دور المجتهدين الأوائل في التشريع

بعد رحيل الرسول الاعظم صلى الله الله عليه وآله وسلم برز نهجين من التفقه واصدار الفتوی وان کان البعض موجودين في حياته :
Wednesday, February 8, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
دور المجتهدين الأوائل في التشريع
 دور المجتهدين الأوائل في التشريع

 





 

بعد رحيل الرسول الاعظم صلى الله الله عليه وآله وسلم برز نهجين من التفقه واصدار الفتوی وان کان البعض موجودين في حياته :
أحدهما : يتّخذ المواقف من خلال الأصول ، ويتّبع القرآن والسنّة ، ولا يرتضي الرأي والاجتهاد مع وجود النصّ.
والآخر : يتّخذ الأصول من خلال مواقف الصحابة وإن خالفت النصوص ، فهؤلاء يشرّعون الرأي ويأخذون به مقابل النص ، ويتعاملون مع رسول الله كأنّه بشر غير كامل يصيب ويخطئ ويسبّ ويلعن ثمّ يطلب المغفرة للملعونين(1) ؛ أو أنّه صلى الله عليه وآله خفي عليه أمر الوحيٍ حتّى أخبره ورقة بن نوفل بذلك! وهذا يخالف ما ثبت من أنّ خاتم النبوة كان مكتوباً على كتفه.
وبين هؤلاء من رفع صوته ـ في ممارساته اليومية ـ فوق صوت النبيّ ، واعترض على رسول الله في أعماله(كاعتراض عمر بن الخطاب على رسول الله لمّا أراد أن يصلّي على المنافق ، وقوله له : أتصلّي عليه وهو منافق ؟! وإنكاره على رسول الله فعله في أخذ الفداء من أسرى بدر وغيرها..)(2) ، وتعرّف المصلحة وهو بحضرته صلى الله عليه وآله ، وتنزّه في أمرٍ رخّص فيه ، أو تزهد في أمرٍ نهى عنه.
فجاء في كتاب الآداب من صحيح البخاري أنّ النبيّ رخّص في أمر فتنزّه عنه ناس ، فبلغ النبيّ فغضب ثمّ قال : ما بال أقوام يتنزّهون عن الشيء أصنعه ، فوالله إنّي لأعلمُهم وأشدّهم خشية(3).
وفي خبر آخر : أخبر رسول الله أنّ عبدالله بن عمرو بن العاص يقول : والله لأصومنّ النهار ولأقومنّ الليل ، فقال له رسول الله : أنت الذي تقول : « لأصومنّ النهار ولأقومنّ الليل ما عشت » ؟!
قال : قد قلت ذلك يا رسول الله.
فقال رسول الله : إنّك لا تستطيع ذلك فصُمْ وأفطرِ ، ونَم وقُم ، وصُم من الشهر ثلاثة أيّام ، فإنّ الحسنة بعشر أمثالها ، وذلك مثل صيام الدهر.
قال ، قلت : إنّي أُطيق أفضلَ من ذلك.
فقال صلى الله عليه وآله : فصم يوماً وأفطِر يومين.
قال : قلت : إنّي أطيق أفضل من ذلك.
فقال : قال : فَصُم يوماً وأفطِر يوماً ، فذلك صيام داود عليه السلام وهو أفضل الصيام.
فقلت : أطيق أفضل من ذلك.
فقال النبيّ : لا أفضل من ذلك(4).
إن مثل هذا التحكيم للرأي الشخصي في مقابل قول رسول الله صلى الله عليه وآله يحمل في طياته مخاطر عديدة ، ويفتح مسارات للتحريف والتبديل ، ومن شأنه أن يحوّل الدين الالهي إلى دين مشوب بآراء الناس ووجهات نظرهم الشخصية ، وهو يجرّ من ثمّ إلى تجزيء الدين والى النزعة التلفيقية في الشريعة ، ومن هنا ظهرت في الصدر الأوّل وما بعده الأحكام المبتدعة والأهواء المتّبعة التي ليست من دين الله في شيء ، و لا تمت إلى الحياة الإسلامية النزيهة بصلة ، وهو الذي كان رسول الله يتخوف على اُمته منه. وقد صرّح الإمام عليّ في خطبة له بأنّه لو أتيحت له الفرصة لأرجع بعض الأُمور إلى أصلها ، فقال :
( ... وإنّما بدءُ وقوع الفتن أهواء تتّبع وأحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب الله ، يتولّى فيها رجالٌ رجالاً... إلى أن يقول : .. أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله ، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة ، ورددت صاع رسول الله كما كان ، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله صلى الله عليه وآله لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ ، ورددت دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد(كأنّهم غصبوها وأدخلوها في المسجد)
ورددت قضايا من الجور قضي بها(كقضاء عمر بالعول والتعصيب في الإرث وسواهما) ، ونزعت نساء تحت رجال بغير حقّ فرددتهن إلى أزواجهن(كمن طلّق زوجته بغير شهود وعلى غير طهر ، وقد يكون فيه إشارة إلى قوله بعد بيعته : ألا إنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان وكلّ مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال ، فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شيء ، ولو وجدته قد تزوج به . إلخ)(5)
واستقبلت بهنّ الحكم في الفروج والأحكام ، وسبيت ذراري بني تغلب(لأنّ عمر رفع الجزية عنهم فهم ليسوا بأهل ذمّة ، فيحلّ سبي ذراريهم ، قال محيي السنّة البغويّ : روي أنّ عمر بن الخطّاب رام نصارى العرب على الجزية ، فقالوا : نحن عرب لا نؤدّي ما يؤدّي العجم ، ولكن خذ منّا كما يأخذ بعضكم من بعض ، بعنوان الصدقة . فقال عمر : هذا فرض الله على المسلمين. قالوا : فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية ، فراضاهم على أن ضعّف عليهم الصدقة.) ، ورددت ما قسّم من أرض خيبر ، ومحوت دواوين العطايا(إشارة إلى ما ذهب إليه عمر من وضعه الخراج على أرباب الزراعة والصناعة والتجارة لأهل العلم والولاة والجند ، بمنزلة الزكاة المفروضة ، ودوّن دواوين فيها أسماء هؤلاء وأسماء هؤلاء.)
وأعطيت كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعطي بالسويّة ، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء. وألقيت المساحة ، وسوّيت بين المناكح(ربّما كان إشارة إلى ما ذهب إليه عمر من منع غير القرشيّ الزواج من القرشيّة ، ومنعه العجم من التزوّج من العرب.) ، وأنفذت خمس الرسول كما أنزل عزّوجلّ وفرضه(إشارة إلى منع عمر أهل البيت خُمسَهم.) ، ورددت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ما كان عليه(يعني أخرجت منه ما زاده عليه غصباً.) ، وسددت ما فُتح فيه من الأبواب(إشارة إلى ما نزل به جبرئيل من الله تعالى بسدّ الأبواب المفضية إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله إلاّ باب عليّ.)
وفتحت ما سُدّ منه ، وحرّمت المسح على الخفين(إشارة إلى ما أجازه عمر في المسح على الخفّين ، ومخالفة عائشة وابن عبّاس وعليّ وغيرهم له في هذا الصدد.) ، وحَدَدت على النبيذ ، وأمرت بإحلال المتعتين (يعني متعة النساء ومتعة الحجّ.) ، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات(لِما كبّر النبيّ صلى الله عليه وآله خمساً في رواية حذيفة وزيد بن أرقم وغيرهما.) ، وألزمتُ الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم(والجهر بالبسملة ممّا ثبت قطعاً عن النبيّ صلى الله عليه وآله في صلاتهِ ، وروى الصحابة في ذلك آثاراً صحيحة مستفيضة متظافرة)
وأخرجت من أُدخل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده ممّن كان رسول الله صلى الله عليه وآله أخرجه ، وأدخلت من أُخرج بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ممّن كان رسول الله صلى الله عليه وآله أدخله(يحتمل أن يكون المراد إشارة إلى الصحابة المخالفين الذين أُخرجوا بعد رسول الله من المسجد في حين كانوا مقرّبين عند النبيّ صلى الله عليه وآله ، وكذا إنّه عليه السلام يخرج من أخرجه رسول الله صلى الله عليه وآله ، كالحكم بن العاص وغيره.)
وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنّة(ينظر عليه السلام إلى الاجتهادات المخالفة للقرآن وما قالوه في الطلاق ثلاثاً.) ، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها (أي من أجناسها التسعة ، وهي : الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والغنم والبقر.)
ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها(وذلك لمخالفتهم هذه الأحكام. وقد أوضّحنا حكم الوضوء منه في كتابنا ( وضوء النبيّ ) فراجع ، نأمل أن نوفّق في الكتابة عن الغسل والصلاة وغيرها من الأحكام الشرعية التي أشار الإمام علي بن أبي طالب إلى التحريف والابتداع فيها إنّ شاء الله تعالى.) ، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم (وهم الذين أجلاهم عمر عن مواطنهم.) ، ورددت سبايا فارس وسائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله .. إذن لتفرّقوا عنّي (6) .
وقد أعلن الأئمّة من آل البيت أنهم كانوا يتبعون النصوص ولا يرتضون الرأي..
فعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال لجابر : والله يا جابر لو كنّا نُفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ، ولكنّا نُفتيهم بآثارٍ من رسول الله صلى الله عليه وآله وأُصول علمٍ عندنا ، نتوارثها كابراً عن كابر ، نَكنِزُها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم(7).
وسأل رجلُ الإمام الصادق عليه السلام عن مسألةٍ فأجابه فيها ، فقال الرجل : أرأيتَ إن كان كذا وكذا ، ما يكون القول فيها ؟
فقال له : مَه! ما أجبتك فيه شيء فهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، لسنا من « أرأيت » في شيء(8).
وعن الإمام الباقر عليه السلام : ما أحدٌ أكذب على الله وعلى رسوله ممّن كذّبنا أهلَ البيت أو كذب علينا ؛ لأنّا إنّما نحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن الله. فإذا كُذّبنا فقد كُذّب الله ورسوله(9).
وقال : لو أنّا حدّثنا برأينا ضللنا كما ضلّ من كان قبلنا ، ولكنّا حدّثنا ببيّنة من ربّنا بيّنها لنبيّه فبيّنها لنا(10).
وعن أبي بصير ، قال : قلت للصادق : تَرد علينا أشياءُ ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنّة ، فننظر فيها ؟ قال : لا ، أما إنّك إن أصبتَ لم تُؤجَر ، وإن أخطأتَ كذبتَ على الله عزّوجلّ(11).
نعم ، إنّ نهج الاجتهاد كان له دعاة وأتباع استمدّوا جذورهم من مصدر غير التعبد والتسليم ، وهو أقرب إلى ما عرفوه في الجاهلية ممّا عرفوه في الإسلام وكان لهؤلاء وجود ملحوظ أيضاً في صدر الإسلام ، فقد اقترح بعض المشركين على رسول الله أن يبدل بعض الأحكام الشرعية وهو صلى الله عليه وآله يقول : ( ما يكونُ لي أن أُبدّله من تِلقاءِ نفسي إن أتّبعُ إلاّ ما يُوحى إلَيَّ )(12).
وقد أثبتنا سابقاً أنّ عمر بن الخطّاب كان من المجتهدين الأوائل الذين تعرّفوا المصلحة وهم بحضرة الرسول المصطفى ، فأنكر عليه أخذَه الفداءَ من أسارى بدر(13) ، واعترض عليه صلى الله عليه وآله في صلاته على المنافق (14)
وواجه النبيّ بلسان حادّ في صلح الحديبية(15) ، وطالب النبيَّ أن يزداد علماً إلى علمه وأن يستفيد من مكتوبات اليهود في الشريعة(16)وقال لرسول الله في مرض موته :
( إنه ليهجر ) أو غلبه الوجع (17) !
المصادر :
1- صحيح البخاري 8 : 435 / كتاب الدعوات ، باب 736 ، ح 1230 سورة الإسراء ، مسند أحمد 2 : 316 ـ 317 ، 419 ، و ج 3 : 40.
2- صحيح مسلم ، كتاب الفضائل ، باب فضائل عمر
3- صحيح البخاري 8 : 353 كتاب الدوب ، باب من لم يواجه الناس بالعتاب ، ح 979.
4- صحيح البخاري 3 : 91 كتاب الصوم ، باب صوم الدهر ، ح 233.
5- نهج البلاغة 1 : 42 خ 14.
6- الكافي 8 : 58 ، الروضة ح 21.
7- بصائر الدرجات : 300 ح 4 والنص عنه ، و 299 ح 1.
8- الكافي 1 : 58. كتاب فضل العلم باب البدع والرأي والمقاييس ح 21.
9- جامع أحاديث الشيعة 1 : 181. باب حجيّة فتوى الأئمّة المعصومين ، ح 114.
10- بصائر الدرجات : 299 ح 2 وانظر : 301 ح 1.
11- الكافي 1 : 56. كتاب فضل العلم باب البدع والرأي ح 11.
12- يونس : 15.
13- شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد 11 ـ 12 : 12 / 82 ، باب نكت من كلام عمرو سيرته وأخلاقه.
14- صحيح مسلم 4 : 1865 كتاب فضائل الصحابة باب فضائل عمر ح 25 و 1 : 2141كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ح 3.
15- صحيح البخاري 4 / 381 كتاب الشروط ، باب الشروط في الجهاد والمصالحة ، ح 932.
16- المصنّف لعبد الرزاق 10 : 313 كتاب أهل الكتابين ، باب هل يسأل أهل اليهود بشيء / ح 19213 ، مجمع الزوائد 1 : 174 باب ليس لاحد قول مع رسول الله صلى الله عليه وآله .
17- صحيح البخاري 1 : 39 كتاب العلم ، باب 82 ، ح 112 ، صحيح مسلم3 : 1257 ،1259 ، كتاب الوصية باب ترك الوصية...

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.