ثقافة العداوة

فليس عجيبا أن ترى شخصا يضعف أمام ضغوط الدنيا ومغرياتها، ويرتكب الجهالات، ويتجاوز على حقوق الناس بل العجيب أن ترى إنساناً قوياً، يقاوم الضغوط والمغريات، وينصف الناس من نفسه، ولا يتصرف إلا بمعرفة ! وكما قال الإمام الصادق
Thursday, December 29, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
ثقافة العداوة
 ثقافة العداوة

 






 

الضعف في الإنسان هو الأصل، والقوة فيه استثناء (وخلق الانسان ضعيفاً) .
والظلم والجهل فيه هما الأصل، والعدل والمعرفة استثناء (إنه كان ظلوماً جهولاً) .
فليس عجيبا أن ترى شخصا يضعف أمام ضغوط الدنيا ومغرياتها، ويرتكب الجهالات، ويتجاوز على حقوق الناس بل العجيب أن ترى إنساناً قوياً، يقاوم الضغوط والمغريات، وينصف الناس من نفسه، ولا يتصرف إلا بمعرفة ! وكما قال الإمام الصادق عليه السلام (ما عجبت لمن هلك كيف هلك، ولكن عجبت لمن نجا كيف نجا) !
وليس عجيباً أن ترى أن تاريخ الناس يتلخص في ركضهم وراء الحكام والدنيا، ومعاداتهم للأنبياء والأوصياء.. بل العجيب أن تجد من الناس أتباعاً للأنبياء، ثم تجد في أتباع الأنبياء من ثبت بعدهم ولم ينحرف !
إنها حقائق ثقيلةٌ على الفكر، مُرَّةٌ على القلب، ولكنها حقائق.. ولا يجب أن تكون الحقيقة دائماً حلوة..
وهي في منهج القرآن أبرز الحقائق في تاريخ الأمم والأديان، لا استثناء فيها لأمتنا، وإن كانت خير أمة أخرجت للناس، بل لقد أكد النبي صلى الله عليه وآله بصراحة على أن أمتنا ليست استثناء فقال (لتركبن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل..).
وقضية علي وشيعته القلائل الذين التفُّوا حوله في حياة النبي وبعد وفاته، أنهم استوعبوا هذه الحقائق وهذه السنن، وعقدوا عليها القلوب، وعكفوا عليها الضلوع.
فعندما كان النبي مسجى يودع الأمة، وأهل الحل والعقد محتشدون حوله، أمرهم أن يأتوه بورق ودواة ليكتب لهم كتاباً يؤمنهم من الضلال والإنحراف، فرفضوا ذلك ورفعوا في وجهه شعار (حسبنا كتاب الله) !
هنا رفع الشيعة شعار التمسك بأهل بيت النبي، والامتثال قوله صلى الله عليه وآله (إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي).
ومن يومها الى يومنا هذا، قامت علينا قيامة إخواننا الأكثرية ولم تقعد !
فصرنا روافض، لأننا امتنعنا عن بيعة الخلفاء من غير أهل بيت النبي !
وصرنا مشركين، لأننا حفظنا وصية النبي في أهل بيته، فأحببناهم وقدسناهم !
وأباحوا دماءنا وأموالنا والأعراض، لأننا لم نعط الشرعية لغير أهل بيت النبي !
ودارت على أجسادنا عجلة التاريخ تطحن ما استطاعت حتى بنوا علينا الجدران ونحن أحياء، وألقونا في التنانير المسجرة،
وهدموا علينا سراديب السجون، وشردونا في جهات الدنيا الأربع !
ثم جعلوا عداوتهم إيانا ثقافة، علموها للناس من على منابر المساجد، وفي أواوين المدارس، ثم ملؤوا بها بطون الكتب، وأورثوها الأجيال !
ثم إذا كتب شيعي كتاباً أو تفوه بكلمة، فذلك هو الذنب العظيم، لأنه يخالف قانوناً أجمعت عليه دول الخلافة، من أول خليفة قرشي الى آخر خليفة عثماني، مفاده: أنه يحرم على الشيعة أن يدافعوا عن أنفسهم، حتى لو كان دفاعهم علمياً !
وصار هذا القانون ديناً يتدين به عامة إخواننا الأكثرية، حتى أنك لتجد أذهانهم في عصرنا مسكونة بأن الاستماع الى حجة الشيعي ذنب، وقراءة كتاب للشيعة ذنب أعظم !
فكل إنسان، حتى عابد الوثن، له حق التعبير عن معتقده، إلا الشيعي.
وكل إنسان حتىعابد الوثن يجوز الاستماع الى دليله وحجته، إلا الشيعي.
وكل كتاب يباح دخوله الى البلد وقراءته، حتى كتب الإفساد والإلحاد، إلا الكتاب الشيعي !
يقول عالم سني من الفيلبين: نشأت من صغري على الحساسية من الشيعة وكرههم والحذر الشديد من كتبهم، لأنها كتب ضلال، حرام قراءتها وبيعها وشراؤها.
وفي لحظة فكرت في نفسي وقلت: أليس من المنطقي أن يطلع الإنسان على وجهة النظر الأخرى ويفهمها، ثم يناقشها ويردها؟ أليس موقفنا شبيهاً بموقف الذين يقول الله تعالى عنهم (جعلوا أصابعهم في آذانهم) ؟
ومن ذلك اليوم قررت أن أقرأ كتب الشيعة، وليقل الناس عني ما يقولون !
إن قراءة الكتاب الشيعي تحتاج الى مثل هذه البطولة من جهاد النفس، وجهاد الجو الحاكم في بعض الأوساط !
يضاف الى ذلك أن الكتاب الشيعي في عصرنا متهم بالإضرار بالوحدة الاسلامية، وإثارة الحساسية والتفرقة بين المسلمين..
وكأن وحدة المسلمين في مواجهة أعدائهم لا تتحقق إلا بإغماض العيون وإغلاق باب البحث العلمي في العقائد والصحابة وأهل البيت، ثم لا تتحقق إلا بأن يتحمل الشيعة فتاوى التكفير وسيل التهم الشتائم، تطبيقاً لقانون حرمة الدفاع عن النفس !
ما هو الحل إذن ؟
الحل هو الموقف المنطقي العقلاني، الذي ينبغي أن يتفهمه الطرفان فلا الوحدة تعني ترك الالتزام بالمذهب، وتحريم البحث العلمي في مسائل العقيدة والشريعة. ولا حرية البحث العلمي تبررعدم مراعاة الأدب الانساني وأدب الأخوة في الدين...
ولهذه الحرية ينبغي أن تتسع الصدور، وبهذا الأدب ينبغي أن يتأدب المتكلمون والكتاب.
إن الوحدة الإسلامية تعني وحدة المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم وقومياتهم في صف سياسي واحد، في مواجهة أعدائهم ونصرة قضاياهم، مع حفظ حرية التمذهب داخل هذا الصف، وحفظ حرية التفكير والتعبير ضمن الأدب الإسلامي والإنساني..
وإذا عودنا جمهورنا المسلم على هذه الحرية وهذا الأدب، نكون قد روَّضنا جبهتنا الداخلية على التفهم والتفاهم، وقدمنا الى العالم نموذجاً لحرية الرأي والمعتقد داخل مجتمعاتنا.
فما المانع أن يصلي المسلم السني الى جانب أخيه الشيعي، ويتحمل أحدهما من أخيه أن يُسْبِل يديه في صلاته، أو يَكْتَفِهما، أو يرفعهما بالقنوت لربه، أو يصلي بدون قنوت ؟
وما المانع أن يقرأ السني كتاباً شيعياً يذكر فيه الأدلة على أن هذا الصحابي قد خالف النبي في حياته، أو انحرف عنه بعد وفاته؟ أو يقرأ الشيعي كتاباً سنياً يذكر فيه الأدلة على عدالة جميع الصحابة ، ووجوب موالاتهم وموالاة أوليائهم، وأنهم أفضل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ؟
وما المانع أن يقوم السني مع أخيه الشيعي بعملية ضد الاحتلال الصهيوني فيبدأها الشيعي بنداء (يا ألله يا محمد يا علي) ويبدأها السني بنداء (يا ألله يا محمد يا عمر) ؟
إن من غير المعقول أن ننتظر من أتباع المذاهب أن يحققوا الوحدة الاسلامية باتباع مذهب واحد فهذه المذاهب ستبقى
كما يبدو حتى ظهور الإمام المهدي عليه السلام، الذي يعتقد به الجميع، ويوحد الإسلام في مذهبه الأصلي ولا حل إذن إلا بالتعايش بين أهل المذاهب وتحقيق الوحدة العامة الخارجية، وإعطاء حرية البحث السليم داخلياً.
من الأمور التي لفتت نظري أثناء مطالعة الفكر السياسي عندنا أهل السنة بقاؤه على سذاجته خلال كل العصور رغم تقدم الفكر الإسلامي في العلوم والطب والعمارة والفنون والإجتماع وغير ذلك من ضروب المعرفة، على النحو المفصل في الكتب المعنية. وحين اطلعت أكثر، كدت أوقن أن ذلك لم يكن عيباً فينا بقدر ما كان رغبة في الحكومات التي حكمتنا باسم الإسلام ، وسياسة مبرمجة للابقاء على هذا الجمهور معصوب العينين، حتى لا يفهم، وإن كان قد سمح له أن يتقدم في غير ذلك من ضروب المعرفة، يعمل فيها عقله، ويرى فيها رأيه.
ثم إني رأيت من تناولوا الحديث في مسائل السياسة عند هذا الجمهور لم يدخروا وسعاً في الحفاظ على البَلَه السياسي الذي عشش على عقول القوم، بل أفرطوا في تقديس (ما ومن) لا يستحق التقديس، ربما عن اعتقاد منهم بذلك، وربما إرضاء للسلاطين، وهو ما أميل اليه، حتى رأينا عالماً كابن خلدون يبذ عصره ويفوق زمانه فيما يختص بآرائه في علم الإجتماع ويدون من النظريات ما سبق به علماء الغرب بقرون، لكنه ـ وفي نفس الوقت ـ يصل الى درجة من التخلف وهو يكتب عن مسائل علم السياسة يستحي منها كل عاقل، ثم ينسب ما كتبه الى الإسلام.
وقد دفعتني هذه الظاهرة الى استطلاع ما كتبه العلماء في مسألة واحدة من مسائل علم السياسة وهي: تعيين القيادة، أو انتاج الأمة لقيادتها فحسب، دون التطرق الى غير ذلك من أصول وفروع العلم السياسة.
ولما استسخفت ما هو مكتوب وما أريد لنا تقديسه بلا نقاش، طالعت ما عند الشيعة، فليس تاريخ المسلمين ولا دينهم ولا كتابهم ولا نبيهم ورسالته حكراً على فرقة دون أخرى، حتى يحق لها وحدها أن ترى فيه رأيها، وتسلطه في كثير من الأحيان على كل المسلمين.
وانتهيـت في هذه المسـألة ـ تعيين القيـادة في الأمة الإسلاميـة ـ الى آراء تختلف عما نشأت عليه في البيت والمدرسة والمسجد والمجتمع.
ولا أزعم أني سكن ما بي، كما أني لا أريد أن ألزم الناس بما انتهيت إليه، خصوصاً وأن أشباه القناعات التي انتهيت اليها ثقلت بي حتى أمالتني إلى وجهة قد يحسها القارىء أو يراها رأي العين.
المصادر:
بتصرف من کتاب الامامة والقيادة / الدکتور احمد عز الدين

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.