هناك عبارة يُكرِّرها خطباء المنبر الحسيني حتّى أصبحت متعارفة وتقليديّة وهي قولهم : يا ليتنا كنّا معكم فنفوزَ فوزاً عظيماً (1) .
والخطاب ـ بصيغة الحال ـ للحسين ( عليه السلام ) وأصحابه ،عند التطرق الی معنى هذه العبارة ؛ فإنّ في ذلك : عبرة أوّلاً ، وموعظة ثانياً ، وتربية للخطباء ثالثاً ، لعلّهم يأخذون ما سوف نطرح هنا بنظر الاعتبار .
واللفظ الذي هو الأهمّ والأشدّ تركيزاً في هذه الجملة هو ( معكم ) ؛ فإنّ المعيّة قد تكون : مكانيّة ، وقد تكون زمانيّة ، وقد تكون معنويّة ؛ فإنّ المتكلّم بهذه الجملة مرّة يتمنّى أن يكون مع شهداء كربلاء في الزمان والمكان المعينيّن اللذين كانوا فيهما ، وأخرى يتمنّى أن يكون معهم معنويّاً .
والأداةُ ( ليت ) للتمنّي ، والمشهور في علوم العربيّة أنّ التمنّي لا يكون إلاّ للمستحيل ، ويوردون كشاهدٍ على ذلك قول الشاعر :
ألا ليتَ الشبابَ يعود يوماً فأُخبرهُ بما فعلَ المشيب (2)
أمّا تمنّي الفرد للكون معهم في نفس الزمان والمكان الذي كانوا فيه ، فيُراد عادة تمنّي الحصول على الشهادة معهم لكي يفوز فوزاً عظيماً ، وهو أمرٌ جليل ولطيف في حدّ نفسه إلاّ أنّه قابل للمناقشة من أكثر من جهة :
الجهةُ الأولى :
أنّ تمنّي العود إلى الماضي من تمنّي المستحيل طبيعيّاً ، وتمنّي المستحيل مستحيل ، أو قل : إنّه لا يتصوّره ولا يقتنع به إلاّ مَن خولِط في عقله ، وليس من تمنّي الأسوياء ما كان مستحيلاً .
الجهةُ الثانية :
إنّ مجرّد وجود الفرد هناك في الماضي ـ لو تمّ له ـ لا يعني كونه يفوز بالشهادة أو يفوز فوزاً عظيماً ، بعد أن نأخذ بنظر الاعتبار هذه النفوس الضعيفة الأمّارة بالسوء المعتادة على الترف والضيق من مصاعب الحياة .
ومن الواضح أنّ حركة الحسين ( عليه السلام ) كلّها مصاعب وبلاء وضيق من الناحية الظاهريّة أو الدنيويّة ، ومن هنا لا يكون من المؤكّد أنّ الفرد إذا كان موجوداً في ذلك الزمان والمكان أن يكون ناصراً للحسين ( عليه السلام ) ، بل لعلّه يكون في الجيش المعادي تحت إمرة عبيد الله بن زياد ؛ لأجل الحصول على المال أو الشهرة أو دفع الشرّ والتهديد ، تماماً كما مالَ أهل الكوفة إليه بعد إعطائهم الولاء للحسين ( عليه السلام ) ومسلم بن عقيل ( عليه السلام )، ومن أجل شيء من الطمع والخوف .
وإذا كان الفرد أحسن نفساً و أكثر ثقافة ، فلا أقلّ من أن ينهزم من المعسكر ، فلا يكون مع مُعادي الحسين ، كما لا يكون مع الحسين نفسه ، تماماً كما ورد عن أبي هريرة أنّه قال : ( الصلاة خلف عليّ أتم ، وطعام معاوية أدسم ، والوقوف على التل أسلم ) (هذا القول من أبي هريرة عبّر عن موقفه في حرب صفّين ، وقد ذكرهُ محمود أبو ريّة في كتاب شيخ المضيرة أبو هريرة.)(3) ، وإذا لم يكن مع الحسين ( عليه السلام ) فسوف يحصل :
أوّلاً : إنّه لن ينال الشهادة ولن يفوز فوزاً عظيماً .
وثانياً : إنّه سينال اللعنة الأبديّة طبقاً لقوله ( عليه السلام ) : ( مَن سمعَ واعيتنا ولم ينصرنا ، أكبّه الله على مَنخريه في النار ) (4) .
وعلى أيّ حالٍ ، فمن أين يأتي التأكّد على أنّ الفرد إذا كان في ذلك الزمان وذلك المكان مع الحسين ( عليه السلام ) ، لفازَ فوزاً عظيماً ، بل لعلّه يَخسر خسراناً مبيناً ، كما ألمَعنا قبل قليل ؛ لأنّ مجرّد المصاحبة في المكان لا يعني أكثر من ذلك .
وقد يُستدلّ على أنّ المطلوب من أيّ فردٍ مُحبّ للحسين ، يَحسن به أن يتمنّى ذلك ، فيستدلّ عليه بالشعر المنسوب إلى الحسين ( عليه السلام ) :
شيعتي ما إن شربتم عذبَ ماءٍ فاذكُروني أو سَمعتم بقتيلٍ أو جريحٍ فاندِبوني
فأنا السبطُ الذي من دون جُرمٍ قتلوني وبجُرد الخيل بعد القتل عَمداً سَحقوني (5)
فقد تمنّى الحسين ( عليه السلام ) أن يكون معهُ شيعته يوم عاشوراء ، وهو المطلوب ، وجواب ذلك من عّدة وجوه منها :
الوجه الأوّل : إنّ هذا الشِعر ليس للحسين ( عليه السلام ) قطعاً ، بل هو ممّا قيل على لسانه قطعاً ، وأدلّ دليل على ذلك : أن يَذكر فيه مقتلهُ وما حدثَ بعد مقتله ، وهو ما لا يمكن أن يكون من قوله سلام الله عليه ، وفي ما سمعناه ما يشير إلى ذلك .
مضافاً إلى قوله : وبجُرد الخيل بعد القتل ظلماً سَحقوني ، إلى غير ذلك .
إذاً ، فهذا الشعر إنّما قاله الشاعر بعد أن سمعَ قول الخطباء ( يا ليتنا كنّا معكم ) ، فأحبّ أن يكون هذا التمنّي صادراً عن الحسين ( عليه السلام ) أيضاً ، إذاً فلا يكون لهذا الشعر قيمة إثبات تاريخيّة أكثر من هذه الجملة التي يُكرّرها الخطباء .
الوجه الثاني : إنّ مثل هذا التمنّي لو كان صادراً عن الحسين ( عليه السلام ) أو محبّيه ، فإنّما يراد به تمنّي الاجتماع معنويّاً ـ كما سوف نذكر ـ لا ماديّاً ، أو تمنّي الاجتماع ماديّاً ومعنويّاً حتّى يتمّ الأمر ، وإلاّ فمن الواضح ـ كما أسلفنا ـ أنّ الاجتماع المادّي في الزمان والمكان وحده لا يكفي .
وأمّا المعيّة المعنويّة : وهي الاتّحاد في الهدف والمحبّة والإيمان ، فقد يُستشكل فيه من حيث إنّ ( ليت ) إنّما تأتي للتمنّي المستحيل على ما هو المشهور كما أسلفنا ، ومن الواضح أنّ المعيّة المعنويّة ليست مستحيلة ، بل بابها مفتوح لكلّ والج وواسع بسعة رحمة الله سبحانه ، فينال منها كلّ فردٍ حسب استحقاقه ، فمن هنا ناسبَ أن تُستعمل ( ليت ) للمستحيل ، وهو الكون المادّي معهم لا المعنوي .
وجواب ذلك : إنّ اختصاص التمنّي بالمستحيل غير صحيح تماماً وإن ذهبَ إليه المشهور ؛ وذلك لعدّة وجوه منها :
أوّلاً : ما أشرنا إليه فيما سبق من أنّ تمنّي المستحيل مستحيل ، إلاّ من المجانين ومَن خُولطوا في عقولهم ، أو إنّه يتحدّث حديثاً مجازيّاً بعيداً عن الواقع تماماً ، كبيت الشعر الذي استشهدوا به ( ألا ليتَ الشباب يعود يوماً ) .
ثانياً : إنّ التمنّي وأضرابه من موارد ما يسمّى في علوم البلاغة بالإنشاء : كالاستفهام ، والترجّي ، وهي حالات نفسيّة وجدانيّة محسوسة في النفس تختلف في معانيها ومداليلها ، فالترجّي المدلول عليه بالأداة ( لعلّ ) إنّما يعني مجرّد الاحتمال كقولنا : لعلّ فلاناً عادَ من سفره ، أو لعلّي أُسافر غداً .
وأمّا التمنّي فهو : إرادة حصول شيء في المستقبل والرغبة فيه كقولنا : ليتني أُسافر غداً ، أي أحبُّ ذلك وأرغبُ به ، ولا ربطَ له بمجرّد الاحتمال .
فالتمنّي والترجّي أمران مختلفان تماماً ، كما لا ربطَ لهُ بالأمور المستحيلة بل يستحيل أن يتعلّق التمنّي بالمستحيل .
ثالثاً : إنّ في القرآن الكريم موارد استُعملت فيها الأداة ( ليت ) فيما هو ممكن وليس بمستحيل ، وظاهر القرآن حُجّة على كلّ مَن يناقش في ذلك ، كقوله تعالى : ( يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً ) (6) ، مع العلم أنّ الموت في أيّ وقتٍ ممكن بقدرة الله سبحانه ، وقوله تعالى : ( وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً ) (7) ، يعني : ميّتاً قد زالت معالِم قبره ، وهو أمر ممكن على أيّ حال .
بل حتّى ما يبدو مستحيلاً من الاستعمالات كقوله تعالى : ( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) (8) ، وقوله تعالى : ( يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا ) (9) ونحوها ، إنّما تكون مستحيلة باعتبار النظام الإلهي للخلق ، لا باعتبار قدرة الله على انجاز ما يتمنّونهُ إلاّ أنّه لا يُنجّزه ؛ لأنّهم لا يستحقّون ذلك .
ومحلّ الشاهد من كلّ ذلك : أنّ التمنّي للممكن أمرٌ ممكن ، فإذا عَرفنا أن المعيّة المعنويّة مع أصحاب الحسين ( عليه السلام ) أمر ممكن في أيّ مكانٍ وزمان ؛
لأنّها تُعبّر عن المعيّة القلبيّة والفكريّة ، وهي المعيّة الأهم والألزم ، فإذا كانت ممكنة كان تمنّيها ممكناً ، ويمكن أن يقصدها الفرد حين يقول : يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً ، والحقُّ أنّ المعيّة المعنويّة توجِب الفوز العظيم بلا إشكال .
ولكنْ يحسن بنا أن نلتفت إلى أنّ هذا التعبير وارد في القرآن عن قول فردٍ فاسق ، أو مُتدنّي الإيمان وقليل اليقين ؛ لأنّه سبحانه يقول : ( وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً * وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً ) (10) .
إذاً فتكرار هذا المضمون من قِبَل الفرد لا يكاد يكون معقولاً ؛ لأنّه سيعتبر نفسه مُتدنّي الإيمان أو قليل اليقين ، وهذا لا يكون إلاّ مع الغفلة عن المضمون الحقيقي للعبارة كما هو الأغلب ، أو لأجل كسر النفس والوقيعة فيها ، كما هو شأن الزُهّاد والسالكين .
كما ينبغي أن نلتفت إلى أمرٍ أهمّ حول الآية الكريمة وهو : إنّه سبحانه يقول : ( وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ .... الخ ) (11) ، وهذا يعني ـ بالنسبة إلى الأفراد الاعتياديين ، بغضّ النظر عن المعاني التي أسلفناها ـ أمران :
الأمرُ الأوّل :
إنّ الحسين ( عليه السلام ) أصابهُ فضلٌ من الله بالشهادة ، والفرد يتمنّى أن ينال من هذا الفضل ، وقد سبقَ أن قلنا : إنّ هذا الفضل من دواعي الاستبشار لا من دواعي البكاء ، مع العلم أنّهم يجعلونهُ مُقدّمة للبكاء كما هو المعهود أكيداً ، ومعهُ فلا يكون وضعه في هذا الموضع مناسباً .
الأمرُ الثاني :
إنّ الفضل الذي نالهُ الحسين وأصحابه من الله سبحانه ليس مجانيّاً ولا يمكن أن يكون كذلك ، ولذا وردَ : ( إنّ لك في الجنّة درجات لن تنالها إلاّ بالشهادة ) (12) ، فقد دفعَ الحسين ( عليه السلام ) تحمّلهُ لأنواع البلاء الدنيوي ، بما فيه نفسه ونفوس أهل بيته وأصحابه فداءً لذلك الفضل العظيم ، فهل سيكون الفرد على استعداد حقّاً في المشاركة مع الحسين ( عليه السلام ) في بلائه ، كما هو على استعداد أن يشاركه في جزائه ، أم يتمنّى الفرد أن يحصل على ثواب الحسين ( عليه السلام ) مجاناً ، مع أنّ الحسين ( عليه السلام ) نفسه وهو المعصوم لم يحصل عليه إلاّ بالثمن الغالي ، إنّ هذا من سُخف القول حقّاً !
كما يحسن بنا أن نتساءل في هذا الصدد : إنّنا لماذا نتمنّى أن نكون مع الحسين خاصّة لنفوز فوزاً عظيماً ، مع أنّ الآية الكريمة مطلقة من هذه الناحية ، بل هي خاصّة بالرسول ( صلّى الله عليه وآله ) ، والكون معه أيضاً فوز عظيم بلا إشكال ، فهل نتمنّى ذلك أو نتمنّى الكون مع أمير المؤمنين أو أحد الأئمّة المعصومين ، وإنّ لنا إماماً حيّاً مسؤولاً عنّا فعلاً ونحن مسؤولون عنه أيضاً ، فهل نتمنّى أن نكون معه ، وليتَ شِعري ؛ فإنّ الكون مع إمامنا الحيّ ليس سهلاً على الإطلاق ، بل هو امتحان عسير وبلاء كبير ويحتاج إلى إيمان عظيم وتسليم جسيم ، يكفينا ما ورد : ( ما هذا الذي تمدّون إليه أعينكم ، وهل هو إلاّ لبس الخشن وأكل الجَشب ) (13) ، وفي خبرٍ آخر : ( وهل هو إلاّ السيف والموت تحت ظلّ السيوف ) (14) .
فإنّه ( سلام الله عليه ) يُطبّق الإسلام كما طبّقهُ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، ولن يكون ذلك في مصلحة أهل الدنيا ومُتّبعي الشهوات والمعتادين على اللّذات ، بل سيكون هذا العدل المطلق اقتصاديّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً ونفسيّاً وعقليّاً ودنيويّاً وأخرويّاً ، وهذا لا محالة يكون على الفرد الاعتيادي ـ كما قلنا ـ امتحاناً عسيراً وبلاءاً كبيراً ، إذاً فالتمنّي للكون مع إمامنا الحيّ ليس سهلاً بأيّ معنىً قصدناه .
ولكن ـ مع ذلك ـ فقد يُحسن الخطباء صُنعاً حين يخصّون الحسين ( عليه السلام ) بالذِكر لأمرين أو أكثر :
الأمرُ الأوّل :
إنّ الحديث في المجلس عنه والمأتم المُنعقد ، لهُ ( عليه السلام ) .
الأمر الثاني :
إنّ الحديث في المجلس وإن لم يكن عنه ( سلام الله عليه ) ، بل عن غيره من المعصومين ( عليهم السلام ) ، إلاّ أنّه لابدّ من ذكره خلال الحديث ، وإلاّ لم تطمئنّ النفس ولم يهدأ الخاطر ولم يتمّ الاستحباب الشرعي الكامل .
الأمر الثالث :
إنّ شفاعة الحسين ( عليه السلام ) أوسع من غيره من المعصومين ( عليهم السلام ) جميعاً ، كما وردَ (15) ، ووردَ أنّ عدداً من المعصومين لا يصل إليهم إلاّ الخاصّة كعلي ( عليه السلام ) ، والرضا ( عليه السلام ) ، والمهدي ( عليه السلام ) ، في حين يصل إلى الحسين ( عليه السلام ) الخاصّة والعامّة ، فهو يشفع للجميع وزياراتهم لديه مقبولة ، وشفاعتهُ واسعة يوم القيامة .
إلاّ أنّنا مع ذلك ينبغي أن نتوخّى أن نضمّ إلى هذا الأمر الشعور على مستويين :
المستوى الأوّل :
إنّ شفاعة الحسين ( عليه السلام ) لن تكون عامّة بالمعنى الكامل ، بل بشرطها وشروطها ، كما وردَ في الخبر ، تماماً كما قال الإمام الرضا ( عليه السلام ) في حديث سلسلة الذهب :
( لا إله إلاّ الله حِصني ومَن دخل حِصني أمِنَ من عذابي ، ثمّ قال : بشرطها وشروطها وأنا من شروطها ) (16) .
المستوى الثاني :
أن لا نفهم من سعة شفاعة الحسين ( عليه السلام ) سعتها دنيويّاً ، بل سعتها أخرويّاً ، ولكن وجِد العديد ممّن يقول : إنّ سُفرة الحسين ( عليه السلام ) أوسع ، ويريد به الأرباح الماديّة المجلوبة بسبب ذكره ( سلام الله عليه ) أكثر من الأرباح المجلوبة بسبب ذكر غيره .
وهذا وإن كان صحيحاً عمليّاً وداخلاً ضمن النِعَم الإلهيّة على الحسين ومُحبّي الحسين ( عليه السلام ) ، إلاّ أنّ المطلوب أخلاقيّاً هو عدم النظر إلى حطام الدنيا مهما كان مهمّاً ، وقَصر النظر على ثواب الآخرة .
ومن الواضح أخلاقيّاً ودينيّاً أنّ مَن قَصدَ الدنيا وحدها ، أو مَن قصدَ الدنيا والآخرة معاً ، فليس له الثواب في الآخرة إطلاقاً ، وإنّما يأخذ الثواب مَن خصّ قصدهُ في الآخرة تماماً .
وهذا لا يعني عدم جواز الأجرة على ذكره ( عليه السلام ) ، وخاصّةً ممّن كان عمله ذلك ورزقه متوقّفاً عليه ؛ وإنّما يعني أن يَسقط هذا عن نظر الاعتبار في نيّته ، و يجعلهُ بمنزلة الرزق صدفة أو تفضّلاً من الله عزّ وجل ، وليس بإزاء مأتم الحسين ( عليه السلام ) بأيّ حالٍ من الأحوال .
المصادر :
1- البحار للمجلسي : ج44 ، ص286 ، أمالي الصدوق : ص112 .
2- ديوان أبو العتاهية : ص32 .
3- شيخ المضيرة أبو هريرة ص56 عن شذرات الذهب في أخبار مَن ذَهب لابن عماد الحنبلي : ج1 ، ص64 .
4- الخوارزمي : ج1 ، ص227 ، البحار للمجلسي : ج44 ، ص315 ، أمالي الصدوق : ص123 .
5- أسرار الشهادة للدربندي : ص398 ، وأشار إليها جعفر التستري في خصائصه ذاكراً البيت الأوّل فقط .
6- سورة مريم : آية 23 .
7- سورة النبأ : آية 40 .
8- سورة الزُخرف : آية 38 .
9- سورة الأنعام آية : 27 .
10- سورة النساء : آية 72 - 73 .
11- سورة النساء : آية 73 .
12- أمالي الصدوق : مجلس30 ، ص135 ، البحار للمجلسي : ج44 ، ص328 ، الخوارزمي : ج2 ، ص187 ، أسرار الشهادة للدربندي : ص191 .
13- الكافي للكليني : ج8 ، ص133 بتصرّف واقتضاب .
14- أمالي الصدوق : ص517 بتصرّف .
15- البحار للمجلسي : ج44 ، ص221 .
16- عيون أخبار الرضا للصدوق : ج2 ، ص134 .