العزاء على الحسين عليه السلام

ليس المراد البكاء على الأموات حقيقة ، بل البكاء الذي يكون في الظاهر على الحسين ( عليه السلام ) ، وفي القصد الواقعي على الأموات ، فهل يكون الفرد عليه مستحقّاً للثواب أم لا ؟
Monday, January 9, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
العزاء على الحسين عليه السلام
العزاء على الحسين عليه السلام

 





 

ليس المراد البكاء على الأموات حقيقة ، بل البكاء الذي يكون في الظاهر على الحسين ( عليه السلام ) ، وفي القصد الواقعي على الأموات ، فهل يكون الفرد عليه مستحقّاً للثواب أم لا ؟
وقد عرفنا قبل قليل عدم استحقاقه للثواب لا محالة ؛ لعدم وجود الإخلاص والقصد القربي لديه ، ولكن وردت في ذلك رواية من حيث إنّ الراوي يسأل الإمام ( عليه السلام ) بما مضمونه : إنّني أبكي على الحسين ( عليه السلام ) فأتذكّر أمواتي فأبكي عليهم ، فأجابهُ بما مضمونه : ( نعم ، ابكِ ولو على أمواتك ) (1) .
وهذه الرواية أيضاً غير معتبرة السند ، ومعهُ يبقى الأمر على القاعدة الأوّليّة وهي عدم وجود الثواب ، إلاّ في بعض الموارد التي نشير إليها فيما بعد .
وإن كانت الرواية معتبرة السند ، فقد تمّ المطلب ، يعني أنّنا نأخذ بمحتواها : وهو وجود الاستحباب حتّى في هذه الصورة ، وهي البكاء على الأموات ، ما دام الظاهر هو البكاء على الحسين ( عليه السلام ) ، والأمر غير خاصّ بواحدٍ معيّن بطبيعة الحال ، فقد يبكي ألف من الموجودين على أمواتهم بهذه الصورة ، وهذا ما يدلّ على أنّ الشارع المقدّس ـ لو صحّت الرواية ـ يريد حفظ الظاهر أو الصورة الظاهريّة لبكاء الناس ، وإن كان قصدهم مختلفاً ، وهذا ليس جزافاً ، بل فيه فوائد وحِكم ومصالح حقيقيّة ، يمكن أن نُدرك منها ما يلي :
أوّلاً : حفظُ تسلسل الشعائر الدينيّة واستمرارها .
ثانياً : إثبات وجود هذه الشعائر أمام مَن لا يؤمن بها أو لا يُنجزّها .
ثالثاً : الإسعاد في البكاء للآخرين ؛ لأنّهم لا يعلمون أنّي أبكي على أمواتي ، بل يتخيّلون أنّي أبكي على الحسين ( عليه السلام ) بحرارة ؛ لأنّ البكاء فيه إسعاد وهو انتقال أو عدوى العاطفة من فردٍ إلى آخر ، والإسعاد في البكاء معنى لغوي مأخوذ من السعادة ؛ لأنّ الباكي يشعر براحة وسعادة حين يجد نفسه بين الباكين من أجله .
رابعاً : التربية النفسيّة من الناحية الدينيّة للفرد نفسه وللآخرين أيضاً ، فإنّه إذا قصدَ اليوم البكاء على أمواته ، فسوف يقصد غداً البكاء على الحسين ( عليه السلام ) ، بمعنى أنّ الدافع المتدنّي سوف يتقلّص في نفسه حتّى يزول .
ومن هنا نعرف ما أشرنا إليه : من أنّ الفرد يمكن أن يحصل على الثواب ، حتّى لو بكى على أمواته ، إن كان القصد الظاهري هو البكاء على الحسين ( عليه السلام ) ، لكن بشرط أن يقصد هذه الأمور الصحيحة التي ذكرناها الآن ونحوها ، لا أن يكون البكاء متمحّضاً للأموات حقيقة .
نعود الآن إلى ما كنّا فيه من تعداد الوجوه المحتملة المجوّزة للنقل عن حوادث كربلاء المقدّسة ، وقد سبقَ أن ذكرنا منها خمسة أمور :
من مجوّزات النقل المحتملة : جواز قول الشِعر في حادثة الطف بلا إشكال ، وهذا ممّا عليه السيرة المتشرّعة في مذهبنا من زمن الأئمّة المعصومين ( عليهم السلام ) وإلى الآن فالسيرة قطعيّة الصحّة ، والشِعر عن الحسين ( عليه السلام ) قطعي الجواز ، بل قطعي الاستحباب ، بل لعلّ فيه الوجوب الكفائي إذا شحّ مُعيّنه في مكانٍ أو زمانٍ معيّن .
ومن المعلوم أنّ الشرع يحتوي على : المجاز ، والمبالغة ، والتورية ، والمعاني العاطفيّة والخياليّة وغير ذلك كثير ، وهذا ما يدلّ على جواز أن ننسب إلى موضوع القصيدة ـ بما فيها حوادث كربلاء ـ ما نشاء من خلال القصيدة نفسها ، سواء كان وارداً في رواية معتبرة أو غير معتبرة ، أو غير وارد على الإطلاق .
إلاّ أنّ هذا الوجه قابل للمناقشة في عدّة أمور :
أوّلاً : إنّه لو تمّ لاختصّ بالشِعر ولا يمكن أن يشمل النثر ؛ لأن النثر خالٍ عرفاً وعادة عن الخيالات المستعملة في الشِعر ، وهذا الوجه لو تمّ فإنّما يجيز تلك الخيالات دون غيرها .
ثانياً : إنّ الخيالات والمبالغات ليست من نوع الكذب عرفاً وعقلائيّاً ، إذاً فالتعميم من جواز ذلك إلى جواز الكذب والدسّ في الشعر غير صحيح تماماً .
ثالثاً : إنّ السيرة كما ثبتَ في علم الأصول دليلٌ لا إطلاق له ولا لسان له ، يؤخذ منه بالقدر المتيقّن ، والقدر المتيقّن هنا : هو الشِعر الخالي من الكذب والدسّ فيكون جائزاً ، ولا يمكن التعميم بدليل السيرة إلى غيره .
وقد يخطر في البال : أنّ السيرة الموروثة عندنا هي على وجود الكذب في الشِعر بهذا الصدد ، وهي سيرة مُمضاة من قِبل الأئمّة المعصومين ( عليهم السلام ) .
فمن ذلك قول دعبل الخزاعي ( عليه الرحمة ) أمام الإمام الرضا ( عليه السلام ) :
أفاطمُ لو خِلتِ الحسين مُجدّلاً وقد ماتَ عطشاناً بشطّ فُراتِ
إذن للَطمتِ الخدّ فاطم عندهُ وأجرَيتِ دمعَ العين في الوَجناتِ (2)
فقد أثبتَ اللطمَ والبكاء لفاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، مع أنّهُ غير متحقّق جَزماً ؛ لأنّ الزهراء ( عليها السلام ) لم تكن موجودة في الدنيا لدى مقتل وَلدها الحسين ( عليه السلام ) ، مع ذلك فقد سَمعها الإمام الرضا ( عليه السلام ) ولم يعترض عليها.
وجواب ذلك يكون على مستويين :
المستوى الأوّل :
ما قالهُ علماء المنطق من أنّ القضيّة الشرطيّة تصدق حتّى مع كِذب طرفيها ، وأوضح مثال له : إنّ قولنا : إذا طَلعت الشمس فالنهار موجود ، يصدُق في الليل كما يصدق في النهار ، ولا يتوقّف على طلوع الشمس فعلاً ، أو وجود النهار فعلاً ، بل يكفي في صِدق الشرطيّة صدق الملازمة والتوقّف ما بين فعل الشرط وفعل الجزاء ، وهو في المثال توقّف وجود النهار على طلوع الشمس .
ومن الواضح أنّ هذين البيتين لدعبل الخزاعي إنّما هو قضيّة شرطيّة ، وليست فعليّة أو واقعيّة ، فلا يدلّ على أنّ الزهراء قد بَكت فعلاً أو لطمت ؛ وإنّما قال : ( لو خِلتِ الحسين ) ، و( لو ) حرفٌ من حروف الشرط فتكون قضيّة شرطيّة ، فيمكن أن تصدق مع كِذب طرفيها كما سبق في المثال .
المستوى الثاني :
إنّه قد يخطر في البال أنّنا قلنا في المستوى الأوّل الذي انتهينا منهُ ، أنّ القضيّة الشرطيّة تصدق بصدق الملازمة وإن كانت موجودة في مثل قولنا : إذا طَلعت الشمس فالنهار موجود ، إلاّ أنّها غير موجودة في قول دعبل : ( أفاطمُ لو خِلتِ الحسين مُجدّلاً ) ، ولا أقلّ من الشكّ في ذلك ؛ لأنّنا لا نعلم أنّ الزهراء ( عليها السلام ) ماذا سيكون ردّ فعلها إذا عَلمت بمقتل ولدها ، وخاصّة بعد أن أشرنا فيما سبقَ من أنّ قضيّة الإمام الحسين ( عليه السلام ) فيها جانبان : الاستبشار ، والحُزن .
ولا شكّ أنّ الحُزن أقرب إلى المضمون الدنيوي ، وإن كانت لهُ نتائج دينيّة كما سبق ، كما لا شكّ أنّ الاستبشار أقرب إلى المضمون الأخروي أو الواقعي .
ومن المعلوم أنّ الزهراء ( سلام الله عليها ) تكون في الآخرة مُطّلعة على الواقعيّات ، ومع الاطّلاع على الواقعيّات ، فمن الممكن أن يكون ردّ فعلها هو الاستبشار لا الحزن ، فكيف يقول دعبل الخزاعي هذين البيتين ؟ نُعيدهما لكي يطّلع القارئ الكريم مجدّداً :
أفاطمُ لو خِلتِ الحسين مُجدّلاً وقد ماتَ عطشاناً بشطّ فُراتِ
إذن للَطمتِ الخدّ فاطم عندهُ وأجرَيتِ دمعَ العين في الوَجناتِ
فإذا التفتنا والحال هذه إلى أنّ الإمام الرضا ( عليه السلام ) قد أقرّ عمل دعبل وباركهُ ، إذاً فمن الممكن القول : إنّ أمثال ذلك من جِنس الكذب ، وهو عَرض ما هو مُحتمل باعتبار أنّه يقين فيكون جائزاً بإقرار الإمام ( عليه السلام ) .
وجوابُ ذلك من عدّة وجوه نَذكر المهمّ منها : وهو أنّ دِعبل الخزاعي ـ حيث قال هذين البيتين وأضرَابهما ـ إنّما يُعبّر عن مستواه في الإيمان واليقين ، ومقتضى مستواه : هو أن يُفهِم الزهراء ( سلام الله عليها ) بهذا المقدار لا أكثر ، ومن الصعب عليه أن يلتفت إلى ما ذكرناه من احتمال الاستبشار برحمة الله عزّ وجل .
والإمامُ الرضا ( عليه السلام ) لم يجد مصلحة في تنبيهه على ذلك ، إذ لعلّها من الحقائق التي يصعب عليه تحمّلها ، فمن الأفضل استمرار غفلتهُ عنها ، طبقاً لقانون : ( دَعوا الناس على غَفلاتهم ) ، أو قانون : ( كلِّموا الناس على قَدر عقولهم ) (3) .
ومن هنا يتّضح : أنّه ليس كلّ إقرار من قِبل الأئمّة سلام الله عليهم حُجّة في إثبات الصحّة ، بل يُشترط في الإقرار إمكان المناقشة فيه والنهي عنه ، فإذا لم يَنهِ وهو يُمكنه النهي ، إذاً يدلّ ذلك على الإقرار ، وأمّا إذا لم يُمكنه النهي على الإطلاق ، إذاً فسوف لن يكون سكوتهُ دالاً على الإقرار .
وموردنا من هذا القبيل ؛ لأنّ دعبل لم يكن يتحمّل إيضاح الفكرة له ، وخاصّةً أنّ الإمام ( عليه السلام ) لا يجد في ذلك مَفسدة دينيّة ؛ لأنّ الأعمّ الأغلب من الناس إنّما هُم بمنزلة دعبل أو دون مستواه ، فلا يكون من المنافي مع مستواهم أن يسمعوا أبياته .
إذاً ، فليس في هذه الرواية ـ لو تمّت سَنداً ـ أيّ إقرار على قول ما خالفَ الواقع من الحوادث أو الأقوال أو الأفعال ، لا في الشِعر ولا في النَثر .
وهنا ينبغي أن نلتفت إلى أنّ الحُزن الحقيقي ، إنّما هو على أهل الدنيا وأهل الشر وأهل العِناد ، على اعتبار أنّهم اختاروا لأنفسهم الغفلة والشرّ والعناد ، وقد رويَ أنّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) بكى على أعدائه في كربلاء (4) ، باعتبار أنّهم اجتمعوا ضدّ إمامهم ومولاهم الحقيقي وعَرّضوا أنفسهم لهذه الجرائم النكراء .
وأمّا تصوّره ( عليه السلام ) عن شهادته والبلاء الذي مرّ عليه : فهو الاستبشار والفرح بحُرمة الله ونعمته جلّ جلاله ، كما أنّ الحُزن يكون على أولئك المشمولين لقوله ( عليه السلام ) : ( مَن سمعَ واعيتنا ولم ينصُرنا أكبّه الله على مَنخريه في النار ) (5) ، وهذا هو بكاء الأبوّة الواقعيّة حين يحسّ الأب بتمرّد أولاده عليه ، والواقع أنّ تمرّدهم ليس ضدّه بل ضدّ ربّهم من ناحية ، وضدّ أنفسهم من ناحية أخرى ، فتكون المصيبة عليهم منهم أكبر ؛ لأنّه لن يُعاقَب إلاّ فاعل الجريمة .
وقد يخطر في البال : إنّ هذا البلاء في كربلاء أصبحَ ـ بحسب ما شرحناه ـ سبباً للاستبشار وللبكاء في نفس الوقت في نفس الحسين ( عليه السلام ) ، وهذا تناقض غير معقول ، فلابدّ أن يكون للمسألة تفسير آخر .
وجوابُ ذلك : إنّ هذا البلاء بنفسه له جانبان أو نظرتان أو لحاظان :
الجانب الأوّل :
جانب نسبته إلى فاعليه وهم الجيش المعادي ، وهو بهذا الاعتبار موجِب للحزن والبكاء من الناحية الدينيّة ، للأسف الشديد على وجود هذا العصيان والطغيان من قِبل أفراد الجيش المعادي .
الجانب الثاني :
جانب نسبته إلى المظلومين بهذا البلاء وهم الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه ، وهو الجانب المسبِّب لفيض رحمة الله ونعمته ، وهو الموجِب للاستبشار .
ومن اعتبارٍ آخر يمكن أن نقول : إنّ لهذا البلاء ـ كأيّ بلاءٍ آخر ـ نسبتان : نسبة إلى الخالق ونسبة إلى المخلوق ، باعتبار أنّ أفعالنا الاختياريّة كلّها لها هاتين النسبتين ، فالفاعل المباشر المختار لها هو الواحد البشري ، والفاعل الخالق لها بصفتها أحد أفراد الكون المخلوق هو الله سبحانه ، إذاً فالنسبتان ثابتتان لكلّ الأفعال الاختياريّة بما فيها المظالم والبلاء الذي يُنزله الظالمون بالمظلومين ، ومنه البلاء الواقع على جيش الحقّ في كربلاء ، فمن زاوية نسبته إلى فاعليه البشريّين وهم الجيش المعادي تترتّب عدّة نتائج ، منها :
أوّلاً : كونهم يتحمّلون مسؤوليّته الأخلاقيّة والقانونيّة في الدنيا والآخرة ، وهم بهذا الاعتبار يكون لهم عقاب الدنيا والآخرة .
ثانياً : جانب الحزن والبكاء عليهم أسفاً على توريط أنفسهم على ذلك ، وتزايد عصيانهم لله سبحانه ، ومن زاوية نسبة هذا البلاء إلى الله عزّ وجل تترتّب عدّة نتائج منها :
أوّلاً : وجوب التسليم والرضا بقضاء الله وقدره بإيجاده للبلاء ، ومن هنا ورد عنه ( سلام الله عليه ) : ( رضا الله رضانا أهل البيت ) (6) ، وقد سبقَ تفسيره .
ثانياً : إنّ هذا البلاء مهما كان كثيراً ، فهو أقلّ من استحقاق الله سبحانه للطاعة ، وأقلّ من استحقاق النفس للقهر ، ومن هنا وردَ عنه ( سلام الله عليه ) : ( هوّنَ ما نزلَ بي أنّه بعينِ الله ) (7) .
ثالثاً : الاستبشار بوجود نعمة الله وثوابه ، الذي يُعتبر هذا البلاء على عظمته مقدّمة أو سبباً بسيطاً بالنسبة إليه .
المصادر :
1- الكافي للكليني : ج2 ، ص483 ، بنفس المعنى .
2- للشاعر دعبل الخزاعي ، أدب الطف : ج1 ، ص297 .
3- أصول الكافي : ج1 ، ص67 ، حديث 15 ، البحار للمجلسي : ج2 ، ص69 ـ70 ، حديث 23 ـ 24 .
4- الخصائص الحسينيّة للتستري : ص78 .
5- البحار للمجلسي : ج44 ، ص315 .
6- مقتل الخوارزمي : ج2 ، ص5 ، أسرار الشهادة للدربندي : ص225 .
7- اللهوف لابن طاووس : ص49 ، البحار للمجلسي : ج45 ، ص46 .

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.