العلم وسيلة لا غاية

أنّ كلّ المطالب العلميّة إنّما نريدها وإنّما نتسلّح بها لأجل أن ننزل بها إلى ميدان الصراع والعراك مع أعداء الإسلام ومع أعداء الدين لحماية الإسلام ، وإلّا مجرّد الاطّلاع والاستيعاب للمطالب الاُصوليّة أو الفقهيّة الدقيقة والتبحّر في هذه العلوم
Friday, November 18, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
العلم وسيلة لا غاية
 العلم وسيلة لا غاية

 

 

 



 

أنّ كلّ المطالب العلميّة إنّما نريدها وإنّما نتسلّح بها لأجل أن ننزل بها إلى ميدان الصراع والعراك مع أعداء الإسلام ومع أعداء الدين لحماية الإسلام ، وإلّا مجرّد الاطّلاع والاستيعاب للمطالب الاُصوليّة أو الفقهيّة الدقيقة والتبحّر في هذه العلوم تبحّراً كاملاً ، هذا لا يغيّر من وضع الإسلام شيئاً .
ولا يقدّم من وضع الإسلام خطوة ، لا يحلّ من مشاكل المسلمين مشكلة ، ولا يقلّل من آلام الاُمّة ألماً من الآلام ، غاية ما نصنع لو فرضنا أ نّنا اقتصرنا على أن نحقّق هذه المطالب تحقيقاً كاملاً واسعاً ، أن نتأمّل في المعنى الحرفي ، وأن نتأمّل في ماء الاستنجاء ، ونتأمّل في بحث الأقلّ والأكثر الارتباطيّين ، غاية ما يترتّب على ذلك أن نتوصّل إلى نكات علميّة صناعيّة بحيث قد تؤثّر أحياناً في تغيير الفتوى وقد لا تؤثّر .
فبدل أن يقال إنّ ماء الاستنجاء طاهر يقال بأ نّه متنجّس . وهكذا بدلاً أن يقال إنّ السورة واجبة في الصلاة يقال بأ نّها مستحبّة في الصلاة . هذا المقدار يجب أن لا نقنع به ، يجب أن لا نزهد ونكتفي بهذا المقدار ، لأنّ هذا المقدار غير مربوط بهدفنا .
أيُّ وضع يمكن أن يتغيّر لصالح الإسلام فيما لو فرضنا أ نّنا توصّلنا إلى أنّ السورة ليست جزءاً من الصلاة بعد أن كانت السورة جزءاً من الصلاة في فتوى العلماء الأخيار السابقين ، هل بهذا نقوم بفتح من فتوح الإسلام ؟ هل بهذا نحقّق انتصاراً للإسلام ؟ هل بهذا نقلّل من المآسي التي يعيشها المسلمون ؟
لا ، لا يحصل شي‏ء من هذا القبيل بمجرّد أ نّنا نتوصّل إلى عدم وجوب السورة بعد أن كان العلماء السابقون يقولون بوجوبها . بالنتيجة كلّ من الفتويين فتوىً معذّرة ، لو عمل بها المسلم يثاب يوم القيامة ، في النهاية من حيث المعذّريّة والمنجّزيّة وضمان دخول هذا المسلم إلى الجنّة لا يفرّق ما بينهما .
إذاً من هذه الناحية نحن دائماً يجب أن ننظر إلى العلم وإلى هذه المطالب بالمعنى الحرفي لا بالمعنى الاسمي‏( مصطلحان اُصوليّان يقصد منهما هنا الوسيلة والغاية) ، بما هي سلاح في خدمة الدين وفي خدمة الإسلام .
لعلّكم ترون أنّي أشدّ الناس شوقاً إلى هذه المطالب الصناعيّة واهتماماً بها وحرصاً عليها وسعياً وراءها ، واُريد منكم أيضاً هذا ، ولا أقصد من هذا الكلام التزهيد في البحث الصناعي . وأنتم ترون أنّ وضعي الخارجي وعملي الخارجي مبني على الاهتمام جدّاً بهذه المطالب الصناعيّة والتعب في سبيل تحصيلها وتدبّرها
وأنتم يجب أيضاً أن تكونوا هكذا ، لكنّ الكلام في طبيعة النظرة إلى هذه المطالب . إنّ هذه المطالب وإنّ هذه التحقيقات يجب أن يُنظر إليها بالمعنى الحرفي لا بالمعنى الاسمي ، بما هي سلاح .
ودائماً يجب أن يتوجّه الإنسان إلى هذا المعنى لأجل أن لا تنقلب المقدّمة غاية ، يجب أن لا نخلط بين المقدّمات والأهداف ، فالعلم في الوضع المعاش هو قوّة من القوى وسلاح من الأسلحة ، [ ويجب ] أن‏ نتسلّح بكلّ الأسلحة في خدمة الإسلام ، أحد الأسلحة التي يجب أن نتسلّح بها في خدمة الإسلام هو هذا العلم ، يعني فهم الإسلام في نفسه لأجل أن يكون هذا قوّة بأيدينا في مقام ترويج الإسلام وإعلاء كلمته وتبليغ أحكامه ، والوقوف في وجه التيّارات الكافرة التي تكتنف حياة المسلمين وتغزو عالم الإسلام من كلّ جهة ومن كلّ صوب .
وعلى هذا الأساس نحن قلنا بأنّ من أفضل الأساليب التي تجعلنا دائماً نتوجّه إلى حرفيّة هذا البحث لا إلى اسميّته ، وإلى وسيليّته لا إلى غائيّته ، وإلى أ نّه سلاح في خدمة الإسلام وأ نّه جزء من الإمكانيّات التي يجب أن نبذلها جميعاً في خدمة الإسلام ، يجب أن نبذل كلّ إمكانيّاتنا وطاقاتنا بما فيها هذه المعلومات في سبيل خدمة الإسلام ، لأجل أن يكون هذا واضحاً دائماً وملتفتاً إليه بالالتفات التفصيلي .
من أحسن الأساليب في هذا السبيل : هو استقراء أحوال الأئمّة عليهم السلام باعتبارهم النماذج العليا في سبيل حمل الدعوة والدفاع عن الإسلام ، وصرف كلّ الإمكانيّات والطاقات التي كانوا يملكونها في سبيل هذه الرسالة المقدّسة .
فعلى هذا الأساس يعتبر هذا المطلب أهمّ من البحث ذاته ، [ إذ يجب النظر ]( في الكلمة المدوّنة سقطٌ ، وما بين العضادتين أضفناه للسياق) إلى حقيقة هذا البحث وإلى واقع هذا البحث وإلى غاية هذا البحث ، إذ غاية هذا البحث هو أن نسلك في طريق الأئمّة وفي طريق مواكب الأنبياء والعلماء الصالحين الذين ضحّوا في سبيل الإسلام ، وفي سبيل إعلاء كلمة الإسلام .(1)

الحجّ إلى رسالة مكّة

أستودعكم اللَّه ، رزقكم اللَّه السفر إلى بيت اللَّه الحرام بمعناه الحقيقي الذي هو السفر إلى مكّة ، وبمعناه الأشرف من هذا المعنى الحقيقي وهو سفر إلى أهداف مكّة ، وإلى رسالة مكّة ، وإلى تلك المراتب العالية التي ترمز إليها مكّة ، فإنّ مكّة بمعناه المادّي يحجّ إليها بهذه العمليّة التي نحن نفكّر فيها .
وأمّا مكّة بمعناها الرسالي العظيم ، بالمعنى الذي يرمز إلى نهج في الحياة ، واُسلوب في العيش ونظام للمجتمع ، بهذا المعنى لا بدّ وأن يحجّ إليه باُسلوب آخر من الحجّ ، ويعمل له بنحو آخر من العمل ، فهو أشرف من هذا الحجّ الذي سوف نحجّ مئات المرّات ؛ لأنّ ذلك الاُسلوب هو الجهاد في سبيل اللَّه تعالى
والجهاد في سبيل استعادة أمجاد هذه الرسالة ، وفي سبيل تحقيق أهداف مكّة العظيمة ، هذه الأهداف التي سعد المسلمون في ظلّها ، ثمّ شقوا باعتبار انحسارها وخروجهم عليها ، وتمرّدهم عليها .
وكلّ واحد منّا مدعوّ للحجّ لمكّة بمعناه المادّي إذا تمّت في شأنه شروط الحجّ من الاستطاعة وغيرها ، وكلّ واحد منّا مدعوّ للحجّ إلى رسالة مكّة بالمعنى الرمزي والمعنوي ، سواء كان مستطيعاً أو لم يكن مستطيعاً ، هذا الحجّ الآخر ليس من شرائطه الاستطاعة ، إنّ رسالة مكّة تناديكم ، تستنجد بكلّ واحد منكم بطاقة من طاقاتكم في سبيل الدفاع عنها ، وفي سبيل حمايتها ، وفي سبيل إيصالها إلى أكبر عدد ممكن من المسلمين .
اليوم أصبحنا نعيش في عصرٍ ، الانحراف فيه عن رسالة مكّة هو القاعدة ، والعود على رسالة مكّة هو الاستثناء ، بعد أن تغيّر وضع العالم الإسلامي ، العالم الإسلامي بعد أن خرج عن كونه كياناً قائماً على أساس الإسلام ودخل عصر الاستعمار الذي بناه على أساس القواعد الفكريّة الكافرة ، صبغه بأنظمته الكافرة ، دخل هذا العصر ، وكان بدخوله في هذا العصر كان يواجه تحوّلاً كبيراً ، في كلّ وجوده ، في كلّ تركيبه العضوي ، الروحي ، الفكري ، السياسي ، الاجتماعي ، فأصبحت القاعدة فيه هي جاهليّة الغرب ، القاعدة فيه هي الانحراف عن اللَّه ، هي الانقطاع عن السماء هي التمرّد على رسالة اللَّه ، وأصبح الاستثناء فيه هو الطاعة ، الاستثناء فيه هو الالتفات إلى مكّة ، الالتفات إلى رسالة مكّة ، إلى قيم مكّة ومُثُل مكّة ، هذا أصبح هو الاستثناء . (2)
وهذا معنى ما جاء في الصحيح عنهم عليهم السلام حينما تنبّؤوا أنّ المؤمن في عصور متخلّفة من عهد الغيبة سوف يصبح المؤمن القابض على دينه كالقابض على جمرة(3)
نعم المؤمن القابض على دينه كالقابض على جمرة ، لأنّ هذا استثناء ، لأنّ هذا شذوذ ، أصبح القبض على الدين وأصبح التمسّك بالدين ، أصبح الوقوف‏ على هذا الخطّ دون ململة ودون تذبذب وتأمّل ودون تمييع ، أصبح هذا كالقبض على الجمرة ، يعني أصبح نوعاً من التضحية ، ولوناً من العذاب ، الذي يستعين به المؤمن الصحيح في سبيل اللَّه تعالى
لماذا ؟ لأنّه بهذا الصمود يواجه تيّاراً عظيماً كاسحاً ، هذا التيّار الذي غزا العالم الإسلامي ، من أقصاه إلى أقصاه ، لكن على مراتب مختلفة ، على درجات متفاوتة ، لا تتصوّروا أ نّنا في منجى من هذا التيّار ، هذا التيّار يكتسح كلّ العالم الإسلامي ، لكن بهذه الدرجات .
أنتم إذا أردتم أن تعلموا مصيرنا ونحن في العراق ، مصيرنا ونحن في مصر ، مصيرنا ونحن في إيران ، ونحن في أيّ جزء من العالم الإسلامي ، انظروا إلى أسرع بلاد الإسلام انفتاحاً على اُوروبا ، انفتاحاً على حضارة اُوروبا ، انظروا إلى تركيا ، وما وصلت إليه تركيا ، من انفتاح على حضارة اُوروبا والابتعاد عن الإسلام . هذا البلد الذي كان من البلاد التي يحكم على العالم فكانوا أسرع انفتاحاً على حضارة اُوروبا فكان مآله إلى ما ترون ، كانوا أقرب إلى الميوعة وأسرع ذوباناً منّا .
إذاً فهناك تيّار جارف ، هذا التيّار الجارف يكتسح العالم الإسلامي ، وهذه العمليّة سوف تتكرّر ، وإنّما التفاوت تفاوت الزمن . هؤلاء كانوا أكثر انفتاحاً منّا ، وهؤلاء كانوا أقرب إلى الميوعة وأسرع ذوباناً منّا ، إذاً فهناك تيّار جارف لا بدّ من مقابلته والصمود في وجهه ، وهذا الصمود على وجه هو معنى قوله إنّ المؤمن القابض على دينه كالقابض على الجمرة .
فلا بدّ من الصمود في وجهه لأنّ اللَّه تعالى وعد المؤمنين بالنصر ، فلا بدّ إذاً لكلّ إنسان منّا أن يعمل قدر طاقته ، وقدر جهده وإمكاناته في سبيل الوقوف في مقابل هذا التيّار . في سبيل أن يعطّل من سيله ، ومن أبدأ أوليّات هذه الأساليب التي يمكن أن تتّخذ في هذا الموضوع هو إنشاء المجالس للتبليغ والوعظ والإرشاد في بلادنا .
هل تصدّقون أ نّه في النجف الأشرف نفسه ، في مركز الحوزة العلميّة في النجف الذي من المفروض فيه أن يموّن بإشعاعه الفكري والعلمي والروحي والديني ، أن يموّن كلّ العالم ، أو على الأقلّ كلّ العالم الإسلامي ، أو على الأقلّ كلّ العالم الشيعي ، هذا النجف يوجد فيه آلاف من الناس لا يعرفون أحكام رسالتهم ، غير منفتحين على رسالة مكّة ، ولا على مبادئ مكّة ، منجرفون مع تيّارات اُخرى ، أو جاهلون ، أو مقصّرون ، من الذي يُسأل عن هؤلاء أمام اللَّه ، نحن نُسأل أمام اللَّه عن منحرف انحرف عن دينه ،وعن منحرف انحرف في آخر نقاط العالم الإسلامي ، في [ ظلّ ] وجود إمكانيّات ، فكيف لا نُسأل عن منحرف انحرف في أوطاننا ، في أهلنا ، في بلدنا .
كيف ندّعي أ نّنا من الدعاة إلى اللَّه ويوجد في بلدنا من لا يعرف من الإسلام شيئاً ونحن لا نفكّر فيه .
وأبسط الأشياء هو عقد المجالس ، وغير ذلك ، وعقد الحلقة ، والجلسة ، لتبليغ الأحكام .
ولهذا لا بدّ وأن نفكّر في أن نحجّ إلى بيت اللَّه الحرام بهذا النحو الأفضل من الحجّ ، نلتقي مع رسالة مكّة ، أن نلتقي مع المجاهدين الأوّلين من أصحاب بدر واُحد وحنين ، هؤلاء الذين بذلوا دماءهم في سبيل اللَّه وأرواحهم ونفوسهم .
المصادر :
1- كلمة توجيهيّة ألقاها الشهيد الصدر قدس سره بعد درسه الاُصولي ( من كتابات السيّد عبد الغني الأردبيلي رحمه الله )
2- كلمة توجيهيّة ألقاها الشهيد الصدر قدس سره بعد البحث ، وذلك بمناسبة سفره إلى حجّ بيت اللَّه الحرام سنة 1387 هـ ( من كتابات السيّد عبد الغني الأردبيلي رحمه الله )
3- الوافي 26 : 209 ، وفيه : « الصابر على دينه ... » ؛ مكارم الأخلاق : 450 ؛ بحار الأنوار 22 : 454 ؛ مستدرك وسائل الشيعة 12 : 330

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.