زين العابدين سيد الساجدين

في رحاب النبي العظيم صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم والاَئمة الطاهرين عليهم‌السلام نعيش أروع معالم الكمال البشري ، وأسمى آيات العظمة الاِنسانية ، ونتابع سلسلة من المواقف التي تحمل في ذاتها كل مبررات البقاء والخلود ، معالم طريق ، ومنارات هدى ،
Tuesday, January 17, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
زين العابدين سيد الساجدين
 زين العابدين سيد الساجدين

 





 

في رحاب النبي العظيم صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم والاَئمة الطاهرين عليهم‌السلام نعيش أروع معالم الكمال البشري ، وأسمى آيات العظمة الاِنسانية ، ونتابع سلسلة من المواقف التي تحمل في ذاتها كل مبررات البقاء والخلود ، معالم طريق ، ومنارات هدى ، وبيّنات مجد لا يضاهى .. ذلك إذا ما وقفنا عند تلك المعالم وهذه المنارات والبينات كما ينبغي ، مرسلين النظر في أطرافها ، باعثين سفراء العقول والضمائر بين ثناياها وفي أعماقها ..
وقفة الدارس المتأمل ، والناظر المستلهم ، وهذا عين ما أردناه من هذه السلسلة الخاصة في دراسة سير المعصومين عليهم‌السلام .. ولعل أول ما نلمحه من نظرة كلية الى سيرهم الغنية بالعطاء هو انّ كل واحدٍ منهم عليهم‌السلام قد تميّز بواحدةٍ من الخصال أو أكثر ، صبغت أيامه ، وربّما تراثه أيضاً بصبغتها المميزة ، مع ما نلاحظه من خطوط التلاقي الوفيرة ، والتكامل التاريخي المتجسّد في سيرة واحدة تمتد قرنين ونصف القرن ، منذ فجر الرسالة وحتى غياب المعصوم الرابع عشر.
فإذا كان لون الشهادة هو الغالب على سيرة الحسين عليه ‌السلام .. ونهضة الدين العارمة المتنقلة بين السجون مع موسى الكاظم عليه ‌السلام .. وظاهرة الإمامة المبكرة مع الجواد والهادي والمهدي عليهم‌السلام ، فثمة حلقات تاريخية شاخصة المعالم تجمع سير العظماء الخمسة مع من سبقهم ، ومن هو بينهم من هداة البشر عليهم‌السلام.
وفي حياة خامس الاَئمة ، زين العابدين عليه‌السلام ، سنرى ظاهرة جديدة ، ربّما في تاريخ عظماء البشر على الاِطلاق ، ظاهرة السبك الحكمي الدقيق لكل مبادىء الاِسلام من أركان وتعاليم ، من الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومفاتح التغيير الاِجتماعي ، ومفاتح الثورة على الظالمين ، ومبادىء حقوق الاِنسان ، سبكها كلها في لغة الدعاء والابتهال المقروء والمحمول ، بعد أن كانت من أخطر الممنوعات في عصره لو اتخذت لونها المباشر.
ومع هذا التمييز الواضح والكبير فإنّ ظاهرة التواصل والامتداد في المسؤوليات والمهمات بينه وبين آبائه الطاهرين ، انتهاءً بسيد الكائنات محمد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي المحور الثابت في حياته وسيرته عليه‌السلام.
وكم هو مناسب أن نلمح بعض وجوه الشبه بين ظروف حياته الخاصة وبين بعض خصائص جده أمير المؤمنين عليٍّ عليه‌السلام ؛ فقد عاش عليٌّ عليه‌السلام ما يزيد بقليل على ربع القرن في كنف المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحبته ، وأقل بقليل من هذا عاش عليٌّ الثاني زين العابدين مع عمّه الحسن وأبيه الحسين سبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ..
وابتدأ عليٌّ الاَول محنته بغياب حبيبه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وابتدأ عليٌّ الثاني محنته بغياب أبيه سيد الشهداء سبط المصطفى صلى‌الله‌عليه ‌وآله‌ وسلم ..
وعاش عليٌّ الاَول جلالة الصبر وذروة حكمة العظماء وهو يرى من هم دونه يتناوبون الخلافة ، ومثل هذا عاشه عليٌّ الثاني منذ رحيل والده الشهيد .. وترك عليٌّ الاَول أعظم دروس الحكمة والمقاطع الشاهدة على التاريخ في أروع بيان ، جُمع بعضه في « نهج البلاغة » ، كما ترك عليٌّ الثاني حكمته ودروسه الشاهدة على التاريخ في صحيفته السجادية المنسوجة في أروع بيان.
وفي هذا كله ، وبينه ، مشاهد حيّة ، وعطاءات خالدة ، ومواقف فذّة ، حرية بجهد جاد في الدراسة والتحليل.
دأب معظم الكتّاب والباحثين الذين كتبوا عن سيرة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام على عدم تجاوز النسق التقليدي في العرض التأريخي لحياة كل واحد منهم ، والذي يستهل عادة بذكر يوم ولادته وأسمائه وكناه ومناقبه ومعاجزه وكراماته ونحوها ، انتهاءً بوفاته ...
وقليل منهم من يدون مقاطع وأحداثاً أكثر إثارة في حياتهم الاجتماعية والسياسية.
هذا مع عموم أئمة أهل البيت عليهم‌السلام أما حين نأتي على دراسة حياة الإمام السجاد زين العابدين عليه‌السلام فسنرى الرزيّة أعظم والكارثة أدهى وأمرّ ؛ إذ إنّ هذا الإمام ـ كما هو معروف ـ عاش أقسى وأشدّ ما يعانيه إنسان معارض وهو يرى بأُم عينيه مشاهد وفصول واقعة كربلاء الرهيبة ويبقى يحمل ذكرياتها في ضميره ووجدانه ، الاَمر الذي دفع السلطات إلى أن تحصي عليه أنفاسه وتراقب حركاته وسكناته ، وفي مقطع زمني بغيض أقلّ ما قيل فيه إنّ الناس بعد مصرع والده الإمام الحسين عليه‌السلام « ارتدوا جميعاً إلاّ ثلاثة » (1).
وذلك تعبير عن هول الصدمة التي عصفت بمشاعر الاُمّة وهي ترى ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيد شباب أهل الجنة مع أصحابه وبنيه مجزّرين كالاَضاحي في رمضاء كربلاء ، لا يسلم منهم أحد إلاّ رجل واحد مريض ، اختزنته المشيئة الاِلهية ليبقى شاهداً على العصر وحجّة على العباد لاستكمال فصول « الابتلاء » ؛ بل الغضب الاِلهي الذي عمّ أهل الدنيا بعد تلك الواقعة السوداء التي لطخت وجه التاريخ.
نقول ، إنّ « التاريخ الاَسود » الذي كتبته السلطة الاَموية الحاكمة ، لم يبق للمؤرخين من سيرة هذا الإمام العظيم إلاّ النزر القليل ، فضلاً عن التحريف المتعمد لتشويه صورته والتعتيم على مواقفه وسيرته ووفق الطريقة التي تخدم السلطة الحاكمة ، وتبرّر للحكام عزلته أو اعتزاله ، بل تفسّر ذلك وتبرره على أنّه الموقف السليم من الحكم ، الاَمر الذي سار عليه الكتّاب والمؤرخون في تفسيرهم الظاهري لاعتزاله ، بل عزله وإقصائه (2).
ولكن ، ومع كل هذا التغييب المتعمّد أو هذا التعسف الظالم بحق الإمام السجاد عليه‌السلام ، إلاّ أن مواقفه وكلماته وسيرته تحدّت حجب الزمن وركام التاريخ وغبار المدوّنات الظالمة ، وتركت لنا منه سفراً خالداً يجدر بالكتّاب والباحثين المعاصرين أن يقرأوه أو يدرسوه قراءة متأنية أُخرى ، أو دراسة تحليلية جديدة تتناسب مع موقعه باعتباره الرمز الاَول في معارضة سلبية قُتل كافة رجالها في معركة غير متكافئة ، أقعده المرض عن خوضها وبقي يُقاتل وحده ، بطريقةٍ أقلّ ما يقال فيها أنّها كانت أقسى من ساعة مواجهة كان يمكن أن يستشهد فيها مع اخوته وأبيه وأصحاب أبيه ويتخلص من أيام ضيم وسنيّ ألم وعقود حصار ، وملاحقة مرّة جعلت منه رمزاً منغّصاً ، وهاجساً مرعباً لسلطة الباطل ، ووجهاً لوجه أمام قوم غلاظ نزع الله من قلوبهم الرحمة ، فراحوا يعدّون عليه أنفاسه ويلجأون إلى شتى الوسائل لاِنهائه والاجهاز عليه وإلحاقه بمن سبقه من سلالة هذا البيت الطاهر الكريم ...
هذا الإمام العظيم باعتباره حركة في الواقع وتجسيداً للمثال ، وقدوة حسنة ، ونموذجاً حركياً عاش على الاَرض وتحرك مع الناس وأنزل المفاهيم السماوية مصاديق متحركة تمشي على أقدامها في الاَسواق ومع الفقراء والعبيد وعوامّ الناس ، لتؤكد للجميع أنّ الإمام شعار وشعور ، مفاهيم ومصاديق ، أقوال وأفعال ، موعظة وسلوك ، توجيه وممارسة ، يواسي الفقير ، وينتصر للمظلوم ، ويصفح عن المسيء ، يعدل بين المتخاصمين ، ويدعو على الظالمين ، ويدعو للمظلومين ، يبكي نبلاً ، ويتهجّد صدقاً ، وينشج حزناً ، ويقرأ القرآن اعتقاداً وتصديقاً ، ويرتّله إيماناً ويقيناً ، ويعمل به أخلاقاً وسلوكاً ، فلسفة وعرفاناً ، نظرية وتطبيقاً ...
وحين نقول إنّ عظمة ( البيان ) جاءت في القرآن الكريم بعد عظمة ( خلق الاِنسان ) .. ( الرحمنُ * خلقَ الاِنسان * علّمه البيان ) ، فإنّ بيان الإمام السجاد عليه‌السلام كان بياناً ما بعده بيان ، وامتداداً لبيان جدّه أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي عُدّ دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق ، فضلاً عن كونه إنساناً لا كالناس ، بل لم يترك له الناس في زمانه دوراً إلاّ أن يكون محوراً لتذكيرهم بربهم ، يكبح تهالكهم على الدنيا وتهافتهم عليها حين يرونه قد اصفر وجهه (3) عند وضوئه وقبل الوقوف بين يدي ربه ...
وكفاه فخراً وعزاً أنّه كان أول الذين صبروا وصمدوا وواجهوا ورابطوا ، وكان عنواناً عريضاً للمعارض الذي لا يستكين ، والباكي الذي فجّر بالدموع دماً ، والداعي الذي فتّت بدعائه الجلمود رقّة وعطفاً ، والناهض الذي يُرعب الاَعداء بصمته وهيبته وسكوته ، ورفيق العبيد الذي يحصي عليه خصومه كلماته مع عبيده ، ويحصون عليه أنفاسه ، وطلعاته الليلية التي يحمل فيها جرابه ليطرق أبواب المحتاجين ويعطيهم مما أعطاه الله سرّاً ...
الإمام زين العابدين (عليه السلام)لم يكن بامكانه أن يُقاتل إلى جانب والده في كربلاء في يوم عاشوراء بسبب مرض شديد حل به و منعه عن المشاركة في القتال. لما قتل جنود يزيد اثنين من أبناء الإمام الحسين (عليه السلام)و الذَين كان اسمهما علي أي علي الأكبر و علي الأصغر كانوا مُقتنعين أنهم قتلوا الإمام الذي كان سيأتي بعد الإمام الحسين (عليه السلام).
و كان ذلك مما زاد في دهشة يزيد لما رأى الإمام السجاد علي ابن الحسين (عليه السلام)بين الأسرى الذين جيئ بهم من كربلاء. عندما رآه يزيد أراد قتله فورأً من خوفه و لكن عمته زينب بنت الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام)حالت بينهم و بينه. كل ذلك و المرض الذي كان ما زال يعاني منه الإمام جعلا يزيد يتجنب الفضيحة و أعرض عن قتله. و بذلك استمر نسل الإمامة و لم يستطع يزيد محو هذا الخط الإلهي خط الأئمة الاثنى عشر كما كان يتمنى.
و في ذلك الموقف وقف الإمام علي ابن الحسين (عليه السلام)متحدياً و قال يا يزيد ائذن لي حتى أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات ‏للَّه فيهن رضا و لهؤلاء الجلساء فيهن أجر و ثواب قال فأبى يزيد عليه ‏ذلك فقال الناس يا أمير المؤمنين ائذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع‏منه شيئاً فقال إنه إن صعد لم ينزل إلا بفضيحتي و بفضيحة آل أبي ‏سفيان فقيل له يا أمير المؤمنين و ما قدر ما يحسن هذا فقال إنه من أهل ‏بيت قد زقوا العلم زقاً. فلم يزالوا به حتى أذن له.
فصعد المنبر فحمد اللَّه و أثنى عليه ثم خطب خطبة أبكى منها العيون و أوجل منهاالقلوب ثم قال أيها الناس أعطينا ستاً و فضلنا بسبع أعطينا العلم والحلم و السماحة و الفصاحة و الشجاعة و المحبة في قلوب المؤمنين ‏و فضلنا بأن منا النبي المختار محمداً و منا الصديق و منا الطيار و منا أسد اللَّه و أسد رسوله و منا سبطا هذه الأمة من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي و نسبي.
أيها الناس أنا ابن مكة و منى أنا ابن زمزم و الصفا أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا أنا ابن خير من ‏ائتزر و ارتدى أنا ابن خير من انتعل و احتفى أنا ابن خير من طاف وسعى أنا ابن خير من حج و لبى أنا ابن من حمل على البراق في الهواء أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى أنا ابن من ‏بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى أنا ابن من دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قاب َ‏قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏ أنا ابن من صلى بملائكة السماء أنا ابن من أوحى إليه‏ الجليل ما أوحى أنا ابن محمد المصطفى.
أنا ابن علي المرتضى أنا ابن ‏من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلا اللَّه أنا ابن من ضرب بين ‏يدي رسول اللَّه سيفين و طعن برمحين و هاجر الهجرتين و بايع ‏البيعتين و قاتل ببدر و حنين و لم يكفر باللَّه طرفة عين أنا ابن صالح ‏المؤمنين و وارث النبيين و قامع الملحدين و يعسوب المسلمين ونور المجاهدين و زين العابدين و تاج البكاءين و أصبر الصابرين وأفضل القائمين من آل ياسين رسول رب العالمين أنا ابن المؤيد بجبرئيل المنصور بميكائيل أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين وقاتل المارقين و الناكثين و القاسطين و المجاهد أعداءه الناصبين وأفخر من مشى من قريش أجمعين و أول من أجاب و استجاب للَّه ولرسوله من المؤمنين و أول السابقين و قاصم المعتدين و مبيد المشركين و سهم من مرامي اللَّه على المنافقين و لسان حكمة العابدين و ناصر دين اللَّه و ولي أمر اللَّه و بستان حكمة اللَّه و عيبة علمه ‏سمح سخي بهي بهلول زكي أبطحي رضي مقدام همام صابر صوام ‏مهذب قوام قاطع الأصلاب و مفرق الأحزاب أربطهم عنانا و أثبتهم‏ جنانا و أمضاهم عزيمة و أشدهم شكيمة أسد باسل يطحنهم في‏ الحروب إذا ازدلفت الأسنة و قربت الأعنة طحن الرحى و يذروهم‏ فيها ذرو الريح الهشيم ليث الحجاز و كبش العراق مكي مدني خيفي‏ عقبي بدري أحدي شجري مهاجري من العرب سيدها و من الوغى ‏ليثها وارث المشعرين و أبو السبطين الحسن و الحسين ذاك جدي‏ علي بن أبي طالب.
المصادر :
1- عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « ارتدّ الناس بعد قتل الحسين عليه‌السلام إلاّ ثلاثة ، وهم أبو خالد الكابلي ، ويحيى ابن أم الطويل ، وجبير بن مطعم ، ثم قال : ثم إنّ الناس لحقوا وكثروا » ، راجع : رجال الكشي ، ترجمة ابن أم الطويل.
2- نظرية الإمامة / صبحي الصالح : ٣٤٩ ، وحياة الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام : ٣٢٠ ، وثورة زيد / ناجي حسن : ٣٠ ـ ٣١ ، والفكر الشيعي والنزاعات الصوفية / الشيبي : ١٧. والصلة بين التصوف والتشيع : ١٠٤ و ١٠٧.
3- (١) الصواق المحرقة : ٣٠٢.

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.