خطبة الزهراء عليها السلام

روى المؤرخون والمحدِّثون انّه لمّا أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة بنت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فدكاً وبلغ فاطمة (عليها السَّلام) لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمّة من حفدتها
Thursday, December 15, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
خطبة الزهراء عليها السلام
خطبة الزهراء عليها السلام

 





 

روى المؤرخون والمحدِّثون انّه لمّا أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة بنت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فدكاً وبلغ فاطمة (عليها السَّلام) لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمّة من حفدتها(1) ونساء قومها، تطأ ذيولها(2)، ما تخرم مشيتها مشية [أبيها ]رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)(3)
حتّى دخلت على أبي بكر وهو في حشد(4) من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت(5) دونها ملاءة(6)، فجلست، ثمّ أنَّت أنَّةً أجهش(7) القوم لها بالبكاء، فارتجّ (8) المجلس، ثمّ أمهلت هُنيئة حتّى إذا سكن نشيج(9) القوم وهدأت(10) فورتهم(11)، افتتحت الكلام والقت خطبتها الغراء . بحمد اللّه تعالى والثناء عليه والصلاة على رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فعاد القوم في بكائهم، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها، فقالت عليها السَّلام:
الحمد للّه على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدّم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن أولاها، جمّ عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتّصالها، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها، وأشهد أن لا إله إلاّاللّه وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمّن القلوب موصولها، وأنار في التفكّر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة(12) امتثلها، كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيّته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له فـي تصويرهـا، إلاّ تثبيتاً لحكمته، وتنبيهاً على طاعته، وإظهاراً لقدرته، وتعبّداً لبريّته وإعزازاً لدعوته، ثمّ جعل الثـواب على طاعته، ووضـع العقاب على معصيته، ذيادة لعباده عن نقمته، وحياشته (13) لهـم إلـى جنته.
وأشهد أنّ أبي، محمّداً[النبيّ الأُمّي] (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عبده ورسوله اختاره وانتجبه قبل أن أرسله، وسمّـاه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علماً من اللّه تعالى بم آيل الأُمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور.
ابتعثه اللّه إتماماً لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حتمه، فرأى الأُمم فرقاً في أديانهم، عُكَّفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة للّه مع عرفانها، فأنار اللّه بأبي، محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ظُلَمَها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلا عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصّرهم من العماية، وهداهم إلى الدّين القويم، ودعاهم إلى الصّراط المستقيم.
ثمّ قبضه اللّه إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار، فمحمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من تعب هذه الدار في راحة، قد حُفّ بالملائكة الأبرار، ورضوان الربّ الغفّار، ومجاورة الملك الجبّار، صلّى اللّه على أبي، نبيّه وأمينه على الوحي، وصفيّه [في الذّكر ]وخيرته من الخلق ورضيّه، والسلام عليه ورحمة اللّه وبركاته.
ثمّ التفتت عليها السَّلام إلى أهل المجلس وقالت: أنتم عباد اللّه نصب(14) أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأُمناء اللّه على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأُمم، وزعمتم حقّ لكم، للّه فيكم عهد، قدّمه إليكم، وبقيّة استخلفها عليكم: كتاب اللّه الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللاّمع، بيّنة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبط به أشياعه، قائد إلى الرضوان أتباعه، مؤدّ إلى النجاة استماعه، به تنال حجج اللّه المنوّرة، وعزائمه المفسّرة، ومحارمه المحذرة، وبيّناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، و رخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة.
فجعل اللّه الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحجّ تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملّة، وإمامتنا أماناً من الفرقة، والجهاد عزّاً للإسلام[وذلاًّ لأهل الكفر والنفاق]، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبرّ الولدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة(15) في العمر ومنماة للعدد، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللّعنة، وترك السرقة إيجاباً للعفّة، وحرّم اللّه الشرك إخلاصاً له بالربوبية، فاتّقوا اللّه حقّ تقاته، ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون، وأطيعوا اللّه فيما أمركم به و[ما ]نهاكم عنه، فإنّه إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء.
ثمّ قالت: أيّها الناس اعلموا: إنّي فاطمة وأبي محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، أقول عَوداً وبدواً ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً(16)، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فإن تعزوهوتعرفوه، تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي دون رجالكم، ولنعم المعزى إليه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة المشركين، ضارباً ثَبَجهم(17)،
آخذاً بأكظامهم(18)، داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسر الأصنام، وينكث الهام، حتّى انهزم الجمع وولّوا الدبر، حتّى تفرّى(19) الليل عن صبحه، وأسفر الحقّ عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق(20) الشياطين، وطاح(21)وشيظ النفاق(22)، وانحلّت عقد الكفر والشقاق، وفهتم(23) بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص(24) (الَّذينَ أَذْهَبَ اللّه عَنْهُمُ الرِّجس وَطَهَّرهُمْ تَطْهِيراً)
و(كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَة مِنَ النّار)، مذقة الشارب(25) ونهزة (26) الطامع وقبسة(27)العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطَّرَق(28)، وتقتاتون القدّ(29) أذلّة خاسئين[صاغرين]، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم، فأنقذكم اللّه تبارك وتعالى بأبي محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بعد اللّتيّا والّتي، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها اللّه، أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتّى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات اللّه، مجتهداً في أمر اللّه، قريباً من رسول اللّه، سيّداً في أولياء اللّه، مشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً، لا تأخذه في اللّه لومة لائم، وأنتم في رفاهية من العىش، وادعون، فاكهون آمنون، تتربّصون بنا الدوائر، وتتوكّفون الأخبار(30)، وتنكصون عند النزال، وتفرّون من القتال.
فلمّا اختار اللّه لنبيّه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النّفاق(31)، وسمل جلباب الدين(32)، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل(33) الأقلّين(34)، وهدر فنيق المبطلين(35)، فخطر(36) في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزّة فيه ملاحظين، ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم(37)فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير مشربكم.
هذا والعهد قريب والكلم رحيب، والجرح لمّا يندمل، والرّسول لمّا يُقْبَر; ابتداراً زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم، وكيف بكم، وأنّى تؤفكون! وكتاب اللّه بين أظهركم، أُموره ظاهرة وأحكامه زاهرة وأعلامه باهرة، وزواجره لايحة، وأوامره واضحة،[و] قد خلفتموه وراء ظهوركم، أَرَغْبَةً عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلاً، ومن يتّبع غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، ثمّ لم تلبثوا إلاّ ريث(38) أن تسكن نفرتها(39) ويسلس قيادها ثمّ أخذتم تورون وقدتها وتهيّجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغويّ، وإطفاء أنوار الدين الجليّ، وإهماد سنن النبيّ الصفيّ، تشربون حسواً في ارتغاء، وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء، ونصبر منكم على مثل حزّ المدى، و وخز السنان في الحشا، وأنتم الآن تزعمون: أن لا إرث لنا، أفَحُكم الجاهليّة تبغون ومن أحسن من اللّه حكماً لقوم يوقنون؟!! أفلا تعلمون؟ بلى، قد تجلّى لكم كالشّمس الضاحية: أنّي ابنته.
أيّها المسلمون! أأُغْلَبُ على إرثيه؟ يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب اللّه أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريّاً [ على اللّه ورسوله]! أفعلى عمد تركتم كتاب اللّه ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: (وَوَرِثَ سُلَيْمانَ داوُدَ) (40) وقال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريّا عليمها السَّلام إذ قال: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُني وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (41)، وقال [أيضاً]: (وَأُولُوا الأَرْحارمِ بَعْضُهُمْ أَولْى بِبَعْض فِي كِتابِ اللهِ)(42)، وقال: (يُوصيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِمِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ)(43)، وقال: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالأَقْرَبينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلى الْمُتَّقينَ) (44)، وزعمتم: أن لا حظوة(45) لي ولا إرث من أبي ولا رحم بيننا، أفخصَّكم اللّه ب آية [من القرآن ]أخرج أبي [محمّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ]منها؟ أم هل تقولون: إنّ أهل الملّتين لا يتوارثان؟ أوَ لست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟ فدونكها مخطومة مرحولة(46) تلقاك يوم حشرك، فنعم الحَكَم اللّه، والزعيم محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم[ما قلتم] إذ تندمون، ولكلّ نبأ مستقرّ، وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم.
ثمّ رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت [لهم]: يا معشر النقيبة(47) وأعضاد الملّة وحضنة الإسلام، ما هذا الغميزة(48) في حقّي والسِّنة(49) عن ظلامتي؟ أما كان رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أبي يقول: «المرء يحفظ في ولده»؟ سرعان ما أحدثتم، وعَجلان ذا إهالةً ولكم طاقة بما أحاول، وقوّة على ما أطلب وأزاول، أتقولون مات محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟ فخطب جليل، استوسع و(50)هنه واستنهر فتقه(51)، وانفتق رتقه، واظلمت الأرض لغيبته، وكسفت الشمس والقمر، وانتثرت النجوم لمصيبته، وأكْدت(52) الآمال، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأُزيلت الحرمة عند مماته، فتلك واللّه النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، ولا(53) بائقة عاجلة، أعلن بها كتاب اللّه جلّ ثناؤه، في أفنيتكم(54)، في ممساكم، ومصبحكم، [يهتف في أفنيتكم ]هتافاً، وصراخاً، وتلاوةً وألحاناً، ولقبله ما حلّ بأنبياء اللّه ورسله، حكم فصل وقضاء حتم: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزي اللّهُ الشّاكِرينَ)(55)، إيهاً بني قيلة(56)، ءَأُهضَمُ(57) تراث أبي؟ وأنتم بمرأىً مِنّي ومسمع؟ ومنتدىً(58) ومجمع؟ تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذوو العدد والعدّة، والأداة والقوة وعندكم السلاح والجُنّة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح(59)، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت.
قاتلتم العرب، وتحمّلتم الكد والتّعب، وناطحتم الأُمم، وكافحتم البهم، لا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون، حتّى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودرَّ حلب الأيّام، وخضعت ثغرة(60) الشّرك، وسكتت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج [والمرج]، واستوسق(61) نظام الدين، فأنّى حرتم بعد البيان؟ وأسررتم بعد الإعلان؟ ونكصتم(62) بعد الإقدام؟ وأشركتم بعد الإيمان؟ بؤساً لقوم نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم، وهمّوا بإخراج الرسول، وهم بدأوكم أوّل مرّة، أتخشونهم فاللّه أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين.
ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض وأبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة ونحوتم بالضيق من السعة، فمججتم(63) ما وعيتم، ودسعتم(64)الذي تسوغتم فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإنّ اللّه لغنيّ حميد.
ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة منّي بالخذلة التي خامرتك(65) والغدرة التي استشعرتها(66) قلوبكم،ولكنّها فيضة النفس، ونفثة(67) الغيظ، وخور(68) القناة ، وبثّة الصدر(69)،
وتقدمة الحجّة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخف(70) باقية العار، موسومة بغضب اللّه وشَنار(71) الأبد، موصولة بنار اللّه الموقدة التي تطّلع على الأفئدة، فبعين اللّه ما تفعلون، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون. وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنّا عاملون، وانتظروا إنّا منتظرون.

أسناد الخطبة

روى الخطبة غير واحد من المحدِّثين والمؤرخين نذكر من وقفنا عليه حسب التسلسل التاريخي:
1. أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر (204 ـ 280هـ)
قال الإمام أبو الفضل في كتاب «بلاغات النساء»: ذكرت لأبي الحسين(72) زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم كلام فاطمة (عليها السَّلام) عند منع أبي بكر إيّاها فدك، وقلت له: إنّ هؤلاء يزعمون أنّه مصنوع وأنّه من كلام أبي العيناء «الخبر منسوق البلاغة على الكلام»
فقال لي: رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلّمونه أبناءهم، وقد حدّثنيه أبي عن جدّي يبلغ به فاطمة (عليها السَّلام) على هذه الحكاية، ورواه مشايخ الشيعة وتدارسوه بينهم قبل أن يولد جدّ أبي العيناء، وقد حدّث به الحسن بن علوان عن عطية العوفي أنّه سمع عبد اللّه بن الحسن يذكره عن أبيه، ثمّ قال أبو الحسين وكيف يذكر هذا من كلام فاطمة فينكرونه وهم يروون من كلام عائشة عند موت أبيها ما هو أعجب من كلام فاطمة يتحققونه لولا عداوتهم لنا أهل البيت، ثمّ ذكر الحديث، قال:
لما أجمع أبو بكر (رحمه الله) على منع فاطمة بنت رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وعليها فدك وبلغ ذلك فاطمة لاثت خمارها على رأسها، وأقبلت في لمة من حفدتها...(73)
2. أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري (المتوفّى 323هـ)
روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، الخطبة برمتها في كتابه «السقفية» ص 97 ـ 101، وقد رواها عنه غير واحد من الأعلام كابن أبي الحديد في شرح النهج، والإربلي في «كشف الغمة» كما سيوافيك.
3. الشريف المرتضى(355 ـ 436هـ)
قال الشريف المرتضى في مقام الرد على القاضي عبد الجبار مؤلف المغني: روى أكثر الرواة الذين لا يتهمون بتشيّع ولا عصبية فيه من كلامها (عليها السَّلام) في تلك الحال، بعد انصرافهاعن مقام المنازعة والمطالبة ما يدلّ على ما ذكرناه من سخطها وغضبها، ونحن نذكر من ذلك ما يستدلّ به على صحة قولنا.
أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن عمران المرزباني قال: [حدثني محمد بن أحمد الكاتب]، حدّثنا أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي قال: حدثنا الزيادي، قال: حدثنا الشرقي بن القطامي، عن محمد بن إسحاق قال: حدثنا صالح بن كيسان، عن عروة، عن عائشة.
قال المرزباني: وحدثنا أبو بكر أحمد بن محمد المكي قال:حدثنا أبو العينا محمد بن القاسم السيمامي، قال: حدثنا ابن عائشة قال: لما قبض رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أقبلت فاطمة (عليها السَّلام) في لمة من حفدتها إلى أبي بكر، وفي الرواية الأُولى.
قالت عائشة: لما سمعت فاطمة (عليها السَّلام) إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمة من حفدتها [ثم اجتمعت الروايتان في هاهنا] ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة ثمّ أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء وارتج المجلس، ثمّ أمهلت هنيئة حتّى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحت كلامها بالحمد للّه عزّوجلّ والثناء عليه والصلاة على رسوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ثمّ قالت:...(74)
4. محمد بن علي بن الحسين الصدوق(306 ـ 381هـ)
ذكر الشيخ الصدوق في معاني الأخبار خطبة أُخرى يقرب مضمونها مع تلك الخطبة (75)، رواها بسندين.
5. محمد بن الحسن الطوسي(385 ـ 460هـ)
ذكر شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي الطائر الصيت مؤلف تفسير «التبيان في تفسير القرآن» في عشرة مجلدات، في أماليه خطبة أُخرى يقرب مضمونها مع تلك الخطبة باسناده عن الحفّار، قال: حدثنا الدعبلي، قال: حدثنا أحمد بن علي الخزّاز، قال: حدثنا أبو سهل الرفا، قال: حدثنا عبد الرزّاق. قال الدعبلي: وحدثنا أبو يعقوب: إسحاق بن إبراهيم الديري، قال: حدثنا عبدالرزّاق، قال: أخبرنا معمّر عن الزهري، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، قال: دخلن نسوة من المهاجرين والأنصار...(76)
6. ابن أبي الحديد (المتوفّـى 655هـ)
رواها المؤرخ المحقّق في شرحه على نهج البلاغة عن كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري قال:
قال أبو بكر: فحدّثني محمّد بن زكريا قال: حدّثني جعفر بن محمد بن عُمارة الكنديّ قال: حدثني أبي، عن الحسين بن صالح بن حيّ، قال: حدثني رجلان من بني هاشم، عن زينبَ بنت عليّ بن أبي طالب (عليه السَّلام). قال: وقال جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين عن أبيه. قال أبوبكر: وحدّثني عثمان بن عمران العجيفيّ، عن نائل بن نجيح بن عمير بن شَمِر، عن جابر الجُعفيّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ (عليه السَّلام)، قال أبو بكر: وحدثني أحمد بن محمد بن يزيد، عن عبد اللّه بن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد اللّه بن حسن بن الحسن. قالوا جميعاً: لمّا بلغ فاطمة (عليها السَّلام) إجماعُ أبي بكر على منعها فَدَك، لاثتْ خِمارَها، وأقبلت في لُمّة من حَفَدَتِها ونساء قومها، تطأ في ذيولها، ما تخرم مشْيتها مشْية رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، حتّى دخلت على أبي بكر..(77)
7. أبو الحسن الإربلي (المتوفّـى 693هـ)
روى أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي في كتاب «كشف الغمة» وقال: «حيث انتهى بنا القول إلى هنا، فلنذكر خطبة فاطمة (عليها السَّلام) وقد أوردها الموالف والمخالف ونقلتُها من كتاب «السقيفة» تأليف أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري من نسخة قديمة مقروءة على مؤلفها، وقرئت عليه في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، روى رجاله عن عدّة طرق انّ فاطمة (عليها السَّلام) لما بلغها إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خمارها وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها(78)
ولنقتصر بهذا المقدار من الاسناد، فلو أردنا الاستقصاء، لطال بنا الكلام، ولطال موقفنا مع المتصفح.
المصادر :
1- الحَفَدُ والحفدة: الأعوان والخدمة. لسان العرب:3/153.
2- تطأ ذيولها: قال المجلسي (قدَّس سرَّه): أي كانت أثوابها طويلة تستر قدميها وتضع عليها قدمها عند المشي، وجمع الذيل باعتبار الأجزاء أو تعدّد الثياب ـ بحار الأنوار.
3- الخرم: الترك والنقص والعدول، والمشية بالكسر: الاسم من مشى يمشي مشياً أي لم تنقص مشيتها من مشيه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) شيئاً كأنّه هو بعينه ـ نفس المصدر.
4- الحَشْدُ: الجماعة ـ لسان العرب:3/150.
5- النوط: ما علّق ـ لسان العرب:7/418.
6- الملاء بالضمّ والمدّ: جمع ملاء وهي الإزار والربطة ـ النهاية:4/352.
7- الجَهْشُ: أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو مع ذلك يريد البكاء، كالصبيّ يفزع إلى أُمّه وقد تهيّأ للبكاء ـ الصحاح:3/999.
8- الارتجاج: الاضطراب. يقال ارتجّ البحر: اضطرب ـ لسان العرب:2/282.
9- النشج: الصوت مع توجع وبكاء كما يردد الصبي بكاءه في صدره ـ مجمع البحرين.
10- هدأ كمنع: سَكَنَ ـ لسان العرب:1/180.
11- الفور: الغليان والاضطراب ـ مجمع البحرين.
12- يقال احتذى مثاله: أي اقتدى به ـ الصحاح:6/2311.
13- قال المجلسي (قدَّس سرَّه): الذود والذياد، بالذال المعجمة: السوق والطرد والدفع والإبعاد.
14- النَّصبُ والنُّصُبُ: العَلَمُ المنصوب ـ لسان العرب:1/759.
15- النّسء: تأخير في الوقت ـ المفردات:492.
16- شطّ فلان في حكمه شطوطاً وشططاً: جار وظلم ـ المصباح:1/377.
17- الثَّبَجُ بالتحريك: وسط الشيء ومعظمه ـ النهاية: 1/206.
18- الكَظَمُ بالتحريك: مخرج النَّفَس من الحلق ـ مجمع البحرين، لسان العرب:12/520.
19- تفرّى: أي انشق، يقال تفرّى الليل عن صبحه ـ الصحاح:6/2454.
20- الشقاشق: جمع شِقْشِقَة بالكسر ـ وهي شيء كالرئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج ـ لسان العرب:10/185.
21- طاح: هلك وسقط ـ مجمع البحرين.
22- قال المجلسي (قدَّس سرَّه): الوشيظ بالمعجمتين: الرذل والسّفلة...وفي بعض النسخ: الوسيط بالمهملتين: أشرف القوم نسباً و أرفعهم محلاً وهـو أيضاً مناسـب ـ بحار الأنوار.
23- فاه الرجل بكذا، يفوه: تلفّظ به ـ المصباح:2/161.
24- قال المجلسي (رحمه الله): البيض: جمع أبيض والخماص بالكسر جمع خميص والخماصة: تطلق على دقة البطن خلقة وعلى خلوه من الطعام ويؤيده ما في كشف الغمة:2/111 ـ بحار الأنوار.
25- مذقة الشارب: شربته ـ لسان العرب:10/340.
26- النهزة: الفرصة، وانتهزتها: اغتنمتها ـ النهاية:5/135.
27- القبس: شعلة من نار تقتبسها من مُعْظَم ـ لسان العرب:6/167.
28- الطَّرق: ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر ـ الصحاح:4/1513.
29- القِدّ بالكسر: سير يقدّ من جلد غير مدبوغ ـ النهاية:4/21.
30- التوكُّف: التوقع والانتظار ـ لسان العرب:9/364.
31- الحَسَكُ: حسك السعدان، الواحدة: حكسة وقولهم: في صدره عليّ حسيكة وحُساكه: أي ضغنٌ وعداوة ـ الصحاح:4/1579.
32- السَّمَلُ بالتحريك: الخلق من الثياب ـ مجمع البحرين.
33- الخميل: هو الخامل الساقط الذي لا نباهة له ـ مجمع البحرين.
34- قال المجلسي (رحمه الله): الخامل: من خفي ذكره وصوته وكان ساقطاً لا نباهة له. والمراد بالأقلين: الأذلّون. وفي بعض الروايات: الأوّلين ـ بحار الأنوار.
35- هدر البعير هديراً أي ردّد صوته في حنجرته ـ الصحاح:2/853.والفنيق: هو الفحل المكرم من الإبل الذي لا يركب ولا يهان لكرامته على أهله ـ لسان العرب:10/313.
36- خَطر البعير بذنبه، يخطِر بالكسر، خَطراً وخطراناً، إذا رفعه مرة بعد مرّة وضرب به فخذيه ـ لسان العرب:4/250.
37- أحمشت الرجل: أغضبته وأحمشت النار: الهبتها ـ لسان العرب:6/288.
38- الريث: الإبطاء وهي لغة فاشية في الحجاز يقال: ما قعد فلان عندنا إلاّ ريث أن حدثنا...أي ما قعد إلاّ قدر ذلك ـ لسان العرب:2/157.
39- نفرت الدابّة: جزعت وتباعدت ـ مجمع البحرين.
40- النمل:16.
41- مريم:5ـ6.
42- الأنفال:75.
43- النساء:11.
44- البقرة:180.
45- الحظوة ـ بضمّ الحاء وكسرها ـ: المكانة والمنزلة ـ لسان العرب:14/185.
46- الخطام بالكسر: زمام البعير، ـ مجمع البحرين.والرَّحْلُ: رَحْلُ البعير وهو كالسرج للفرس ـ مجمع البحرين.
47- النقيبة: يُمنُ الفعل، يقال: رجل ميمون النقيبة: مبارك النفس مظفر بما يحاول ـ لسان العرب: 1/768. وفي البحار: «الفتية» بدل «النقيبة».
48- الغَميزة: ضعف في العمل... وجهلة في العقل ـ لسان العرب:5/389.
49- السِّنة: النعاس من غير نوم، والهاء في السنة عوض من الواو المحذوف ـ لسان العرب:13/449. وفي المفردات: السنة الغفلة.
50- في البحار: وهيه. وهو بمعنى الخرق والشقّ ـ الصحاح:6/2531.
51- استنهر الشيء: اتّسع ـ لسان العرب:5/238.
52- أكدى: قلّ خيره وقطع عطيّته ـ مجمع البحرين.
53- البائقة: الداهية ـ مجمع البحرين.
54- الفِناء: ـ بالكسر ـ سعة أمام الدار. ـ و بالفتح ـ نقيض البقاء ـ لسان العرب: 15/164.
55- آل عمران:144.
56- بنو قيله: الأوس والخزرج، قبيلتا الأنصار، و «قيلة»: اسم أمّ لهم قديمة وهي قيلة بنت كاهل ـ النهاية:4/134.
57- هَضَمَهُ هَضْماً: ظلمه وغصبه وقهره ـ لسان العرب:12/613.
58- الندي والنّادي: المجلس ـ مجمع البحرين.
59- المكافحة: المضاربة والمدافعة تلقاء الوجه ـ لسان العرب: 2/573.
60- الثَّغْرُ: الموضع الذي يكون حدّاً فاصلاً بين بلاد المسلمين والكفّار، وهو موضع المخافة من أطراف البلاد ـ النهاية:1/213، وفي لسان العرب:4/104: الثُّغرة بالضمّ: نقرة النحر التي بين الترقوتين..
61- الوَسق: ضم الشيء إلى الشيء، واستوسق أي اجتمع ـ لسان العرب: 10/380.
62- نَكَصَ: رَجَعَ ـ المصباح:2/336.
63- مَجّ الشيء من فيه: رماه ـ لسان العرب: 2/361.
64- الدَّسع: الدفع ـ لسان العرب:8/85.
65- خامر الشيء: قاربه وخالطه ـ لسان العرب:4/254.
66- الشِّعار: ما ولى الجسد من الثياب ـ الصحاح:2/699.
67- النفث: أقل من التفل، لأنّ التفل لا يكون إلاّمعه شيء من الريق والنفث شبيه بالنفخ ـ لسان العرب:2/195.
68- الخور: بالتحريك، الضعف ـ لسان العرب:4/262.
69- البث: أشدّ الحزن الذي لا يصبر عليه صاحبه حتّى يبثه أو يشكوه ـ مجمع البحرين.
70- النّقب: الثقب في أي شيء كان، يقال نقب البعير بالكسر: إذا رقّت أخفافه ـ لسان العرب: 1/765.
71- الشَّنار: أقبح العيب والعار ـ لسان العرب:4/430.
72- أعيان الشيعة:1/315 ويحتمل أن يكون المراد من أبي الحسين هو زيد الأصغر الذي هو من أصحاب الهادي، انظر تهذيب التهذيب:30/420 وإرشاد المفيد، ص 332، ولاحظ تعليقة الشافي للسيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب:4/76.
73- بلاغات النساء:23ـ33.
74- الشافي في الإمامة:4/69 ـ 77.
75- معاني الأخبار:354.
76- أمالي الطوسي:384، المجلس الثالث عشر.
77- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد:16/211.
78- كشف الغمة:1/108 ـ 116.

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.