ان الله تبارك وتعالى يرحم عباده ، وجعل لكل شيء شيئا ولنزول رحمته على عباده ايضا اسباب ، منها اشفاق الاولاد ابويهما ...
١ ـ قال سيدّنا الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم : اربع خصال من كنّ فيه ادخله الله تعالى جنّته ونشر عليه رحمته : منها : من اشفق على والديه ... (1)
٢ ـ وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من ألهم اربعة اشياء : من برّ والديه ، أنسئ في أجله ، ووسع عليه في رزقه ، ومنع بعقله ، وسهل عليه في ساقته يريد به الموت ، ولقّن حجته في قبره ... (2)
٣ ـ روى عن العالم عليهالسلام أنه قال : ثمانية اشياء من كنّ فيه ادخله الله تعالى الجنّة ونشر عليه الرحمة : منها : وبرّ والديه معدن (3)
٤ ـ وقال « رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم » : تفتح ابواب السماء بالرحمة في اربع مواضع : عند نزول المطر ، وعند نظر الولد في وجه الوالدين. وعند فتح باب الكعبة. وعند فتح باب الكعبة وعند النكاح ... (4)
٥ ـ قال امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : الله رحيم بعباده ومن رحمته أنه خلق مائه رحمة ، وجعل منها رحمة واحدة في الخلق كلّهم ، فبها يتراحم الناس ، وترحم الوالدة ولدها ، وتحنن الأمهات من الحيوانات على أولادها ... الى آخره الحديث ... (5)
البرّ بالاُم
مما يجب على الولد هو أن يبر بأبويه ولكن فرق بين الأم والأب ، فان حق الأم اكثر لأنها حملت وارضعت وربت وسهرت الليال ، كل ذلك في سبيل راحة الولد ، حتى كبر وشاب ، وصار يستلذ بلذة الوجود ، والآن حن وقت اداء الحق ، فيجب البر بها اكثر فأكثر.١ ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أمّك أمّك أمّك ! ثم أباك ! ثم الأقرب ! فالأقرب ... (6)
٢ ـ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم ايضاً : الجنّة تحت أقدام الأمهات ... (7)
٣ ـ عن عائشة ، قالت : قلت : « يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم » فأي الناس اعظم حقا على الرجل ؟ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أمه ... . ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ، ص ١٩٧ ، نقلا عن المستدرك للحاكم.
٤ ـ علي بن ابراهيم ، عن ابيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام والتحيات والبركات ، قال : جاء رجل الى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جاء رجل الى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تسليماً كثيرا كثيرا ، فقال يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أبر ؟. قال صلوات الله عليه وعلى آله : أمك ، قال : ثم من ؟ قال أمّك ، قال ثم من ؟ أمّك ، قال : ثم من ؟. قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أباك ... (8)
٥ ـ عدة من اصحابنا ، عن احمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية بن وهب ، عن زكريا بن ابراهيم ، قال : كنت نصرانيا سلمت ، وحججت ، فدخلت على أبي الله عليهالسلام ، فقلت : أني النصرانية ، واني اسلمت ، فقال عليهالسلام : وأي شيء رأيت في الإسلام ؟ قلت : قول الله عزّ وجلّ : « ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء » فقال عليهالسلام : لقد هداك الله تعالى ، ثم قال عليهالسلام : اللهم اهده ـ ثلاثا ـ سل عمّا شئت يا بني ، فقلت : ان أبي وأمي على النصرانية وأهل بيتي ، وأمي مكفوفة البصر ، فأكون معهم ، وآكل في آنيتهم ؟. فقال عليهالسلام : يأكلون لحم الخنزير ؟.
فقلت لا ، ولا يمسّونه ، فقال عليهالسلام : لا بأس ، فانظر أمك فبرّها ، فاذا ماتت فلا تكلها الى غيرك ، كن أنت الذي تقوم بشأنها ، و لا تخبرنّ احدا أنّك أتيتني ، حتى تأتيني بمنى ان شاء الله ، قال : فأتيته بمنى والناس حوله كأنه معلّم صبيان ، هذا يسأله وهذا يسأله ، فلما قدمت الكوفة الصفت لأمي ، وكنت اطعمها ، وأفلي ثوبها ورأسها ، وأخدمها ، فقالت لي : يا بني ما كنت تصنع بي هذا وانت على ديني فما الذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفية ؟. فقلت : رجل من ولد نبينا أمرني بهذا ، فقالت هذا الرجل هو نبي ؟ فقلت : لا ، و لكنه ابن نبيّ ، فقالت : يا بني ان هذا نبيّ ، ان هذه وصايا الانبياء ، فقلت : يا أمّه ، انّه ليس يكون بعد نبينا نبي ، ولكنه ابنه ، فقالت : يا بنيّ دينك خير دين ، أعرضه عليّ ، فعرضته عليها ، فدخلت في الإسلام وعلمتها ، فصلّت الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة ، ثم عرض لها عارض في الليل ، فقالت : يا بنيّ أعد عليّ ما علمتني ، فأعدته عليها ، فأقرّت به و ماتت ، فلمّا اصبحت كان المسلمون الذين غسّلوها ، وكنت أنا الذي صليت عليها ، ونزلت في قبرها ... (9)
٦ ـ الحسين بن محمد ، عن معلّي بن محمد ، وعلي بن محمد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، جميعا عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجه سالم بن مكروم ، عن معلي بن خنيس ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : جاء وسأل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن برّ الوالدين ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ابررأمك ، أبرر أمك ، أبرر أمك ، أبرر أباك ، أبرر أباك ، أبرر أباك ، وبدأ بالأم قبل الأب ... (10)
٧ ـ علي بن ابراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، قال : أتى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : اني رجل شاب نشيط ، وأحب الجهاد ، ولي والدة تكره ذلك ؟. فقال له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : ارجع فكن مع والدتك ، فو الذي بعثنى بالحق « نبيا » لأنسها بك ليلة خير من جهادك في سبيل الله سنة ... (11)
رضا الاُم وسطها
ان في رضاء الأم وسخطها آثار عجيبة رأيناها في زماننا هذا ـ القرن الرابع عشر ـ وآثارها بعضاً تتعلق بالدنيا ، وبعضاً تتعلق بالآخرة ، تتعلق بالفقر والغنى ، والتوفيق وعدمه ، وطول العمر و قصيره ، وبركة النسل وعدمه ، وسعة الصدر وضيقه ، وهكذا الأم تؤثّر في جميع مرافق الحياة من الخير والشّر ، والسعادة والشقاء ، الى ابعد الحدود ، والى ما شاء الله تعالى.١ ـ وحكي انّه كان في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم شاب يسمى علقمة ، وكان كثير الاجتهاد في طاعة الله ، في الصلاة والصوم والصدقة ، فمرض واشتد مرضه ، فأرسلت امرأته الى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ان زوجي علقمة في النزع فأردت أن اعلمك يا رسول الله بحاله. فأرسل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عمارا وصهيبا وبلالا ، وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم امضوا اليه ولقّنوه الشهادة ، فمضوا اليه ودخلوا عليه فوجدوه في النزاع فجعلوا يلقنونه : لا اله الاّ الله. ولسانه لا ينطق بها فارسلوا الى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يخبرونه أنه لا ينطق لسانه بالشهادة. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : هل من ابويه أحد حي ؟.
قيل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أم كبير السنّ ، فأرسل اليها رسول الله صلى الله عليه منّي !. فانطلق بلال فسمع علقمة من داخل الدار يقول : لا اله الاّ الله. فدخل بلال فقال : يا هؤلاء ان سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة وان اضاها اطلق لسانه. ثم مات علقمة من يومه ، فحضره رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأمر بغسله وكفنه ، ثم صلّى عليه ، وحضر دفنه ، ثم قام صلىاللهعليهوآلهوسلم على شفير قبره ، وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا معشر المهاجرين والأنصار ، من فضّل زوجته على أمّه فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين ، لا يقيل الله منه صرفا ولا عدلا ، الاّ أن يتوب لله عزوجلّ ، ويحسن اليها ويطلب رضاها فرضى الله في رضاها ، وسخط الله في سخطها ... الى آخره ... (12)
معنى العاق والعقوق
لكل أمة لغة ، ولكل لغة الفاظ ، وقد وضعت الالفاظ بأتقان ، اما الالفاظ العربية ، ولغتها فهي معجزة اللغات والالفاظ ، وقد اعجزت ارباب الفنّ باتقانها وتنسيقها ، لاسيما القرآن الكريم ، كلام الله المجيد ، معجزة الدهر الذي تعدد منه التحدي بالنسبة الى جميع اهل اللسان ، فهو القائل : قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتو بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ... ( بني اسرائيل ـ ٨٨ ).أما لفظ العقول ومعناه : فقد جاء في المجمع ، في مادة ( عقق ) : أدني العقوق ( أف ) عق الولد اباه ، يعق ، عقوقا ، من باب عقد : اذا آذاه وعصاه ، وترك الاحسان اليه وهو البر له. واصله من العق : وهو الشق والقطع.
١ ـ وهو من المعاصي الكبيرة مما أوعد الله عليه ، والاخبار به مصرّحة بأن العاق لا يدخل الجنّة ، وحاله حال مدمن الخمر ، والمنان لفعل الخير ... (13)
٢ ـ عن ( الجعفريات ) قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من احزن والديه فقد عقّهما ... (14)
٣ ـ عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنّه قال : ثلاثة لا يحجبون عن النار : العاق لوالديه. والمدمن من الخمر. والمنان بعطائه. قيل : يا رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وما عقوق الوالدين ؟ ... قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : يأمران فلا يطيعهما. ويسألانه فيحرمانهما. واذا هما لم يعظهما بحق ما يلزمهما .... (15)
عاق الوالدين
ان موجبات عقاب الله تعالى لعبده كثيرة وهو اشدّ المعاقبين في موضع النكال والنقمة ومن موارد عقابه الأليم ـ أعاذنا منه ـ عدم اطاعة الوالدين وأذاهم وعقوقهم وما يشينهم ، فاتق النار ايها الولد البار.١ ـ قال سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ثلاثة لا يدخلون الجنة : منهم : العاق. معدن الجواهر ، ص ٣١ ، باب ذكر ما جاء في ثلاثة.
٢ ـ قال امير المؤمنين سلام الله عليه : من ظلم يتيما عقّ اولاده ... درر الكلم ، حرف الميم ، ص ٢٣٩.
٣ ـ عن مولانا الصادق عليه افضل الصلاة والسلام : لا يدخل الجنّة العاق لوالديه ، والمدمن من الخمر ، والمنان بالفعال الخير اذا عمله ... ذرايع البيان ، ص ١٩٨ ، تكلمه.
٤ ـ عن شيخنا المفيد باسناده عن أبي اسحق الهمداني ، عن أبيه ، عن سيّد الموحدين أمير المؤمنين عليهالسلام ، « قال » قال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ثلاثة من الذنوب تعجل عقوبتها ولا تأخر الى الآخره : عقوق الوالدين. والبغي على الناس. وكفر الاحسان ... ذرايع البيان ، ص ١٩٩.
٥ ـ وفي رواية « الكراجي » : ملعون ملعون من ضرب والديه ، ملعون من عقّ والديه ، ملعون من قاطع رحمة ... المصدر السابق.
٦ ـ عن مولانا الباقر عليه الصلاة والسلام : اياكم والعقوق فان الجنّة يوجد ريحها من مسيرة مائه سنة ، وما يجدها عاق ولا قاطع رحم ... نفس المصدر.
عقّ الوالدين
لا يتخيل أن العقوق الذي هو تعرض الى عقاب الله وعذابه يكون من جهة الوالدين فحسب ، وانما هو من الجهتين ، يعني أنه كما يعق الوالدان ولدهما ، كذلك الوالد يعق والديه اذا ظلماه وهو برّ بهما ، فان الله تبارك وتعالى عدل محض ، فلم يجعل حقا لاحد على احد الا وجعل مثله للطرف الآخر ، واليك الحديث المتضمن هذا المعنى.١ ـ حدثنا أبي رضياللهعنه قال : حدّثنا علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن ابيه ، عن آبائه ، عن على صلوات الله عليهم اجمعين قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يلزم الوالدين من العقوق لولدهما ، اذا كان الولد صالحاً ما يلزم لهما ... (16)
المصادر :
1- معدن الجواهر باب ذكر ما جاء في اربعة ، ص ٣٩.
2- معدن الجواهر باب ذكر ما جاء في اربعة ص ٤٠.
3- الجواهر باب ذكر ما في اربعة ص ٦٤.
4- سفينة البحار ، باب الزاء بعده الواو ، ص ٥٦١.
5- تسلية الفوآد فصل في الشفاعة ص ١٩٥.
6- غوالي الدرر ، حرف الالف ، ص ١٣.
7- المصدر السابق ، حرف الجيم ، ص ٤٢.
8- الكافي ، ج ٢ ، ١٢٧ ، باب البر ، الحديث ٩.
9- الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٨، باب البر ، الحديث ١١.
10- الكافي ، ج ٢ ، ص ١٣٠، باب البر ، الحديث ١٧.
11- الكافي ، ج ٢ ، ص ١٣٠ ، باب البر ، الحديث ٢٠.
12- ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ص ١٨٦.
13- ذرايع البيان ، ص ١٩٨
14- ذرايع البيان ، ص ١٩٩
15- نفس المصدر ، ص ٢٠٠.
16- الخصال ، باب الاثنين ، ص ٤٥ ، الحديث ٧٧.