ما وحّده من كيّفه ، ولا حقيقتَهُ أصاب من مثّله ، ولا إياه عنى من شبّهه ، ولاصمده من أشارإليه وتوهمه ، كل معروف بنفسه مصنوع ، وكل قائم في سواه معلول ،فاعل لاباضطراب آلةٍ ، مقدر لابجول فكرة، غنيْ لاباستفادة، لم لا تصحبه الأوقات ،ولا ترفده الأدوات ، سبق الأوقات كونه ، والعدم وجوده ، والابتداء ازله، بتشعيرهالمشاعرعرف ألاّ مشعرله ، وبمضادته بين الاُمورعرف ألا ضد له ، وبمقارنته بين الأشياء عرفالاّقرين له ، ضاء النور بالظلمة ، والوضوح بالبهيمة ، والجمود بالبلل ، والحرور بالصرد (1)،
مؤلفبين متعادياتها، مقارن (2) بين متبايناتها، مقرب بين متباعداتها، مفرق بين متدانياتها،لايُشمل (3) بحد، ولايحسب بعد ، وأنما تحد الادوات أنفسها ، وتشير الآلات (4)إلى نظائرها ،منعتها(منذ) القدمية ، وحمتها (قد) الأزلية ،
وجنبتها (لولا) التكملة، [بها ](5) تجلى صانعها للعقول ، و(6) بها امتنع عن نظرالعيون ، لايجري عليه السكون والحركة ، وكيف يجري عليه ما هوأجراه ؟ ويعود فيه ما هو ابداه ؟ ويحدث فيه ما هو أحدثه ؟ إذاً لتفاوتت ذاته ، ولتجزأ كنهه ،ولامتنع من إلأزل معناه ، لو كان له وراء لوجد له امام ، ولا لتمس التمام اذ لزمه النقصان ، وإذاًلقامت آية المصنوع فيه ، ولتحول دليلاً بعد أن كان مدلولاً [عليه ] ، وخرج بسلطان إلامتناعمن أن يؤثر[فيه ما يؤثر ] في غيره ، الذي لايحول (7) ولا يزول ،
ولا يجوزعليه الافوال ، لم يلدفيكون مولوداً، ولم يولد فيكون (8) محدوداً، جل عن اتخاذ الأبناء، وطهرعن ملامسةالنساء.
لا تناله الأوهام فتقدره ، ولا تتوهمه الفطن فتصوره ، ولا تدركه الحواس فتحسه ،ولا تلمسه الأيدي فتمسه ، لايتغير بحال ، ولا يتبدل بالأحوال (9) ، لاتبليه اللياليوالأيام ، ولا يغيره الضياء والظلام ، ولا يوصف بشيء من الاجزاء، ولا بالجوارحوالأعضاء، ولا بعرض من الأعراض ، ولا بالغيرية والابعاض .
ولا يقال له حد(10) ولا نهاية، ولا انقطاع ولا غاية، ولا ان الأشياء تحويه فتقله أوتهويه ،أو ان شيئاً يحمله فيميله أو يعدله، ليس في الأشياء بوالج ولا عنها بخارج ، يخبر بلالسان ولهوات ، ويسمع بلا خروق وأدوات ، يقول ولا يلفظ ، ويحفظ ولا يتحفظ ،و يريد ولا يضمر، يحب ويرضى من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة .
يقول لما(11) أراد كونه كن فيكون ، لابصوت يقرع ، ولانداء(12) يسمع ، وإنماكلامه(13) فعل منه أنشأه ومثله ، لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولوكان قديما لكان إلهاًثانيأ لايقال كان بعد أن لم يكن فتجرى عليه الصفات المحدثات ، ولا يكون بينها وبينهفصل [ولا له عليها فضل، فيستوي الصانع والمصنوع ، ويتكافأ المبتدىء والبديع ] .
خلق الخلائق على غير(14) مثال خلا من غيره ، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه .
وأنشأ الارض فأمسكها من غير اشتغال ، وأرساها على غيرقرار، وأقامها بغيرقوائم ، ورفعها بغير دعائم ، وحصنها من الأود والإعوجاج ، ومنعها من التهافتوالانفراج ، أرسى أوتادها ، وضرب أسدادها ، واستفاض عيونها ، وخد أوديتها ، فلميهن ما بناه ، ولا ضعف ماقواه ، هوالظاهرعليها بسلطانه وعظمته ، وهوالباطن لها بعلمهومعرفته ، والعالي [على] كل شيء منها بجلاله وعزته ،لا يعجزه شيء منها يطلبه (15)، ولا يمتنع عليه فيغلبه ، ولا يفوته السريع منها فيسبقه ، ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه ،خضعت الأشياء له فذلت (16) مستكينة لعظمته ، لاتستطيع الهرب من سلطانه إلى غيرهفتمتنع من نفعه وضره ، ولا كفؤله فيكافئه ، ولانظيرله (17) فيساويه .
هو المفني لها بعد وجودها، حتى يصيرموجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيابعد ابتداعها، بأعجب من إنشائها واختراعها، وكيف ولو اجتمع جميع حيوانها منطيرها وبهائمها، وما كان من مراحها(18) وسائمها، وأصناف أسناخها وأجناسها،ومتبلدة اممهاو اكياسها،على احداث بعوضة ماقدرت على احداثها، ولا عرفت كيفالسبيل إلى إيجادها، ولتحيرت عقولها في علم ذلك وتاهت ، وعجزت قواها وتناهت ،ورجعت خاسئة حسيرة، عارفة بأنها مقهورة، مقرة بالعجز عن إنشائها، مذعنة بالضعفعن إفنائها .
وأنه يعود سبحانه بعد فناء الدنيا وحده لاشيء معه ، كما كان قبل ابتدائها،كذلك يكون بعد فنائها، بلاوقت ولا مكان ، ولا حين ولا زمان ، عدمت عند ذلكالآجال والأوقات ، وزالت السنون والساعات ، فلا شيء الا الواحد القهار، الذي إليهمصير جميع الاُمور .
بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها، وبغير امتناع منها كان فناؤها، ولوقدرت علىالامتناع لدام بقاؤها، لم يتكاءده (19) صنع شيء منها [ إذ] صنعه ، ولم يؤده منها خلقما برأه وخلقه ، ولم يكونها لتشديد سلطان ، ولا لخوف من زوال ونقصان ، ولا للاستعانةبها على ند مكاثر، ولا للاحتراز بها من ضد مثاور، ولا للازدياد بها في ملكه ، ولا لمكاثرةشريك في شركه ، ولا لوحشة كانت منه (20) فأراد أن يستأنس إليها .
ثم هو يفنيها بعد تكوينها، لالسأم دخل عليه في تصريفها وتدبيرها، ولا لراحةواصلة إليه ، ولا لثقل شيء منهاعليه ، لايمله طول بقائها فيدعوه إلى سرعة افنائها ، لكنه سبحانه دبرها بلطفه ، وأمسكها بأمره ، وأتقنها بقدرته ، ثم يعيدها بعد الفناء من غيرحاجة منه إليها، ولا أستعانة(21) بشيء منها عليها(22)، ولا لانصراف من حال وحشة إلىحال استئناس ، ولا من حال جهل وعمى إلى [حال] علم والتماس ، ولا من فقر وحاجةإلى غنى وكَثرة، ولا من ذل وضعة إلى عز وقدرة .
ومن خطبة له في المعنى(23) :
الحمد للّه المتجلي لخلقه بخلقه ، والظاهر لقلوبهم بحجته ، خلق الخلق من غيرروية، إذ كانت الرويات لاتليق إلآ بذوي الضمائر، وليس بذي ضمير في نفسه ،خرق علمه باطن غيب السترات ، وأحاط بغموض عقائد السريرات.و أشهد أن لا إله اللّه وحده لا شريك له ، الأول فلا شيء قبله ، [و] الآخرلأنهاية له ، لاتقع القلوب له على، غاية، ولا تعقد القلوب منه على كيفية، لاتنالهألتجزئة والتبعيض ، ولا تحيط به الأبصار والقلوب (24)، بطن خفيات الامور، ودلت عليهأعلام الظهور، وامتنع على عين البصير، فلا عين من لم يره تنكره
ولاقلب من اثبتهيبصره ، سبق في العلو فلا شيء أعلى منه ، وقرب في الدنو فلا شيء أقرب منه ، فلاأستعلاؤه باعده عن شيء من خلقه ، ولا قربه ساواهم في المكان به ، لم يطلع العقول علىتحديد صفته ، ولم يحجبها عن واجب معرفته ، فهو الذي تشهد له اعلام الوجود على اقرارقلب ذي الجحود، تعالى اللّه عما يقول المشبهون به والجاحدون له علوا كبيراً(25).
ومن خطبة له في التوحيد عليه السلام :
الحمد للّه الدال على وجوده بخلقه ، وبمحدث خلقه على، أزليته ، وباشتباهم علىأن لا شبه له ، لا تشتمله (26) ألمشاعر، ولا تحجبه السواتر، لافتراق الصانع والمصنوع ، والحادوالمحدود، والرب والمربوب.الأحد لا بتأويل عدد، والخالق لا بمعنى حركة ونصب ، والسميع لابأداة،والبصير لابتفريق الة، والشاهد لابمماسة، والبائن لابتراخي مسافة، والظا هر لابرؤية،والباطن لا بلطافة، بان من الأشياء بالقهر لها والقدرة عليها، وبانت الأشياء منهبالخضوع له والرجوع إليه .
من وصفه فقد حده ، ومن حده فقد عده ، ومن عده فقد أبطل ازله ، ومنقال : (كيف) فقد استوصفه ، ومن قال : (أين) فقد حَيّزه ، عالم إذ لا معلوم ، ورب إذلا مربوب ، وقادر إذ لا مقدور.
منها: قد طلع طالع، ولمع لامع ، ولاح لائح ، واعتدل مائل ، واستبدل اللّهبقوم قوماً، وبيوم يوماً وانتظرنا الغِيَر انتظارالمجدب المطر، وانما الأئمة قوام اللّه على خلقه ،وعرفاؤه على عباده ، لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلا منأنكرهم وأنكروه.
إن اللّه خصكم بالاسلام واستخلصكم له ، وذلك لأنه اسم سلامة وجماعكرامة، اصطفى اللّه تعالى منهجه وبين حججه ، من ظاهر علم وباطن حكم ، لا تفنىغرائبه ، ولا تنقضي عجائبه ، فيه مرابيع النعم ومصابيح الظلم ، لاتفتح الخيرات إلابفاتحهم (27)، ولا تكشف الظلمات إلا بمصابحهم (28)، قد أحمى حماه وأرعى مرعاه ، فيهشفاء المشتفي وكفاية المكتفي (29).
المصادر :
1- رواها الشريف الرضي في نهح البلاغة 2 : 142 / 181، وقال : وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم مالا تجمعه خطبة غيرها.
2- في الأصل : مقارب .
3- في الأصل : لايشتمل .
4- في النهج: الالة.
5- أثبتناه من النهج .
6- في الأصل : في .
7- في الأصل : لايحرك .
8- في النهج : فيصير.
9- في الأصل ،: من الأحوال .
10- في الأصل : عد، .
11- في النهج : لمن .
12- في النهج : ولا بنداء.
13- في النهج زيادة: سبحانه .
14- في الأصل : خير.
15- في النهج : طلبه .
16- في النهج : وذلت .
17- ليس في النهج .
18- في الأصل : مراحمها.
19- في وصفه تعالى «لابتكاءده صنع شيء كان » أي لايشق عليه «مجمع البحرين 3 :135».
20- في الأصل : منها.
21- في الأصل : ثم لا لاستعانة.
22- في الأصل : عليه .
23- رواها الشريف الرضي في نهج البلاغة 1 : 206 / 104، إلى: عقائد السريرات .
24- نهج البلاغة 1 : 81 / 146، من : وأشهد أن لا إله إلا اللّه .
25- نهج ألبلاغة 1 : 94 / 48، من : بطن خفيات الاُمور.
26- في النهج : لاتستلمه .
27- في النهج : بمفاتيحه .
28- في النهج: بمصابيحه.
29- نهج البلاغة 2 : 53 / 148 .