إنّ القرآن الكريم يقدّم الدين لا بوصفه مجرّد قرار تشريعي ، بل يقدّمه بوصفه سنّة من سنن الحياة والتاريخ ومقوّماً أساسياً لخلق اللَّه ، ولن تجد لخلق اللَّه تبديلاً ، ولكنها سنة من الشكل الثالث ، سنّة تقبل التحدّي علىََ الشوط القصير ، ولكن المتحدّي يعاقب بسنن التاريخ نفسها ، وقد اُشير في الآية الكريمة التي نصّت علىََ أنّ الدين سنة من سنن التاريخ ، اُشير إلىََ هذه الخاصة أيضاً بقوله : « ولكنّ أكثَر النَاسِ لا يَعلَمُونَ »، هذهالعبارة التي ختمت بها تلك الآية الكريمة : « فأقِمْ وَجْهَكَ للدينِ حَنِيفاً فِطرَةَ اللَّه التي فَطَرَ الناسَ عَلَيها لا تبديلَ لخلقِ اللَّه ذلِكَ الدينُ القيّمُ ولكنّ أكثَرَ الناسِ لا يَعلمُونَ »(1)
هذه الجملة الأخيرة إشارة إلىََ أنّ هذه السنّة من الشكل الثالث ، أي أنّ للناس أن يتّخذوا مواقف سلبية وإهمالية تجاه هذه السنّة ، ولكنه إهمال علىََ الشوط القصير لا علىََ الشوط الطويل .
قلنا بأنّ توضيح واقع هذه السنة القرآنية من سنن التاريخ يتطلّب منا أن نحلّل عناصر المجتمع ، ما هي عناصر المجتمع من زاوية نظر القرآن الكريم ؟ ما هي مقوّمات المركّب الاجتماعي ؟ كيف يتم التركيب بين هذه العناصر والمقومات ؟ وضمن أيّ إطار ؟ وأيّ سنن ؟
هذه الأسئلة نحصل علىََ جوابها في النّص القرآني الشريف الذي تحدّث عن خلق الإنسان الأول :
«وإذ قالَ ربُّك للملائكةِ إنّي جاعِلٌ في الأرض خَليفةً قالوا أتجعَلُ فيها مَنْ يُفسدُ فيها ويَسفِكُ الدماءَ ونَحنُ نُسبّحُ بحمدِكَ ونُقدّسُ لكَ قالَ إنّي أعلَمُ ما لا تَعلَمُونَ »(2).
حينما نستعرض هذه الآية الكريمة نجد أنّ اللَّه سبحانه وتعالىََ ينبّئ الملائكة بأ نّه قرّر إنشاء مجتمع علىََ الأرض ، فما هي العناصر التي يمكن استخلاصها من العبارة القرآنية التي تتحدّث عن هذه الحقيقة العظيمة ؟
هناك ثلاثة عناصر يمكن استخلاصها من العبارة القرآنية :
أوّلاً : الإنسان .
ثانياً : الأرض أو الطبيعة علىََ وجه عام : «إنّي جاعِلٌ في الأرضِ خَليفَةً »، فهناك أرض أو طبيعة علىََ وجه عام وهناك الإنسان الذي يجعله اللَّه سبحانه وتعالىََ علىََ الأرض .
ثالثاً : العلاقة ، العلاقة المعنوية التي تربط الإنسان بالأرض ، بالطبيعة ، وتربط من ناحية اُخرىََ الإنسان بأخيه الإنسان . هذه العلاقة المعنوية التي سمّاها القرآن الكريم بالاستخلاف .
هذه هي عناصر المجتمع : الإنسان والطبيعة والعلاقة المعنوية التي تربط الإنسان بالطبيعة من ناحية وتربط الإنسان بأخيه الإنسان من ناحية اُخرىََ ، وهي العلاقة التي سمّيت قرآنياً بالاستخلاف .
ونحن حينما نلاحظ المجتمعات البشرية نجد أنّ المجتمعات البشرية جميعاً تشترك بالعنصر الأول والعنصر الثاني . لا يوجد مجتمع بدون إنسان يعيش مع أخيه الإنسان ، ولا يوجد مجتمع بدون أرض أو طبيعة يمارس الإنسان عليها دوره الإجتماعي . وفي هذين العنصرين تتّفق المجتمعات التاريخية والبشرية .
وأمّا العنصر الثالث وهو العلاقة ، ففي كل مجتمع علاقة كما ذكرنا ، ولكن المجتمعات تختلف في طبيعة هذه العلاقة وفي كيفية صياغة هذه العلاقة . فالعنصر الثالث هو العنصر المرن والمتحرّك من عناصر المجتمع ، وكل مجتمع يبني هذه العلاقة المعنوية التي تربط الإنسان بأخيه الإنسان من جانب وبالطبيعة بالجانب الآخر ، يبني هذه العلاقة بشكل قد يتّفق وقد يختلف مع طريقة بناء المجتمع الآخر لهذه العلاقة .
العلاقة وصيغتاها :
وهذه العلاقة التي هي العنصر الثالث ، العنصر المرن والمتحرّك في تركيب المجتمع لها صيغتان أساسيتان :
إحداهما : صيغة رباعية اُطلق عليها اسم الصيغة الرباعية ، والاُخرىََ : صيغة ثلاثية .
الصيغة الرباعية : هي الصيغة التي ترتبط بموجبها الطبيعة والإنسان مع الإنسان ، هذه أطراف ثلاثة ، فالعلاقة إذا اتّخذت صيغة تربط بموجبها بين هذه الأطراف الثلاثة وهي : الطبيعة والإنسان مع أخيه الإنسان ولكن مع افتراض طرف رابع أيضاً في هذه العلاقة فاُسمّي هذه الصيغة بالصيغة الرباعية .
الصيغة الرباعية تربط بين هذه الأطراف الثلاثة ولكنها تفترض طرفاً رابعاً ، بُعداً رابعاً للعلاقة الإجتماعية ، وهذا الطرف الرابع ليس داخلاً في إطار المجتمع ، خارج عن إطار المجتمع ، ولكن الصيغة الرباعية للعلاقة الإجتماعية تعتبر هذا الطرف الرابع مقوّماً من المقومات الأساسية للعلاقة الاجتماعية علىََ الرغم من أ نّه خارج إطار المجتمع ، هذه الصيغة الرباعية للعلاقة الاجتماعية ذات الأبعاد الأربعة هي التي طرحها القرآن الكريم تحت اسم الاستخلاف .
الاستخلاف هو العلاقة الاجتماعية من زاوية نظر القرآن الكريم ، والاستخلاف لدىََ التحليل نجد أ نّه ذو أربعة أطراف ؛ لأنّ الاستخلاف يفترض مستخلِفاً أيضاً .
لابدّ من مستخلِفٍ ومستخلَفٍ عليه ومستخلَف . فهناك إضافة إلىََ الإنسان وأخيه الإنسان والطبيعة يوجد طرف رابع في طبيعة وتكوين علاقة الاستخلاف وهو المستخلِف ؛ إذ لا استخلاف بدون مستخلِف ، فالمستخلف هو اللَّه سبحانه وتعالىََ ، والمستخلَف هو الإنسان وأخوه الإنسان ، أي الإنسانية ككل الجماعة البشرية ، والمستخلَف عليه هو الأرض وما عليها ومن عليها .
فالعلاقة الاجتماعية ضمن صيغة الاستخلاف تكون ذات أطراف أربعة ، وهذه الصيغة ترتبط بوجهة نظر معينة نحو الحياة والكون ، بوجهة نظرٍ قائلة بأ نّه لا سيّد ولا مالك ولا إله للكون وللحياة إلّااللَّه سبحانه وتعالىََ ، وأنّ دور الإنسان في ممارسة حياته إنّما هو دور الاستخلاف والاستئمان ، وأيّ علاقة تنشأ بين الإنسان والطبيعة فهي في جوهرها ليست علاقة مالك بمملوك وإنّما هي علاقة أمين علىََ أمانة استؤمن عليها ، وأيّ علاقة تنشأ بين الإنسان وأخيه الإنسان - مهما كان المركز الاجتماعي لهذا أو لذاك - فهي علاقة استخلاف وتفاعل بقدر ما يكون هذا الإنسان أو ذاك مؤدّياً لواجب هذه الخلافة ، وليست علاقة سيادة أو اُلوهية أو مالكية .
هذه الصيغة الاجتماعية الرباعية الأطراف التي صاغها القرآن الكريم تحت اسم الاستخلاف ، ترتبط بوجهة النظر المعينة للحياة والكون . في مقابلها توجد للعلاقة الاجتماعية صيغة ثلاثية الأطراف ، صيغة تربط بين الإنسان والإنسان والطبيعة ، ولكنّها تقطع صلة هذه الأطراف مع الطرف الرابع ، تجرّد تركيب العلاقة الاجتماعية عن البعد الرابع ، عن اللَّه سبحانه وتعالىََ ، وبهذا تتحوّل نظرة كل جزء إلىََ الجزء الآخر داخل هذا التركيب وداخل هذه الصيغة .
وجدت الألوان المختلفة للملكية وللسيادة ، لسيادة الإنسان علىََ أخيه الإنسان بأشكالها المختلفة التي استعرضها التاريخ بعد أن عُطّل البعد الرابع وبعد أن افتُرض أنّ البداية هي الإنسان ، حينئذٍ تنوّعت علىََ مسرح الصيغة الثلاثية أشكال الملكية وأشكال السيادة ، سيادة الإنسان علىََ أخيه الإنسان .
وبالتدقيق في المقارنة بين الصيغتين : الصيغة الرباعية والصيغة الثلاثية ، يتّضح أنّ إضافة الطرف الرابع للصيغة الرباعية ليس مجرّد إضافة عددية ، ليس مجرّد طرف جديد يضاف إلىََ الأطراف الاُخرىََ ، بل إنّ هذه الإضافة تحدث تغييراً نوعياً في بنية العلاقة الاجتماعية وفي تركيب الأطراف الثلاثة الاُخرىََ نفسها . ليس هذا مجرّد عملية جمع ثلاثة زائد واحد ، بل هذا الواحد الذي يضاف إلىََ الثلاثة سوف يُعطي للثلاثة روحاً اُخرىََ ، مفهوماً آخر ، سوف يحدث تغييراً أساسياً في بنية هذه العلاقة ذات الأطراف الأربعة كما رأينا ؛ إذ يعود الإنسان مع أخيه الإنسان مجرّد شركاء في حمل هذه الأمانة والاستخلاف ، وتعود الطبيعة بكلّ ما فيها من ثروات وبكل ما عليها ومن عليها مجرّد أمانة لابدّ من رعاية واجبها وأداء حقّها .
هذا الطرف الرابع هو في الحقيقة مغيّر نوعيٌ لتركيب العلاقة .
إذن أمامنا للعلاقة الاجتماعية صيغتان صيغة رباعية وصيغة ثلاثية ، والقرآن الكريم آمن بالصيغة الرباعية كما رأينا في الآية الكريمة ، الاستخلاف هو الصيغة الرباعية للعلاقة الاجتماعية ، لكن القرآن الكريم أكثر من أ نّه آمن بالصيغة الرباعية في المقام اعتبر الصيغة الرباعية سنة من سنن التاريخ ، كما رأينا في الآية السابقة كيف اعتبر الدين سنة من سنن التاريخ ، كذلك اعتبر الصيغة الرباعية للعلاقة الاجتماعية التي هي صيغة الدين في الحياة ، اعتبر هذه العلاقة بصيغتها الرباعية سنة من سنن التاريخ . كيف ؟
الاستخلاف سنة من سنن التاريخ :
هذه الصيغة الرباعية عرضها القرآن الكريم علىََ نحوين :
عرضها تارة بوصفها فاعلية ربانية من زاوية دور اللَّه سبحانه وتعالىََ في العطاء ، وهذا هو العرض الذي قرأناه : «إني جاعل في الأرض خليفة »، هذه العلاقة الرباعية معروضة في هذا النص الشريف باعتبارها عطاءً من اللَّه ، جعلاً من اللَّه يمثّل الدور الإيجابي والتكريمي من رب العالمين للإنسان .
وعرض الصيغة الرباعية نفسها من زاوية اُخرىََ ، عرضها بوصفها وبنحو ارتباطها مع الإنسان بما هي أمر يتقبّله الإنسان ، عرضها من زاوية تقبّل الإنسان لهذه الخلافة ، وذلك في قوله سبحانه وتعالىََ : «إنّا عَرَضنَا الأمَانَةَ علىََ السماوات والأرضِ والجبالِ فأبَينَ أنْ يَحمِلْنَها وأشْفَقْنَ مِنها وحَمَلَها الإنسانُ إنّه كان ظَلُوماً جَهُولاً »(3).
الأمانة هي الوجه التقبّلي للخلافة . الخلافة هي الوجه الفاعلي والعطائي للأمانة . الأمانة والخلافة عبارة عن الاستخلاف والاستئمان وتحمّل الأعباء ، عبارة عن الصيغة الرباعية .
هذه الصيغة الرباعية تارة نلحظها من زاوية ربطها بالفاعل وهو اللَّه سبحانه وتعالىََ ، يأتي قوله : «إني جاعلٌ في الأرضِ خليفةً »، واُخرىََ نلحظها من زاوية القابل كما يقول الفلاسفة ، من ناحية دور الإنسان في تقبّل هذه الخلافة وتحمّل هذه الأمانة ، يأتي قوله سبحانه وتعالىََ : «إنّا عَرَضنا الأمانَةَ علىََ السماواتِ والأرض والجبالِ ».
وهذه الأمانة التي تقبّلها الإنسان وتحمّلها الإنسان عُرضت علىََ الإنسان فتقبّلها الإنسان بنصّ هذه الآية الكريمة ، هذه الأمانة أو هذه الخلافة أو بالتعبير الذي قلناه : هذه العلاقة الاجتماعية بصيغتها الرباعية ، هذه لم تعرض علىََ الإنسان في هذه الآية بوصفها تكليفاً ، بوصفها طلباً ، ليس المقصود من عرضها علىََ الإنسان هو العرض علىََ مستوىََ التكليف والطلب ، وليس المقصود من تقبّل الأمانة هو تقبّل هذه الخلافة علىََ مستوىََ الامتثال والطاعة ، ليس المقصود أن يكون هكذا العرض وأن يكون هكذا التقبّل ، بقرينة أنّ هذا العرض كان معروضاً علىََ الجبال أيضاً ، علىََ السماوات والأرض والجبال ، من الواضح أ نّه لا معنىََ لتكليف الجبال والسماوات والأرض .
هذا العرض نعرف من ذلك أ نّه عرض تكويني لا عرض تشريعي ، هذا العرض معناه أنّ هذه العطية الربانية كانت تفتّش عن الموضع القابل لها في الطبيعة ، الموضع المنسجم معها بطبيعته ، بفطرته ، بتركيبه التاريخي والكوني . الجبال لا تنسجم مع هذه الخلافة ، السماوات والأرض لا تنسجم مع هذه العلاقة الاجتماعية الرباعية ، الكائن الوحيد الذي كان بحكم تركيبه ، بحكم بُنيته ، بحكم فطرة اللَّه التي قرأناها في الآية السابقة ، كان منسجماً مع هذه العلاقة الاجتماعية ذات الأطراف الأربعة التي بها - بالأطراف الأربعة - تصبح أمانة ، وتصبح خلافة .
إذن فالعرض هنا عرض تكويني ، والقبول هنا قبول تكويني ، وهو معنىََ سنّة التاريخ ، يعني : أنّ هذه العلاقة الاجتماعية ذات الأطراف الأربعة ، إذن داخلة في تكوينة الإنسان وفي تركيب مسار الإنسان الطبيعي والتاريخي .
الاستخلاف سنّة من الشكل الثالث :
ونلاحظ أ نّه في هذه الآية الكريمة أيضاً جاءت الإشارة إلىََ هوية هذه السنّة التاريخية وأ نّها سنّة من الشكل الثالث ، سنّة تقبل التحدّي وتقبل العصيان . ليست من تلك السنن التي لا تقبل التحدّي أبداً ولو لحظة ، لا ، هي سنة ، هي فطرة ولكن هذه الفطرة تقبل التحدي . كيف أشار القرآن الكريم إلىََ ذلك بعد أن وضّح أ نّها سنّة من سنن التاريخ ؟
قال : «وحَمَلَها الإنسانُ إنّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً »هذه العبارة الأخيرة : « إنّه كان ظَلُوماً جَهُولاً »تأكيد علىََ طابع هذه السنّة وأنّ هذه السنّة علىََ الرغم من أ نّها سنّة من سنن التاريخ ولكنّها تقبل التحدّي ، تقبل أن يقف الإنسان منها موقفاً سلبياً ، هذا التعبير يوازي تعبير : «ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون »في الآية السابقة .
إذن الآية السابقة استخلصنا منها أنّ الدين سنّة من سنن الحياة ومن سنن التاريخ ، ومن هذه الآية نستخلص أنّ صيغة الدين للحياة التي هي عبارة عن العلاقة الاجتماعية الرباعية ، العلاقة الاجتماعية ذات الأطراف الأربعة التي يسمّيها القرآن بالخلافة والأمانة والاستخلاف ، هذه العلاقة الاجتماعية هي أيضاً بدورها سنة من سنن التاريخ بحسب مفهوم القرآن الكريم .
بل الحقيقة أنّ الآية الاُولىََ والآية الثانية متطابقتان تماماً في مفادهما ؛ لأنّه في الآية السابقة قال : «فأقِمْ وَجهَك للدِينِ حَنِيفاً فِطرَةَ اللَّه التي فَطَرَ الناسَ علَيها لا تَبدِيلَ لخلْقِ اللَّه ذلكَ الدِينُ القيّمُ »(4).
التعبير بالدين القيّم تأكيد علىََ أنّ ما هو الفطرة ، وما هو داخل في تكوين الإنسان وتركيبه وفي مسار تاريخه هو الدين
القيّم ، يعني أن يكون هذا الدين قيّماً علىََ الحياة ، أن يكون مهيمناً علىََ الحياة . هذه القيمومة في الدين هي التعبير المجمل في تلك الآية عن العلاقة الاجتماعية الرباعية التي طرحت في الآيتين : في آية «إنّي جاعلٌ في الأرض خَليفةً »وآية « إنّا عَرضنا الأمانَة علىََ السماواتِ والأرض ».
إذن فالدين سنّة الحياة والتاريخ ، والدين هو الدين القيّم ، والدين القيّم هو العلاقة الاجتماعية الرباعية الأطراف التي يدخل فيها اللَّه بُعداً رابعاً لكي يحدث تغييراً في بنية هذه العلاقة ، لا لكي تكون مجرّد إضافة عددية .
هذه مفاهيم القرآن الكريم مستخلصة من هذه الآيات عن هذه السنّة ، أمّا كيف ؟ نريد أن نتعرّف بصورة أوضح وأوسع على هذه السنّة ، على دور التاريخ كسنّة ، على دور الدين ، ودور الدين القيّم ودور الخلافة والأمانة ، دور العلاقة الاجتماعية ذات الأطراف الأربعة ، دور الطرف الرابع ، دوره كسنّة من سنن التاريخ ، ما هو هذا الطرف الرابع كسنّة من سنن التاريخ ؟ وكيف كان سنّة من سنن التاريخ ؟ وكيف كان مقوّماً أساسياً لمسار الإنسان علىََ الساحة التاريخية ؟
لكي نتعرّف علىََ ذلك لابدّ من أنْ نتعرّف علىََ الركنين الثابتين في العلاقة الاجتماعية . هناك ركنان ثابتان في العلاقة الاجتماعية : أحدهما الإنسان وأخوه الإنسان والآخر الطبيعة ، الكون ، الأرض . هذان الركنان داخلان في الصيغة الثلاثية وداخلان في الصيغة الرباعية ، ومن هنا نسميهما بالركنين الثابتين في العلاقة الاجتماعية .
لكي نعرف دور الركن الجديد ، دور هذا الطرف الرابع ، دور اللَّه سبحانه وتعالىََ في تركيب العلاقة الاجتماعية ، يجب أنْ نعرف - مقدمة لذلك - دور الركنين الثابتين .
ما هو دور الإنسان في عملية التاريخ من زاوية النظرة القرآنية ، من زاوية النظرة للقرآن والفهم الرباني من القرآن للتاريخ ولسنن الحياة ؟ ما هو دور الإنسان في العلاقة الاجتماعية ؟ وما هو دور الطبيعة في العلاقة الاجتماعية ؟
علىََ ضوء تشخيص هذين الدورين وتحديد الموقفين سوف يتّضح حينئذٍ دور هذا الطرف الجديد ، دور الطرف الرابع الذي تتميّز به الصيغة الرباعية عن الصيغة الثلاثية ، ويتّضح أنّ هذا الطرف الرابع عنصر ضروري بحكم سنّة التاريخ وتركيب خلقة الإنسان ، ولابدّ وأن يندمج مع الأطراف الاُخرىََ لتكوين علاقة اجتماعية رباعية الأطراف .
إذن ففهم هذه السنّة التاريخية يتطلّب منّا أن نتحدث عن دور الإنسان والطبيعة في عملية التاريخ من زاوية نظر القرآن الكريم ، وهذا ما يأتي إن شاء اللَّه .
المصادر :
1- الروم : 30
2- البقرة : 30
3- الاحزاب : 72
4- الروم : 30