
ورد في الأخبار المأثورة في كتب السير والتواريخ. وورد أنه كان معبد الملائكة من قبل خلق آدم، وأنه البقعة المباركة التي بارك الله فيها، وأنه معبد آدم وما بعده من الأنبياء والمرسلين ومعبد الأولياء والصديقين، وأن من فضله عند الله أن المسافر حكمه التقصير في الصلاة إلا في أربعة مواضع : أحدها مسجد الكوفة، فله التخيير في القصر والإتمام.
وقد وردت في فضل مسجد الكوفة أخبار كثيرة، ذكرها العديد من العلماء، وكذلك ذكرها أهل السير والتواريخ من الخاصة والعامة، وأطنبوا في ذكرها وما في مسجدها من الفضل على سائر المساجد عدا بيت الله الحرام ومسجد النبي محمد.
ويتسع لأربعين ألف مصلٍّ، يتوسط صحنه بقعة منخفضة ينزل إليها بسلم وتسمى (السفينة).قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): ان الله اختار من البلدان اربع فقال عز وجل والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين) فالتين المدينة، والزيتون بيت المقدس، طور سنين الكوفة، وهذا البلد الأمين مكة) و فيه دفن مسلم بن عقيل و هاني بن عروة و المختار بن أبي عبيد.
رؤوس الکوفة
قال عبد الملك بن عمير: دخلت على عبيد الله بن زياد وإذا رأس الحسين بن على بين يديه على ترس، فو الله ما لبثت إلا قليلا حتى دخلت على المختار بن أبى عبيد وإذا رأس عبيد الله بن زياد بين يدي المختار على ترس، وو الله ما لبثت إلا قليلا حتى دخلت مصعب بن الزبير واذا راس المختار بن ابي عبيد بین يديه وو الله ما لبثت إلا قليلا حتى دخلت على عبد الملك بن مروان وإذا رَأْسَ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَلَى تُرْسٍ بَيْنَ يديه.(1)
إن أول من أسس مسجد الكوفة و بناه هو آدم ( عليه السلام ) كما هو المشهور و المأثور ، و لعل الملائكة فيما قبل بنته ، و إن كان لم يذكر أحد ذلك من أهل الأخبار ، لكن بمقتضى كلام جبرئيل للنبي : ( إني رأيته خرابا و رأيته عمرانا ، أن تكون عمرته الملائكة بأمر الله تعالى ثم عمره آدم ( عليه السلام ) .
قال البراقي : ( و يؤيد ما ذكرناه من أن مسجد الكوفة خطه آدم ( عليه السلام ) ، الأخبار الكثيرة الآتية عن قريب من أن مسجد الكوفة قد نقص عن بنائه كثيرا و الأخبار في ذلك كثيرة نذكر طرفا منها ، أما السيد الطباطبائي فقال ، و كان هو أعظم مما هو الآن بكثير ) .
و أما الأخبار ، فقد ذكر الصدوق في كتاب من لايحضره الفقيه ، و المجلسي في البحار ، بالإسناد عن الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : « حد مسجد الكوفة آخر السراجين خطه آدم ( عليه السلام) و أنا أكره أن أدخله راكبا » .
فقيل له : فمن غيره عن خطته ؟ ، قال : « أما أول ذلك فالطوفان في زمن نوح ، ثم غيره بعد أصحاب كسرى و النعمان بن منذر ، ثم غيره زياد بن أبي سفيان » ( 2 ) .
و ذكر ما مر من خبر الرجل الذي سأل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فأجابه الإمام بقوله : « بع راحلتك وكل زادك و عليك بمسجد الكوفة » ، إلى أن قال : « و البركة منه إلى اثني عشر ميلا من حيث ما جئته ، و قد ترك من أسه ألف ذراع » .
و في رواية أخرى في البحار عنه ( عليه السلام ) قال : « إن مسجد الكوفة رابع أربعة مساجد للمسلمين ، ركعتان ( فيه ) أحب إلي من عشرة فيما سواه ، ولقد نجرت سفينة نوح ( عليه السلام ) في وسطه و فار التنور من زاويته ( اليمنى ) ، و البركة منه على اثني عشر ميلا من حيث ما أتيته ، و لقد نقص منه اثنا عشر ألف ذراع بما كان على عهدهم » ( 3 ) .
و في البحار ، بالإسناد عن حذيفة قال : ( و الله إن مسجدكم هذا لأحد المساجد الأربعة المعدودة : المسجد الحرام ، و مسجد المدينة ، و المسجد الأقصى ، و مسجدكم هذا - يعني مسجد الكوفة - ألا و إن زاويته اليمنى مما يلي أبواب كندة منها فار التنور ، و إن السارية الخامسة مما يلي صحن المسجد عن يمنة المسجد مما يلي أبواب كندة مصلى إبراهيم الخليل ، و إن وسطه لنجرت فيه سفينة نوح ، ولئن أصلي فيه ركعتين أحب إلي من أن أصلي في غيره عشر ركعات ، ولقد نقص من ذرعه من الأس الأول اثنا عشر ألف ذراع ، و إن البركة منه على اثني عشر ميلا من أي الجوانب جئته ) ، ( 4 ) .
و في الكافي و البحار ، بالإسناد عن ابن البطائني عن أبي بصير قال : ( سمعت الصادق ( عليه السلام ) يقول ، نعم المسجد مسجد الكوفة ، صلى فيه ألف نبي و ألف وصي و منه فار التنور و فيه نجرت السفينة ، ميمنته رضوان الله و وسطه روضة من رياض الجنة و ميسرته مكر ) .
فقلت لأبي بصير : ( ما يعني بقوله مكر ؟ ، قال : يعني منازل الشياطين ) .
ثم قال : ( و كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقوم على باب المسجد ، ثم يرمي بسهمه فيقع في موضع التمارين ، فيقول : ذاك من المسجد ) . و كان يقول : ( قد نقص من أساس المسجد مثل ما نقص في تربيعه ) ، ( 5 ) .
و في تفسير العياشي و البحار ، عن المفضل بن عمر قال : كنت مع أبي عبد الله ( عليه السلام ) بالكوفة أيام قدم على أبي العباس ، فلما انتهينا إلى الكناسة نظر عن يساره ، ثم قال : « يا مفضل ها هنا صلب عمي زيد » .
ثم مضى بأصحابه حتى أتى طاق ( الزياتين ) ، و هو آخر السراجين ، فنزل و قال لي : « انزل ، فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأول الذي خطه آدم ( عليه السلام ) و أنا أكره أن أدخله راكبا » . فقلت له : فمن غيره عن خطته ؟
قال : « أما أول ذلك فالطوفان في زمن نوح ( عليه السلام ) ، ثم غيره بعد أصحاب كسرى و النعمان بن منذر ثم غيره زياد بن أبي سفيان » .
فقلت له : جعلت فداك و كانت الكوفة و مسجدها في زمن نوح ( عليه السلام ) ؟ ، فقال : « نعم يا مفضل و كان منزل نوح و قومه في قرية على متن الفرات مما يلي غربي الكوفة » .
قال : « و كان نوح رجلا نجارا فأرسله الله و انتجبه ، و نوح أول من عمل سفينة فجرت على ظهر الماء ، و أن نوحا لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، ( 6 )
يدعوهم إلى الهدى فيمرون به و يسخرون منه ، فلما رأى ذلك منهم دعا عليهم و قال : ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) إلى قوله : ( و لايلدوا إلا فاجرا كفارا ) ( 7) .
فأوحى الله إليه ، يا نوح أن أصنع الفلك و أوسعها و عجل عملها بأعيننا و وحينا . فعمل نوح السفينة في مسجد الكوفة بيده يأتي بالخشب من بعد حتى فرغ منها » .
قال المفضل ثم أنقطع حديث أبي عبد الله ( عليه السلام ) عند ذلك عند زوال الشمس ، فقام فصلى الظهر ، ثم صلى العصر ثم انصرف من المسجد ، فالتفت عن يساره و أشار بيده إلى موضع دار ( الداريين ) ، و هو موضع دار ابن حكيم و ذلك فرات اليوم و قال لي : « يا مفضل ها هنا نصبت أصنام قوم نوح ( عليه السلام ) وي غوث و يعوق و نسرا » .
ثم مضى حتى ركب دابته فقلت له : جعلت فداك في كم عمل نوح سفينة و فرغ منها ؟ ، قال : « في الدورين » . فقلت : كم الدوران ؟ ، قال : « ثمانون سنة » . قلت : إن العامة تقول ، عملها في خمسمائة عام ؟ ، فقال : « كلا ، كيف و الله يقول : ( و وحينا ) » ، ( 8 ) .
قال المفضل ، قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : أرأيت قول الله : ( حتى إذا جاء أمرنا و فار التنور ) ، ( 9)
ما هذا التنور ، و أين كان موضعه ، و كيف كان ؟ ، فقال : « و كان التنور حيث وصفت لك » .
فقلت : فكان بدء خروج الماء من ذلك التنور ؟ ، فقال : « نعم ، إن الله أحب أن يري قوم نوح الآية ، ثم إن الله بعد أن أرسل إليهم مطرا يفيض فيضا و فاض الفرات فيضا أيضا و العيون كلهن عليها فأغرقهم الله و أنجى نوحا و من معه في السفينة » .
فقلت له : فكم لبث نوح ومن معه في السفينة حتى نضب الماء و خرجوا منها ؟ ، فقال : « لبثوا فيها سبعة أيام بلياليها و طافت بالبيت ثم استوت على الجودي و هو فرات الكوفة » . فقلت له : إن مسجد الكوفة لقديم ؟ ، فقال : « نعم ، و هو مصلى الأنبياء ، و لقد صلى فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، حيث انطلق به جبرئيل على البراق ، فلما انتهى به إلى دار السلام و هو ظهر الكوفة و هو يريد بيت المقدس قال له ، يا محمد هذا مسجد ( أبيك ) آدم ( عليه السلام ) و مصلى الأنبياء ، فأنزل فصل فيه .
فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله ) فصلى ثم انطلق به إلى بيت المقدس فصلى ، ثم إن جبرئيل عرج ( به) إلى السماء » ، ( 10 ) .
قال البراقي : يتضح لك مما ذكرناه ، أن مسجد الكوفة قديم و فضله عظيم ، و أنه قد خطه آدم ( عليه السلام ) فما دونه من الأنبياء ، و أنه كان عظيما جدا ، و أنه قد نقص منه اثنا عشر ألف ذراع أو أقل بيسير أو أكثر كما بينا فيما تقدم من الأخبار ، و أن نقيصته تكون و الله أعلم من جهة عكس القبلة .
و ذلك لما مر في حديث المفضل من قوله : ( لما انتهينا إلى الكناسة نظر الصادق عن يساره ثم قال : يا مفضل ها هنا صلب عمي زيد ، ثم مضى حتى أتى طاق ( الزياتين ) ، و هو آخر السراجين فنزل ، وق ال لي ،إنزل فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأول الذي خطه آدم إلى آخر ما مر ، فالكناسة هي الآن فيها مقام زيد بن علي ، و هو مقام دفنه و حرقه ، و هو عن قرية الكفل على بعد خمسة أميال .
و كان مجيء الصادق ( عليه السلام ) من ذلك المكان ، فنقصانه و الله أعلم يكون أوله من قرب مقام يونس ، و يبعد كل البعد أن يكون نقصانه من الجهة القبلة ، ذلك لأن قصر الإمارة من جهة قبلة المسجد و محاذيه ، و أوضح من هذا أن دار أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يخرج الخارج منها و يدخل المسجد ، ولو كان موضعها من المسجد لما اتخذه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مسكنا.
و أن هذا البيت بيت أمير المؤمنين لاريب ، و يؤيد ذلك ما أخبر عنه أهل التواريخ ، و لعله يأتي ذلك إن شاء الله .
و لايصح القول بأن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أباح الله له من المساجد ما أبيح للنبي ( صلى الله عليه و آله ) ، لأنه إنما أباح الله ذلك للنبي و لأمير المؤمنين و لفاطمة و للحسنين ( عليهم السلام ) ، فحسب لالسائر أزواج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) و لالمطلق أولاده ، لأن ذلك مخصوص بالمعصوم . و أوضح برهان على ذلك تسالم الناس من عصر إلى عصر و اتفاقهم على أن هذه هي دار أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
المصادر :
1- البداية والنهاية لابن کثیر ج8 ص196
2- من لا يحضره الفقيه : 3 / 255 ح 24 ، بحار الأنوار : 97 / 386 ح 6 .
3- بحار الأنوار : 97 / 395 ح 29 ، وما أثبتناه من المصدر .
4- بحار الأنوار : 97 / 396 ح 31 .
5- الكافي : 3 / 492 ح 3 ، بحار الأنوار : 97 / 397 ح 38 .
6- الفروق اللغوية : 348 - 349 رقم 1393 و 1394 ، مجمع البحرين : 3 / 280 .
7- سورة نوح : 26 - 27 .
8- تفسير العياشي : 2 / 144 - 145 ح 19 ، بحار الأنوار : 97 / 385 - 386 ح 6 . والآية في سورة هود : 37 ، والمؤمنون : 27.
9- سورة هود : 40 .
10- تفسير العياشي : 2 / 146 ح 21 ، بحار الأنوار : 97 / 386 - 387 ح 7 ،