركوه (عليه افضل الصلاة والسلام) مكسورة ثناياه مشجوجة جبهته . (6)
وفي منتهى المرب : أن عثمان عاد إلى المدينة بعد ثلاثة أ يام، وكان منسابا (7)
في شعب جبال أحد تاركا محمدا في أيدي الكفار. (8)
ورأى عمر رجلا يبكي فقال مالك ؟ فقال الرجل : أخاف أن أكون ممن قال اللّه تعالى :
(يا أيها الذين آمنوا اذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الا دبار ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من اللّه ). قال عمر: أنا فئتك . قال الرجل : ومن فئتك يا عمر فررت قبلي (9)؟
ولـيـعـلـم أن هـذه الـقـصـة هـي اسطورة الغرانيق , مفتراة على النبي الكريم (صلی الله عليه وآله وسلم) وقد أولع الـمـسـتـشـرقـون والـطـاعـنون في الدين الاسلامى الحنيف , بنشر هذه الاسطورة المصطنعة وأذاعـوهـا وأثـار واحـوالـهـا عجاجة من القول البذي ء. راجع : تاريخ الشعوب الاسلامية لكارل بروكلمان وردها صاحب تلخيص التمهيد سندا ودلالة .
وهذا ملخصه : نقد الحديث سندا.
أولا: لـم يـتصل تسلسل سند الحديث إلى صحابى اطلاقا, وانما اسند إلى جماعة من التابعين ومن لـم يـدرك حـياة رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم), وعليه فالحديث مرسل غير موصول السند إلى من شاهد القضية فرضا...
ثانيا: شهادة جلة أئمة الحديث بكذب هذا الخبر واء ن الطرق ضعاف واهية , فهو فيما يشتمل عليه من السند أيضا ساقط في نظر النف .
قـال ابـن حـجـر: وجـميع الطرق إلى هذه القصة ـ سوى طريق ابن جبيرـ اما ضعيفة أومنقطعة .
راجـع : فـتـح الـبـاري بشرح صحيح البخاري 8: 333. وسنذكر ان بلاء طريق ابن جبير هو الارسـال والـضعف أيضا, قال أحمد بن الحسين البيهقى وهو أكبرأئمة الشافعية المشهور بدقة الـنـقـد والـتمحيص ـ: هذا الحديث من جهة النقل غير ثابت و رواته مطعون فيهم . راجع :التفسير الكبير للرازي 23: 50.
اء مـا طـريق ابن جبير فذكر أبوبكر البزاز ان هذا الحديث لم يسنده عن شعبة الا امية بن خالد وغيره , ويرسله عن سعيد بن جبير... قال جلال الدين السيوطى : هي أوهى الطرق . راجع : الاتقان 2: 189.
ثالثا: اتفاق كلمة المحققين من علماء الاسلام قديما وحديثا, على انه حديث مفترى , وحكموا عليه بـالـكـذب الـفاضح , غيرآبهين بجانب السند, متصل أم منقطع , صحيح أم سقيم . لا نه قبل كل شي ء متناقض مع صريح القرآن الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد) (10).
نقد الحديث مدلولا: هذا الحديث , فضلا عن سنده الموهون , فان مضمونه باطل على كل تقدير: اؤلا: مـنـاقضته الصريحة مع كثير من نصوص القرآن الكريم في شتى الجهات ... واليك طرفا من ذلك : ابتداء السورة بقوله تعالى : (والنجم اذا هوى . ماضل صاحبكم وماغوى . وما ينطق عن الهوى . ان هو الا وحى يوحى . علمه شديد القوى . (11).
وهي شهادة صريحة من اللّه , باء ن محمدا (صلی الله عليه وآله وسلم) لا يضل ولايغوى ولاينطق الا عن وحي من اللّه , يعلمه الروح الامين .
فلو صح ماذكروه في رأس الاية العشرين , لكان تكذيبا فاضحا لهذه الشهادة , وتغليبا لجانب الشيطان على الرحمان ,وهوالقائل تعالى : (ان كيد الشيطان كان ضعيفا) (12).
ب ـ وأيضا فـانه تعالى يقول : (ولو تقول علينا بعض الاقاويل . لاخذنا منه باليمين . ثم لقطعنا منه الـوتـين).(13).
كناية عن ان أحدا لا يستطيع التقول على اللّه تلبيسا للحقيقة الا ويهلكه اللّه من فوره ...
أفـهـل تـرى ـ بـعد هذا التأكيدـ يستطيع ابليس , وهو صاحب الكيد الضعيف أن يتقول على اللّه , ويـلبس الامر على رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) بما يحسبه وحيا, آتيا به جبرائيل الامين ؟ الذي ضمنه اللّه تعالى الغالب على أمره , وتعهدعلى نفسه في الاية المذكورة ؟ ثانيا: منافاته لمقام العصمة .
قـال الـقـاضي عياض : وقد قامت الحجة وأجمعت الامة على عصمته (صلی الله عليه وآله وسلم) ونزاهته عن مثل هذه الـرذيـلة , اما تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا, من مدح آلهة غير اللّه , وهو كفر, أو أن يتسور عليه الشيطان و يشبه عليه القرآن , حتى يجعل فيه ما ليس منه , ويعتقد النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) أن من القرآن ما ليس مـنـه , حتى ينبهه جبرائيل , وذلك كله ممتنع في حقه (صلی الله عليه وآله وسلم). أويقول النبي ذلك من قبل نفسه عمدا وذلـك كفر, أوسهوا وهو معصوم من هذا كله ..., (14)
المصادر :
1- سير أعلام النبلاء 2: 496.
2- سير اعلام النبلاء 2: 501.
3- صحيح البخاري 4: 197 و200.
4- اشـارة إلى آيـة الـمـباهلة , وهي : (فقل تعالوا ندع أبناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ...) آل عمران /61.
5- قـد ثـبت في حياته (صلی الله عليه وآله وسلم) اء يام صباه انه كان في كفالة أبي طالب سنوات . انظر: كشف اليقين : 194.
6- انـظر قصة فرار الصحابة عنه (صلی الله عليه وآله وسلم) في غزوة احد, في : شرح نهج البلاغة لابن أبي الـحديد 1: 276, تاريخ الطبري 2:203, الكامل في التاريخ 11: 554, الاربعين في أصول الدين : 469, حلية الاولياء 1: 62 وأيضا 4: 356, المناقب لابن المغازلي : 180ـ 181.
7- نسب بالنساء, أي تغزل , وشبب بهن . راجع : لسان العرب 1: 756.
8- انظر قصة فراره في : تاريخ الطبري 2: 203, الكامل في التاريخ 1: 554.
9- الكشاف 2: 206, بتفاوت يسير.
10- فصلت / 42
11- النجم /1 ـ 5
12- النساء/76
13- الحاقة /44ـ46
14- تلخيص التمهيد: 46ـ58.