لن يكون من الأنصاف ذكر الطرائق الحديثة لتشخيص العقم في الوقت الحالي ومقارنتها مع ما ذكره الأطباء العرب والمسلمين. لذلك سنعمد إلى ذكر سريع لأعراض العقم وعلاماته وأسبابه وطرق معالجته ومقارنتها مع ما يقابلها في كتابات الأطباء السابقين.
العقم بالتعريف الحديث عدم حصول الحمل -مهما كانت نتيجته -بعد سنة كاملة واحدة رغم عدم استخدام موانع الحمل ووجود دورات طمثية منتظمة ولكن لا يتم التشخيص عادة إلا بعد مضي سنتين على الزواج أو آخر حمل مع وجود دورات طمثية إباضية , تعريف نقص الخصوبة يختلف عن تعريف العقم فهو يتعلق بنسب حدوث الحمل ونسب الإسقاطات والضياعات الباكرة .
لا نفرق حالياً بين العقم وعسر الحمل , كما نجده عند الأطباء القدامى .
يقسم العقم إلى عقم أولي وعقم ثانوي ( حدوث حمل لمرة واحدة على الأقل ) وهذا لم يحدده الأطباء القدامى.
الأسباب:
نقول أن العقم يكون من منشأ ذكري أو منشأ أنثوي أو منشأ مشترك أو أنه عقم غير مفسر .ولا يتم الخلط بين الأسباب الذكرية والأنثوية على أساس وجود علل أسواء المزاج التي تظهر عند الجنسين كما ذكر الأطباء القدامى , والعقم ذو المنشأ المشترك يقصد به وجود مشكلة مختلفة عند كلا الزوجين قد تكون أو لا تكون قابلة للعلاج .العقم الذكري:
وله أسباب عديدة تخرج عن نطاق بحثنا , ولكن نذكر منها ما يلي :آفات القضيب المختلفة:
ومنها تشوهاته الولادية أو الرضية أو آفاته الوظيفية وقد ذكرها الأطباء القدامى , إلا حالة هامة وهي تشوه الإحليل التحتي التي لم يذكرها أي طبيب في الكتب القديمة المدروسة .
-آفات الخصية الولادية والمكتسبة:
كحالات الرض والضمور والالتهاب والتي تسبب نقصاً في تعداد النطاف أو انعدامه لنقص أوغياب الخلايا المولدة للنطاف والتي تتكون في الخصية ولا تنشأ من كامل أعضاء الجسم كما ذكر الأطباء القدامى .
-آفات الحبل المنوي كالتشوه الولادي والرض أو الآفات الالتهابية والورمية والتي ذكرها ابن سينا عند تحدثه عن رض المثانة وما حولها في استئصال حصيات المثانة .
-آفات النطاف العددية والوظيفية :
الكثير من حالات العقم الذكري تفسر إما بنقص عددي أونقص وظيفي في وظيفة القلنسوة أو وظيفة السوط الذي يجعل النطاف غير قادرة على الإلقاح , لا يمكننا الحكم على وظيفة السائل المنوي من خلال المظهر العياني كما يذكر الأطباء القدامى بل يحتاج ذلك إلى فحوص مخبرية .
-آفات جهازية عامة كالداء السكري وأمراض مناعية مختلفة , كما أن بعض المعالجات الدوائية تحدث العقم أونقص الخصوبة إلا أن آلية عمل هذه الآفات مختلف عما ذكره ابن سينا فهي إما أن تؤثر مباشرةً على إنتاج النطاف أو بتأثير غير مباشر(عصبي أو وعائي ) على عمل العضو الذكري .
العقم الأنثوي :
يقسم إلى فئات حسب التوضع التشريحي للعلة المسببة للعقم.آفات المبيض وخلل الإباضة :
إن مختلف آفات المبيض قد تحدث العقم وكذلك حالات نقص الإباضة أو اللإباضة (لأسباب هرمونية ) , وهنا نذكر أن السمنة تترافق مع اضطراب الإباضة بسبب خلل استقلابي يتميزبارتفاع الأنسولين بالدم مع ارتفاع المقاومة الجهازية لعمل الأنسولين مع ارتفاع سكر الدم وارتفاع ملحوظ في التحويل المحيطي للاندروجينات إلى استروجينات والتي تؤثر عكساً في المبيض وتتدخل في الإباضة و بالتالي تحدث العقم , فالعلاقة موجودة بين السمنة والعقم ولكنها ليست كما وصفها ابن سينا فلا تتعلق بضغط الثرب وشحمه على الرحم وعلى أوعية المني .
آفات البوقين :
الالتهابية أو الورمية أو في سياق التهاب حوض مزمن أو الناجمة عن الداء البطاني الهاجر . فهي إما أن تسبب التواء أو انسداد البوق مما يمنع من وصول النطاف إلى الخلية البيضية وحدوث الالقاح أو تمنع هجرة البيضة الملقحة إلى داخل الرحم ( الحمل الهاجر ).
آفات الرحم :
إن آفات الرحم كلها تحدث العقم سواء آفاته الولادية أو الثانوية التالية للإنتان أو الجراحة أو أورام الرحم وغبرها من الآفات . ولا توجد آلية جاذبة أوماسكة للمني الأنثوي أو الذكري إلى داخل الرحم كما ذكر الأطباء القدامى . ورغم أننا نعلم بوجود عملية الجذب الكيميائي للنطاف باتجاه الخلية البيضية والتي توجه النطاف بحركة منظمة باتجاه مكان الإلقاح ( القسم الوحشي من البوق وليس ضمن الرحم ) , كما أن الحركات الحوية للرحم المحدودة وحركة أهداب اأبواق كلها عوامل مساعدة في توجيه النطاف ولكن العامل الأساسي هو الحركة الذاتية للنطاف والتي تتم بالحركات الذيلية .
آفات عنق الرحم :
إن آفات عنق الرحم الالتهابية والورمية قد تحدث عقماً ليس بسدها الميكانيكي لفوهة عنق الرحم ومنع دخول النطاف ( كما ذكر ابن سينا ) ,بل تحويل الوسط الذي تعيش به النطاف إلى وسط غير مناسب لحركة النطاف , بالإضافة إلى ما ذكرناه عن العقم المناعي والذي ينجم عن وجود أجسام مضادة للنطاف .لذلك قد نجد حالات حمل تتم رغم وجود آفات عنق رحم سرطانية أو ورمية .
العلامات :
ذكر الإطباء القدامى الكثبر من العلامات التي استخدموها لتشخيص العقم ولكن في الطب الحديث فإننا نقول أنه : ما عدا العلامات السريرية التي قد تنجم عن مرض جهازي عضوي أو استقلابي عام فإن العقم الذكري والأنثوي لا يترفق مع أعراض إلا تلك الظاهرة بفحص الأعضاء التناسلية الذكرية عند الذكر و أعراض اضطراب الدورة الطمثية عند المرأة والتي تنجم عن اضطراب الإباضة رغم أن العديد من المصابات باضطراب الطمث قد يحملن عفوياً بدون معالجة.ما ذكره ابن سينا من فحص العينين وربطه العين مع الرحم فلا فائدة منه إلا في كشف فقر الدم أو اليرقان ولا علاقة لفحص العين بالعقم .
أما فحص اللون وأحوال الطمث وفحص اللون وأحوال السائل المنوي عيانياً والذي ذكره معظم الأطباء القدامى فهو لا يقدم الكثير من المعلومات حول وظيفة المبيض أو وظيفة النطاف أو سبب العقم الأنثوي أو الذكري فلا يستخدم حالياً .
أما ما ذكره ابن سينا عن فحص أشعار العانة وقوامها ورائحتها عند الذكر أو الأنثى فلا يعطي معلومات عن سبب العقم إلا من حيث فحص التوزع للأشعار الجنسية لتحديد ما نسميه بمقياس تانر للنضج الجنسي لا غير ولذلك لم يعد يستخدم حالياً .
-يعتمد حالياً في تشخيص العقم عند االذكور والإناث على مجموعة من الفحوص المخبرية والشعاعية سنذكرها للتعداد وليس للمقارنة :
1- فحص السائل المنوي : لتحديد تعداد النطاف وحركتها ونسبة النطاف الشاذة فيها وقد تجرى فحوص لتحديد وظيفة القلنسوة وغيرها .
2- التصوير الظليل للرحم والملحقات : لتحري آفات الرحم والبوقين والذي قد يتبعه تنظير الرحم الداخلي أو تنظير البطن .
3- تحريات الوظيفة المبيضية: ومنها الفحوص المخبرية الهرمونية والفحوص الشعاعية والصدوية .
4- تحريات عنق الرحم من فحص للطاخة العنقية والمهبلي وفحص ما بعد الجماع والذي يحدد وجود العقم المناعي .
بالإضافة للعديد من الفحوص الأخرى التي تتبع مكان الإصابة المتوقع .
العلاج:
لا مجال للمقارنة بين العلاجات المختلفة المذكورة وطرق العلاج الحديث, بل ليس من العدل إجراء مثل هذه المقارنة لتقدم علم الأدوية الحديث إلا أننا سنذكر النقاط السريرية التالية:حالات العقم المناعي والتي ذكرها ابن سينا والرازي والتي عالجها بتغيير الزوج, حالياً تعالج باستخدام تقنيات الإلقاح المساعد.
حالات السمنة والاضطرابات الهرمونية المسببة للاإباضة تعالج بعلاج السبب لذلك نلجأ لتخفيف الوزن كما ذكر ابن سينا بالإضافة لمعالجات دوائية للاضطرابات الهرمونية المرافقة.
آفات القضيب تعالج جراحياً كما ذكرها ابن سينا والزهراوي.
أما الأدوية المفردة والمركبة المستخدمة في تعديل أسواء المزاج وتحسين أحوال المني الذكري والأنثوي فلا يمكن لنا الحكم عليها إلا بعد تجارب سريرية تحدد وجود تأثيرات علاجية لهذه الأدوية.
المصادر : تحقيق راسخون 2016