
اثر نزول القرآن الکريم في حياة المجتمع الذي کان يقطن آنذاک الجزيرة العرية تاثيرا بالغا في تحول المجتمع البدائي البدوي الی مجتمع متمدن متطور اکثر مما کان عليه حتی اصبحا يسمون المجتمع قبل الاسلام بالجاهلي علی الرغم مما له من ادب رفيع .. وتوسعت الاثار الايجابية الی باقي انحاء العالم واستمرت الی يومنا هذا ، وکانت هذه التحولات في ابسط صورها علی ثلاث محاور هي :
ألف - تحرير القرآن للإنسان من الوثنيّة .
ب - تحرير القرآن للعقول .
ج - تحرير القرآن للإنسان من عبوديّة الشهوة .
ألف - تحرير القرآن للانسان من الوثنية :
كان العرب - الذين نزل القرآن الكريم علىََ النبي صلى الله عليه و آله في حوزتهم - يعتقدون في اللَّه أ نّه إله خالق ، مدبر للعالم : «ولئن سألتهم مَن خَلَقَهم ليقولنّ اللَّه ... »(1)ولكنهم افترضوا - لضعف تفكيرهم ، وبعد عهدهم من النبوة والانبياء - وجود وسطاء وهميين بينهم وبين اللَّه تعالىََ ، وزعموا لهؤلاء الوسطاء الذين تخيلوهم قدرة علىََ النفع والضر ، فجسدوهم في أصنام من الحجارة ، وأشركوا هذه الأصنام مع اللَّه في العبادة ، والدعاء حتىََ تطورت فكرة الوساطة في أذهانهم الىََ الاعتقاد بالوهية الوسطاء ، ومشاركة تلك الأصنام للَّهفي تدبير الكون وكادت أن تمحىََ فكرة التمييز بين الوسطاء واللَّه تعالىََ ، وسادت الوثنية بأبشع أشكالها ، وانغمس العرب في الشرك وعبادة الأصنام ، وتأليهها ، فكان لكل قبيلة أو مدينة صنم خاص ، بل كان لكل بيت صنم خصوصي ، فقد قال الكلبي : « كان لأهل كل دار من مكة صنم في دارهم يعبدونه فاذا أراد أحدهم السفر كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به ، وإذا قدم من سفر كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسح به أيضاً »(2) ، وقد كان في جوف الكعبة وفي فنائها ثلاثمائة وستون صنماً .
وأدّىََ الأمر بالعرب الىََ تقديس الحجارة بصورة عامّة ، وإسباغ الطابع الالهي عليها ، ففي صحيح البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال : « كنا نعبد الحجر ، فاذا وجدنا حجراً هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر ، فاذا لم نجد حجراً جمعنا حثوة من تراب ثمّ جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثمّ طفنا به »(3) ، وقال الكلبي : « كان الرجل إذا سافر فنزل منزلاً أخذ أربعة أحجار فنظر الىََ أحسنها فاتخذه ربّاً وجعل ثلاث أثافي لقدره وإذا ارتحل تركه »(4) .
ولم يقتصر العرب علىََ عبادة الاحجار ، بل كان لهم آلهة شتّىََ ، من الملائكة والجن والكواكب ، فكانوا يعتقدون أنّ الملائكة بنات اللَّه ، واتخذوا من الجن شركاء له وآمنوا بقدرتهم وعبدوهم .
ويروىََ عن حمير عبادة الشمس ، وعن كنانة عبادة القمر ، وعن لخم وجذام عبادة المشتري ، وعن أسد عبادة عطارد ، وعن طي عبادة سهيل(5) .
وكان في العرب يهود ونصارىََ الىََ جانب تلك الكثرة من المشركين ، ولكن اليهودية والنصرانية لم يكن بامكانها أنْ تصنع شيئاً بعد أن منيت هي نفسها بالتحريف والزيغ ، وأصبحت مجرد شعارات وطقوس ، وبعد أن امتزجت المسيحية العالمية بوثنية الرومان ، وأضحت لوناً من ألوان الشرك ؛ فلم تكن النصرانية أو اليهودية في بلاد العرب إلّانسختين من اليهودية في الشام ، والنصرانية في بلاد الروم والشام ، تحملان كلّ ما منيت بها هاتان الديانتان من نكسات وزيف .
وهذه الصورة العامة عن الوثنية والشرك في بلاد العرب ، تكفي لكي نتصور مدى ما بلغه الانسان الجاهلي من ضعة ، وميوعة ، وتنازل عن الكرامة الانسانية ، حتىََ أصبح يدين بعبادة الحجر ، ويربط وجوده وكلّ آماله وآلامه بكومة من تراب .
وما من ريب في أنّ عبادة الاصنام ، والاحساس بالعبودية والذلة بين يديها ، والسجود أمامها ، كل ذلك يترك في النفس من الآثار الروحية والفكرية ما يفقد الانسان كرامته ، ويجمد فيه طاقاته المتنوعة ، ويجعله أقرب للخضوع والخنوع والاستسلام ، لكلّ قوّة أو قوىََ ما دام يستسلم لأخس الكائنات وأتفهها .
ولم يكن وضع العقيدة والعبادة ، في سائر أرجاء العالم أحسن حالاً منه في بلاد العرب ، لأنّ الوثنية بمختلف اشكالها كانت هي المسيطرة ، إمّا بصورة صريحة ، كما في الهند والصين وإيران ، أو بصورة مبطنة ، كما في اُوروبا المسيحية التي تسلّلت فيها وثنية الرومان الىََ النصرانية وشوّهت معالمها .
والعبادة للاصنام ، أو للملوك ، ولأرباب الاديان ، كانت في كل مكان فلا تجد إلّاانساناً يعبد نظيره أو ما هو أخس منه من الكائنات ، أو انساناً يزعم لنفسه العبادة والحق الالهي في الطاعة والسيادة .
في هذا الجو الوثني المسعور جاء القرآن الكريم ليرتفع بالانسان من الحضيض الذي هوىََ إليه ، ويحرّره من أسر الوثنية ومهانتها ، ومختلف العبوديات المزيّفة التي مني بها ، ويركّز بدلاً عنها فكرة العبودية المخلصة للَّهوحده لا شريك له ، ويعيد للانسان إيمانه بكرامته وربّه .
فانظروا الىََ هذه النصوص القرآنية التالية لتجدوا كيف يؤكد القرآن على فكرة العبادة للَّه وحده ، ويهيب بالانسان الىََ التحررمن كل عبادة سواها :
«يا أيها الناس ضُرب مثلٌ فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون اللَّه لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذّباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب * ما قدروا اللَّه حقّ قدْره إنّ اللَّه لقوي عزيز »(6).
«قل يا أهل الكتاب تعالوا الىََ كلمة سواء بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّااللَّه ولا نشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللَّه ... »(7).
«اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللَّه والمسيح ابن مريم وما اُمروا إلّاليعبدوا إلهاً واحداً لا إله الّا هو سبحانه عمّا يشركون »(8).
وقد استطاع القرآن أن ينتصر علىََ الوثنية وألوانها المختلفة ، ويصنع من المشركين اُمّة موحدة تؤمن باللَّه ، لا ايماناً نظرياً فحسب بل ايماناً يجري مع دمائها وينعكس في كل جوانب حياتها .
وقد كان لهذا الايمان الذي زرعه القرآن في النفوس مثل فعل السحر ؛ فما يدخل في قلب الانسان إلّاحوّله انساناً آخر ، في مشاعره وعواطفه وقوّة نفسه وعظمة أهدافه واحساسه بكرامته ؛ وفي المثالين التاليين نستطيع أن نتبيّن ذلك بوضوح :
1 - عن أبي موسىََ قال : « انتهينا الىََ النجاشي وهو جالس في مجلسه ، وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة عن يساره والقسّيسون جلوس سماطين وقد قال له عمرو وعمارة : انهم لا يسجدون لك ، فلما انتهينا ، بدأنا من عنده من القسيسين والرهبان : اسجدوا للملك ، فقال جعفر : لا نسجد الّا للَّه عزّ وجل »(9) .
2 - أرسل سعد قبل القادسية ربعي بن عامر رسولاً الىََ رستم قائد الجيوش الفارسية واميرهم ، فدخل عليه وقد زيّنوا مجلسه بالنمارق والزرابي الحرير ، وقد جلس علىََ سرير من ذهب وعليه تاجه المزين باليواقيت واللآلئ الثمينة ، ودخل ربعي بثياب صفيقة ، وترس وفرس قصيرة ، ولم يزل راكبها حتىََ داس بها علىََ طرف البساط ، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد ، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته علىََ رأسه . فقالوا له : ضع سلاحك فقال : إن تركتموني هكذا وإلّا رجعت ، فقال رستم : ائذنوا له ، فأقبل يتوكأ علىََ رمحه ، فقال له : ما جاء بكم فقال : اللَّه ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد الىََ عبادة اللَّه ، ومن ضيق الدنيا الىََ سعتها ، ومن جور الاديان الىََ عدل الاسلام(10) .
هكذا استطاع القرآن عن طريق زرع الايمان باللَّه وتربية المسلمين علىََ التوحيد والشعور بالعبودية للَّه وحده ، استطاع عن هذا الطريق أن يجعل من اُولئك الذين كانوا يخضعون للحجارة ، ويدينون بسيادتها اُمّة موحدة لا تخضع إلّاللَّه، ولا تتذلل لقوة علىََ وجه الارض ولا تستكين لجبروت الملك وعظمة الدنيا ، ولو في أحرج اللحظات وتمتد بأهدافها نحو تغيير العالم ، وهداية شعوب الارض الىََ التوحيد والاسلام ، وانقاذها من أسر الوثنية ، ومختلف العبوديات للآلهة المزيّفة والارباب المصطنعة .
أب - تحرير القرآن للعقول :
كانت الأساطير والخرافات شائعة بين العرب ، نظراً لانخفاض مستواهم الفكري واُميتهم بصورة عامة ، فكانوا يعتقدون - مثلاً - أنّ نفس الانسان طائر ينبسط في جسم الانسان ، فاذا ما مات أو قتل يكبر هذا الطائر حتىََ يصير في حجم البوم ، ويبقىََ ابداً يصرخ ويتوحش ويسكن في الديار المعطلة والمقابر ويسمّونه الهام . كما كانوا يعتقدون بالغيلان ويؤمنون بأساطيرها ، ويزعمون أنّ الغول يتغول لهم في الخلوات ، ويظهر لخواصهم في أنواع من الصور ، فيخاطبونها وربما ضيفوها ، وكانت لهم أبيات من الرجز يتناقلون حفظها ، ويعتقدون أنّ فائدتها هي طرد الغيلان اذا اعترضتهم في طريقهم وأسفارهم ، الىََ غير ذلك من العقائد الخرافية التي كانوا يؤمنون بها .وقد جاء القرآن الكريم برسالة الاسلام ، فحارب تلك العقائد والخرافات ، ومحا تلك الأوهام عن طريق تنوير عقول العرب والدعوة الىََ التفكير الاصيل ، والتدبر والاعتماد علىََ العقل ، والمطالبة برفض التقليد ، وعدم الجمود علىََ تراث السلف ، بدون تمحيص أو تحقيق ؛ قال اللَّه تعالىََ : «واذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل اللَّه قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون »(11).
وقد أدت هذه الدعوة من القرآن الىََ تعريض كل الافكار السابقة والموروثة الىََ الامتحان من جديد على ضوء المنطق ، والعقل ، وعلىََ هدىََ الاسلام ، فأسفر ذلك عن اضمحلال تلك الخرافات ، وزوال تلك العقائد الجاهلية ، وتحرر العقول من قيودها ، وانطلاقها في طريق التفكير السليم .
وقد حثّ القرآن بصورة خاصة علىََ التفكير في الكون ، والتأمّل في أسراره ، واكتشاف آيات اللَّه المنتشرة فيه ، ووجّه الانسان هذه الوجهة الصالحة بدلاً عن التشاغل بخرافات الماضين وأساطيرهم :
«قل انظروا ماذا في السّماوات والأرض »(12).
«قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق »(13).
«أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها »(14).
«أفلا ينظرون إلىََ الابل كيف خُلقت »(15).
ولم يكتف القرآن بالحث علىََ دراسة الكون وما فيه من اسرار بل ربط ذلك بالايمان باللَّه واعلن أنّ العلم هو خير دليل للايمان باللَّه وأنّ الايمان يتأكّد كلما اكتشف الانسان وتقدم في ميادين العلم لانه يطلع علىََ عظيم آيات اللَّه ، وحكيم صنعه وتدبيره ، قال اللَّه تعالىََ : «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتّىََ يتبيّن لهم أ نّه الحق أوَ لم يكف بربّك انّه علىََ كلّ شيءٍ شهيد »(16).
وبذلك أعطىََ القرآن مفهوم مواكبة الايمان للعلم ، وأنّ العقيدة باللَّه تتمشىََ مع العلم علىََ خط واحد ، وأنّ اكتشاف الأسباب والقوانين في هذا الكون يعزز هذه العقيدة بأنه يكشف عن عظيم حكمة الصانع وتدبيره .
وعلىََ أساس هذا الموقف القرآني ، وما رفضه من التقليد ، وما شجع عليه من التفكير والتدبّر كانت الامة التي صنعها الكتاب الكريم مصدر العلم والثقافة في العالم ، بدلاً عن خرافات البوم والغيلان ، حتىََ اعترف المؤرخون الاوربيون بهذه الحقيقة أيضاً ؛ فقال الدوري الوزير والمؤرّخ الفرنسي : « إنّ النبي جمع قبائل العرب اُمّة واحدة رفعت أعلام التمدن في أقطار الارض ، وكانوا في القرون المتوسطة مختصين بالعلوم، من بين سائر الامم، وانقشعت بسببهم سحائب البربرية التي امتدت علىََ اُوربا » .
أج - تحرير القرآن للانسان من عبودية الشهوة :
كما حرّر القرآن عقيدة الانسان من الوثنية وعقله من الخرافة كذلك حرر إرادته من سيطرة الشهوة ، فصار الانسان المسلم - نتيجة لتربية القرآن له - قادراً علىََ مقاومة شهواته وضبطها والصمود في وجه الاغراء وألوان الهوىََ المتنوعة ؛ وفيما يلي نموذج قرآني من نماذج تغذية هذا الصمود وتركيزه في نفوس المسلمين :قال اللَّه تعالىََ : «زُيّن للناس حبّ الشهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا واللَّه عنده حسن المآب * قل أؤُنبِّئكُم بخيرٍ من ذلكم للذين اتّقوا عند ربّهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهّرة ورضوان من اللَّه واللَّه بصيرٌ بالعباد »(17).
بهذا وغيره من نماذج التربية والترويض استطاع القرآن والاسلام ان يحرر الانسان من العبودية لشهواته الداخلية التي تختلج في نفسه ، لتُصبح الشهوة اداة تنبيه للانسان الىََ ما يشتهيه ، لا قوة دافعة تسخر إرادة الانسان دون ان يملك بأزائها حولاً أو طولاً ؛ وقد اطلق الرسول الاعظم صلى الله عليه و آله علىََ عملية تحرير الانسان هذه من شهواته الداخلية اسم « الجهاد الاكبر » .
واذا لاحظنا قصة تحريم الخمر في الاسلام استطعنا أن ندرك - من خلال هذا المثال - مدىََ نجاح القرآن في تحرير الانسان المسلم من أسر الشهوة وتنمية إرادته وصموده ضدها ؛ فقد كان العرب في الجاهلية مولعين بشرب الخمر معتادين عليها ، حتىََ أصبح ضرورة من ضرورات الحياة بحكم العادة والالفة ، وشغلت الخمر جانباً كبيراً من شعرهم وتأريخهم وأدبهم ، وكثرت أسماؤها وصفاتها في لغتهم ، وكانت حوانيت الخمارين مفتوحة دائماً ترفرف عليها الأعلام ، وكان من شيوع تجارة الخمر أن أصبحت كلمة التجارة مرادفة لبيع الخمر في مثل هذا الشعب المغرم بالخمر نزل القرآن الكريم بقوله تعالىََ : «يا أ يّها الذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون »(18).
فما قال القرآن «اجتنبوه »إلّاوانطلق المسلمون الىََ زقاق خمورهم يشقونها بالمدي والسكاكين يريقون ما فيها ، ويفتشون في بيوتهم لعلّهم يجدون بقية من خمر فاتهم ان يريقوها ، وتحولت الاُمّة القرآنية في لحظة الىََ اُمّة تحارب الخمر وتترفع عن استعماله ، كل ذلك حدث لأنّ الاُمّة كانت مالكة لارادتها ، ( حرة ) في مقابل شهواتها ، قادرة علىََ الصمود أمام دوافعها الحيوانية ، وأن تقول بكلّ صرامة وجد حين يدعو الموقف الىََ ذلك، وبكلمة مختصرة كانت تتمتع «بحرية ( حقيقية ) تسمح لها بالتحكم في سلوكها » .
وفي مقابل تلك التجربة الناجحة التي مارسها القرآن الكريم لتحريم الخمر نجد أنّ أرقىََ شعوب العالم الغربي مدنية وثقافة فشل في تجربة مماثلة ؛ فقد حاولت الولايات المتحدة الاميركية في القرن العشرين أن تخلص شعبها من مضار الخمر فشرعت في سنة ( 1920 ) قانوناً لتحريم الخمر ، ومهدت لهذا القانون بدعاية واسعة عن طريق السينما والتمثيل والاذاعة ونشر الكتب والرسائل ، وكلّها تبين مضار الخمر مدعومة بالاحصائيات الدقيقة والدراسات الطبية .
وقد قُدِّر ما انفق علىََ هذه الدعاية ( 65 ) مليوناً من الدولارات ، وسوّدت تسعة آلاف مليون صفحة في بيان مضارّ الخمر والزجر عنها ، ودلت الاحصائيات للفترة الواقعة بين تأريخ تشريعه وبين تشرين الاول ( 1933 ) أ نّه قُتل في سبيل تنفيذ هذا القانون مائتا نسمة ، وحبس نصف مليون نسمة ، وغرم المخالفون له غرامات تبلغ مليوناً ونصف المليون من الجنيهات ، وصودرت اموال بسبب مخالفته تقدر باربعمائة مليون جنيه ، وأخيراً اضطرت الحكومة الاميركية الىََ الغاء قانون التحريم في أواخر سنة ( 1933 ) ، وفشلت التجربة .
والسبب في ذلك أنّ الحضارات الغربية بالرغم من مناداتها بالحرية لم تستطع بل لم تحاول ان تمنح الانسان الغربي ( الحرية الحقيقية ) التي حقّقها القرآن الكريم للانسان المسلم ، وهي حريته في مقابل شهواته وامتلاكه لارادته أمام دوافعه الحيوانية ، فقد ظنت الحضارات الغربية أنّ ( الحرية ) هي أن يقال للانسان : اسلك كما تشاء وتصرّف كما تريد ، وتركت لاجل ذلك معركة التحرير الداخلي للانسان من سيطرة تلك الشهوات والدوافع ، فظلّ الانسان الغربي أسير شهواته عاجزاً عن امتلاك ارادته والتغلّب علىََ نزعاته ، بالرغم من كلّ ما وصل إليه من علم وثقافة .
المصادر:
1- الزخرف : 87
2- الأصنام للكلبي : 33
3- صحيح البخاري 5 : 216
4- الأصنام للكلبي : 33
5- الأصنام للكلبي: 22
6- الحج : 73 ، 74
7- آل عمران : 64
8- التوبة : 31
9- البداية والنهاية 3 : 89
10- البداية والنهاية 7 : 46
11- البقرة : 170
12- يونس : 101
13- العنكبوت : 20
14- الحج : 46
15- الغاشية : 17
16- فصلت : 53
17- آل عمران : 14 ، 15
18- المائدة : 90