هناك أسباب تنقص العيش ، وتنهك الجسم ، وتتعب القلب ، و تضل العقل ، أجارنا الله تعالى منها جميعا ، وقد نبّهنا عليها أئمتنا سادات البشر صلوات الله وتحيّاته عليهم اجمعين كي نحذر منها جهد امكاننا حتى لا نبتلى في الحياة فتفوتنا السعادة لا سمح الله.
١ ـ حدّثنا أبي رضياللهعنه قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطار ، عن محمد بن احمد ، قال : حدثني ابو عبد الله الرازي عن سجادة ، عن درست ، عن أبي خالد السجتاني ، عن أبي عبد الله عليه صلوات الله ، قال : خمس خصال ـ الى أن قال عليهالسلام ـ من فقد واحدة منهنّ لم يزل ناقص العيش ، زائل العقل ، مشغول القلب. فأولها صحة البدن. والثانية الأمن. والثالثه السعة في الرزق. والرابعة الانيس الموافق ، قلت : وما الأنيس الموافق ؟ قال عليهالسلام : الزوجة الصالحة ، والولد الصالح ، والخليط الصالح ، والخامسة وهي تجمع هذه الخصال ، الدعة اي الراحة السعه في الحياة (1)
التمتع بالولد بعد الموت
لماذا نحب الولد ؟ لأنا نتمتع به ، ويمكن أن يدوم هذا التمتع والتمتع ويتصل سلكه الى الآخرة ، الى بعد هذا التمتع المنقطع ، والتمتع هناك دائم والالتذاذ باقي ، لكن بشرط أن يربي الأب الولد حسب ما يرتضيه الله جلّ وعلا ذكره ، فان تعب عليه ورباّه تربية صالحة ، يكون الولد له رحمة ، وان تركه في الوسط المنحرف المنجرف فضل عن الصواب ، فانه يتحمل التبعة ويكون الولد عليه نقمة ـ والعياذ بالله ـ ربنا اصلحنا وذرياتنا واجعلنا مسلمين لك انك على كل شيء قدير.١ ـ حدثنا أبي رضياللهعنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن شعيب الصيرفي ، عن الهيثم أبي كهمس ، عن ابيعبد الله عليهالسلام ، قال : ست خصال ينتفع بها المؤمن بعد موته ولد صالح يستعفر له. ومصحف يقرء فيه وقليب ( بئر ) يحفره. وغرس يغرسه. وصدقه ماء يجريه. وسنّة حسنة يؤخذ بها بعده ... (2)
الرّعاية
الرعاية أمر يحسنّه العقل والنقل ، ومن حسنات المرء أن يكون مراعيا لمن له أدني صلة به ، فان الرعاية دليل العظمة وجلالة القدر ، فمن يكون عظيما في نفسه ، جليل القدر ، لا تفوته وعاية المحقّين ، من الايتام والمستضعفين.١ ـ فقد قال أمير المؤمنين ، وقائد العز المحجّلين عليهالسلام : من رعى الأيتام رعيّ في يتيمه. (3)
الاقوال
توجد اقوال كثيرة من الانبياء والائمة عليهمالسلام مما يخص الولد والوالد ولا تخلو من حكمة ثابتة او سنة عادلة او فلسفة متقنة او منطق سليم وما اشبه فعلينا وعلى من يأتي بعدنا الاستفادة والاستزاده منها فان العلم حياة القلوب.١ ـ قال بعض الحكماء : رأيا امور الناس على خمسة اوجه : منها : القضاء والقدر وهو على خمسة اقسام الأهل والولد والمال والسلطان والعمر ... (4)
٢ ـ قيل أنس المرء في خمسة اشياء : منه : الولد البار ... (5)
الكبائر
ان المعاصي ـ كما قسمت في الشرع ـ على ضربين : الكبائر والصغائر ، وقال بعض الأعلام انه لا توجد صغائر فكل معصية بالنسبة : هي ما ذكر عفابها في القرآن ، وقد عدّها أئمّتنا عليهمالسلام بأعداد مختلفة ويمكن الجمع بين اقوالهم عليهمالسلام بأن نقول : كانوا عليهمالسلام يراعون الزمان والمكان والسائل في اجوبتهم والأ فكل المعاصي كبيرة بالنسبة الى الأصغر منها ، والموارد تختلف.١ ـ ففي مود قال الامام الصادق عليهالسلام : الكبائر سبع فينا أنزلت ومنّا استحلّت : منها : عقوق الوالدين ... (6)
٢ ـ روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : الكبائر تسعة : منها : وعقوق الوالدين ... (7)
٣ ـ وأرسل ـ اي في عيون اخبار الرضا عليهالسلام ـ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ألا اخبركم بأكبر الكبائر : الاشراك بالله وعقوق الوالدين ، وقول الزور ـ أي الكذب ـ ... (8)
٤ ـ وفيه « اي كتاب الجعفريات » عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : من اكبر الكبائر : الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ... (9)
الجبن
من الصفات الرذيلة صفة الجبن ، وهي من اخس الرذائل ، وأن تمكّنت ـ والعياذ بالله ـ من الانسان ، تجعله يهرت من كل شيء ، حتى ممّا له الخير ، وحتى من أعز الناس عليه وهو الأب مثلاً ، فيا أبنائنا نوصيكم أن لا تكونوا جبناء ، فتهربوا من المسؤلية ، ولا تكونوا متهوّرين فتعثوا في الأرض الفساد ، فخيرالأمور اواسطها ، واختار الوسط وكونوا شجعان لا تهربوا من الطاعة ولا تركبوا المعصية.١ ـ حدّثنا محمد بن الحسن رضياللهعنه قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن القاسم بن يوسف أخي احمد بن يوسف بن القاسم الكاتب عن حنان بن سدير الصيرفي ، عن سدير الصيرفي قال : قال ابو جعفر عليه الصلاة والسلام : لا تقارن ولا تواخي اربعة : الأحمق ، والبخيل ، والجبان ، والكذّاب ، أما الأحمق فانّه يريد ان ينفعك فيضرك. وأما البخيل فانه يأخذ منك ولا يعطيك. وأما الجبان فانّه يهرب عنك وعن والديه. وأما الأحمق فانّه يصدق ولا يصدق ... (10)
سنن عبد المطلب
ان الله في خلقه شئون. كان قبل البعثة رجال عظماء ، يدينون لله تعالى بأحسن وجه ، والناس تائهون في وديان الجهالة والضلالة ، وهؤلاء المتدينون قد تمسّكوا بالعروة الوثقى ، أي تمسّكوا بارادة السماء والله سبحانه وتعالى هداهم الى اصوب الطرق والحبها ، فسنّوا سننا كبيرة وعظيمة بين الناس ، فأمضاها رب الأرباب تعالى وتقدّس ، وبقيت حتى البعثة وبعدها والى يوم القيامة ، ما كان لله ينمو. هكذا و الاّ فلا. فمن هؤلاء العظماء جدّنا شيخ بني هاشم ، عبد المطلب رضوان الله تعالى عليه ، وجزاه عنّا خيراً.
١ ـ حدثنا محمد بن علي بن الشاة ، قال : حدثنا ابو حامد ، قال حدثنا ابو يزيد ، قال : حدثنا محمد بن احمد بن صالح التميمي ، عن ابيه قال : حدثنا أنس بن محمد ابو مالك ، عن ابيه ، عن جعفر بن محمد عن ابيه ، عن جدّه ، عن علي بن أبي طالب عليهالسلام ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنه قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : في وصيته له ، يا علي ان عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام
ألف ـ حرّم نساء الآباء على الأبناء ، فأنزل الله عزّ وجلّ ( ولا تنكحوا ما نكح آبائكم من النساء ).
ب ـ ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدّق به ، فأنزل الله عزّ وجلّ ( واعلموا أن ما غنمتم من شيء فان لله خمسه ... الى آخره.
ج ـ ولمّا حفر زمزم سمّاها سقاية الحاج ، فأنزل الله عزّ وجلّ ( اجعلتم سقاية الحاج و عمارة المسجد كمن آمن بالله واليوم الآخر ) ... الآية.
د ـ وسنّ في القتل مائة من الابل ، فأجري الله عزوجل ذلك في الإسلام.
ه ـ ولم يكن الطواف عدد عند قريش ، فسنّ فيهم عبد المطلب سبعة اشواط ، فأجري الله تعالى ذلك في الإسلام ... يا علي ان عبد المطلب كان لا يقسم بالازلام ، ولا يعبد الأصنام ، ولا يأكل ما ذبح على النصب ويقول : أنا على دين أبي ابراهيم على نبينا وآله وعليهالسلام ... (11)
٢ ـ قال سيد الموحّدين وقائد الغزّ المحجّلين امير المؤمنين فداه روحي وارواح العالمين صلوات الله وسلامه عليه وعلى ابنائه الطاهرين الى يوم الدين : عقّوا عن اولادكم يوم السابع وتصدقوا بوزن شعرهم فضّة على مسلم ، وكذلك فعل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالحسن والحسين عليهماالسلام وسائر ولده عليهمالسلام ... (12)
ذبح الولد
من العجيب الذي لا يكاد يصدّق ـ لولا الايمان ـ أن نبيّا من اولى العزم يرى في المنام أنه يذبح ولده ، ثم يقصد تصديق منامه ، وتلّه للجبين ، وناديناه ان يا ابراهيم قد صدّقت الرؤيا. وهكذا سيّد قريش عبد المطلب رضوان الله تعالى عليه ينذر ذبح ولده العاشر وهو عبد الله أبو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيفدي بمائة من الابل كما أفدي اسماعيل بذبح عظيم فبهذه وذلك يدفع عنها الذبح ويبقى الفخر مدي الزمان حتى يقول رسول صلىاللهعليهوآله : أنا ابن الذبيحين.١ ـ حدثنا احمد بن الحسن القطّان ، قال : اخبرنا احمد بن محمد سعيد الكوفي ، قال : علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن ابيه قال : سألت ابا الحسن علي بن موسى الرضا عليه الصلاة والسلام عن معنى قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم انا ابن الذبيحين ، قال عليهالسلام : يعني اسماعيل بن ابراهيم الخليل عليهالسلام ، وعبد الله بن عبد المطلب.
أما اسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشّر الله به ابراهيم ، فلما ابلغ معه السعي ، قال يا بني اني أرى في المنام أني اذبحك ، فانظر ماذا ترى ، قال يا أبت افعل ما تؤمر ، ولم يقل له يا ابت افعل ما رأيت ، ستجدني ان شاء الله من الصابرين ، فلّما عزم على ذبحه فداه الله بذبح عظيم ، بكبش املح يأكل في سواد ، ويشرب في سواد ، وينظر في سواد ، ويمشي في سواد ، ويبول ويبعر في سواد ، وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة اربعين عاماً ، وما خرج من رحم انثى ، وانّما قال الله جلّ وعزّ له كن فكان ليفدي به اسماعيل ، فكلما يذبح بمنى فهو فدية لاسماعيل الى يوم القيامة ، فهذا احد الذبيحين.
وأمّا الآخر ، فان عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ودعا الله عزوجلّ أن يرزقه عشرة بنين ، ونذر لله عزوجلّ ان يذبح واحداً منهم متى اجاب الله دعوته ، فلما بلغوا عشرة « اولاد » قال قد وفي الله لي ، فلأوفّين لله عزوجل ، فأدخل ولده الكعبة ، واسهم بينهم ، فخرج سهم عبد الله أبي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان احبّ ولده اليه ، ثم اجالها ثانية ، فخرج سهم عبد الله ، ثم اجالها ثالثه ، فخرج سهم عبد الله ، فأخذه وحبسه ، وعزم على ذبحه فاجتمعت قريش وقنعته من ذلك ، واجتمع نساء عبد المطلب يبكين و يصحن ، فقالت له ابنته عاتكة ، يا ابتاه اعذر فيما بينك وبين الله عزّ وجلّ في قتل ابنك ، قال فكيف اعذر يا بنيّة فانك مباركة ؟.
قالت اعمد الى تلك السوائم التى لك في الحرم ، فاضرب باقداح على ابنك وعلى الابل ، واعط ربك حتى يرضى ، فبعث عبد المطلب الى ابله ، فأحضرها وعزل منها عشراً ، وضرب بالسهام فخرج سهم عبد الله ، فما زال يزيد عشراً عشراً حتى بلغت مائة ، فضرب فخرج السهم على الابل ، فكبرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة ، فقال عبد المطلب لا ، حتى اضرب بالقداح ثلاث مرّاة ، فضرب ثلاثا ، كل ذلك يخرج السهم على الابل ، فلمّا كان في الثالثة ، اجتذبه الزبير وابو طالب واخوانه من تحت رجليه فحملوه وقد انسلخت جلده خدّه الذي كان على الارض ، واقبلوا يرفعونه ، ويقبّلونه ، ويمسحون عنه التراب ، وأمر عبد المطلب ان تنجر الابل بالخروره ، ولا يميع احد منها ، وكانت مائة.
وكانت لعبد المطلب خمس سنن اجراها الله عز وجل في الإسلام : حرّم نساء الآباء على الابناء ، وسن الديه في القتل من الابل ، وكان يطوف بالبيت سبعة اشواط ، ووجد كنز فاخرج منه الخمس ، وسمي زمزم كما حفرها سقاية الحاج.
ولو ان عبد المطلب كان حجه ، وأنّ عزمه على ذبح ابنه عبد الله شبيه بعزم ابراهيم على نبينا وآله وعليه على ذبح ابنيه اسماعيل لما افتخر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالانتساب اليهما لأجل أنهما الذبيحان ، في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم انا ابن الذبيحين ، والعلة التى من اجلها رفع الله عزوجلّ الذبح عن اسماعيل هي العلّة التي من اجلها رفع الله الذبح عن عبد الله ، وهي كون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام في صلبيهما فببركة النبي والأئمّة عليهمالسلام رفع الله الذبح عنهما ، فلم تجر السنة في الناس بقتل اولادهم ولو لا ذلك لوجب على الناس كل اضحى التقرّب الى الله تعالى ذكره بقتل اولادهم ، وكلّما يتقّرب الناس به الى الله عزّ وجّل من اضحية فهو فداء لاسماعيل الى يوم القيمة ... (13)
٢ ـ حدثنا احمد بن هارون الفاصي ، وجعفر بن محمّد بن مسرور رضياللهعنه قالا : حدّثنا محمد بن جعفر بن بطة ، عن محمّد بن حسن الصفار ، عن العباس بن معروف عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عمن اخره ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : أول من سوهم عليه مريم بنت عمران ، وهو قول الله عز وجل ( وما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يكفل مريم ) (14) ،
والسهام ستة ثم استهموا في يونس لما ركب مع القوم ، فوقفت السفينة في اللجّة ، فاستهموا فوقع السهم على يونس ثلاث مرّات ، قال : فمضى يونس الى صدر السفينة ، فاذا الحوت فاتح فاه ، فرمي بنفسه. ثم كان عبد المطلب ولد له تسعة فنذر في العاشر ، ان يرزقه الله تعالى غلاماً أن يذبحه ، قال عليهالسلام : فلمّا ولد عبد الله لم يكن يقدر أن يذبحه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صلبه ، فجاء بعشر من الابل وساهم عليها وعلى عبد الله ، فخرج السهام على عبد الله ، فزاد عشرا ، فلم يزل السهام يخرج على عبد الله ويزيد عشرا ، فلما « لأن » بلغت مائة خرجت السهام على الابل ، فقال عبد المطلب ما انصفت ربي فأعاد السهام ثلاثاً فخرجت على الابل ، فقال الآن علمت أن ربي قد رضى ، فنحرها ... (15)
المصادر :
1- الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢٣١ ، الحديث ٣٤.
2- الخصال ، باب الستة ، ص ٢٦٣ ، الحيث ٩.
3- جاء في كتاب درر الكلم ، ص ٢٥٥.
4- معدن الجواهر ص ٥١.
5- معدن الجواهر ص ٥١.
6- معدن الجواهر ص ٥٩.
7- معدن الجواهر ص ٦٦.
8- مكاسب الشيخ الانصاري قدسسره ، الكذب ، ص ١٦٠ ، وقال في التعليقة : راجع احياء العلوم للغزالي ، الجزء ٣. ص ١٣٥ ، سطر ١٢ .
9- ذرايع البيان ، تكملة الآفة الثامنة ، ص ٢٠٠.
10- الخصال ، باب الاربعة ، ص ١٩٨ ، الحديث ١٠٠.
11- الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢٥٤ ، الحديث ٩٠.
12- المواعظ العددية ، باب الاربعمائة ، ص ٢٩٤.
13- الخصال ، باب الاثنين ، ص ٤٥ ، الحديث ٧٨.
14- آل عمران ـ ٤٤
15- الخصال ، باب الثلاثة ، ص ١٢٤ ، الحديث ١٩٨.