الفتوحات الاسلامية والاستعمار

السؤال : سيّدي ، ما هو الفارق بين الإسلام والاستعمار في فتحهما للبلاد الاُخرى ؟ مع العلم أنّ دعوى الإسلام بأ نّه يفتح هذه البلاد لنشر الدين الإسلامي ، ودعوى الاستعمار أ نّه يفتح هذه البلاد للتصاعد بها فكريّاً وحضاريّاً واقتصاديّاً
Tuesday, December 13, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الفتوحات الاسلامية والاستعمار
 الفتوحات الاسلامية والاستعمار

 





 

السؤال : سيّدي ، ما هو الفارق بين الإسلام والاستعمار في فتحهما للبلاد الاُخرى ؟ مع العلم أنّ دعوى الإسلام بأ نّه يفتح هذه البلاد لنشر الدين الإسلامي ، ودعوى الاستعمار أ نّه يفتح هذه البلاد للتصاعد بها فكريّاً وحضاريّاً واقتصاديّاً . ‏(1)
الجواب : تارة يكون الحديث عن الفارق على مستوى النظريّة ، واُخرى يكون الحديث عنه على مستوى التطبيق .

الفرق على مستوى النظريّة :

أمّا الحديث عن الفارق على مستوى النظريّة بين الإسلام وهو يدّعي شرعيّة التوسّع بالقوّة ، والحضارة الغربيّة القائمة اليوم وهي تدّعي شرعيّة التوسّع بالقوّة ، يكون كما يلي :
الفارق النظري بين الموقفين هو في الواقع مرتبط بطبيعة القاعدة الفكريّة التي يقوم عليها الإسلام ، والقاعدة الفكريّة التي تقوم على أساسها الحضارة الغربيّة .
الحضارة الغربيّة تقول : أنا أفتح وأتوسّع واُسيطر بالقوّة على الشعوب المتخلّفة في سبيل أن أنشر العلم وأن اُوسّع من آفاق المعرفة في هذه الشعوب واُصعّدها إلى مستوى القرن العشرين أو التاسع عشر أو الثامن عشر . هكذا تقول . والإسلام يقول : أنا اُوسّع نطاق سيادتي وسلطاني في سبيل أن أنشر كلمة لا إله إلّا اللَّه .
الإسلام حينما يقول هذا فهو منسجم مع قاعدته الفكريّة ، أمّا الحضارة الغربيّة حينما تقول هذا فهي متناقضة مع قاعدتها الفكريّة .
الإسلام يقول هـذا لأنّ الإسلام يعبّر عن رسالة ( من وجهة رأي الإسلام طبعاً نتكلّم كما أ نّنا نتكلّم هناك من وجهة نظر الحضارة الغربيّة) .
الإسلام من وجهة رأيه وتصوّره لموقفه ، يعبّر عن رسالة ، وهذه الرسالة ليست نابعة من إنسان معيّن ، أو كيان إنساني معيّن ، وإنّما هي نازلة من السماء ، من اللَّه تعالى ، فهذه الرسالة بطبيعة انتسابها إلى اللَّه تعالى بإمكانها نظريّاً أن تدّعي القيمومة على الحياة البشريّة .
تبقى فكرة القيمومة طبعاً صعبة بمقدار صعوبة الإيمان باللَّه ، بمقدار ما يصعب على الإنسان أن يؤمن باللَّه . إذا كان في هذا صعوبة على إنسان ، فمن‏ الصعب عليه أن يؤمن بقيمومة رسالة ناشئة من اللَّه سبحانه وتعالى ، ولكنّ هذه الفكرة كمتمّم طبيعي لفكرة اللَّه تعالى ، أي : إذا كنّا قد فرضنا في الرسالة الإسلاميّة أ نّها رسالة من اللَّه تعالى ، ففكرة القيمومة متمّمة لفكرة اللَّه بالذات ؛ لأنّ اللَّه تبارك وتعالى التعبير العملي عنه هو القيمومة ، فقيمومة اللَّه على الإنسان هذه مستبطنة في فكرة اللَّه بالذات ، وحيث إنّها مستبطنة في فكرة اللَّه بالذات فأيّ رسالة تفترض فكرة اللَّه بالذات هي تفترض قيمومة اللَّه أيضاً باعتبارها مستبطنة فيها .
فالإسلام يعبّر عن رسالة ، هذه الرسالة تدّعي أنّ هناك خالقاً مدبّراً قيّماً ، وأنّ هذه الرسالة هي مظهر قيمومة اللَّه تعالى على الإنسان ، وهذا الإنسان الذي يحمل هذه الرسالة ليس بحسب منطق هذه الرسالة إلّاأداة تنفيذ ، وفي هذه اللحظة التي تقتضي هذه الرسالة أن يحملها شخص آخر غير هذا ، أو أن يتبادل مع شخص آخر دخل في الإسلام على يده فلا بدّ أن يحصل تبادل المراكز في حمل هذه الرسالة .
فالقيمومة هنا في الواقع ليست قيمومة إنسان على إنسان ، وإنّما هي قيمومة الرسالة النازلة من السماء ، هي : قيمومة اللَّه تعالى .
والإنسان هو أداة لتنفيذ هذه القيمومة ، هو مظهر لتنفيذ هذه القيمومة ، وبإمكان هذه الرسالة أن تصطنع دائماً مظهراً آخر جديداً ، إن اقتضت مصلحتها ذلك . ونحن لا نتوقّع من غير المسلمين أن يؤمنوا بهذا التصوّر . لكنّنا نريد أن نشرح وجهة النظر الإسلاميّة . يعني : نريد أن نبيّن انسجام الإسلام مع قاعدته الفكريّة حينما اتّخذ موقفه من الشعوب الاُخرى .
النقاش مع القاعدة الفكريّة معقول ، وهنا باب النقاش مفتوح ، هل أنّ فكرة اللَّه صحيحة أو خاطئة ؟ هل إنّ فكرة القيمومة صحيحة ؟ هذا نقاش مفتوح على مصراعيه ، ولكنّنا لسنا الآن بصدد ذلك ، وإنّما بصدد شرح وجهة نظر الإسلام في المشكلة المطروحة .
الإسلام بحسب موقفه منسجمٌ مع قاعدته الفكريّة التي يؤمن بصحّتها ، سواء آمنتَ بصحّتها أو ناقشتها ، هو مؤمن بهذه القاعدة الفكريّة ، وهذه القاعدة الفكريّة تبرّر تبريراً كاملاً لهذا الموقف ؛ لأنّ القيمومة تكون قيمومة الرسالة ، والرسالة تمثّل إرادة اللَّه ، وإرادة اللَّه قيّمة على الإنسان ؛ لأنّ قيمومة اللَّه مستبطنة في فكرة اللَّه بالذات .
وأمّا أيّة حضارة اُخرى تنبع من واقع الإنسان ، فهذه الحضارة مهما كانت متفوّقة مرحليّاً على شعب معيّن أو على أشخاص معيّنين . هذا التفوّق المرحلي لا يبرّر القيمومة بالقوّة ، أي : لا يبرّر انتزاع إرادة هذا الإنسان والسيطرة عليه بالقوّة في سبيل تطويره ، صحيح أنّ وجهة نظر هذا القيّم ، هذه الحضارة المتفوّقة تنظر إليها على أ نّها الأصحّ والأكمل . ولكنّ هذه وجهة نظر محدّدة في حدود التجربة التي عاشتها هذه الحضارة ، في حدود أبعاد الزمان والمكان والملابسات والشروط الموضوعيّة والشروط الاقتصاديّة والسياسيّة التي تمخّضت عنها وجهة النظر هذه .
من قال لك أ يّتها الحضارة إنّ ذاك الشعب المتخلّف إذا تركتيه دون أن تسيطري عليه بالقوّة ، إذا تركتيه وأعفيتيه من سلطانك بالقوّة ، وبدأ يتحرّك ذاتيّاً وينشأ ذاتيّاً ، وبدأ يتحسّن ذاتيّاً ويتحرّك وينشط ذاتيّاً ، ويقع في محاولات الخطأ والصواب ذاتيّاً ، يسقط مرّة ويقف مرّة ... من قال لكِ إنّه سوف لن يكشف حقيقة حضاريّة أكبر من الحقيقة التي اكتشفتيها ؟
خلال شوطك الاجتماعي ، أنتِ اكتشفتِ حقيقة خلال تاريخ معيّن ، وضمن ملابسات معيّنة ، أمّا أنّ هذه الحقيقة تمثّل الحقيقة المطلقة ؟ طبعاً لا توجد هناك حضارة بشريّة تدّعي هذا .
فمن قال لهذه الحضارة أنّ شعباً آخر لو اعتمد على طاقاته الذاتيّة ، لو أ نّه اُعفي من فرض مراسيم بالقوّة وتحديدها بخطّ مرسوم كما يقال للطفل : امشِ في هذا الخطّ ، لو اُعفي هذا الشعب من هذا ، من قال : إنّه سوف لن يكشف جانباً أكبر من هذه الحقيقة ؟ الحقيقة ليست ملك شعب دون شعب أو عقل دون عقل .
والحقيقة قد تكشّفت جوانبها بالتفاعل والتساند بين كلّ الشعوب . حينئذٍ أنت فرضت مسبقاً أنّ الحقيقة المطلقة هذه ، بينما أنت نظريّاً لا يمكنك أن تدّعي أنّ الحقيقة المطلقة هذه ، ومع هذا طلبت بالقوّة من الشعوب المختلفة في العالم بأن تنهج نفس الخطّ وأن تسير نفس الطريق . بينما لو فسح المجال لكلّ شعب أن يمارس تجربته الذاتيّة وتفاعَلَ في التجارب الذاتيّة ضمن زمنٍ وشروط مختلفة موضوعيّة ومع ملابسات مختلفة اقتصاديّاً وسياسيّاً وفكريّاً وروحيّاً ، كان بالإمكان أن تُرى التجربة البشريّة ككلّ بدرجة أكبر ممّا أن تعرض نتائج تجربة معيّنة لشعب معيّن على كلّ شعوب الاُسرة البشريّة .
فمن غير المنطقي أنّ حضارة تقول بأ نّني اكتشفت الحقيقة من زاويتي وضمن شروط وملابسات ، لكنّ هذه الحقيقة التي اكتشفتها من زاويتي وشروطي وملابساتي ، اُريد أن أفرضها على شعوب العالم . بينما هذه الشعوب بالإمكان أن تكشف حقيقة من جوانب وزوايا اُخرى ، وقد تكون هذه الكشوف الاُخرى في التجربة التاريخيّة للبشر ، قد تكون نافعة في سبيل تصعيد الحياة الإنسانيّة ككلّ فيبقى هنا نوع من التناقض ، التناقض العقلي في موقفهم ، صحيح أنّ هناك احتمالاً آخر ، وهو أ نّه بالإمكان أنّ هذا الشعب الآخر لو ترك فسوف يضيع وسوف يستمرّ في الضياع ، ولكنّ هذا مجرّد احتمال .
طبعاً الاحتمال موجود ، ولكنّ الاحتمال الآخر هو الأقوى ؛ لأنّه هو الذي يساعد عليه التاريخ . والذي ينظر إلى تاريخ شعوب العالم ، وإلى حركة التاريخ يرى بأنّ الحقيقة لن تنكشف من قبل شعب واحد ، ولم تكن الحقيقة في وقت من الأوقات محتكرة لشعب واحد ، أو مكتشفة من قِبل شعب واحد ، جميع شعوب العالم تقريباً ساهمت في الحقيقة التاريخيّة ككلّ ، كلّ شعب خلال حضارته وخلال وجوده ودخوله على مسرح التاريخ أعطى جانباً من الحقيقة ، وكوّن جزءاً من التاريخ الذي هو الأساس لحياة الإنسان ـ اليوم .
فالشي‏ء الأقرب احتمالاً سوف يكون مانعاً عن فرض القيمومة لشعب على شعب بالقوّة .
ولو جمّدنا المواهب والعطايا والطاقات الخام الموجودة في هذه الشعوب وفرضنا عليهم بالقوّة أن يعملوا عملنا ، ويعيشوا اقتصاديّاً وسياسيّاً كما نعيش سياسيّاً واقتصاديّاً ، فإنّنا سوف نجمّد حركة هذه الشعوب .
وكذلك يمكن أن تكتشف هذه الشعوب أخطاءنا ، وبالتالي نصبح متخلّفين عنها حضاريّاً ، فهل نقبل قيمومة هذه الشعوب بالقوّة ؟
وفي وجهة النظر المحدودة التي تفرضها الحضارة الغربيّة على الشعوب المتأخّرة أذكر هذه الحادثة :
أنجلز كتب في ضدّ دوهرنك يعتذر - كأنّ كاتباً انتقده على قوله : إنّ الديالكتيك ينطبق على كلّ شي‏ء حتّى على الرياضيّات ، وكونه طبّق الديالكتيك على الرياضيّات حيث قال : إنّ الأعداد السالبة والموجبة تمثّل نفياً وإثباتاً حينئذٍ ذاك الكاتب قال بأنّ أنجلز يجهل معنى الموجبة والسالبة وإلّا ما معنى أنّ الأعداد الموجبة تمثّل إثباتاً والأعداد السالبة تمثّل نفياً - هو يعتذر في هذا الكتاب ويقول ما معناه :
إنّي قد تسرّعت في دعوى أنّ الديالكتيك ينطبق على كلّ شي‏ء وعلى الرياضيّات ، ومطالعاتي في الرياضيّات قليلة ، ولذا لا أستطيع أن أجعله في هذا الميدان . ولكنّي حينما حاولت هذا كنت متأكّداً من أنّ الديالكتيك ولا أزال متأكّداً بشكلٍ من الأشكال بأ نّه ينطبق على كلّ شي‏ء .
طبعاً إنّ قصده أنّ الديالكتيك ينطبق على كلّ أنواع التطبيقات ، وذلك لأنّه عاش ومارس الفترة التاريخيّة التي عاشتها اُوروبا في القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر .
هذه ثلاث قرون أصبح واضحاً لكلّ ذي عينين إلّاأن يكون أعمى ، أ نّها عاشت التناقض ، الفلّاحون يتعاركون مع الإقطاعيّين ، العمّال يتعاركون مع أصحاب المعامل ، إنّ الحياة تناقض وصراع ، إذن فيجب أن يكون الكون كلّه صراعاً ؛ لأنّ الحياة مظهر من مظاهر الكون ؛ يعني : إنّ أنجلز اكتشف جانباً من الحقيقة ضمن شروط خاصّة جدّاً ، ضمن فترة معيّنة من تاريخ كائن حي في منطقة معيّنة على الكرة الأرضيّة ، وفي زمان معيّن في هذه الحدود الزمانيّة والمكانيّة التي لا تزيد عن ثلاثمئة سنة ، وفي اُوروبا كان التناقض هو الذي حرّك المجتمع ، تناقض في الطبقة الحاكمة .
حينئذٍ جرّد من هذا نظريّة ملأت كلّ أبعاد الزمان والمكان ، وكلّ الأرض والكون إلى أن جاءت إلى الرياضيّات وإلى الأعداد الموجبة والسالبة . هذا طبعاً ، يعتبر خطأً علميّاً ، لأنّ الحضارة التي تحترم نفسها لا تدعو إلى نوع من التعميم المطلق قطّ ، وإنّما تقول : أنا اكشتفت الحقيقة من خلال زاوية معلومة معيّنة ، ليست أكثر من هذا المقدار .
إذاً أنا حينما أكتَشِفُ هذه الحقيقة من خلال هذه الزاوية ، فإذاً إنّ آلافاً من الطاقات التي اُجمّدها والتي أفرض رأيي عليها والتي أحجرها لأمنعها من النموّ الطبيعي ، و منافع الصعود بشكل آخر غير هذا الشكل الذي أنا صعدت به ، إذاً ماذا يدريني أ نّي بهذا لم أقصر معالم تصوّر بشريّة كبيرة جدّاً ؛ ولو نظرنا إلى هذا ككلّ يصبح شيئاً معقولاً وتصبح مؤاخذة لهذا التفكير لا جواب عليها من وجهة النظر الغربيّة ، بينما هذا نفسه لا يكون بالنسبة إلى الرسالة الإسلاميّة إلّاإذا كانت نتاج بشري محمّدي وليست نتاج اللَّه .
بهذا يتغيّر الموقف . ولكن هنا يأتي نقاش بالنسبة إلى الاُصول الموضوعيّة على ما قلناه ، والمفروض أنّ كلامنا في كلّ من الحضارتين بالنسبة لوجهة نظرها نفسه ، فنقول بأنّ المؤاخذة التي ذكرناها للحضارة الغربيّة لا تكون بالنسبة للحضارة الإسلاميّة ؛ لأنّ الفارق النظري بين الحضارة الغربيّة والحضارة الإسلاميّة كبير جدّاً ، والاستعمار مهما يحمل من شعارات ، كأن يقول أحمل العلم وأحمل الحقيقة إلى الشعوب المتخلّفة ، فإنّه في الواقع يحمل وجهة نظره عن الحقيقة ويفرضها على الآخرين ، وهذا خطأ كبير وفادح بالنسبة للحضارة البشريّة . هذا على المستوى النظري .

الفرق على مستوى التطبيق :

وأمّا على المستوى التطبيقي ، بطبيعة الحال ، التطبيق للنظريّة الإسلاميّة لو كان سائراً في الخطّ الصالح مئة بالمئة لوجدنا الفارق على مستوى التطبيق بقدر الفارق على المستوى النظري ، ولما طرح هذا السؤال ، حيث إنّه لو كانت هكذا لما بقي هذا السائل يعيش إطاره الفكري الذي تحدّثتم عنه ، ولكنّ التطبيق بالنسبة للنظريّة الإسلاميّة انحرف انحرافاً كبيراً جدّاً ، لكن بالرغم من هذا الانحراف ، وبالرغم من أنّ هذا التطبيق كان يعيش في ظلمات ما يسمّى عهد النهضة وعصر الانفتاح والتجديد والحرّيّة وحقّ الإنسان في الحياة والتعبير عن الإرادة ، بالرغم من أ نّه كان يعيش قبل أن يعرف إنسان هذه الأرض كلّ هذه المفاهيم ، نرى أنّ هناك فارقاً كبيراً في التطبيق .
في هذا التطبيق الذي مارسه أعداء الرسالة الإسلاميّة من الداخل أي : الذين استلموا الإطار الداخلي للرسالة ومارسوا التطبيق لهذه النظريّة ، بالرغم من هذا كان هناك فارق في التطبيق ، عندما نلحظ الحياة الإسلاميّة وحياة المسلمين في البلاد المفتوحة إسلاميّاً ونلحظ مآسي الاستعمار وفضائح الاستعمار ، هذه الفضائح التي كانت بعدما سمّي بعصر النهضة ، وبعد النداء بالحرّيّة وحقوق الإنسان بعد كلّ هذا عندما نقارن بين التطبيق هنا وبين التطبيق هناك نرى فارقاً كبيراً .
لم يوجد في تاريخ الإسلام على الإطلاق أنّ‏ شخصاً يُمْسَكُ به خارج نطاق الغرض السياسي فتحرق أعضاؤه عضواً عضواً كما يفعل في الزنجي في أميركا إلى الأمس . وذلك لأجل الشعور بالتميّز والاستعلاء ، هذا النوع من الاستعلاء والتميّز ، هذا النوع من الاستهانة بكرامة الإنسان كإنسان لم يوجد في تاريخ الإسلام بشكل من الأشكال .
قرأت قصّة أنقل حاصلها : أنّ جيشاً إسلاميّاً حاصر منطقة فلم يقدر على فتحها وبقي محاصراً لها إلى أن انتهت عنده الذخيرة والطعام . ولكنّ قائد الجيش بعد أن اُصيب بهذا قام بصلح مع هذه المنطقة بشرط أن يزوّد بحاجته ثمّ يرحل ، ولكنّ قائد الجيش بعد الصلح وبعد أن دخل المنطقة ليتزوّد بالمؤن فرض الاحتلال العسكري ، وفاجأ أهل المنطقة بهذا الاحتلال . لكنّ أهل المنطقة شكّلوا وفداً وأرسلوا إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز ، وقال الوفد لعمر : إنّ جيشك احتلّ منطقتنا بعد أن عقدنا وإيّاه عقد صلح .
عمر بن عبد العزيز حوّلهم على فقيه من الفقهاء ، وقال : اذهبوا وترافعوا ، قائد الجيش الفاتح يقف ويقف وفد المنطقة يتداعيان عند القاضي على أ نّه هل هذا الاحتلال مشروع أو غير مشروع ؟ يطلب القاضي الشهود على وجود عقد الصلح ، وبعد أن ثبت وجود عقد صلح مستوف للشروط الشرعيّة ، هذا الفقيه العادل حكم بوجوب الوفاء بهذا العقد ولزوم خروج الجيش الفاتح ولزوم التعويض عن كلّ ما أتلفه في هذه المنطقة ، ومن ثمّ يخرج من المنطقة ويتركها لأهلها(2) .
هذا النوع من اللمحات لعدالة الإسلام هي في الواقع تعطي روح تطبيق‏ الحضارة الإسلاميّة ، وإنّما صارت هي لمحات ولم تصر هي الخطّ العامّ ؛ لأنّ النظريّة لم تطبّق بأيدي أصحابها ، بل طبّقت بيد أعدائها .
أي إنّ هذه العمليّة تمّت في عهد شخص اُموي من اُسرة اُمويّة معادية للإسلام في المعركة الدائمة التي دارت رحاها بين ممثّل الإسلام الصحيح عليّ بن أبي طالب عليه السلام وممثّل الأعداء في الداخل ، معاوية وأبوه وأبناؤه ومروان وأبناؤه .
وأخيراً صار الفارق بين الحضارتين واضحاً من خلال ما قدّمنا ، وخصوصاً إذا عرفنا تقبّل الاُمّة الإسلاميّة للأحكام التي تماثل حكم القاضي ضدّ الجيش بعد الاستيلاء على السلطة في الأماكن المهاجمة .
المصادر :
1- جواب ارتجالي ألقاه السيد محمد باقر الصدر قدس الله سره ليلة الخميس 16 / رجب / 1388 هـ في منزل السيّد نور الدين الإشكوري جواباً عن سؤال الشيخ محمّد يعقوب ( من كتابات السيّد عبد الغني الأردبيلي رحمه الله )
2- فتوح البلدان 3 : 518 - 519 ، غزو قتيبة سمرقند ، وقد أوردها الشهيد الصدر قدس سره أيضاً في : منابع القدرة في الدولة الإسلاميّة : 178

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.