الاحتجاج بالاعتصام والمقاطعة

الذي يستفاد من الأخبار والاحاديث التي وصلت الينا من طريق أهل البيت عليهم السلام إن فاطمة عليها السلام ولدت على فطرة الإسلام وبعد نزول الوحي على أبيها صلى الله عليه وآله وسلم خلافا لما في بعض كتب العامة ، فاليك بعض نصوصها :
Saturday, January 7, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الاحتجاج بالاعتصام والمقاطعة
 الاحتجاج بالاعتصام والمقاطعة

 





 

الذي يستفاد من الأخبار والاحاديث التي وصلت الينا من طريق أهل البيت عليهم السلام إن فاطمة عليها السلام ولدت على فطرة الإسلام وبعد نزول الوحي على أبيها صلى الله عليه وآله وسلم خلافا لما في بعض كتب العامة ، فاليك بعض نصوصها :
1 ـ قال علي بن الحسين عليهم السلام في حديث طويل : ولم يولد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خديجة عليها السلام على فطرة الاسلام إلاّ فاطمة عليها السلام ، وقد كانت خديجة قبل الهجرة بسنة ، ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة (1) ...
2 ـ عن حبيب السجستاني قال : سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول : ولدت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد مبعوث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين ، وتوفيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما (2) .
3 ـ عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ولدت فاطمة في جمادي الآخرة اليوم العشرين منها سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأقامت بمكة ثمان سنين ، وبالمدينة عشر سنين وبعد وفاة ابيها خمساً وسبعين يوماً (3) .
4 ـ قال ابن الخشاب في تاريخ مواليد ووفاة أهل البيت عليهم السلام نقله عن شيوخه يرفعه عن أبي جعفر محمد بن علي عليها السلام قال : ولدت فاطمة بعد ما أظهر الله نبوة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وانزل عليه الوحي بخمس سنين وقريش تبني البيت ، وتوفيت ولها ثمانية عشر سنة وخمسة وسبعون يوماً (4) .
أقول : قوله « وقريش تبني البيت » لا تنطبق على نزول الوحي ، لأنّ بناء البيت منهم كان قبل المبعث . ثم هذا الموقف أخبار تؤكد وتؤيد مضامين تلك الأخبار ، وهي روايات تدل على انه صلى الله عليه وآله وسلم اسري به إلى السماء وادخل الجنة فتناول من ثمار الجنة ، فلما رجع واقع خديجة عليها السلام فتكوت نطفة فاطمة الزهراء عليها السلام من تلك الثمار ، ومعلوم ان قضية الاسراء وقعت بعد البعثة بلا خلاف .

شهادة الصديقة فاطمة عليها السلام

إلام التـوانـي صـاحب الطـلعة الغـرا *** اما آن مــن أعــداك ان تـطلب الوتـرا
فديناك لم أغضيت عــمّا جـرى عـلى *** بني المصطفى منها وقـد صدع الصــخرا
أتـغضي وتـنسى امك الطـهر فــاطما *** غداة عليها القـوم قـد هــجموا جــهرا
أتغـضي وشبوا النـار فـي بـاب دارها *** وقـد اوسعوا في عصـرهم ضلعها كسـرا
أتغضي ومنها أسقطوا الطــهر مـحسنا *** وقادوا عـلي المــرتضى بـعلها قسـرا
أتـغضي وسـوط العـبد وشـح مـتنها *** ومن لطمة الطاغي غــدت عينها حـمرا
أتغضي وقـد مــاتت ومـلؤ فـوادهـا *** شــجىً وعـلي بـعد شـيعّها سـرا (5)
اما كيفية شهادتها بنعل عليها السلام فلقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام سبب وفاتها عليها السلام : أن قنفذ مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً ، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً (6)
وكان علي عليه السلام يمرضها بنفسه ، وتعينه على ذلك السماء بنت عميس ، وفي يوم دخلت نسوة من المهاجرين والانصار على فاطمة بنت رسول الله يعدنها فقلن : السلام عليك يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف أصبحت ؟ فقالت : أصبحت والله عائفة لديناكن قالية لرجالكم ، لفظتهم بعد اذ مججتهم وسئمتهم بعد ان سبرتهم ، فقبحاً لافون الرأي وخطل القول وخور القناة ، ولبئس ما قدمت لهم انفسهم ان سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون لا جرم الله لقد قلدتهم ربقتها وشننت عليهم عارها فجدعا ورغما للقوم الظالمين .
ويحهم أنى زحزحوها عن ابي الحسن ، مانقموا والله منه إلاّ نكير سيفه ونكال وقعه ، وتنمره في ذات الله ، وتالله لو تكافوا عليه عن زمام نبذه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأتميله ، ثم لسار بهم سيرة سجحا فانه قواعد الرسالة ورواسي النبوة ، ومهبط الروح الامين ، والطبيب بأمر الدين والدنيا والاخرة إلاّ ذلك هو الخسران المبين ، والله لا يلتكم خشاشة ، ولا يتعتع راكبه ، ولا وردهم منهلا رويا فضفاضا تطفح ضفته ، ولا صدرهم بطانا قد خثر بهم الري ، غير متحل بطائل إلاّ تغمر الناهل وردع سورة سغب ، ولو فتحت عليهم بركات من السماء والأرض وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ، فهلم فاسمع ، فما عشت اراك الدهر عجبا ، وان تعجب بعد الحادث ، فما بالهم باي سند استندوا ، ام بأي عروة تمسكوا ، لبئس العشير ، وبئس للظالمين بدلا ، استبدلوا الذنابى بالقوادم ، والحرون بالقاحم ، والعجز بالكاهل ، فتعسا لقوم يحسبون انهم يحسنون صنعا ، ألا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، أفمن يهدي إلى الحق احق ان يتبع ام من لا يهدي إلاّ ان يهدي لكم كيف تحكمون . لقحت قنطرة فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتبلوا طلاع القعب دما عبيطا ، وذعافا ممضا ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غب ما أسس الاولون ، ثم طيبوا بعد ذلك بانفسكم لفتنها ، ثم اطمأنوا للفتنة جأشا وابشروا بسيف صارم ، وهرج دائم شامل ، واستبداد من الظالمين . يدع فيئكم زهيداً ، وجمعكم حصيدا ، فيا حسرة لهم ، ولقد عميت عليهم الانباء أنلزمكموها وانتم كارهون (7) .

الهموم المتراكمة

ليس المرض لوحده سبب الام الزهراء ، عليها السلام ووجدها وحزنها ، وانما كانت الهموم تجتاحها من كل حدب وصوب ، فحينما كانت تمد جسدها النحيل المكدور على جلد الكبش وتتكىء على وسادة الليف ، تنساب الخواطر إلى رأسها الشريف ، وتهجم عليها الهواجس ، وكأنّ لسان حالها الشريف : آه ... تركوا وصية ابي ... وغصبوا الخلافة من زوجي ؟! ولن تنتهي آثارها إلى يوم القيامة ... فبئس عاقبة الخلافة التي توسلت بالحيلة والجور .. بماذا سار المسلمون وانتشرت كلمة الاسلام ؟! بوحدة الكلمة ! والاتحاد بين فصائل المجتمع وصلوا إلى العظمة والرقي ...
آه .. اذهبوا ريحهم .. واوقعوا الخلاف بينهم ، وبدلوا قوة الاسلام الواحدة وطاقة المسلمين المهيبة إلى قوى وطاقات متناثرة ، وجروا العالم الاسلامي إلى العجز والضعف والفرقة والذالة... آه ... انا فاطمة ـ عزيزة رسول الله ـ ارقد الآن على فراش المرض ؟! لم يخف انيني من ضربات هذه الأمة المبرحة .. وأقف على اعتاب الموت ؟ ... أين وصايا أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .
.. رباه .. أعلي الشجاع القوي أراه ـ اليوم ـ مضطراً إلى السكوت عن حقه المشروع لحفظ مصلحة الاسلام العليا ؟ ...
اقتربت ساعتي .. وحان أجلي .. وها أنذا أودع الحياة في ربيع عمري وأيام شبابي ... وسأنجو من الهموم والغصص ...
ولكن .. ماذا عن أيتامي الذين سيبقون بعدي ؟ .. أولادي .. الحسن .. الحسين .. زينب .. أم كلثوم ..
آه .. ياللمصائب التي تصب عليهم ـ أيتامي الأعزاء على قلبي ـ . فاني سمعت ابي يقول ـ مراراً ـ : يموت ولدك الحسن مسموماً ، والحسين مقتولاً بالسيف شهيداً عطشاناً .. وهذه علامات ذلك وامارته تلوح لي وأراها بعيني ... كان صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ صغيري الحسين ـ مرة ـ ويقبل نحره ويبكي لمصيبة ، ويأخذ الحسن ـ اخرى ـ ويلصق صدره بصدره ويقبله في فمه ، ويذكر مصائب زينب ، وأم كلثوم فيبكي ...
نعم .. كانت تمر هذه الخواطر في ذهن فاطمة عليها السلام وتؤلمها ، فتشحب يوما بعد يوم ، وتنحل ساعة بعد ساعة ، وقد ورد في الاثر ان فاطمة لما حضرتها الوفاة بكت ، فقال لها أمير المؤمنين : يا سيدتي ما يبكيك ؟ قالت : أبكي لما تلقى بعدي ، فقال لها : لا تبكي ، فوالله ان ذلك لصغير عندي في ذات الله (8) .

العيادة المبغوضة

كان الصحابة رجالاً ونساءً يعودون فاطمة عليها السلام بين الحين والحين ، إلاّ عمر وأبابكر لم يعوداها لأنها قاطعتهم ورفضتهم ولم تأذن لهم بعيادتها ، وحينما ثقل عليها المرض وقاربتها الوفاة لم يجدا بداً من عبادتها لئلا تموت بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي ساخطة عليهما ، وتبقى وصمة العار تلاحق الخليفة وجهازه الحاكم إلى يوم القيامة .
فجاء لعيادتها تحت ضغط الرأي العام ، فسألا عنها ، وقالا لأمير المؤمنين عليه السلام : قد كان بيننا وبينها ما قد علمت فان رأيت ان تأذن لنا لنعتذر اليها من ذنبنا .
قال : ذلك اليكما . فقاما فجلسا الباب .
ودخل علي عليه السلام على فاطمة عليها السلام فقال لها : أيتها الحرة ، فلان وفلان بالباب ، يريدان ان يسلما عليك فما تريدين ؟ قالت : البيت بيتك ، والحرة زوجتك ، افعل ما تشاء !
فقال : شدي قناعك ، فشدت قناعها ، وحولت وجهها إلى الحائط . فدخلا وسلما وقالا : ارضي عنا رضي الله عنك ، فقالت : مادعا إلى هذا ؟ فقالا : اعترفنا بالإساءة ورجونا ان تعفي عنا . فقالت : ان كنتما صادقين فأخبراني عم أسألكم عنه ، فإني لا أسألكما عن أمر إلاّ وانا عارفة ، بانكما تعلمانه ، فان صدقتماني علمت انكما صادقان في مجيئكما . قالا : سلي عما بدالك . قالت : نشدتكما بالله ، هل سمعتما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني » ؟ قالا : نعم .
فرفعت يدها إلى السماء ، فقالت : اللهم انهما قد أذاني ، فأنا اشكوهما اليك وإلى رسولك ، لا والله لا أرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما .
قال : فعند ذلك دعا أو بكر بالويل والثبور ، فقال عمر : تجزع يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قول امرأة (9) .

وصية فاطمة عليها السلام

مرضت فاطمة عليها السلام مرضاً شديداً ، ومكثت اربعين ليلة في مرضها ، فلما نعيت اليها نفسها قالت لعلي عليه السلام : يابن عم ، انه قد نعيت الي نفسي ، وانني لا أرى مابي إلاّ انني لاحقه بأبي ساعة بعد ساعة ، وانا أوصيك بأشياء في قلبي .
قال لها علي عليه السلام : أوصي بما أحببت يابنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت ، ثم قالت : يابن عم ، ما عهدتني كاذبة ، ولا خائنة ، ولا خالفتك منذ عاشرتني .
فقال عليه السلام : معاذ الله ، أنت أعلم الله وأبر واتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله ، من أن أوبخك بمخالفة ، وقد عزعلي مفارقتك وفقدك إلا انه أمر لابد منه ، والله جددت علي مصيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد عظمت وفاتك وفقدك ، بإنا الله وانا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها ، هذه الله مصيبة لاعزاء لها ، ورزية لا خلف لها ، ثم بكيا جميعاً ساعة (10) . لخّصت فاطمة عليها السلام في هذا الحوار حياتها الزوجية في هذه العبارات ، فذكرت الامير عليه السلام باخلاصها وطهارتها واطاعتها لزوجها .
وشكر لها الإمام وفاءها ، وأثنى على طهارتها وقدسيتها ومعاناتها وتقواها ، وأبدى لها حبة ووده وتعلقه بها . وهاجت بهما الذكريات وحاشت الخواطر وتذكرا حياتهما السعيدة التي غمرتها الغبطة والدفء ، والوقوف جنباً إلى جنب في مواجهة الاحداث والمشاكل وتذليل الصعاب ، فانهمرت لذلك عيناهما بالدموع ، لعلها تطفيء نار القلب التي تقضي على الجسد .
وبعد ان بكيا ساعة أخذ علي عليه السلام رأسها وضمها إلى صدره ثم قال : أوصيني بم شئت ، فانك تجديني فيها أمضي كما امرتيني به ، واختار أمرك على أمري .
ثم قالت : جزاك الله عني خير الجزاء ، وأوصته بوصاياها ، وهي :
1 ـ يابن عم ، أوصيك ان تتزوج بعدي بابنة أختي امامة ، فانها تكون لولدي مثلي ، فإنّ الرجال لابد لهم من النساء (11) .
2 ـ ان أنت تزوجت إمرأة فاجعل لها يوماً وليلة واجعل لاولادي يوماً وليلة ، يا أبا الحسن لا تصح في وجوههم فيصبحا يتيمين غريبين (12) .
3 ـ أوصيك يابن عم ، ان تتخذ لي نعشا ، فقد رأيت الملائكة صوروا صورته ، فقال لها : صفيه لي .. فوصفته ، فاتخذه لها (13) .
4 ـ أوصت لأزواج النبي لكل واحدة منهن اثنتى عشرة أوقية (14) .
5 ـ ولنساء بني هاشم مثل ذلك .
6 ـ وأوصت لأمامة بنت أبي العاص بشيء .
وكانت لها وصية مكتوبة جاء فيها : « هذا ما أوصت فاطمة بنت رسول الله بحوائطها السبع ؛ ذي الحسنى والساقية ، والدلال ، والغراف ، والرقمة ، والهيثم ، ومال أم ابراهيم ، إلى علي بن أبي طالب ، ومن بعده فإلى الحسن ، فإلى الحسين ، ومن بعد الحسين فإلى الاكبر فالاكبر من ولده ، شهد الله على ذلك وكفى به شهيداً ، وشهد المقداد ابن الاسود ، والزبير بن العوام ، وكتب على بن أبي طالب (15) .
وروى ابن عباس وصية مكتوبة اخرى لها عليها السلام جاء فيها : « بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصت وهي تشهد ان لا اله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله ، وان الجنة حق ، والنار حق ، وان الساعة آتية لا ريب فيها ، وان الله يبعث من في القبور ، يا علي : أنا فاطمة بنت محمد ، زوجني الله منك لا كون لك في الدنيا والآخرة ، انت اولى بي من غيري ، حنطني وغسلني وكفني بالليل وصل علي وادفني بالليل ولا تعلم أحدا ، واستودعك الله وأقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة » (16) .

لحظات عمرها الأخيرة

ثقل عليها المرض ، والإمام لا يفارقها ، وأسماء تمرضها ، والحسن والحسين وزينب وام كلثوم عندها ، وهي تفيق مرة ويغشى عليها اخرى من شدة المرض ، وتجيل بصرها في أولادها .. يقول الإمام على عليه السلام : انها لما حضرتها الوفاة فتحت عينيها وقالت : السلام عليك يا جبرئيل ، السلام عليك يا رسول الله ، اللهم احشرني مع رسولك ، اللهم اسكني جنتك وفي جوارك .
ثم قالت : هؤلاء ملائكة ربي ، جبريل ورسول الله حاضرون عندي ، وأبي يقول : القدوم الينا (17) يقول علي عليه السلام : فلما كان الليلة التي أراد الله ان يكرمها ويقبضها إليه اخذت تقول : وعليكم السلام . يابن عم ،هذا جبريل أتاني مسلماً ، وقال : السلام يقرئك السلام يا حبيبة حبيب الله وثمرة فؤاده ـ اليوم تلحقين بالرفيق الاعلى وجنة المأوى ثم انصرف عني .
ثم اخذت تقول : وعليكم السلام ، وتقول : يابن عم ، هذا ميكائيل يقول كقول صاحبه . ثم اخذت ثالثاً تقول : وعليك السلام ، ثم فتحت عينيها شديداً وقالت : يابن عم هذا والله الحق ، عزرائيل نشر جناحه في المشرق والمغرب ، وقد وصفه لي أبي وهذه صفته .
ثم قالت : يا قابض الارواح عجل بي ولا تعذبني ، ثم قالت : اليك ربي لا إلى النار ، ثم غمضت عينيها ، ومدت يديها ورجليها ، وكأنها لم تكن حية قط .
أبكني ان بكيت يـاخير هــادي *** وأسبل الدمع فهو يــوم الفـراق
ياقرين البتول اوصــيك بالنسل *** فـقد أصـبحنا حـليف اشـتياق
أبكنـــي وابك لليتامى ولاتنسى *** قــتيل العـدى بـطف العـراق
فــارقوا فأصــبحوا حـيارى *** يـخلف الله فـهو يـوم الفـراق
وروي عن اسماء ان فاطمة لما حضرتها الوفاة قالت لاسماء : ان جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ لما حضرته الوفاة ـ بكافور من الجنة فقسمه أثلاثاً ، ثلثاً لنفسه ، وثلثا لعلي ، وثلثا لي ، وكان اربعين درهما ، فقالت يا أسماء اتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا وضعيه عند رأسي ، فوضعته ثم قالت يا أسماء أتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا وضعيه عند رأسي ، فوضعته ثم قالت لاسماء حين توضأت وضوءها للصلاة ، هاتي طيبي الذي أتطيب به ، وهاتي ثيابي التي أصلي فيها ، فتوضأت ثم تسجت بثوبها ، ثم قالت : انتظريني هنيئة وادعيني ، فان اجبتك وإلاّ فاعلمي اني قدمت على ابي فأرسلني إلى علي . فانتظرت هنيئة ثم نادتها ، فم تجبها ، فكشف الثوب عن وجهها فاذا بها قد فارقت الدنيا ، فوقعت عليها تقبلها ، فبينا هي كذلك اذ دخل الحسن والحسين فقالا لها : يا أسماء ما ينيم امنا في هذا الساعة ، قالت : يا ابني رسول الله . ليست امكما نائمة ، قد فارقت الدنيا ، فوقع عليها الحسن يقبلها مرة ويقول : يا اماه كلميني قبل ان تفارق روحي بدني ، وأقبل الحسين يقبل رجلها ويقول : انا ابنك الحسين كلميني قبل ان يتصدع قلبي فأموت . قالت لهما اسماء : يا ابني رسول الله ، انطلقا إلى أبيكما علي فاخبراه بموت امكما ، فخرجا حتى اذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء فقالا : قد ماتت أمنا فاطمة عليها السلام فوقع علي عليه السلام على وجهه يقول : بمن العزاء يا بنت محمد ، كنت بك أتعزى فبمن العزاء من بعدك ؟ (18) .

التشييع والدفن

ارتفعت أصوات البكاء من بيت علي عليه السلام فصاح أهل المدينة صيحة واحدة ، واجتمعت نساء بني هاشم في دارها ، فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة تتزعزع لها ، وأقبل الناس مثل عرف الفرس إلى علي عليه السلام ، وهو جالس ، والحسن والحسين بين يديه يبكيان ، وخرجت ام كلثوم ، وهي تقول : يا أبتاه يا رسول الله ، الآن فقدناك حقا لا لقاء بعده ابدا . واجتمع الناس فجلسوا وهم يضجون ، وينتظرون خارج الجنازة ليصلوا عليها ، وخرج أبو ذر ، وقال : انصرفوا فان ابنة رسول الله قد اخر اخرابها في العشية (19) .
وأقبل أبوبكر وعمر يعزيان عليا عليه السلام ، ويقولان له : يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (20) .
ولكن عليا غسلها وكفنها هو واسماء في تلك الليلة ثم نادى : يا ام كلثوم ، يا زينب يا حسن ، يا حسين ، هلموا تزودوا من امكم فهذا الفراق واللقاء والجنة ، وبعد قليل نحاههم امير الؤمنين عليه السلام (21) عنها . ثم صلى علي على الجنازة ، وشيعها والحسن والحسين وعقيل وسلمان وأبوذر والمقداد وعمار وبريدة والعباس وابنة الفضل (22) .
فلما هدأت الاصوات ونامت العيون ومضى شطر من الليل أخرجها امير المؤمنين عليه السلام ودفنها سرا وأهال عليها التراب ، والمشيعون من حوله يترقبون لئلا يعرف القوم ، ويمنعهم المنافقون ، فدفنوها وعفوا تراب قبرها .

وقوف الإمام عليه السلام على قبرها

انتهت مراسم الدفن بسرعة خوفاً من انكشاف امرهم وهجوم القوم عليهم ، فلما نفض الإمام يده من تراب القبر هاج به الحزن فقد بضعة الرسول التي تذكر به وزوجته الودود التي عاشت معه الصفا والطهارة والتضحية ، وتحملت من اجله الاهوال والصعاب فواغوثاه ... من هظمها .. من آلامها ... من تصدع قلبها ... وأغوثاه من كسر ضلعها ... واسوداد عضدها ... واسقاط جنينها ... ولكن .
لكـل اجتماع من خليلين فرقة *** وكـل الذي دون الممات قليل
وان افتقادي فاطم بعد احـمد *** دليل على ان لا يـدوم خـليل
فأرسل دموعه على خديه ، وحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك وزائرتك ، والبائنة
في الثرى ببقعتك ، المختار الله لها سرعة اللحاق بك ، قل ـ يا رسول الله عن صفيتك صبري وضعف عن سيدة النساء تجلدي ، إلاّ ان في التأسي لي بسنتك ، والحزن الذي حل بي لفراقك ، موضع التعزي ، ولقد وسدتك في ملحودة قبرك ، بعد ان فاضت نفسك على صدري ، وغمضتك بيدي وتوليت امرك بنفسي ، نعم ، وفي كتاب الله انعم القبول ، انا الله وانا إليه راجعون ، قد استرجعت الوديعة ، واخذت الرهينة ، واختلست الزهراء ، فما اقبح الخضراء والغبراء ، يا رسول الله .
اما حزني فسرمد ، واما ليلي فمسهد ، لا يبرح الحزن من قلبي او يختار الله لي دارك التي انت مقيم ، كمد مقيح ، وهم مهيج ، سرعان ما فرق الله ( بيننا ) ، وإلى الله أشكو ، وستنبئك ابنتك بتظافر امتك علي ، وعلى هضمها حقها ، فاستخبرها الحال ، فكم من عليل معتلج بصدرها ، لم تجد إلى بثه سبيلا ، وستقول ، ويحكم الله وهو خير الحاكمين . سلام عليك يا رسول الله ، سلام مودع لاسئم ولا قال ، فان انصرف فلا عن ملالة وان اقم فلا عن سوء ظني بما وعد الله الصابرين ، الصبر أيمن واجمل . ولو لا غلبة المستولين علينا ، لجعلت الرزية ، فبعين الله تدفن ابنتك سرا ، ويهتضم حقها قهرا ، ويمنع ارثها جهرا ، ولم يطل العهد ، ولم يخلق منك الذكر ، فالى الله ـ يا رسول الله ـ المشتكى وفيك اجمل العزاء ، فصلوات الله عليها ورحمة الله وبركاته (23) .
وروي ان عليا عليها السلام سوى قبرها مع الأرض مستويا ، وقيل : سوى حواليها قبورا مرورة سبعة حتى لا يعرف احد قبرها ، وروي انه رش اربعين قبرا حتى لا يبين قبرها من غيره من القبور خوفا من الاعداء (24) . فلما اصبح الناس اقبل عمر وأبو بكر والناس يريدون الصلاة على فاطمة عليها السلام . فقال المقداد : قد دفنا فاطمة عليها السلام البارحة .
فالتفت عمر إلى ابي بكر فقال : الم اقل لك ، انهم سيفعلون ؟
قال العباس : انها اوصت ان لاتصليا عليها .
فقال عمر : لا تتركون ـ بني هاشم ـ حسدكم القديم لنا أبدا ، ان هذه الضغائن التي في صدوركم لن تذهب ، والله لقد هممت ان انبشها فاصلي عليها ، فقال علي عليه السلام : والله لو رمت ذاك لارجحت اليك يمينك ، لئن سللت سيفي لا أغمدته دون ازهاق روحك ، فانكسر عمر وسكت وعلم ان علياً اذا حلف صدق (25) .

تاريخ وفاتها عليها السلام

لاشك ان وفاتها عليها السلام كانت في السنة الحادية عشر من الهجرة ـ ظاهراً ـ لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم حج حجة الوداع في السنة العاشرة وتوفي في اوائل السنة الحادية عشر ، واتفق المؤرخون والكتاب على ان فاطمة عاشت بعد ابيها اقل من سنة ، الا انهم اختلفوا في يوم وشهر وفاتها اختلافاً شديداً ، فروى المعروف بالدلائل (26) عن أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام قبضت في جمادي الاخرة ، يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشر من الهجرة . وبه صرح المفيد في المسار (27) ، وفي المصباح (28) ، ونسبه الاقبال (29) إلى جماعة ، فقال : روينا عن جماعة من أصحابنا ذكرناهم في كتاب التعريف للمولد الشريف ، ان وفاة فاطمة عليها السلام كانت يوم ثالث جمادي الآخرة ، وعن ابن همام ، قال : روى لعشر بقين منه .
وعن الكشف (30) قيل : لثلاث ليال من شهر رمضان .
ونقل عن العاصمي (31) باسناده عن محمد بن عمر .
ونقل المصباح (32) ، عن ابن عياش انه في اليوم الحادي والعشرين من رجب ، وبعضهم لم يعين يومه ، لكن قالوا بعيشها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمدة واختلفوا .
قال أبو الفرج (33) فالمكثر يقول : ثمانية اشهر ، والمقلل ، اربعين يوماً . إلاّ ان الثابت في ذلك ماروي عن ابي جعفر محمد بن علي عليها السلام انها توفيت بعده بثلاثة أشهر . حدثني بذلك الحسن بن علي ، عن الحارث ، عن ابن سعيد ، عن الواقدي ، عن عمرو بن دينار ، عنه عليه السلام . قلت : نقل الثلاثة اشهر ، الكشف (34) عن كتاب الذرية للدولابي عن رجاله ، وعن ابن شهاب الزهري ستة اشهر ، وقال ابن قتيبة (35) : مائة يوم بعده .
وقال الكشف (36) ، عن الباقر عليه السلام : خمس وتسعين ليلة . وروى الاحتجاج (37) عن كتاب سليم : اربعين يوماً . وقال الكليني (38) : خمس وسبعون يوما . ورواه ابن الخشاب (39) ، عن شيوخه ، عن الباقر عليه السلام . وبه قال في عيوم المعجزات (40) ، ورواه الكليني (41) صحيحاً في خبرين عن الصادق عليها السلام .
سند أحدهما : أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي محبوب ، عن ابن رباب ، عن أبي عبيدة ، عنه عليها السلام .
والآخر : العدّة (42) ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن هشام بن سالم ، عنه عليها السلام .
وفي خبر (43) حسن وصحيح سنده علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عنه عليه السلام .
ويمكن تأويل خمسة وسبعين في الثلاثة بكونه محرف خسمة وتسعين ، حتى ينطبق على الخبر الدالّ على كونه في ثالث جمادي الآخره ، مع كون وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الثامن والعشرين من صفر ، وينطبق على خبر ثلاثة أشهر مجمله على التسامح في الكمية الزائدة .
ويشهد له ما قاله الكشف (44) عن الباقر عليه السلام خمس وتسعين إن صحت النسخة لكن وقوع التحريف في أخبار ثلاثة مشكل ، مع عدم ثبوت كون وفاته صلى الله عليه وآله وسلم في الثامن والعشرين من صفر ، بل عرفت قول كثير بكونه الثاني عشر من ربيع الأوّل من أنذ الخبر الخامس من أربعين أبي نعيم في أخبار المهدي الذي نقله الكشف (45) ، قال عليّ عليه السلام : لم تبقى فاطمة بعده إلا خمسة وسبعين يوماً ، حتى ألحقها الله به صلى الله عليه وآل وسلم .
لكنّ الكلام في ثبوت عدد صفر ، وإلاّ فالتحريف للتشابه الخطّي ولو في أكثر غير بعيد (46) .
المصادر :
1- روضة الكافي : 340 ، الرقم 536 .
2- البحار : 43 / 9 .
3- « البحار » ج 43 ، ص 9 .
4- « كشف الغمة » ج 1 ، ص 339 .
5- القصيدة للمرحوم الخطيب السيد خضر القزويني ، ديوان شعراء الحسين عليه السلام : ص 230 .
6- دلائل الإمامة 45 ، البحار 43 ص 170 .
7- الاحتجاج للطبرسي : 1 / 147 ، البحار : 43 / 161 ، شرح ابن ابي الحديد : 16 / 233 ، بلاغات النساء : 19 .
8- البحار : 43 / 218 .
9- البحار : 43 / 198 .
10- البحار : 43 / 191 .
11- مناقب ابن شهر اشوب : 3 / 362 .
12- البحار : 43 / 178 .
13- البحار : 43 / 192 .
14- المصدر السابق .
15- دلائل الإمامة : 42 .
16- البحار : 43 / 214 .
17- دلائل الإمامة : 44 .
18- البحار : 43 / 186 .
19- البحار : 43 / 192 .
20- البحار : 43 / 199 .
21- البحار : ج 43 / ص 179 .
22- البحار : 43 / 183 .
23- البحار : 43 / 211 ، 193 .
24- البحار : 43 / 183 .
25- البحار : 43 / 199 .
26- دلائل الإمامة : 46 ، عن البحار : 43 / 171 ح 11 .
27- مسار الشيعة : 31 .
28- مصباح المتهجد : 733 ، عنه البحار ، 43 / 215 ح 46 .
29- الاقبال : 633 ، عنه البحار : 43 / 196 ح 26 .
30- كشف الغمة : 1 / 503 عنه البحار : 43 / 189 .
31- ونقل البحار عن العاصمي : 43 / 213 ح 44 .
32- مصباح المتهجد : 748 ، عنه البحار : 43 / 215 ح 47 .
33- مقاتل الطالبيين : 49 ، عنه البحار : 43 / 215 .
34- كشف الغمة : 1 / 502 ، عنه البحار : 43 / 188 ح 19 .
35- المعارف لابن قتيبة : 142 .
36- كشف الغمة : 1 / 503 .
37- الاحتجاج : عن كتاب سليم بن قيس الهلالي : 212 ، عنه البحار : 43 / 199 ضمن ح 29 .
38- الكافي : 458 / 1 .
39- كشف الغمّة : 1 / 449 ، عن ابن الخشّاب .
40- عينم المعجزات : 55 ، عه البحار : 43 / 212 ح 41 .
41- الكافي : 1 / 241 ح 5 ، عنه البحار : 43 / 194 ح 22 .
42- الكافي : 4 / 561 ح 4 ، عنه البحار ، 43 / 195 ح 24 .
43- الكافي : 3 / 228 ح 3 ، عنه البحار : 43 / 195 ذح 24 .
44- كشف الغمّة : 1 / 503 .
45- كشف الغمة : 1 / 503 .
46- تواريخ النبي والآل : 55 ـ 57 .

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.