
لو فكّرنا قليلاً وامعنّا النظر لرأينا الجنّة هي غاية الغايات ، وهي لا تحصل الاّ بأمور ، وأهمّها خدمة الوالدين ورضاهما ، فانّ الجنّة تحت اقدام الأمهات ، فلا يسعنا الاّ أن نخدم والدينا ، سواء في حياتهم او بعد وفاتهم ، وان كانت طريقة الخدمة تختلف عند الحياة وبعد الممات ، الاّ اننا مسؤلون في كلتا الحالتين ، فالنهيئ أنفسا ، ولنستمع الى ما جاء من كبرائنا ، اهل بيت العصمة ، وموضع الرسالة محمّد وآله الطاهرين ، صلوات الله عليهم اجمعين.
١ ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضياللهعنه قال : حدّثني عمّي محمد بن أبي القاسم ، عن احمد عن محمد بن خالد ، عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان ، عن ابي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : اربع من كنّ فيه ، بني الله له بيتا في الجنة : من آوى اليتيم ، ورحم الضعيف ، واشفق على والديه ، ورفق بمملوكه.. (1)
٢ ـ حدّثنا احمد بن علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن ابيه ، عن جدّه ، عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن ابيه عليهما السلام ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اربع من كنّ فيه ، نشر الله عليه كنفه وادخله الجنة في رحمته : حسن خلق يعيش به في الناس ، ورفق بالمكروب ، وشفقة على الوالدين ، واحسان الى المملوك ... (2)
٣ ـ وقد ورد عن الرسول الأعظم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم من اصبح مرضيا لأبويه ، اصبح له بابان مفتوحان الى الجنّة ، ومن أمسى فمثل ذلك ، وان ظلما ، وان ظلما ، وان ظلما ... (3)
النار
نعوذ بالله من النار ومن غضب الجبار ، ان المعاصي كثيرة ، وبعضها كبيرة ، ومن اكبرها سخط الوالدين ، فانه داء وبيل ، من ابتلى لا ينجيه ملك مقرّب ، فهذا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحذّرنا من سخط الوالدين وينذرنا النار وغضب الجبار. اللهم أرض عنا والدنيا بمحمّد وآله الأطهار صلواتك عليهم أجمعين.١ ـ وقد ورد عن الرسول الاعظم محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم : ومن اصبح مسخطاً لأبويه ، أصبح له بابان مفتوحان الى النار ، ومن أمسى مثل ذلك ، وان كان واحداً فواحد ، وان ظلما ، وان ظلما ، وان ظلما ... (4)
وآله ، وقال للرسول : قل لها ان قدرت على المسير الى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، والاّ فقرّي في المنزل حتى يأبيك ، فجاء اليها الرسول فأخبرها بقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقالت : نفسي له الغداء ، انا احق بأتيانه فتو كأن على عصى ، واتت الى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فسلّمت ، فردّ عليهاالسلام ، وقال لها : يا أم علقمة اصدقيني ، وان كذبتيني جاء الوحي من الله تعالى ، كيف كان حال ولدك علقمة ؟
قالت : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كثير الصلاة وكثير الصيام ، وكثير الصدقة. قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فما حالك ؟. قال : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم انا عليه ساخطة. قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ولم ؟
قالت : يا رسول الله يؤثر على زوجته ويعصيني فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ان سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا بلال انطق واجمع لي حطبا كثيراً ! قالت : يا رسول الله صلى وما تصنع به ؟ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : احرقه بالنار بين يديك قالت : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولدي لا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي.
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا أم علقمة عذاب الله اشّد وأبقى ، فان سرّك أن يغفر الله له فارضى عنه فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصداقته ما دمت عليه ساخطة فقالت : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اني اشهد الله تعالى وملائكته ومن حضرني من المسلمين : اني قد رضيت عن ولدي علقمة. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : انطلق يا بلال اليه فانظر هل يستطيع أن يقول : لا اله الاّ الله. أم لا ، فلعلّ أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياء
الجنّة من النار
الوقاية خير من العلاج ، والحمية رأس السلامة ، فمن توقّى واحتمى سلم. هذه احاديث من الرسول والآل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعليهم اجمعين أمامكم فتوقّوا بها ، واحتموا بمباديها ، فانها خير وقايه للمتقين ، وامنع حماية للمحتمين. قد اوضحوا لنا الطريق واناروه وعلّمونا ما لم نكن نعلم ، فها ، طرق الجنّة ، وذي مهاوي النار ـ والعياذ بالله ـ ومما علّمونا هو خدمة الأبوين فانها وقاية وحمية ، وجنّة من النار. اللهم اجعل محبتنا لآبائنا الكرام جنّة لنا من النار ، بمحمّد وعترته الطيبين الأطهار ، صلواتك عليهم اجمعين ، آمين.١ ـ محمد بن يحيى عن احمد بن محمّد بن عيسى عن علي بن الحكم عن سيف بن عميره ، عن عبد الله بن مسكان ، عن ابراهيم عن شعيب قال : قلت لأبي عبد الله عليه أفضل السلام : انّ أبي قد كبر جدا وضعف ، فنحن نحمله اذا أراد الحاجة ، فقال : ان استطعت أن تلى ذلك منه فافعل ، ولقّمه بيدك ، فانه جنّة لك غدا ... (5)
كفران النعمة
الانسان كفور ، لم يقم وزنا لأنعم الله تعالى ، في حين انّ نعمه جلّت عظمته لا تعد ولا تحصى ، واكثر من ذلك أنّه يكفر ، وهذا يكون سببا لقطع الرّحمة ، وقلّة البركة ، وعدم رضى المولى جلّ جلاله ، والى آخر ما ينشأ من هذه الفضية من مآسي ، ومحن يشيب لها الاطفال و اعظم الكفران ، أن الفجرة من بني الانسان نسبوا الى الله ما لا ينبغي ، طالع ما قاله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.١ ـ يا ابا ذر : ان الله جلّ ثناءه لمّا خلق الارض ، وخلق ما فيها من الشّجر ، لم تكن في الأرض شجرة يأتيها بنوا آدم الاّ اصابوا منها منفعة ، فلم تزل الأرض والشجر كذلك ، حتى تكلّم فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة ، قولهم : ( اتخذ الله ولدا ) فلمّا قالوها اقشعرّت الأرض ، وذهبت منفعة الأشجار .... (6)
المضر
أعاذنا الله تعالى من أن نكون من المضرّين أو المتضررين ، فالأنسان ان لم يحفظه الله تعالى من شرور نفسه الامّارة بالسوء ، سيكون والعياذ بالله امّا والد سوء ، أو ولد سوء ، وكلاهما مما يبعثان على شقاءه في الدنيا والآخرة ، اجارنا الله تعالى وأبنائنا من سوء السريرة وعقوق الوالدين.١ ـ من اقوال سيّد الوصيين أمير المؤمنين عليهالسلام قال : والد السوء يعرّ السلف ويفسد الخلف. هذا بالنسبة الى الوالد ، وأمّا بالنسبه الى الولد : قال عليهالسلام : ولد السوء يهدم السلف ويشين الشرف. وقال عليهالسلام أيضا : ولد عقوق محنة وشوم (7)
لا ضرر ولا ضرار
من القواعد المسلّمة التي سنّها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هي قاعدة لا ضرر ولا ضرار ، وهذه كانت في قصة سمرة بن جندب مع أحد الأنصار الذي كان قد باعه دارا فيها نخلة ، وكان يأتيها سمرة كل يوم فاستثقل الأنصاري الأمر ، فشكا الى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فبعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الى سمرة واحضره ، فقال له : بعه النخلة ، فأبي سمرة ، واخيرا أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بقلع النخلة واعطائها ايّاه ، وقال : لا ضرر ولا ضرار في الإسلام وفيما نحن فيه احدي مصاديق الضرر والضرار ، فقال العلي القدير جلّت قدرته :١ ـ والوالدات يرضعن اولادهنّ حولين كاملين لمن اراد أنّ يتمّ الرضاعة ، وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهن بالمعروف لا تكلّف نفس الاّ وسعها ، لا تضارّ والدة بولدها ، ولا مولود له بولده ، وعلى الوارث مثل ذلك ، فان ارادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ، وان اردتم أن تسترضعوا اولادكم فلا جناح عليكم اذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أنّ الله بما تعملون بصير (8).
الهرب بعد الطلب
لقد خلق الانسان هلوعاً ، يحرص على سلامته مهما كلّف الأمر ، و يبخل بماله مهما قلّ أو كثر ، وتهزمه أصغر صعوبة ، ويخيفه أقلّ شين وليس له صبر ولا تصبّر على مكاره الدهر ، حتى ولو كان يضّره في دينه أو دنياه ، وهذا ديدنه من قديم الزمان ، يمتنع عن الخير ، ويجزع من الشرّ ، فما صلح من هذا النوع الاّ القليل ، اولئك الذين هداهم الله تعالى فاهتدوا ، وهدوا الى صراط السويّ ، والباقون لا يعبئون بقول ولا فعل ، ها هو القرآن الكريم يحدثنا عن بعضهم ، وهم الذين طلبوا من نبيّ لهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه في سبيل الله تعالى محتجين بطردهم عن ديارهم ، وابنائهم ، ولكن لمّا حصص الحق و حان وقت العمل تولّوا الاّ قليلا منهم ، فهربوا بعد الطلب.١ ـ ألم تر الى الملأ من بني اسرائيل من بعد موسى اذ قالوا النبّي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ، وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ، فلما كتب عليهم القتال تولّوا الاّ قليلا منهم ، والله عليم بالظالمين ... (9).
اولاد ابليس
هكذا اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون المولّدون ثلاثة ، وكل يولد حسب ما بقتضيه طبيعتة الأولية ، ثم انه يمكن لاولادهم أن يختاروا غير ما هم عليه ، فمثلا ابليس لا يلد الا الكافر ، ولكن آمن أحد اولاده واسمه هام بن هنم بن لاقيس بن ابليس وهذا خلاف ما تقتضيه ذاته.١ ـ حدّثنا محمّد بن الحسن بن احمد بن الوليد رضياللهعنه قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار ، قال : حدّثنا احمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمد بن اسماعيل ، عن الحسن بن طريف عن آبي عبد الرحمن ، عن معاويه بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : الآباء ثلاثه : ١ ـ آدم : ولد مؤمنا.
٢ ـ والجان : ولد مؤمنا وكافرا.
٣ ـ وابليس : ولد كافرا. وليس فيهم نتاج ، انمّا يبيض ويفرح ، وولده ذكور ، ليس فيهم اناث ... (10)
الذل
هناك أمور كثيرة تسبب ذل الانسان ، كالجهل والحمق وحقارة النفس وما اشبه. ومن هذه الامور تتعلق بشخص الانسان ، يعني يتمكن دفعها ان اراد ، ومنها ما لا تتعلق بشخصه ، وانما هي مرتبطه بالقضاء والقدر مثل اليتم والفقر وعدم الشخصيه وما اشبه ، وقد اخبرنا بذلك صادق آل محمّد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.١ ـ حدّثنا احمد بن محمّد بن الهيثم العجلي رضياللهعنه قال : حدثنا ابو العباس احمد بن يحيى بن زكريا القطان ، قال : حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيت ، قال : حدثنا تميم بن بهلون ، عن ابيه ، عن عبيد الله بن الفضل الهاشمي ، قال : قال ابو عبد الله عليهالسلام ثلاثة من عازهم ذل : ـ الوالد. والسلطان. والغريم ... (11)
توابع المرء
لا بدّ للانسان من الرّحيل ، فانّ هذه الحياة ليست مقاماً للمقام ، كل من عليها فان ، أمّا ، فاذا يبقى وماذا يأخذ ؟ يقول الناس ما ترك ، وتقول الملائكة ما قدم ؟. أمّا ما تركه فهو للوارث يتنعّم ، به وأما الذي يأخذه وهو تابع وباق اليه : هي ثلاث : قالها الامام ابو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام.١ ـ حدثنا أبي رضياللهعنه قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن احمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن على بن رئاب ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ليس تبيع الرجل بعد موته من الأجر الاّ ثلاث خصال : صدقة اجراها في حياته فهي تجري تعد موته الى يوم القيمة وصدقة موقوفة الاّ تورّث ، اود هدى سنّها فكان يعمل بها وعمل بها من بعده غيره ، او ولد صالح يستغفر له ... (12)
اقول : هنيئا لمن رزقه الله هذه فانه لا ينالها الاّ ذو حظ عظيم ، فيا ليتنا لم نحرم منها ان شاء الله تعالى.
المصادر :
1- الخصال ، باب الاربعة ، ص ١٨٠ ، الحديث ٥٣. وفي المحاسن البرقي عن ابن محبوب ، كتاب الاشكال والقرائن ، الحديث ٢٣ ص ٧.
2- الخصال باب الاربعة ، الحديث ٥٧ ص ١٨١.
3- ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ، ص ١٧٨.
4- ذرايع البيان الآفة الثامنة ، ص ١٧٨.
5- الكافي ج ٢ ، ص ١٢٩ ، باب البر ، الحديث ١٣.
6- بندهاى كرانمايه پيغمبر ص ٤٠ ، الحديث ٨٢.
7- درر الكلم ، حرف الواو ، ص ٢٨٧.
8- البقرة ـ ٢٣٣
9- البقرة ـ ٢٤٦
10- الخصال باب الثلاثة ، ص ١٢٠، الحديث ١٨٦.
11- الخصال باب الثلاثة ، ص ١٥٥ ، الحديث ٢٧١.
12- الخصال ، باب الثلاثة ، ص ١١٩ ، الحديث ١٨٤.