هناك من يدرس القضية الحسينية مجرّدة عن إطارها التاريخي ، فيصدر أحكاما مسبقة عنها ، والبعض من هؤلاء يتصوّر أن الحسين عليهالسلام قام بخروجه على يزيد بمغامرة غير محسوبة النتائج ، وأن نهضته عبارة عن عمل انتحاري ، ومن هؤلاء محمد الغزالي الذي ندد بنهضة الحسين عليهالسلام ووصفها بأنها « مجازفة لا أثر فيها لحسن السياسة ، وقد كان المتعين على الحسين ـ حسب ما يراه الغزالي ـ أن يبايع ليزيد ، ويخضع لقيادة هذا الخليع الماجن الذي لا يملك أية كفاءة لقيادة الأمة » (١).
وأحمد الشبلي ، هو الآخر وقع أسر ضيق النَّظرة ، فقال : « نجيء إلى الحسين لنقر ـ مع الأسف ـ أن تصرفاته كانت في بعض نواحي هذه المشكلة غير مقبولة؛ هو أولاً لم يقبل نصح الناصحين وخاصة عبد اللّه بن عباس ، واستبد رأيه ، وثانيا نسي أو تجاهل خلق أهل الكوفة وما فعلوه مع أبيه وأخيه ، وهو ثالثا يخرج بنسائه وأطفاله كأنه ذاهب إلى نزهة خلوية أو زيارة قريب ويعرف في الطريق غدر أهل الكوفة ، ومع هذا يواصل السير اليهم وينقاد لرأي بني عقيل ، ويذهب بجماعة من الأطفال والنساء وقليل من الرجال ليأخذ بثأر مسلم ، ياللّه قد تكون ولاية العهد ليزيد عملاً خاطئا ، ولكن هل هذا هو الطريق لمحاربة الخطأ والعودة إلى الصواب » (2).
وفات هؤلاء الذين لم يخرجوا بوعيهم من قفص النص ، أن هذه النهضة يقودها إمام معصوم ، وهي مدروسة ومخطط لها وليس على نحو عَرَضي. صحيح أن الواقع الذي واجهه الحسين عليهالسلام صعب ومعقد ، ولكن الصحيح أيضا أن قوى التغيير لا تعترف بالأمر الواقع. والحسين عليهالسلام كان مصمما على التغيير مهما واجه من مخاطر ، قال منذ البداية للناس وبدون أي لبس : « أيها الناس ، إنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله قال :
من رأى سلطانا جائرا مستحلاًّ لحرم اللّه ناكثا لعهد اللّه مخالفا لسنة رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، يعمل في عباد اللّه بالإثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقا على اللّه أن يدخله مدخله. ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرَّحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، أحلّوا حرام اللّه وحرّموا حلاله ، وأنا أحق من غيّر .. » (3).
انطلاقا من هذه المعطيات علينا أن ندرك بأن ثورة الحسين عليهالسلام كانت أعظم وأقوى في دوافعها وأسبابها من أن يؤثّر في اندفاعها غدر الناس ، أو أن يقف في طريقها خيانة الأعوان وانقلاب الأنصار. لقد صمّم الحسين عليهالسلام من البداية على أن يمضي في نهضته وإن بقي وحده ؛ لأنه إن كان يوجد في عهد معاوية مايتطلّب السكوت عليه أو المهادنة معه ، فان عهد يزيد لم يكن يوجد فيه شيء من هذا مطلقا. فقد بلغ السيل الزبا ، ولم يبق أمام الحسين عليهالسلام مع يزيد إلاّ طريق الصراع المسلّح حتى النصر أو الاستشهاد.
ويكشف لنا عن هذا التصميم قوله عليهالسلام لما تقدّم عمر بن سعد فرمى نحو عسكر الحسين عليهالسلام بسهم وقال : اشهدوا لي عند الأمير أني أوّل من رمى ، وأقبلت السهام من القوم كأنّها المطر ، فقال عليهالسلام : لأصحابه « قوموا رحمكم اللّه إلى الموت الذي لابدّ منه ، فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم ... أما واللّه لا أُجيبهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى اللّه تعالى وأنا مخضّب بدمي » (4).
ويدلنا على حتمية الصراع والكفاح ضد حكم يزيد في أي حال كان عليه ، قوله عليهالسلام أيضا في مجلس والي المدينة الذي طلب منه المسالمة مع يزيد وإعطائه البيعة والاعتراف له بالخلافة فقال عليهالسلام : « يزيد رجل فاسق ، شارب الخمر ، قاتل النفس المحرّمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله » (5).
وهناك من وقع في أسر ضيق النَّظرة أيضا ، وتصور بأن حركة الحسين عليهالسلام كانت حركة قبليّة عشائرية تُعبّر عن الصراع المحتدم بين قبيلتين قرشيتين ، كانتا تتصارعان على السلطة والهيمنة قبل الإسلام ،
واستمرّ هذا الصراع بينهما إلى ما بعد الإسلام ، ذلك هو الصراع بين بني هاشم وبني أميّة. هذا التفسير تبنّاه أعداء الحسين عليهالسلام ، ولعلهم انطلقوا في هذا التفسير من العداء التاريخي المستحكم بين القبيلتين ، ذلك العداء الذي عبّرت عنه جويرية بنت أبي جهل التي كشفت عن الوضع النفسي لبطون قريش ، فعندما صعد بلال على ظهر الكعبة وأذَّن وسمعت الأذان ، قالت بعفوية : قد لعمري رفع لك ذكرك ، أما الصلاة فسنصلّي ، لكن واللّه لا نحب من قتل « الأحبة أبدا » (6).
لقد عاش البطن الأموي رهينا لسلسلة من العقد؛ لماذا يكون النبي من بني هاشم؟ كيف يثأرون من الهاشميين وبالذات آل محمد وأهل بيته لقتلاهم في بدر؟ وقد نبّه النبي صلىاللهعليهوآله الأمة إلى حقيقة المشاعر الأموية ، فقال : « إن أهل بيتي سيلقون من بعد أمتي قتلاً وتشريدا ، وإن أشد قومنا لنا بُغضا بنو أمية ، وبنو المغيرة ، وبنو مخزوم » (7).
ويبدو أن أصحاب هذا التفسير انطلقوا كذلك من دوافع يزيد بن معاوية التي عبّر عنها أكثر من مرّة ، حيث قال (8) عندما سمع عويل سبايا الحسين عليهالسلام :
ليتَ أشياخي ببدرٍ شهدوا / جزع الخَزرج من وقع الأسل
لأهلّوا واستهلّوا فرحا / ثمّ قالوا يا يزيد لاتُشَل
قد قتلنا القرم من ساداتهم / وعدلناه ببدر فاعتدل
لعبت هاشم بالملك فلا / خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل
لست من خندف إن لم أنتقم / من بني أحمد ما كان فعل
كان حاقدا على النبي محمّد صلىاللهعليهوآله وعلى أهل بيته خاصة وعلى الهاشميين عامة بعد أن أدرك طبيعة الصراع الدامي الذي جرى بين رسول اللّه وآله والهاشميين من جهة ، وبين أبيه وجده وآل أبي سفيان والبيت الأموي من جهة أخرى ، وبعد أن أدرك أن عليا عليهالسلام وحمزة والهاشميين قتلوا أعمامه وأجداده وأقاربه ، يقول العلاّمة المجلسي : « ووجدت بخطّ بعض الأفاضل نقلاً من خطّ الشهيد قدسسره ، قال : لما جيء برؤوس الشهداء والسبايا من آل محمد عليهمالسلام أنشد يزيد لعنه اللّه :
لما بدت تلك الرؤوس وأشرقت / تلك الشموس على ربى جيرون
صاح الغراب فقلت قل أو لا تَقُلْ / فقد قضيت من النبي ديوني » (9)
وتبنّى هذا التفسير مجموعة من المستشرقين حاولوا أن يفسروا القضية على أساس الصراع بين قبيلتين ، بل وحاولوا أن يفسروا الصراع الذي احتدم بين رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وبين أبي سفيان على أنه امتداد لذلك الصراع القبلي والعشائري.
وأقل ما يمكن أن يقال عن تلك التفسيرات بأنها نتائج هزيلة وغير ناضجة ، فمن يدرس ظاهرة أصحاب الحسين عليهالسلام ـ على سبيل المثال ـ يلاحظ أن قضية الحسين عليهالسلام لا يمكن أن تكون صراعا بين عشيرتين أو قبيلتين ، لأن أصحاب الحسين سواءً كانوا من حيث الانتماء القبلي أو من حيث الانتماء القومي والشعوبي ، أو من حيث الانتماء لمستوى الثقافة أو مستوى الوضع الاجتماعي ، بل وحتى من حيث الانتماء المذهبي ، يمثلون نماذج وعينات متعددة ومختلفة.
حيث نلاحظ أنّ هناك اختلافا عظيما بين هؤلاء ، ولا يمكن أن تجمع كل هؤلاء أو توحّدهم قضية الصراع القبلي. فإن قضية الصراع القبلي لا يمكن أن توحّد بين جون العبد الأسود مولى أبي ذر ، وبين حبيب بن مظاهر الأسدي سيّد العشيرة العربي ، كما أنّه لا يمكن أن توحّد بين أولئك الذين كانوا بالأمس أعداءً للحسين ، كالحر بن يزيد الرياحي وزهير بن القين وغيرهما ممّن انضمّ إلى الحسين عليهالسلام أثناء المعركة عندما سمعوا حديثه أو استغاثته ، وبين من كان مواليا للحسين منذ اليوم الأول.
ثم ما هو الشيء الذي جعل زهير بن القين يتحوّل عن عثمانيته ، وعن اعتقاده بخط العثمانية ، الخط الذي أسّسه معاوية لتبرير موقفه المعارض لعلي عليهالسلام؟ وكان زهير بن القين إلى حين لقاء الحسين عليهالسلام يتبنّى هذا الخط العثماني. وكذلك موقف الحرّ بن يزيد الرياحي الذي كان إلى آخر لحظات المواجهة قائدا عسكريا كبيرا يقود جيش عمر بن سعد ، ثم تحوّل إلى جانب الحسين عليهالسلام ليستشهد معه ، لأنّه كان يخيّر نفسه بين الجنة والنار ، فاختار الجنّة في اللحظة الأخيرة.
وهناك تفسير آخر يسقط أصحابه تحت حوافر الفكر السياسي بمعناه البرغماتي (المصلحي) السائد ، انطلاقا من مقولة : ان السياسة هي فن الممكن. فيذهب هؤلاء إلى أن هدف الحسين عليهالسلام كان هو الوصول إلى
السلطة وإقامة الحكم الإلهي ، إلاّ أن هذا الإنسان الذي سعى إلى هذا الهدف لم تؤاته الظروف ولم يتمكّن من تحقيق هذا الهدف ، وكان فشله في تحقيق هذا الهدف بسبب خذلان أهل الكوفة له ، ونتيجة لخذلان شيعته له وتردّدهم في اتخاذ الموقف المناسب معه.
ولكن يرد على هذا الرأي أنّ الحسين عليهالسلام لم يكن هدفه الوصول إلى السلطة كغاية ليستخدمها من أجل الوصول إلى الرئاسة وتحصيل المكانة المرموقة له ولأسرته. صحيح أنّ الوصول إلى السلطة واستخدامها وسيلة لتطبيق مبادى ء الإسلام الحقَّة أمر محمود ويقرّه الشرع ، بل ويحثّ عليه ، ولكن الصحيح أيضا أنّ الحسين عليهالسلام كان عالما ومدركا بأنّه لا يتمكّن من الوصول إلى دفّة الحكم بسبب وعيه لطبيعة الظروف السياسية والاجتماعية والنفسية المحيطة به والضاغطة عليه التي تحول دون ذلك.
فهو مع اتّصاله بالغيب ـ كما أسلفنا ـ إنسان واقعي يدرك بأنّ الشروط الواقعية أو العملية لم تتهيّأ بعد ، وقد صرّح أكثر من مرّة لكلِّ من نصحه أو استشاره بأنّه مقتول لا محالة. ومع هذه القناعة الراسخة في نفسه لا يمكن القول بأنّ هدفه السياسي كان يتثمّل بالسعي لاستلام السلطة. لأنّ معنى ذلك أنّه عليهالسلام كان يسعى نحو هدف غير واقعي مع تقديره للوضع السياسي ويكون تحرّكه في مثل هذه الحالة أقرب إلى عملٍ انتحاري.
ومما يعزز هذا الرأي ما ذهب إليه الشيخ محمد مهدي شمس الدّين من أن الحسين عليهالسلام « كان يعلم بأن ثورته انتحارية لا تقوده إلى نصر سياسي آني ، وإنما تنبِّه الأمة إلى الخطر ، وتضعها في مواجهته ، وتفجِّر فيها طاقة الثورة وروح الرَّفض ، وتحمل الحكم على أن يحافظ على الحد الأدنى من رعاية مبادى ء الإسلام في سياساته » (10).
إذن فأصحاب هذا التفسير لم تتسع آفاق تفكيرهم ، فتصوّروا القضية وكأنها نزاع وصراع على السلطة ، ولكن لا من أجل الهيمنة والسيطرة فحسب ، وإنما من أجل إحقاق الحق وإقامة العدل الإلهي ، ولكن الحسين لم تؤاته الظروف رغم أن أهل الكوفة أرسلوا له آلاف الكتب ووعدوه بالنصرة والوقوف إلى جانبه ، ولكنهم خذلوه في اللحظة الأخيرة.
وفات هؤلاء ضرورة وضع كل فكرة وكل نظرية في إطارها التاريخي الذي صدرت فيه ؛ أي في الظرف الزمني. وهؤلاء لم يضعوا فكرتهم هذه لتنسجم مع الجو العام الذي كان يعيشه الحسين عليهالسلام ، وعليه لا يمكن أن نفترض أن الحسين عليهالسلام غير مدرك للحقيقة التي أدركها هؤلاء المستشارون ، وهؤلاء المخلصون في نصحهم كابن عباس وأم سلمة وعبداللّه بن جعفر وغيرهم الذين أشاروا عليه بعدم الخروج ، وأكدوا له النتائج التي وقعت ، وذكروا له أنه لا يمكن في مثل هذه الظروف السياسية أن يحقق الانتصار ويصل إلى الحكم.
ولم يكن الحسين عليهالسلام يستهدف الوصول إلى الحكم ، كان يعرف أنّه لايصل إلى الحكم ، إلاّ أنّه كان يريد أن يحرّك الناس ويهزّ ضمائرهم ويوقظ وجدانهم فيتحركوا. كان عليه أن يقدم دمه الغالي رخيصا في سبيل هذا الهدف ، وكان عليه أن يُقتل ويُذبح عطشانا وبهذه الطريقة المأساوية التي شملت الشيوخ والغلمان والنساء والأطفال ، حتى تتحرك هذه الضمائر والقلوب وتهتزّ المشاعر والعواطف.
إذن لم « تكن دوافعه عشائرية أو عاطفية نابعة من بغضاء الهاشميين للأمويين ، ولا مصلحية ( براغماتية ) نابعة من الصراع على الحكم بما هو تسلُّط دنيوي. فإن التاريخ الثابت لأئمة أهل البيت عليهمالسلام ينفي عنهم هذا الزعم ، ويثبت أن حياتهم كانت سلسلة من التضحيات في سبيل الصالح العام ، وأنهم إنما غُلبوا أمام خصومهم الأمويين في معارك السياسة لأنهم كانوا يتبعون في تعاملهم مع الأمة ومع خصومهم ومع أنصارهم مبادى ء ومقاييس أخلاقية ومبدئية تنبع من شعورهم بمسؤوليتهم الإسلامية في الدرجة الأولى.
ويكفي هنا أن نذكر إضافة إلى التاريخ الثابت أن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهالسلام الذي شهد بنفسه فاجعة كربلاء ، وعاشها ساعة بعد ساعة بكل آلامها وأحزانها ، كان يدعو لأهل الثغور ، وما ذلك الدعاء من الإمام زين العابدين إلاّ وعيا منه لدور جيوش الثغور في حفظ المجتمع الإسلامي من أعدائه ، وإن كان هذا الجيش يحمي أيضا نظام الأمويين » (11).
إذن فهي ـ أي الثورة ـ لم تكن حركة قبلية أو إقليمية أو مذهبية ، ومن هنا فلا يجوز اعتبارها تراثا مذهبيا للشيعة ، لأن صبغتها المذهبية جاءت نتيجة لعوامل تاريخية ليس هنا مجال بحثها.
هي ثورة دفعت إلى القيام بها مبادى ء الإسلام وأحكامه لغاية تنبيه الأمة على واقعها السيء ، وحملها على تحسينه عن طريق إثبات شخصيتها الإسلامية في وجه الحاكم المنحرف ، وذلك بتصحيح نهج الحاكم.
وفي مقابل أولئك الذين وقعوا أسر ضيق النظرة والتحيُّز غير المشروع ، أو الذين لم يسلكوا سبيل الانصاف فنظروا بمنظار الحقد الأسود ، أو الذين نظروا بمنظار سياسي نفعي ( براغماتي ) ، نجد هناك نظرة منصفة تنظر للقضية من زاوية أخرى ، فقد أدرك البعض الآخر بثاقب بصرهم أن القضية أبعد من ذلك بكثير ، نظروا إليها على أنها كانت من أجل تثبيت الموقف الشرعي والحكم الإسلامي تجاه ظاهرة الطغيان اليزيدي ، والحكم الكسروي الجديد الذي كان يجسده هذا الحاكم المستهتر بالقيم والشعائر الإسلامية ، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى المحافظة على وجود الرسالة الإسلامية واستمرارها من خلال تثبيت هذا الموقف وما يمكن أن يحدث عنه من تفاعلات في الأمة. ومن ناحية ثالثة إيقاظ ضمير الأمة وهزّ مشاعرها وأحاسيسها وتحريك وجدانها ، من أجل العمل على مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة ـ ظاهرة سيطرة الحكام المنحرفين ـ في حياتها.
فالدوافع الحقيقية لثورة الحسين عليهالسلام ـ إذن ـ كانت تتمثّل بهدف ثلاثي الأبعاد؛ يركّز البعد الأوّل منه على تحديد الموقف الشرعي من أُناس تسلّقوا إلى قمّة الهرم السلطوي الإسلامي بدون أهلية أو كفاءة ولم يتّصفوا بالشرعية ، وبعُد آخر مستقبلي يتمثّل بحركة الإسلام المستقبلية التي يراد لها أن ترتكز على قواعد الحقّ والعدم ، أمّا البُعد الثالث فيتعّلق بالأمّة ومسارها الحقيقي وأوضاعها المختلفة التي تدهورت بفعل سيطرة وسطوة حكام الجور والطغيان.
وفي هذا الصدد يقول الاستاذ خالد محمد خالد : « إن القضية التي خرج البطل حاملاً لواءها لم تكن قضية شخصية تتعلق بحق في الخلافة .. أو ترجع إلى عداوة شخصية يضمرها ليزيد ، كما أنّها لم تكن قضية طموح يستحوذ على صاحبه ، ويدفعه إلى المغامرة التي يستوي فيها احتمال الربح والخسران. كانت القضية أجلّ وأسمى وأعظم. كانت قضية الإسلام ومصيره والمسلمين ومصيرهم ، واذا صمت المسلمون جميعهم تجاه هذا الباطل الذي أنكره البعض بلسانه ، وأنكره الجميع بقلوبهم ، فمعنى ذلك أن الإسلام قد كفّ عن إنجاب الرجال. معناه أن المسلمين قد فقدوا أهلية الانتماء لهذا الدين العظيم. ومعناه أيضا أن مصير الإسلام والمسلمين معا قد أمسى معلقا بالقوة الباطشة ؛ فمن غلب ركب ، ولم يعد للقرآن ولا للحقيقة سلطان ..تلك هي القضية في روع الحسين ، وبهذا المنطق أصر على الخروج » (12).
المصادر :
1- حياة الامام الحسين عليهالسلام / باقر شريف القرشي ٣ : ٣٩ ، عن من معالم الحق / الغزالي : ١٣١. ط ٤ ـ ١٤١٣هـ.
2- حياة الامام الحسين عليهالسلام / باقر شريف القرشي ٣ : ٤٠.
3- تاريخ الطبري ٦ : ٢١٥ ، حوادث سنة إحدى وستّين.
4- اللهوف : ٦٠ ـ ٦١.
5- اللهوف : ١٧.
6- شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٨٣ ، دار إحياء الكتب العربية.
7- كنز العمال ١١ : ١٦٩ / ٣١٠٧٤ ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت.
8- اللهوف : ١٠٥.
9- بحار الأنوار ٤٥ : ١٩٩.
10- ثورة الحسين عليهالسلام في الوجدان الشعبي / محمد مهدي شمس الدّين : ٣٩ ، الدار الإسلامية ، بيروت ، ط ١ ـ ١٤٠٠هـ.
11- ثورة الحسين في الوجدان الشعبي : ٣٩.
12- حياة الحسين / القرشي ٣ : ٣٤ ، عن كتاب : أبناء الرسول في كربلاء / خالد محمد خالد : ١٢٣ ـ ١٢٤.