سنة التاريخ في القرآن

أنّ شوط التفسير التقليدي شوط طويل جدّاً ؛ لأنّه يبدأ من الفاتحة وينتهي بسورة الناس ، وهذا الشوط الطويل بحاجة من أجل إكماله إلى‏ََ فترة زمنيّة طويلة أيضاً ، ولهذا لم يحظ من علماء الإسلام الأعلام إلّا عدد محدود بهذا الشرف العظيم ، شرف
Monday, November 21, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
سنة التاريخ في القرآن
 سنة التاريخ في القرآن

 

 
 
 


 

أنّ شوط التفسير التقليدي شوط طويل جدّاً ؛ لأنّه يبدأ من الفاتحة وينتهي بسورة الناس ، وهذا الشوط الطويل بحاجة من أجل إكماله إلى‏ََ فترة زمنيّة طويلة أيضاً ، ولهذا لم يحظ من علماء الإسلام الأعلام إلّا عدد محدود بهذا الشرف العظيم ، شرف مرافقة الكتاب الكريم من بدايته إلى‏ََ نهايته .
سوف نختار موضوعات متعدّدة من القرآن الكريم ، ونستعرض ما يتعلّق بذلك الموضوع وما يمكن أن يلقي عليه القرآن من أضواء . وسوف نحاول أن يكون البحث مضغوطاً بقدر الإمكان لكي نستطيع أن نصل إلى‏ََ عدد من المواضيع المهمّة ، فنقتصر على‏ََ الأفكار الأساسية والمبادئ الرئيسية بالنسبة إلى‏ََ كلّ موضوع .
الآن نواجه هذا السؤال : ما هو الموضوع الأوّل الذي سوف نبدأ به الآن إن شاء اللَّه تعالى‏ََ ؟
الموضوع الأوّل الذي سوف نختاره للبحث هو سنن التاريخ في القرآن الكريم .
هل للتاريخ البشري سنن في مفهوم القرآن الكريم ؟ هل له قوانين تتحكّم في مسيرته وفي حركته وتطوّره ؟ ما هي هذه السنن التي تتحكّم في التاريخ البشري ؟ كيف بدأ التاريخ البشري ؟ كيف نما ؟ كيف تطوّر ؟ ما هي العوامل الأساسية في نظرية التاريخ ؟ ما هو دور الإنسان في عملية التاريخ ؟ ما هو موقع السماء أو النبوّة على‏ََ الساحة الإجتماعية ؟
هذا كلّه ما سوف ندرسه تحت هذا العنوان ، عنوان سنن التاريخ في القرآن الكريم .
وهذا الجانب من القرآن الكريم قد بُحث الجزء الأعظم من مواده ومفرداته القرآنية لكن من زوايا مختلفة . فمثلاً قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام التي تمثّل الجزء الأعظم من هذه المادّة القرآنية ، بحثت قصص الأنبياء من زاوية تاريخيه تناولها المؤرّخون واستعرضوا الحوادث والوقائع التي تكلّم عنها القرآن الكريم ، وحينما لاحظوا الفراغات التي تركها هذا الكتاب العزيز حاولوا أن يملأوا هذه الفراغات بالروايات والأحاديث ، أو بما هو المأثور عن أديان سابقة ، أو بالأساطير والخرافات ، فتكوّنت سجلّات ذات طابع تاريخي لتنظيم هذه المادة القرآنية .
كذلك أيضاً بحثت هذه المادة القرآنية من زاوية اُخرى‏ََ ، من زاوية منهج القصة في القرآن ، مدى‏ََ ما يتمتّع به هذا المنهج من أصالة وقوّة وإبداع ، ما تزخربه القصة القرآنية من حيوية ، من حركة ، من أحداث . هذه أيضاً زاوية اُخرى‏ََ للبحث في هذه المادة تضاف إلى‏ََ زوايا عديدة .
نحن الآن نريد أن نتناول هذه المادة القرآنية من زاوية اُخرى‏ََ ، من زاوية مقدار ما تلقي هذه المادة من أضواء على‏ََ سنن التاريخ ، على‏ََ تلك الضوابط والقوانين والنواميس التي تتحكّم في عملية التاريخ ، إذا كان يوجد في مفهوم القرآن شي‏ء من هذه النواميس والضوابط والقوانين .

توفّر القرآن على بحث سنن التاريخ :

الساحة التاريخية كأيّ ساحة اُخرى‏ََ زاخرة بمجموعة من الظواهر ، كما أنّ الساحة الفلكية ، الساحة الفيزيائية ، الساحة النباتية زاخرة بمجموعة من الظواهر ، كذلك الساحة التاريخية - بالمعنى‏ََ الذي سوف نفصّل من التاريخ إن شاء اللََّه بعد ذلك - زاخرة بمجموعة من الظواهر . كما أنّ الظواهر في كلّ ساحة اُخرى‏ََ من الساحات لها سنن ولها نواميس ، من حقّنا أن نتساءل : هل أنّ الظواهر التي تزخر بها الساحة التاريخية ، هل هذه الظواهر أيضاً ذات سنن وذات نواميس ؟ وما هو موقف القرآن الكريم من هذه السنن والنواميس ؟ وما هو عطاؤه في مقام تأكيد هذا المفهوم إيجاباً أو سلباً ، إجمالاً أو تفصيلاً ؟
وقد يخيّل إلى‏ََ بعض الأشخاص ، أ نّنا لا ينبغي أن نترقّب من القرآن الكريم أن يتحدّث عن سنن التاريخ ؛ لأنّ البحث في سنن التاريخ بحث علمي كالبحث في سنن الطبيعة والفلك والذرّة والنبات ، والقرآن الكريم لم ينزل كتاب اكتشاف بل كتاب هداية ، القرآن الكريم لم يكن كتاباً مدرسيّاً ، لم ينزل على‏ََ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بوصفه معلّماً - بالمعنى‏ََ التقليدي من المعلّم - لكي يدرّس مجموعة من المتخصصين والمثقّفين ، وإنمّا نزل هذا الكتاب عليه ليخرج الناس من الظلمات إلى‏ََ النور ، لكي يخرج الناس من ظلمات الجاهلية إلى‏ََ نور الهداية والإسلام .
إذن ، فهو كتاب هداية وتغيير ، وليس كتاب اكتشاف .
ومن هنا لا نترقّب من القرآن الكريم أن يكشف لنا الحقائق والمبادئ العامّة للعلوم الاُخرى‏ََ ، ولا نترقّب من القرآن الكريم أن يتحدّث لنا عن مبادئ الفيزياء أو الكيمياء أو النبات أو الحيوان . صحيح أنّ في القرآن الكريم إشارات إلى‏ََ كلّ ذلك ، ولكنها إشارات بالحدود التي تؤكّد على‏ََ البعد الإلهي للقرآن ، وبقدر ما يمكن أن يثبت العمق الرباني لهذا الكتاب الذي أحاط بالماضي والحاضر والمستقبل ، والذي استطاع أن يسبق التجربة البشرية مئات السنين في مقام الكشف عن حقائق متفرّقة في الميادين العلمية المتفرّقة ، لكن هذه الإشارات القرآنية إنّما هي لأجل غرض عملي من هذا القبيل ، لا من أجل تعليم الفيزياء والكيمياء .
القرآن لم يطرح نفسه بديلاً عن قدرة الإنسان الخلّاقة ، عن مواهبه وقابلياته في مقام الكدح ، الكدح في كلّ ميادين الحياة بما في ذلك ميدان المعرفة والتجربة ، القرآن لم يطرح نفسه بديلاً عن هذه الميادين ، وإنّما طرح نفسه طاقة روحية موجّهة للإنسان ، مفجّرة طاقاته ، محرّكة له في المسار الصحيح .
فإذا كان القرآن الكريم كتاب هداية وتوجيه وليس كتاب اكتشاف وعلم ، فليس من الطبيعي أن نترقّب منه استعراض مبادئ عامّة لأيّ واحد من هذه العلوم التي يقوم الفهم البشري بمهمّة التوغّل في اكتشاف نواميسها وقوانينها وضوابطها . لماذا ننتظر من القرآن الكريم أن يعطينا عموميات ، أن يعطينا مواقف ، أن يبلور له مفهوماً علمياً في سنن التاريخ على‏ََ هذه الساحة من ساحات الكون ، بينما ليس ـ
للقرآن مثل ذلك على‏ََ الساحات الاُخرى‏ََ ؟ ولا حرج على‏ََ القرآن في أن لا يكون له ذلك على‏ََ الساحات الاُخرى‏ََ ؛ لأنّ القرآن لو صار في مقام استعراض هذه القوانين وكشف هذه الحقائق ، لكان بذلك يتحوّل إلى‏ََ كتاب آخر نوعياً ، يتحوّل من كتاب للبشرية جمعاء إلى‏ََ كتاب للمتخصّصين يدرّس في الحلقات الخاصة .
قد يلاحظ بهذا الشكل على‏ََ اختيار هذا الموضوع ، إلّاأنّ هذه الملاحظة رغم أنّ الروح العامّة فيها صحيحة ، بمعنى‏ََ أنّ القران الكريم ليس كتاب اكتشاف ولم يطرح نفسه ليجمد في الإنسان طاقات النمو والإبداع والبحث وإنّما هو كتاب هداية ، ولكن مع هذا يوجد فرق جوهري بين الساحة التاريخية وبقية ساحات الكون ، هذا الفرق الجوهري يجعل من هذه الساحة ومن سنن هذه الساحة أمراً مرتبطاً أشدّ الارتباط بوظيفة القرآن ككتاب هداية ، خلافاً لبقية الساحات الكونيّة والميادين الاُخرى‏ََ للمعرفة البشرية ؛ وذلك أنّ القرآن كتاب هداية وعمليّة تغيير ، هذه العمليّة التي عُبّر عنها في القرآن الكريم بأ نّها إخراج للناس من الظلمات إلى‏ََ النور .

عمليّة التغيير الإجتماعي وأبعادها :

وعمليّة التغيير هذه فيها جانبان :
الجانب الأوّل : جانب المحتوى‏ََ ، المضمون ، ما تدعو إليه هذه العملية التغييرية من أحكام ، من مناهج ، ما تتبنّاه من تشريعات ، هذا الجانب من عملية التغيير جانب ربّاني ، جانب إلهي سماوي ، هذا الجانب يمثّل شريعة اللََّه سبحانه وتعالى‏ََ التي نزلت على‏ََ النبي محمد صلى الله عليه و آله وتحدّت بنفس نزولها عليه كلّ سنن التاريخ المادية ؛ لأنّ هذه الشريعة كانت أكبر من الجوّ الذي نزلت عليه ، ومن البيئة التي حلّت فيها ، ومن الفرد الذي كلّف بأن يقوم بأعباء تبليغها .
هذا الجانب من عملية التغيير ، جانب المحتوى‏ََ والمضمون ، جانب التشريعات والأحكام والمناهج التي تدعو إليها هذه العملية ، هذا الجانب جانب ربّاني إلهي ، لكن هناك جانب آخر لعمليّة التغيير التي مارسها النبي صلى الله عليه و آله وأصحابه الأطهار : هذه العملية حينما تلحظ بوصفها عملية متجسّدة في جماعة من الناس وهم النبي والصحابة ، بوصفها عملية اجتماعية متجسّدة في هذه الصفوة ، وبوصفها عملية قد واجهت تيارات اجتماعية مختلفة من حولها واشتبكت معها في ألوان من الصراع والنزاع العقائدي والاجتماعي والسياسي والعسكري ، حينما تؤخذ هذه العملية التغييرية بوصفها تجسيداً بشرياً واقعاً على‏ََ الساحة التاريخية مترابطاً مع الجماعات والتيارات الاُخرى‏ََ التي تكتنف هذا التجسيد والتي تؤيّد أو تقاوم هذا التجسيد ، حينما تؤخذ العملية من هذه الزاوية تكون عملية بشرية ، يكون هؤلاء اُناساً كسائر الناس تتحكّم فيهم إلى‏ََ درجة كبيرة سنن التاريخ التي تتحكّم في بقية الجماعات وفي بقية الفئات على‏ََ مرّ الزمن .
إذن ، عملية التغيير التي مارسها القرآن ومارسها النبي صلى الله عليه و آله لها جانبان ، من حيث صلتها بالشريعة وبالوحي ومصادر الوحي هي ربانية ، هي فوق التاريخ ، ولكن من حيث كونها عملاً قائماً على‏ََ الساحة التاريخية ، من حيث كونها جهداً بشرياً يقاوم جهوداً بشرية اُخرى‏ََ ، من هذه الناحية يعتبر هذا عملاً تاريخياً تحكمه سنن التاريخ وتتحكّم فيه الضوابط التي وضعها اللََّه سبحانه وتعالى‏ََ لتنظيم ظواهر الكون في هذه الساحة المسمّاة بالساحة التاريخية ؛ ولهذا نرى‏ََ أنّ القرآن الكريم حينما يتحدّث عن الزاوية الثانية ، عن الجانب الثاني من عملية التغيير يتحدّث عن اُناس ، يتحدّث عن بشر ، لا يتحدّث عن رسالة السماء ، بل يتحدّث عنهم بوصفهم بشراً من البشر تتحكّم فيهم القوانين التي تتحكّم في الآخرين .
حينما أراد أن يتحدّث عن انكسار المسلمين في غزوة اُحد بعد أن أحرزوا ذلك الانتصار الحاسم في غزوة بدر ، بعد ذلك انكسروا وخسروا المعركة في غزوة اُحد ، تحدّث القرآن الكريم عن هذه الخسارة ، ماذا قال ؟ هل قال بأنّ رسالة السماء خسرت المعركة بعد أن كانت ربحت المعركة ؟ لا ؛ لأنّ رسالة السماء فوق مقاييس النصر والهزيمة بالمعنى‏ََ المادي ، رسالة السماء لا تهزم ، ولن تهزم أبداً ، ولكن الذي يهزم هو الإنسان ، الإنسان حتى‏ََ ولو كان هذا الإنسان مجسِّداً لرسالة السماء ؛ لأنّ هذا الإنسان تتحكّم فيه سنن التاريخ .
ماذا قال القرآن ؟ قال : «وتِلكَ الأيامُ نُدِاوِلُها بينَ الناسِ ». هنا أخذ يتكلّم عنهم بوصفهم اُناساً ، قال : بأنّ هذه القضية هي في الحقيقة ترتبط بسنن التاريخ ، المسلمون انتصروا في بدر حينما كانت الشروط الموضوعية للنصر بحسب منطق سنن التاريخ تفرض أن ينتصروا ، وخسروا المعركة في اُحد حينما كانت الشروط الموضوعية في معركة اُحد تفرض عليهم أن يخسروا المعركة . « إن يمسسكم قرحٌ فقد مسَّ القومَ قرحٌ مثلُهُ وتِلكَ الأيامُ نُدَاوِلُها بينَ الناسِ »(1) . لا تتخيلوا أنّ النصر حقّ إلهي لكم ، وإنّما النصر حقّ طبيعي لكم بقدر ما يمكن أن توفّروا الشروط الموضوعية لهذا النصر بحسب منطق سنن التاريخ التي وضعها اللََّه سبحانه وتعالى‏ََ كونيّاً لا تشريعيّاً ، وحيث إنّكم في غزوة اُحد لم تتوفّر لديكم هذه الشروط ولهذا خسرتم المعركة .
فالكلام هنا كلام مع بشر ، مع عملية بشرية لا مع رسالة ربانية ، بل يذهب القرآن إلى‏ََ أكثر من ذلك ، يهدّد هذه الجماعة البشرية التي كانت أنظف وأطهر جماعة على‏ََ مسرح التاريخ ، يهدّدهم بانهم إذا لم يقوموا بدورهم التاريخي ، وإذا لم يكونوا على‏ََ مستوى‏ََ مسؤولية رسالة السماء فإنّ هذا لا يعني أن تتعطّل رسالة السماء ، ولا يعني أن تسكت سنن التاريخ عنهم ، بل إنّهم سوف يُستبدلون ، سنن التاريخ سوف تعزلهم وسوف تأتي باُمم اُخرى‏ََ قد تهيّأت لها الظروف الموضوعية الأفضل لكي تلعب هذا الدور ، لكي تكون شهيدة على‏ََ الناس إذا لم تتهيّأ لهذه الاُمّة الظروف الموضوعية لهذه الشهادة : «إلّاتنفِروا يُعَذّبكم عَذاباً أليماً ويَستَبدِل قوماً غَيرَكُمْ ولا تَضرّوهُ شيئاً واللََّهُ على‏ََ كُلِّ شي‏ءٍ قدير »(2)، «يا أيّها الذين آمنُوا مَن يَرتدّ مِنكُم عن دِينِهِ فَسَوفَ يأتي اللََّهُ بقومٍ يُحِبُّهُم ويُحِبُّونَهُ أذِلَّةٍ عَلى‏ََ المؤمنِينَ أعِزّةٍ عَلى‏ََ الكافِرينَ يُجاهِدُون في سَبِيلِ اللََّهِ ولا يَخافُونَ لَومَةَ لَائِمٍ ذلِكَ فَضلُ اللََّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشاءُ واللََّهُ واسِعٌ عَليمٌ »(3).
إذن فالقرآن الكريم حينما يتحدّث [ عن ] الجانب الثاني من عملية التغيير ، يتحدّث مع البشر ، مع البشر في ضعفه وقوّته ، في استقامته وانحرافه ، في توفّر الشروط الموضوعية له وعدم توفّرها .
من هنا يظهر بأنّ البحث في سنن التاريخ مرتبط ارتباطاً عضوياً شديداً بكتاب اللََّه بوصفه كتاب هدىً ، بوصفه كتاب إخراج للناس من الظلمات إلى‏ََ النور ؛ لأنّ الجانب العملي من هذه العملية ، الجانب البشري والتطبيقي من هذه العملية ، جانب يخضع لسنن التاريخ ، فلابدّ إذن أن نستلهم ، ولابدّ إذن أن يكون للقرآن الكريم تصوّرات وعطاءات في هذا المجال لتكوين إطار عام للنظرة القرآنية والإسلامية عن سنن التاريخ .
إذن ، هذا لا يشبه سنن الفيزياء والكيمياء والفلك والحيوان والنبات ، تلك السنن ليست داخلة في نطاق التأثير المباشر على‏ََ عملية التغيير ، ولكن هذه السنن‏ داخلة في نطاق التأثير المباشر على‏ََ عملية التغيير ، باعتبار الجانب الثاني . إذن لابدّ من شرح ذلك ، ولابدّ أن نترقّب من القرآن إعطاء عموميات في ذلك .
نعم لا ينبغي أن نترقّب من القرآن أن يتحوّل أيضاً إلى‏ََ كتاب مدرسي في علم التاريخ وسنن التاريخ بحيث يستوعب كلّ التفاصيل ، وكلّ الجزئيات حتى‏ََ ما لا يكون له دخل في منطق عملية التغيير التي مارسها النبي صلى الله عليه و آله ، وإنّما القرآن الكريم يحتفظ دائماً بوصفه الأساسي والرئيسي ، يحتفظ بوصفه كتاب هداية ، كتاب إخراج للناس من الظلمات إلى‏ََ النور ، وفي حدود هذه المهمّة الكبيرة العظيمة التي مارسها ، في حدود هذه المهمّة يعطي مقولاته على‏ََ الساحة التاريخية ويشرح سنن التاريخ بالقدر الذي يلقي ضوءاً على‏ََ عملية التغيير التي مارسها النبي صلى الله عليه و آله بقدر ما يكون موجّهاً وهادياً وخالقاً لتبصُّر موضوعي للأحداث والظروف والشروط .

أساليب القرآن في بيان سنن التاريخ :
ونحن في القرآن الكريم نلاحظ أنّ هذه الحقيقة ، حقيقة أنّ للتاريخ سنناً ، أنّ الساحة التاريخية عامرة بسنن كما عمرت كلّ الساحات الكونيّة الاُخرى‏ََ بسنن ، هذه الحقيقة نراها واضحة في القرآن الكريم ، فقد بيّنت هذه الحقيقة بأشكال مختلفة وبأساليب متعدّدة في عدد كثير من الآيات : بيّنت على‏ََ مستوى‏ََ إعطاء نفس هذا المفهوم بالنحو الكلّي : إنّ للتاريخ قوانين .
وبيّنت هذه الحقيقة في آيات اُخرى‏ََ على‏ََ مستوى‏ََ عرض هذه القوانين وبيان مصاديق ونماذج وأمثلة من هذه القوانين التي تتحكّم في المسيرة التاريخية للإنسان .
وبُيّنت في سياق آخر على‏ََ نحو تمتزج فيه النظرية مع التطبيق ، أي بُيِّن المفهوم الكلّي وبيِّن في إطار مصداقه .
وفي آيات اُخرى‏ََ حصل الحثّ الأكيد على‏ََ الاستفادة من الحوادث الماضية وشحذ الهمم لإيجاد عملية استقراء للتاريخ ، وعملية الاستقراء للحوادث - كما تعلمون - هي عملية علمية بطبيعتها تريد أن تفتّش عن سنّة ، عن قانون ، وإلّا فلا معنى‏ََ للاستقراء من دون افتراض سنّة أو قانون .
إذن هناك ألسنة متعدّدة درجت عليها الآيات القرآنية في مقام توضيح هذه الحقيقة وبلورتها .
المصادر :
1- آل عمران : 140
2- التوبة : 39
3- المائدة : 54

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.