أنّ شوط التفسير التقليدي شوط طويل جدّاً ؛ لأنّه يبدأ من الفاتحة وينتهي بسورة الناس ، وهذا الشوط الطويل بحاجة من أجل إكماله إلىََ فترة زمنيّة طويلة أيضاً ، ولهذا لم يحظ من علماء الإسلام الأعلام إلّا عدد محدود بهذا الشرف العظيم ، شرف مرافقة الكتاب الكريم من بدايته إلىََ نهايته .
سوف نختار موضوعات متعدّدة من القرآن الكريم ، ونستعرض ما يتعلّق بذلك الموضوع وما يمكن أن يلقي عليه القرآن من أضواء . وسوف نحاول أن يكون البحث مضغوطاً بقدر الإمكان لكي نستطيع أن نصل إلىََ عدد من المواضيع المهمّة ، فنقتصر علىََ الأفكار الأساسية والمبادئ الرئيسية بالنسبة إلىََ كلّ موضوع .
الآن نواجه هذا السؤال : ما هو الموضوع الأوّل الذي سوف نبدأ به الآن إن شاء اللَّه تعالىََ ؟
الموضوع الأوّل الذي سوف نختاره للبحث هو سنن التاريخ في القرآن الكريم .
هل للتاريخ البشري سنن في مفهوم القرآن الكريم ؟ هل له قوانين تتحكّم في مسيرته وفي حركته وتطوّره ؟ ما هي هذه السنن التي تتحكّم في التاريخ البشري ؟ كيف بدأ التاريخ البشري ؟ كيف نما ؟ كيف تطوّر ؟ ما هي العوامل الأساسية في نظرية التاريخ ؟ ما هو دور الإنسان في عملية التاريخ ؟ ما هو موقع السماء أو النبوّة علىََ الساحة الإجتماعية ؟
هذا كلّه ما سوف ندرسه تحت هذا العنوان ، عنوان سنن التاريخ في القرآن الكريم .
وهذا الجانب من القرآن الكريم قد بُحث الجزء الأعظم من مواده ومفرداته القرآنية لكن من زوايا مختلفة . فمثلاً قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام التي تمثّل الجزء الأعظم من هذه المادّة القرآنية ، بحثت قصص الأنبياء من زاوية تاريخيه تناولها المؤرّخون واستعرضوا الحوادث والوقائع التي تكلّم عنها القرآن الكريم ، وحينما لاحظوا الفراغات التي تركها هذا الكتاب العزيز حاولوا أن يملأوا هذه الفراغات بالروايات والأحاديث ، أو بما هو المأثور عن أديان سابقة ، أو بالأساطير والخرافات ، فتكوّنت سجلّات ذات طابع تاريخي لتنظيم هذه المادة القرآنية .
كذلك أيضاً بحثت هذه المادة القرآنية من زاوية اُخرىََ ، من زاوية منهج القصة في القرآن ، مدىََ ما يتمتّع به هذا المنهج من أصالة وقوّة وإبداع ، ما تزخربه القصة القرآنية من حيوية ، من حركة ، من أحداث . هذه أيضاً زاوية اُخرىََ للبحث في هذه المادة تضاف إلىََ زوايا عديدة .
نحن الآن نريد أن نتناول هذه المادة القرآنية من زاوية اُخرىََ ، من زاوية مقدار ما تلقي هذه المادة من أضواء علىََ سنن التاريخ ، علىََ تلك الضوابط والقوانين والنواميس التي تتحكّم في عملية التاريخ ، إذا كان يوجد في مفهوم القرآن شيء من هذه النواميس والضوابط والقوانين .
توفّر القرآن على بحث سنن التاريخ :
الساحة التاريخية كأيّ ساحة اُخرىََ زاخرة بمجموعة من الظواهر ، كما أنّ الساحة الفلكية ، الساحة الفيزيائية ، الساحة النباتية زاخرة بمجموعة من الظواهر ، كذلك الساحة التاريخية - بالمعنىََ الذي سوف نفصّل من التاريخ إن شاء اللََّه بعد ذلك - زاخرة بمجموعة من الظواهر . كما أنّ الظواهر في كلّ ساحة اُخرىََ من الساحات لها سنن ولها نواميس ، من حقّنا أن نتساءل : هل أنّ الظواهر التي تزخر بها الساحة التاريخية ، هل هذه الظواهر أيضاً ذات سنن وذات نواميس ؟ وما هو موقف القرآن الكريم من هذه السنن والنواميس ؟ وما هو عطاؤه في مقام تأكيد هذا المفهوم إيجاباً أو سلباً ، إجمالاً أو تفصيلاً ؟وقد يخيّل إلىََ بعض الأشخاص ، أ نّنا لا ينبغي أن نترقّب من القرآن الكريم أن يتحدّث عن سنن التاريخ ؛ لأنّ البحث في سنن التاريخ بحث علمي كالبحث في سنن الطبيعة والفلك والذرّة والنبات ، والقرآن الكريم لم ينزل كتاب اكتشاف بل كتاب هداية ، القرآن الكريم لم يكن كتاباً مدرسيّاً ، لم ينزل علىََ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بوصفه معلّماً - بالمعنىََ التقليدي من المعلّم - لكي يدرّس مجموعة من المتخصصين والمثقّفين ، وإنمّا نزل هذا الكتاب عليه ليخرج الناس من الظلمات إلىََ النور ، لكي يخرج الناس من ظلمات الجاهلية إلىََ نور الهداية والإسلام .
إذن ، فهو كتاب هداية وتغيير ، وليس كتاب اكتشاف .
ومن هنا لا نترقّب من القرآن الكريم أن يكشف لنا الحقائق والمبادئ العامّة للعلوم الاُخرىََ ، ولا نترقّب من القرآن الكريم أن يتحدّث لنا عن مبادئ الفيزياء أو الكيمياء أو النبات أو الحيوان . صحيح أنّ في القرآن الكريم إشارات إلىََ كلّ ذلك ، ولكنها إشارات بالحدود التي تؤكّد علىََ البعد الإلهي للقرآن ، وبقدر ما يمكن أن يثبت العمق الرباني لهذا الكتاب الذي أحاط بالماضي والحاضر والمستقبل ، والذي استطاع أن يسبق التجربة البشرية مئات السنين في مقام الكشف عن حقائق متفرّقة في الميادين العلمية المتفرّقة ، لكن هذه الإشارات القرآنية إنّما هي لأجل غرض عملي من هذا القبيل ، لا من أجل تعليم الفيزياء والكيمياء .
القرآن لم يطرح نفسه بديلاً عن قدرة الإنسان الخلّاقة ، عن مواهبه وقابلياته في مقام الكدح ، الكدح في كلّ ميادين الحياة بما في ذلك ميدان المعرفة والتجربة ، القرآن لم يطرح نفسه بديلاً عن هذه الميادين ، وإنّما طرح نفسه طاقة روحية موجّهة للإنسان ، مفجّرة طاقاته ، محرّكة له في المسار الصحيح .
فإذا كان القرآن الكريم كتاب هداية وتوجيه وليس كتاب اكتشاف وعلم ، فليس من الطبيعي أن نترقّب منه استعراض مبادئ عامّة لأيّ واحد من هذه العلوم التي يقوم الفهم البشري بمهمّة التوغّل في اكتشاف نواميسها وقوانينها وضوابطها . لماذا ننتظر من القرآن الكريم أن يعطينا عموميات ، أن يعطينا مواقف ، أن يبلور له مفهوماً علمياً في سنن التاريخ علىََ هذه الساحة من ساحات الكون ، بينما ليس ـ
للقرآن مثل ذلك علىََ الساحات الاُخرىََ ؟ ولا حرج علىََ القرآن في أن لا يكون له ذلك علىََ الساحات الاُخرىََ ؛ لأنّ القرآن لو صار في مقام استعراض هذه القوانين وكشف هذه الحقائق ، لكان بذلك يتحوّل إلىََ كتاب آخر نوعياً ، يتحوّل من كتاب للبشرية جمعاء إلىََ كتاب للمتخصّصين يدرّس في الحلقات الخاصة .
قد يلاحظ بهذا الشكل علىََ اختيار هذا الموضوع ، إلّاأنّ هذه الملاحظة رغم أنّ الروح العامّة فيها صحيحة ، بمعنىََ أنّ القران الكريم ليس كتاب اكتشاف ولم يطرح نفسه ليجمد في الإنسان طاقات النمو والإبداع والبحث وإنّما هو كتاب هداية ، ولكن مع هذا يوجد فرق جوهري بين الساحة التاريخية وبقية ساحات الكون ، هذا الفرق الجوهري يجعل من هذه الساحة ومن سنن هذه الساحة أمراً مرتبطاً أشدّ الارتباط بوظيفة القرآن ككتاب هداية ، خلافاً لبقية الساحات الكونيّة والميادين الاُخرىََ للمعرفة البشرية ؛ وذلك أنّ القرآن كتاب هداية وعمليّة تغيير ، هذه العمليّة التي عُبّر عنها في القرآن الكريم بأ نّها إخراج للناس من الظلمات إلىََ النور .
عمليّة التغيير الإجتماعي وأبعادها :
وعمليّة التغيير هذه فيها جانبان :الجانب الأوّل : جانب المحتوىََ ، المضمون ، ما تدعو إليه هذه العملية التغييرية من أحكام ، من مناهج ، ما تتبنّاه من تشريعات ، هذا الجانب من عملية التغيير جانب ربّاني ، جانب إلهي سماوي ، هذا الجانب يمثّل شريعة اللََّه سبحانه وتعالىََ التي نزلت علىََ النبي محمد صلى الله عليه و آله وتحدّت بنفس نزولها عليه كلّ سنن التاريخ المادية ؛ لأنّ هذه الشريعة كانت أكبر من الجوّ الذي نزلت عليه ، ومن البيئة التي حلّت فيها ، ومن الفرد الذي كلّف بأن يقوم بأعباء تبليغها .
هذا الجانب من عملية التغيير ، جانب المحتوىََ والمضمون ، جانب التشريعات والأحكام والمناهج التي تدعو إليها هذه العملية ، هذا الجانب جانب ربّاني إلهي ، لكن هناك جانب آخر لعمليّة التغيير التي مارسها النبي صلى الله عليه و آله وأصحابه الأطهار : هذه العملية حينما تلحظ بوصفها عملية متجسّدة في جماعة من الناس وهم النبي والصحابة ، بوصفها عملية اجتماعية متجسّدة في هذه الصفوة ، وبوصفها عملية قد واجهت تيارات اجتماعية مختلفة من حولها واشتبكت معها في ألوان من الصراع والنزاع العقائدي والاجتماعي والسياسي والعسكري ، حينما تؤخذ هذه العملية التغييرية بوصفها تجسيداً بشرياً واقعاً علىََ الساحة التاريخية مترابطاً مع الجماعات والتيارات الاُخرىََ التي تكتنف هذا التجسيد والتي تؤيّد أو تقاوم هذا التجسيد ، حينما تؤخذ العملية من هذه الزاوية تكون عملية بشرية ، يكون هؤلاء اُناساً كسائر الناس تتحكّم فيهم إلىََ درجة كبيرة سنن التاريخ التي تتحكّم في بقية الجماعات وفي بقية الفئات علىََ مرّ الزمن .
إذن ، عملية التغيير التي مارسها القرآن ومارسها النبي صلى الله عليه و آله لها جانبان ، من حيث صلتها بالشريعة وبالوحي ومصادر الوحي هي ربانية ، هي فوق التاريخ ، ولكن من حيث كونها عملاً قائماً علىََ الساحة التاريخية ، من حيث كونها جهداً بشرياً يقاوم جهوداً بشرية اُخرىََ ، من هذه الناحية يعتبر هذا عملاً تاريخياً تحكمه سنن التاريخ وتتحكّم فيه الضوابط التي وضعها اللََّه سبحانه وتعالىََ لتنظيم ظواهر الكون في هذه الساحة المسمّاة بالساحة التاريخية ؛ ولهذا نرىََ أنّ القرآن الكريم حينما يتحدّث عن الزاوية الثانية ، عن الجانب الثاني من عملية التغيير يتحدّث عن اُناس ، يتحدّث عن بشر ، لا يتحدّث عن رسالة السماء ، بل يتحدّث عنهم بوصفهم بشراً من البشر تتحكّم فيهم القوانين التي تتحكّم في الآخرين .
حينما أراد أن يتحدّث عن انكسار المسلمين في غزوة اُحد بعد أن أحرزوا ذلك الانتصار الحاسم في غزوة بدر ، بعد ذلك انكسروا وخسروا المعركة في غزوة اُحد ، تحدّث القرآن الكريم عن هذه الخسارة ، ماذا قال ؟ هل قال بأنّ رسالة السماء خسرت المعركة بعد أن كانت ربحت المعركة ؟ لا ؛ لأنّ رسالة السماء فوق مقاييس النصر والهزيمة بالمعنىََ المادي ، رسالة السماء لا تهزم ، ولن تهزم أبداً ، ولكن الذي يهزم هو الإنسان ، الإنسان حتىََ ولو كان هذا الإنسان مجسِّداً لرسالة السماء ؛ لأنّ هذا الإنسان تتحكّم فيه سنن التاريخ .
ماذا قال القرآن ؟ قال : «وتِلكَ الأيامُ نُدِاوِلُها بينَ الناسِ ». هنا أخذ يتكلّم عنهم بوصفهم اُناساً ، قال : بأنّ هذه القضية هي في الحقيقة ترتبط بسنن التاريخ ، المسلمون انتصروا في بدر حينما كانت الشروط الموضوعية للنصر بحسب منطق سنن التاريخ تفرض أن ينتصروا ، وخسروا المعركة في اُحد حينما كانت الشروط الموضوعية في معركة اُحد تفرض عليهم أن يخسروا المعركة . « إن يمسسكم قرحٌ فقد مسَّ القومَ قرحٌ مثلُهُ وتِلكَ الأيامُ نُدَاوِلُها بينَ الناسِ »(1) . لا تتخيلوا أنّ النصر حقّ إلهي لكم ، وإنّما النصر حقّ طبيعي لكم بقدر ما يمكن أن توفّروا الشروط الموضوعية لهذا النصر بحسب منطق سنن التاريخ التي وضعها اللََّه سبحانه وتعالىََ كونيّاً لا تشريعيّاً ، وحيث إنّكم في غزوة اُحد لم تتوفّر لديكم هذه الشروط ولهذا خسرتم المعركة .
فالكلام هنا كلام مع بشر ، مع عملية بشرية لا مع رسالة ربانية ، بل يذهب القرآن إلىََ أكثر من ذلك ، يهدّد هذه الجماعة البشرية التي كانت أنظف وأطهر جماعة علىََ مسرح التاريخ ، يهدّدهم بانهم إذا لم يقوموا بدورهم التاريخي ، وإذا لم يكونوا علىََ مستوىََ مسؤولية رسالة السماء فإنّ هذا لا يعني أن تتعطّل رسالة السماء ، ولا يعني أن تسكت سنن التاريخ عنهم ، بل إنّهم سوف يُستبدلون ، سنن التاريخ سوف تعزلهم وسوف تأتي باُمم اُخرىََ قد تهيّأت لها الظروف الموضوعية الأفضل لكي تلعب هذا الدور ، لكي تكون شهيدة علىََ الناس إذا لم تتهيّأ لهذه الاُمّة الظروف الموضوعية لهذه الشهادة : «إلّاتنفِروا يُعَذّبكم عَذاباً أليماً ويَستَبدِل قوماً غَيرَكُمْ ولا تَضرّوهُ شيئاً واللََّهُ علىََ كُلِّ شيءٍ قدير »(2)، «يا أيّها الذين آمنُوا مَن يَرتدّ مِنكُم عن دِينِهِ فَسَوفَ يأتي اللََّهُ بقومٍ يُحِبُّهُم ويُحِبُّونَهُ أذِلَّةٍ عَلىََ المؤمنِينَ أعِزّةٍ عَلىََ الكافِرينَ يُجاهِدُون في سَبِيلِ اللََّهِ ولا يَخافُونَ لَومَةَ لَائِمٍ ذلِكَ فَضلُ اللََّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشاءُ واللََّهُ واسِعٌ عَليمٌ »(3).
إذن فالقرآن الكريم حينما يتحدّث [ عن ] الجانب الثاني من عملية التغيير ، يتحدّث مع البشر ، مع البشر في ضعفه وقوّته ، في استقامته وانحرافه ، في توفّر الشروط الموضوعية له وعدم توفّرها .
من هنا يظهر بأنّ البحث في سنن التاريخ مرتبط ارتباطاً عضوياً شديداً بكتاب اللََّه بوصفه كتاب هدىً ، بوصفه كتاب إخراج للناس من الظلمات إلىََ النور ؛ لأنّ الجانب العملي من هذه العملية ، الجانب البشري والتطبيقي من هذه العملية ، جانب يخضع لسنن التاريخ ، فلابدّ إذن أن نستلهم ، ولابدّ إذن أن يكون للقرآن الكريم تصوّرات وعطاءات في هذا المجال لتكوين إطار عام للنظرة القرآنية والإسلامية عن سنن التاريخ .
إذن ، هذا لا يشبه سنن الفيزياء والكيمياء والفلك والحيوان والنبات ، تلك السنن ليست داخلة في نطاق التأثير المباشر علىََ عملية التغيير ، ولكن هذه السنن داخلة في نطاق التأثير المباشر علىََ عملية التغيير ، باعتبار الجانب الثاني . إذن لابدّ من شرح ذلك ، ولابدّ أن نترقّب من القرآن إعطاء عموميات في ذلك .
نعم لا ينبغي أن نترقّب من القرآن أن يتحوّل أيضاً إلىََ كتاب مدرسي في علم التاريخ وسنن التاريخ بحيث يستوعب كلّ التفاصيل ، وكلّ الجزئيات حتىََ ما لا يكون له دخل في منطق عملية التغيير التي مارسها النبي صلى الله عليه و آله ، وإنّما القرآن الكريم يحتفظ دائماً بوصفه الأساسي والرئيسي ، يحتفظ بوصفه كتاب هداية ، كتاب إخراج للناس من الظلمات إلىََ النور ، وفي حدود هذه المهمّة الكبيرة العظيمة التي مارسها ، في حدود هذه المهمّة يعطي مقولاته علىََ الساحة التاريخية ويشرح سنن التاريخ بالقدر الذي يلقي ضوءاً علىََ عملية التغيير التي مارسها النبي صلى الله عليه و آله بقدر ما يكون موجّهاً وهادياً وخالقاً لتبصُّر موضوعي للأحداث والظروف والشروط .
أساليب القرآن في بيان سنن التاريخ :
ونحن في القرآن الكريم نلاحظ أنّ هذه الحقيقة ، حقيقة أنّ للتاريخ سنناً ، أنّ الساحة التاريخية عامرة بسنن كما عمرت كلّ الساحات الكونيّة الاُخرىََ بسنن ، هذه الحقيقة نراها واضحة في القرآن الكريم ، فقد بيّنت هذه الحقيقة بأشكال مختلفة وبأساليب متعدّدة في عدد كثير من الآيات : بيّنت علىََ مستوىََ إعطاء نفس هذا المفهوم بالنحو الكلّي : إنّ للتاريخ قوانين .
وبيّنت هذه الحقيقة في آيات اُخرىََ علىََ مستوىََ عرض هذه القوانين وبيان مصاديق ونماذج وأمثلة من هذه القوانين التي تتحكّم في المسيرة التاريخية للإنسان .
وبُيّنت في سياق آخر علىََ نحو تمتزج فيه النظرية مع التطبيق ، أي بُيِّن المفهوم الكلّي وبيِّن في إطار مصداقه .
وفي آيات اُخرىََ حصل الحثّ الأكيد علىََ الاستفادة من الحوادث الماضية وشحذ الهمم لإيجاد عملية استقراء للتاريخ ، وعملية الاستقراء للحوادث - كما تعلمون - هي عملية علمية بطبيعتها تريد أن تفتّش عن سنّة ، عن قانون ، وإلّا فلا معنىََ للاستقراء من دون افتراض سنّة أو قانون .
إذن هناك ألسنة متعدّدة درجت عليها الآيات القرآنية في مقام توضيح هذه الحقيقة وبلورتها .
المصادر :
1- آل عمران : 140
2- التوبة : 39
3- المائدة : 54