لماذا تحرک الامام الحسين عليه السلام

من الصعب أن نقف على جميع الأسباب لثورة امتدّت في عمق الزمن ، ولا زالت تنبض بالدفق والحيويّة ، مثيرة في النفوس روح الإباء والتضحية ، وتأخذ بيد الثائرين على مرّ الزمن بالاستمرار في طريق الحقّ وبذل النفس والنفيس لبلوغ الأهداف السّامية ،
Thursday, February 9, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
لماذا تحرک الامام الحسين عليه السلام
 لماذا تحرک الامام الحسين عليه السلام

 





 


من الصعب أن نقف على جميع الأسباب لثورة امتدّت في عمق الزمن ، ولا زالت تنبض بالدفق والحيويّة ، مثيرة في النفوس روح الإباء والتضحية ، وتأخذ بيد الثائرين على مرّ الزمن بالاستمرار في طريق الحقّ وبذل النفس والنفيس لبلوغ الأهداف السّامية ، إنّها الثورة التي أحيت الرسالة الإسلاميّة بعد أن كادت تضيع وسط أهواء ورغبات الحكّام الفاسدين ، وأثارت في الاُمّة الإسلاميّة الوعي حتّى صارت تطالب بإعادة الحقّ إلى أهله وموضعه.
إنّ أفضل ما نستخلص منه أسباب ودوافع الثورة الحسينيّة هي النصوص المأثورة عن الحسين الثائر عليه السلام وكذا آثار الثورة ، إلى جانب معرفتنا بشخصيّته عليه السلام ، فها هو الحسين عليه السلام يخاطب جيش الحرّ بن يزيد الرياحي الذي تعجّل لمحاصرته ، ولم يسمح له بتغيير مساره قائلاً :
«أيّها النّاس ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم قال : مَنْ رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أنْ يدخله مدخله. ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشّيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله وأنا أحقّ مَنْ غَيّر ، وقد أتتني كتبكم ، وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم ، وإنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن تمّمتم عليّ بيعتكم تصيبوا رشدكم ، فأنا الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم ، نفسي مع أنفسكم ، وأهلي مع أهليكم ، فلكم فيّ أُسوة» (1).
وفي خطاب آخر بعد أن توضّحت نوايا الغدر والخذلان ، والإصرار على محاربة الإمام عليه السلام وطاعة يزيد الفاسق ، قال عليه السلام : «فسحقاً لكم يا عبيد الأمة ، وشذّاذ الأحزاب ، ونَبَذَة الكتاب ، ونفثة الشّيطان ، وعصبة الآثام ، ومحرّفي الكتاب ، ومطفئي السُّنن ، وقتلة أولاد الأنبياء ، ومبيدي عترة الأوصياء ، وملحقي العهار بالنّسب ، ومؤذي المؤمنين ، وصُراخ أئمّة المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين ، ولبئس ما قدّمت لهم أنفسهم وفي العذاب هم خالدون!».
ثمّ قال عليه السلام : «ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين ؛ بين السلّة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، واُنوف حميّة ، ونفوس أبيّة لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ...» (2).
من هنا يمكن أن نخلص إلى أسباب ثورة الإمام الحسين عليه السلام كما يلي :

١ ـ فساد الحاكم وانحراف جهاز الحكومة

لم يعد في مقدور الإمام الحسين عليه السلام أن يتوقّف عن الحركة ؛ وهو يرى الانحراف الشّامل في زعامة الاُمّة الإسلاميّة ، فإذا كانت السّقيفة قد زحزحت الخلافة عن صاحبها الشّرعي وهو الإمام عليّ عليه السلام ، وتذرّع أتباعها بدعوى حرمة نقض البيعة ولزوم الجماعة ، وحرمة تفريق كلمة الاُمّة ووجوب إطاعة الإمام المنتخب بزعمهم ، فقد كان الإمام عليّ عليه السلام يسعى بنحو أو بآخر لإصلاح ما فسد من جرّاء فعل الخليفة غير المعصوم ، وقد شهد الإمام الحسين عليه السلام جانباً من ذلك بوضوح خلال فترة حكم عثمان.
ولقد كانت بنود الصلح تضع قيوداً على تصرّفات معاوية الذي اتّخذ اُسلوب الخداع والتستّر بالدين سبيلاً لتمرير مخطّطاته ، أمّا الآن فإنّ الأمر يختلف ؛ إذ بعد موت معاوية لم يبقَ أيّ علاج إلاّ الصدام المباشر في نظر الإمام المعصوم ، وصاحب الحقّ الشّرعي ـ الحسين عليه السلام ـ فلم يعد في الإمكان ـ ولو نظرياً ـ القبول بصلاحيّة يزيد وبني اُميّة للحكم.
على أنّ نتائج انحراف السّقيفة كانت تنذر بالخطر الماحق للدين ، فقد قال الإمام عليه السلام : «أيّها النّاس ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم قال : مَنْ رأى منكم سلطاناً جائراً ، مستحلاًّ لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بقول ولا بفعل كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله».
وقد كان يزيد يتّصف بكلّ ما حذّر منه الرّسول صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم ، وكان الحسين عليه السلام وهو الوريث للنبيّ ، وحامل مشعل الرسالة أحقّ من غيره بالمواجهة والتغيير.

٢ ـ مسؤولية الإمام تجاه الاُمّة

كان الإمام الحسين عليه السلام يمثّل القائد الرسالي الشّرعي الذي يجسّد كلّ القيم الخيّرة والأخلاق السّامية.
وبحكم مركزه الاجتماعي ـ حيث إنّه هو سبط الرّسول صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم ووريثه ـ فإنّه مسؤول عن هذه الاُمّة ، وقد وقف عليه السلام في عهد معاوية محاولاً إصلاح الاُمور بطريقة سلمية ، فحاجج معاوية وفضح مخطّطاته (3) ، ونبّه الاُمّة إلى مسؤولياتها ودورها (4) ، بل خطا خطوةً كبيرة لتحفيز الاُمّة على رفض الظلم (5) ، وحاول جمع كلمة الاُمّة في وجه الظالمين (6).
ولمّا استنفد كلّ الإجراءات الممكنة لتغيير الأوضاع الاجتماعية في الاُمّة تحرّك بثقله وأهل بيته للقيام بعمل قويّ في مضمونه ودلالته وأثره وعطائه ؛ لينهض بالاُمّة لتغيير واقعها الفاسد.

٣ ـ الاستجابة لرأي الجماهير الثائرة

لم يكن بوسع الإمام الحسين عليه السلام أن يقف دون أن يقوم بحركة قوية ، وقد تكاثرت عليه كتب الرافضين لبيعة يزيد بن معاوية تطلب منه قيادة زمام اُمورها والنهوض بها ، وقد حمّلته المسؤولية أمام الله إذا لم يستجب لدعواتهم ، وكانت دعوة أهل الكوفة للإمام الحسين عليه السلام بمثابة الغطاء السّياسي الذي يُعطي الصّفة الشّرعية لحركته ، فلم تكن حركته بوازع ذاتي ، ولا مطمع شخصي ، لاسيّما بعد إتمام الحجّة عليه من قبل هؤلاء المسلمين.

٤ ـ محاولة إرغامه عليه السلام على الذلّ والمساومة

لقد كان الإمام الحسين عليه السلام يحمل روحاً صاغها الله بالمُثل العليا والقيم الرفيعة ، ففاضت إباءً وعزّةً وكرامةً ، وفي المقابل تدنّت نفسيّة يزيد الشّريرة ونفسيات أزلامه ، فأرادوا من الإمام الحسين عليه السلام أن يعيش ذليلاً في ظلّ حكم فاسد ، وقد صرّح عليه السلام قائلاً : «ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين ؛ بين السلّة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله ، ونفوس أبيّة ، واُنوف حميّة من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام».
وفي موقف آخر قال عليه السلام : «لا أرى الموت إلاّ سعادةً ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً».
بهذه الصّورة الرائعة سنّ الإمام الحسين عليه السلام سنّة الإباء لكلّ مَنْ يدين بقيم السّماء وينتمي إليها ويدافع عنها ، وانطلق من هذه القاعدة ليغيّر الواقع الفاسد.

٥ ـ نوايا الغدر الاُموي والتخطيط لقتل الحسين عليه السلام

استشفّ الإمام الحسين عليه السلام ـ وهو الخبير الضليع بكلّ ما كان يمرّ في معترك السّاحة السّياسية ، والمتغيّرات الاجتماعية التي كانت تتفاعل في الاُمّة ـ نوايا الغدر والحقد الاُموي على الإسلام وأهل البيت عليهم‌السلام ، وتجارب السنين الاُولى من الدعوة الإسلاميّة ، ثمّ ما كان لمعاوية من مواقف مع الإمام علي عليه السلام ومن بعده مع الإمام الحسن عليه السلام.
وأيقن الحسين عليه السلام أنّهم لا يكفّون عنه وعن الفتك به حتّى لو سالمهم ، فقد كان يمثّل بقيّة النبوّة ، والشّخصية الرسالية التي تدفع الحركة الإسلاميّة في نهجها الحقيقي وطريقها الصّحيح.
ولم يستطع يزيد أن يخفي نزعة الشرّ في نفسه ، فقد روي أنّه صرّح قائلاً في وقاحة :
لستُ من خندف إن لم انتقمْ / من بني أحمدَ ما كان فعلْ
وقد أعلن الإمام الحسين عليه السلام أنّ بني اُميّة لا يتركونه بحال من الأحوال ، فقد صرّح لأخيه محمّد بن الحنفيّة قائلاً : «لو دخلت في جُحْر هامّة من هذه الهوامّ لاستخرجوني حتّى يقتلوني».
وقال عليه السلام لجعفر بن سليمان الضّبعي : «والله ، لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة ـ يعني قلبه الشّريف ـ من جوفي».
فتحرّك الإمام عليه السلام من مكة مبكّراً ؛ ليقوم بالثورة قبل أن تتمكّن يد الغدر من قتله وتصفيته ، وهو بعد لم يتمكّن من أداء دوره المفروض له في الاُمّة آنذاك ، وسعى لتفويت أيّة فرصة يمكن أن يستغلّها الاُمويّون للغدر به ، والظهور بمظهر المدافع عن أهل بيت النبوّة.

٦ ـ انتشار الظلم وفقدان الأمن

قام الحكم الاُموي على أساس الظلم والقهر والعدوان ، فمنذ أن برز معاوية وزمرته كقوّة في العالم الإسلامي برز وهو باغ على خليفة المسلمين وإمام الاُمّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم ، وأسرف في ممارساته الظالمة التي جلبت الويل للاُمّة ، فقد سفك الدماء الكثيرة ، واستعمل شرار الخلق لإدارة الاُمور يوم تفرّد بالحكم ، بل وقبل أن يتسلّط على الاُمّة كانت كلّ العناصر الموالية له تشيع الخوف والقتل حتّى قال النّاس في ولاية زياد بن أبيه : «انج سعد ، فقد هلك سعيد» ؛ للتدليل على ضياع الأمن في جميع أنحاء البلاد (7).
ومن جانب آخر أمعنت السّلطة الاُموية في احتقار فئات وقطاعات كبيرة من الاُمّة بنظرة استعلائية قبلية (8) ، كما مارس معاوية في سياسته التي ورثها يزيد أنواع الفتك والتعذيب والتهجير للمسلمين ، وبالأخص مَنْ عرف منه ولاء أهل البيت عليهم‌السلام (9).
وبكلّ جرأة على الحقّ واستهتار بالقيم يقول معاوية للإمام الحسين عليه السلام : يا أبا عبد الله ، علمت أنّا قتلنا شيعة أبيك ، فحنّطناهم وكفّناهم وصلّينا عليهم ودفنّاهم (10).
أمام هذه المظالم لم يقف الإمام الحسين عليه السلام مكتوف اليد ، فقد احتجّ على معاوية ثمّ ثار على ولده يزيد ؛ إذ لم ينفع النصح والاحتجاج لينقذ الاُمّة من الجور الهائل.

٧ ـ تشويه القيم الإسلاميّة ومحو ذكر أهل البيت عليهم‌السلام

اجتهد الحكم الاُموي أن يغيّر الصّورة الصّحيحة للرسالة الإسلاميّة ، والتركيب الاجتماعي للمجتمع المسلم ، فقد عمد الاُمويّون إلى إشاعة الفرقة بين المسلمين ، والتمييز بين العرب وغيرهم ، وبثّ روح التناحر القبلي ، والعمل على تقريب قبيلة دون اُخرى من البلاط وفق المصالح الاُمويّة في الحكم.
وكان للمال دور مهمّ في إشاعة الروح الانتهازية والازدواج في الشّخصيّة والإقبال على اللهو (11).
ولمّا كان لأهل البيت عليهم‌السلام الأثر الكبير في تجذير العقيدة الإسلاميّة ، ورعاية هموم الرسالة الإسلاميّة ؛ فقد عمد الاُمويّون ومنذ تفرّد معاوية بالحكم باُسلوب مبرمج إلى محو ذكر أهل البيت عليهم‌السلام ، وقد تكاملت هذه الخطوة في أواخر حكم معاوية ومحاولة استخلافه ليزيد (12).

٨ ـ الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌ و آله و سلم

إنّ عقيدة سامية ورسالة خاتمة لكل الرسالات كرسالة الإسلام لا يمكن أن يتركها قائدها الكبير ، ومبلّغها العظيم صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم وهو النبيّ المعصوم والمسدّد من السّماء دون تخطيط وعناية ، ودون قيّم يرعى شؤونها وأحوالها ، يخلص لها في قوله وعمله ، ويوجّهها نحو هدفها المنشود ، مستعيناً بدرايته وبعلمه الشّامل بأحكامها ، ويفتديها بكلّ غال ونفيس من أجل أن تحيى وتبقى كلمة الله هي العليا. والمتتبّع لسيرة الرّسول وأهل بيته (صلوات الله عليهم) يلمس بوضوح ترابط الأدوار التي قام بها المعصومون من آل النبيّ وتكاملها ، وهم مستسلمون لأمر الله ورسوله غاية التسليم.
وقد أدلى الإمام الحسين عليه السلام بذلك حينما أشار المشفقون عليه بعدم الخروج إلى العراق ، فقال عليه السلام : «أمرني رسول الله بأمر وأنا ماضٍ له» (13).

 

كما إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم كان قد أخبر بمقتل الإمام الحسين عليه السلام بأيدي الظلمة الفاسقين حين ولادته حتّى بات ذلك من الاُمور المتيقّنة لدى المسلمين (14).

أهداف منظورة في ثورة الإمام الحسين عليه السلام

إنّ أهداف الرجال العظام هي عظيمة في التأريخ ، وتزداد رفعةً وسموّاً حين تنبعث من عمق رسالة سامية. ونحن حين نقف أمام الحسين عليه السلام الذي يمثّل أعظم رجل في عصره وهو يحمل ميراث النبوّة ، وثقل الرسالة الخاتمة الخالدة مسدّداً بالتسديد الإلهي في القول والفعل ، وأمام سيرته لنبحث عن أهداف نهضته المقدّسة ـ التي فداها بنفسه وبأهل بيته وخيرة أصحابه ـ لا نجد من السّهل لنا أن نحيط علماً بكلّ ذلك ، لكنّنا نبحث بمقدار إدراكنا ووعينا للحدث وفق ما تتحمّله عقولنا طبعاً.
لقد تفانى الحسين عليه السلام في الله ومن أجل دينه ، فكانت أهدافه ـ التي تمثّل رضى الله وطاعته ـ سامية جليلة ، كما إنّها كانت واسعة وعديدة. ويمكننا أن نذكر بعض أهداف الإمام الحسين عليه السلام من ثورته كما يلي (15) :

١ ـ تجسيد الموقف الشّرعي تجاه الحاكم الظالم

لقد أصابت الاُمّة حالة من الركود حتّى أنّها لم تعد تتحرّك لاتّخاذ موقف عملي واقعي تجاه الحاكم الظالم ، فالجميع يعرف مَنْ هو يزيد ، وبماذا يتّصف من رذائل الأخلاق ممّا تجعله غير لائق أبداً بأن يتزعّم الاُمّة الإسلاميّة.
في مثل هذا الظرف وقف الكثيرون حيارى يتردّدون في قرارهم ، فتحرّك الإمام الحسين عليه السلام ؛ ليجسّد الموقف الرسالي الرافض للظلم والفساد ، في حركة قوية واضحة مقرونة بالتضحية والفداء من أجل العقيدة الإسلاميّة ؛ لتتّخذ الاُمّة الموقف ذاته تجاه الظلم والعدوان. ٢ ـ فضح بني اُميّة وكشف حقيقتهم
إنّ الحكّام الذين تولّوا اُمور المسلمين ولم يكونوا معصومين ولا شرعيين كانوا يغطّون تصرّفاتهم بغطاء ذي مسحة شرعية عند الجماهير. وكان بنو اُميّة من أكثر الحكّام المستفيدين من هذا الاُسلوب الماكر ؛ إذ لم يتردّد معاوية في وضع الأحاديث المفتعلة لتدعيم حكمه ، بل سعى بكلّ وسيلة لتضليل الاُمّة ، وتمكّن من فعل ذلك مع عامّة النّاس.
وأصبح الأمر أكثر خطورة حين تولّى يزيد ولاية الحكم بطريقة لم يقرّها الإسلام ؛ ولهذا كان لا بدّ من فضح التّيار الاُموي وتصويره على حقيقته ، لتتّضح الصورة للعالم الإسلامي فيعي دوره ورسالته ، ويقوم بواجبه ووظيفته ، فتحرّك الحسين عليه السلام بصفته الإمام المعصوم ؛ ليواجه زيف الحكم وضلالته. وفعلاً أسفر التّيار الاُموي عن مكنون حقده بارتكابه الجريمة البشعة في كربلاء بقتل خير النّاس وأصحابه وأهل بيته من الرجال والنساء والأطفال ، ثمّ أعقب ذلك بقصف الكعبة بالمنجنيق في واقعة الحرّة ، وإباحة المدينة ثلاثة أيام ؛ قتلاً ونهباً وسلباً واعتداءً على الأموال والنساء والأطفال بشكل بشع لم يسبق له مثيل (16).
وانتبه المسلمون إلى انحراف الفئة الحاكمة الضالّة وإلى فساد أعمالها ، وسعوا من خلال محاولات عديدة إلى تطهير الجهاز الحاكم المتوغّل في الظلم والطّغيان ، حتّى غدت ثورة الإمام الحسين عليه السلام اُنموذجاً يُحتذى به لمقارعة ومقاومة كلّ نظام يستشري فيه الفساد. وقد أفصح الإمام عليه السلام عن الصّفات التي يجب أن يتحلّى بها الحاكم بقوله : «فلعمري ، ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب ، والآخذ بالقسط ، والدائن بالحقّ ، والحابس نفسه على ذات الله» (17).

٣ ـ إحياء السنّة وإماتة البدعة

انحدرت الاُمّة الإسلاميّة في منحدر صعب يوم انحرفت الخلافة عن مسارها الشّرعي في يوم السّقيفة ؛ فإنّها قبلت بعد وفاة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم أن يتولّى أمرها مَنْ يحتاج إلى المشورة والنّصيحة ، ويخطئ في حقّها ويعتذر ، فكانت النّتيجة بعد خمسين عاماً من غياب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم أن يتولّى أمرها رجل لا يتورّع عن محارم الله ، بل ويظهر الحقد على الإسلام والمسلمين ، فتعرّض الإسلام ـ عقيدةً وكياناً واُمّةً ـ للخطر الحقيقي ، والتشويه المقيت المغيّر لكلّ شيء ، على غرار ما حدث لبعض الرسالات السّماوية السّابقة.
في مثل هذا المنعطف الخطير وقف الإمام الحسين عليه السلام ومعه أهل بيته وأصحابه ، وأطلق صرخة قويّة ومدوّية محذّراً الاُمّة ، مفتدياً العقيدة والاُمّة بدمه الطاهر الزكي ، ومن قبل قال فيه جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم : «إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النّجاة». كما قال غير مرّة : «حسين منّي وأنا من حسين». فكان الحسين عليه السلام ونهضته التجسيد الحقيقي للإسلام الحقّ ؛ فقد كان الخطّ الحقيقي للإسلام المحمدي متمثلاً في الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه (رضوان الله تعالى عليهم).
وقد صرّح الإمام الحسين عليه السلام في رسالته التي بعثها إلى أهل البصرة بكل وضوح إلى أنّ السنّة قد ماتت حين وصل الانحراف إلى حدّ ظهور البدع وإجبائها.

٤ ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لقد كان غياب فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نتيجة طبيعية لتولّي الزعامة المنحرفة ، وقد حدث هذا تحت عناوين متعدّدة ، منها : لزوم إطاعة الوالي ، وحرمة نقض بيعة تمّت حتّى لو كانت منحرفة ، وكذلك حرمة شقّ وحدة الكلمة ، وقد وصف الإمام عليه السلام هذه الحالة بقوله : «ألا ترون أنّ الحقّ لا يُعمل به ، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله ...» (18).
لذا تطلّب الأمر أن يبرز ابن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم للجهاد وهو يحمل السّيف في محاولة لإعادة الحقّ إلى نصابه من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد أدلى عليه السلام بذلك في وصيّته لأخيه محمّد بن الحنفيّة حين كتب له : «إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ، ولا ظالماً ولا مفسداً ، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي ؛ اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».
إنّ الإصلاح المقصود هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كلّ جوانب الدين والحياة ، وقد تحقّق ذلك من خلال النهضة العظيمة التي قام عليه السلام بها ، فكانت الهداية والرعاية للبشر دينياً ومعنوياً ، وإنسانياً واُخروياً بمقتله وشهادته ، وتلك النهضة التي عليها تربّت أجيال من الاُمّة ، وتخرّجت من مدرستها الأبطال والصناديد ، ولا زالت وستبقى المشعل الوضّاء ينير درب الحقّ والعدل والحرية وطاعة الله إلى يوم القيامة.

٥ ـ إيقاظ الضمائر وتحريك العواطف

في أحيان كثيرة لا يستطيع أصحاب العقائد ودعاة الرسالات أن يحاوروا العقل والذهن مجرّداً معزولاً عن عنصر العاطفة لأجل تعميق المعتقد والفكر لدى الجماهير ، وقد ابتليت الاُمّة الإسلاميّة في عهد الإمام الحسين عليه السلام وبعد تسلّط يزيد بحالة من الجمود والقسوة ، وعدم التحسّس للأخطار التي تحيط بها ، وبفقدان الإرادة في مواجهة التحديات ضدّ العقيدة الإسلاميّة ؛ لهذا لم يكتف الإمام الحسين عليه السلام بتثبيت الموقف الشّرعي وتوضيحه عملياً من خلال موقفه الجهادي ، بل سعى إلى إيقاظ ضمائر النّاس ، وتحريك وجدانهم وأحاسيسهم ليقوموا بالمسؤولية. فسلك سبيل البذل والعطاء والتضحية من أجل العقيدة والدين ، واتّخذ اُسلوب الاستشهاد الذي يدخل بعمق وحرارة في قلوب الجماهير ، وقد ضرب لنا مثلاً رائعاً حينما برّزت ثورته أنّ التضحية لم تكن مقصورة على فئة أو مستوىً معيّن من الاُمّة ، فللطفل كما للمرأة والشيخ دور فاعل فضلاً عن الشباب.
وما أسرع ما بان الأثر على أهل الكوفة ؛ إذ أظهروا الندم والإحساس بالتقصير تجاه الإمام والإسلام ، فكانت ثورة التوّابين التي أعقبت ثورة أهل المدينة التي وقعت في السّنة الثانية من بعد واقعة الطفّ.
لقد كانت واقعة الطفّ تأكيداً حقيقياً على أنّ المصاعب والمتاعب لا تمنع من قول الحقّ والعمل على صيانة الرسالة الإسلاميّة ، كما إنّها زرعت روح التضحية في سبيل الله في نفوس أبناء الاُمّة الإسلاميّة ، وحرّرت إرادتها ودفعتها إلى التصدّي للظلم والظالمين ، ولم تُبقِ عذراً للتهرّب من مسؤولية الجهاد والدفاع عن العقيدة والمقاومة لإعلاء كلمة الله.
لماذا لم ينهض الإمام الحسين عليه السلام بالثورة في حكم معاوية؟
إنّ الأحداث السّياسية التي عصفت بالاُمّة الإسلاميّة بعد وفاة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم كانت ثقيلة الوطأة عليها ، وبلغت غاية الشدّة أيام تسلّط معاوية على الشّام ومحاربة الإمام عليّ عليه السلام ، وبالتالي اضطرار الإمام الحسن عليه السلام لإبرام صلح معه ؛ لأسباب موضوعية كانت تكتنف الاُمّة. ولكننا نلحظ أنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يغيّر من موقفه المتطابق مع موقف الإمام الحسن عليه السلام تجاه معاوية حتّى بعد استشهاد الإمام الحسن عليه السلام ، فلم يعلن ثورته ، وما كان ذلك إلاّ لبقاء نفس الأسباب التي دفعت بالإمام الحسن عليه السلام إلى قبول الصلح ، فمِنْ ذلك :

١ ـ حالة الاُمّة الإسلاميّة

كان الوضع النفسي والاجتماعي للاُمّة الإسلاميّة متأزّماً ، إذ كانت تتطلّع إلى حالة السّلم بعد أن أرهقها معاوية والمنافقون بحروب دامت طوال حكم الإمام عليّ عليه السلام ، فكان رأي الإمام الحسن عليه السلام هو أن يُربّي جيلاً جديداً وينهض بعد حين ، فقد قال عليه السلام :
«إنّي رأيت هوى أعظم النّاس في الصّلح ، وكرهوا الحرب ؛ فلم اُحبّ أن أحملهم على ما يكرهون ، فصالحت بقياً على شيعتنا خاصّة من القتل ، ورأيت دفع هذه الحرب إلى يوم ما ، فإنّ الله كلّ يوم هو في شأن» (19).
وهو نفسه موقف الإمام الحسين عليه السلام ؛ بسبب ما كان يعيه ويدركه من واقع الاُمّة ، فكان قوله لمَنْ فاوضه في الثورة إذ قعد الإمام الحسن عليه السلام عنها : «صدق أبو محمّد ، فليكن كلّ رجل منكم حلساً من أحلاس بيته ما دام هذا الإنسان حيّاً».
وبقي هذا موقفه نفسه بعد استشهاد الإمام الحسن عليه السلام ؛ لبقاء نفس الأسباب ، فقد كتب عليه السلام يردّ على أهل العراق حين دعوه للثورة :
«أمّا أخي فأرجو أن يكون الله قد وفّقه وسدّده فيما يأتي ، وأمّا أنا فليس رأيي اليوم ذلك ، فالصقوا رحمكم الله بالأرض ، واكمنوا في البيوت ، واحترسوا من الظنّة ما دام معاوية حيّاً» (20).

٢ ـ شخصيّة معاوية وسلوكه المتلوّن

لقد كانت زعامة الاُمّة الإسلاميّة بعد وفاة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم بأيدي مسؤولين غير كفوئين لفترة طويلة. ومراجعة بسيطة لأحداث ووقائع تلك الفترة توضّح ذلك.
ولكنّ معاوية كان أشدّ مكراً ومراوغةً ودهاءً ؛ إذ كان يتلاعب ببراعة سياسية ، ويتوسّل بكلّ وسيلة من أجل أن يبقى زمام السّلطة
بيده ، متّخذاً من التظاهر بالدين ستراً يُغطّي جرائمه الأخلاقية واللإنسانيّة ، والتي منها فتكه بخيار المسلمين ، ومخادعة عوام النّاس في مجاراته لعواطفهم ومعتقداتهم ، وهو يحمل حقداً لا ينقطع على الإسلام والرسول صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم (21).
وقد تمكّن معاوية من القضاء على المعارضين له من دون اللجوء إلى القتال والحرب ، فهو الذي اغتال الإمام الحسن عليه السلام ، وسعد بن أبي وقّاص (22) ، وقضى على عبد الرحمن بن خالد (23) ، ومن قبله على مالك الأشتر ، وقد أوجز اُسلوبه هذا في كلمته المشهورة : «إنّ لله جنوداً منها العسل» (24).
كما إنّ معاوية كان يضع كلّ مَنْ يلمس منه أيّة معارضة أو تحرّك تحت مجهر المراقبة والإرصاد ، فتُرفع إليه التقارير عن كلّ ما يحدث فيستعجل في القضاء عليه.
في مثل هذا الاُسلوب ـ أي التصرّف تحت ستار الإسلام ـ لو قام الإمام الحسين عليه السلام بحركة واسعة ، ونشاط سياسي بعد وفاة الإمام الحسن عليه السلام مباشرةً لما كان قادراً على فضح معاوية ، وإقناع كلّ الجماهير بشرعيّة ثورته ، ولكان معاوية متمكّناً من القضاء عليه من دون ضجيج ، وعندها كانت الثورة تموت في مهدها ، وتضيع جهود كبيرة كان من شأنها أن تبني في الاُمّة تيّاراً واعياً ، ويختنق الصوت الذي كان في مقدوره أن يبقى مدوّياً في تأريخ الإنسانيّة كما حصل في واقعة الطفّ.
وما كان الإمام الحسين عليه السلام ليتمكّن من توضيح كلّ أهدافه وغاياته من الثورة (25) ، المتمثّلة في إنقاذ الاُمّة من الظلم ، وصيانة الرسالة الإسلاميّة من التحريف لو كان يسرع بثورته في أيام معاوية.
وأمّا حينما اعتلى يزيد عرش الخلافة ، وهو مَنْ قد عرفه النّاس باللهو والفسق ، والشغف بالقرود وشرب الخمور ، وعدم صلاحيته للخلافة ؛ لتجاوزه وعدوانه على كلّ المقاييس الشّرعيّة والعرفيّة لدى المسلمين ، فالثورة عليه تعدّ ثورة مشروعة عند عامّة المسلمين ، كما أثبت التأريخ ذلك بكلّ وضوح.

٣ ـ احترام صلح الإمام الحسن عليه السلام

لقد كان العهد والميثاق الذي تمّ بين معاوية وبين الإمام الحسن عليه السلام ورقة رابحة يلوّحها معاوية لكلّ تحرّك فعّال مضاد تجاه تربّعه على مسند السّلطة ، صحيح أنّه عهد غير حقيقي ، وما كان برضى الإمامين عليهما السلام ، وتمّ في ظروف كان لا بدّ من تغييرها ، لكنّ المجتمع لم يكن يتقبّل نهضة الإمام الحسين عليه السلام مع وجود هذا العهد ، وحتى لو كان هذا العهد صحيحاً فإنّ معاوية نقضه بممارسته العدائية بملاحقة رجال الشّيعة ، ولم يرعَ أيَّ حقّ في سياسته الاقتصادية.
وقد سارع معاوية لاستغلال هذا العهد في التشهير بالإمام الحسين عليه السلام ، وإظهاره بموقف الناقض للعهد ، فقد كتب إلى الإمام عليه السلام :
أمّا بعد ، فقد انتهت إليّ اُمور عنك ، إن كانت حقاً فإنّي أرغب بك عنها. ولعمر الله ، إنّ مَنْ أعطى عهد الله وميثاقه لجدير بالوفاء ، وإنّ أحقّ الناس بالوفاء مَنْ كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها ، ونفسك فاذكر ، وبعهد الله أوفِ ؛ فإنّك متى تنكرني أنكرك ، ومتى تكدني أكدك ، فاتّقِ شقّ عصا هذه الاُمّة (26).
من هنا لجأ الإمام الحسن عليه السلام ، ومن بعده الحسين عليه السلام إلى اُسلوب آخر لنشر الدعوة ، والتهيّؤ للثورة التي غذّاها معاوية بظلمه وجوره ، وبُعده عن تمثيل الحكم الإسلامي الصحيح ، حتّى إذا مات معاوية كان كثير من النّاس ، وعامّة أهل العراق ـ بشكل خاصّ ـ يرون بغض بني اُميّة وحبّ أهل البيت عليهم‌السلام لأنفسهم ديناً (27).
المواقف من ثورة الحسين عليه السلام قبل انطلاقها
لم تكن نهضة الإمام الحسين عليه السلام وثورته حركةً آنيةً ، أو ردّة فعل مفاجئة ، بل كان الحسين عليه السلام في الاُمّة يُمثّل بقيّة النبوّة ، وكان وريث الرسالة ، وحامل راية القيم السّامية التي أوجدها الإسلام في الاُمّة وأرسى قواعدها ، كما إنّ العهد قريب برحيل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم الذي كان يُكثر الثناء والتوضيح لمقام الإمام الحسين عليه السلام ، وفي الوقت نفسه كانت قد ظهرت مقاصد الاُمويّين الفاسدة تجاه رسالة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم الإسلاميّة واُمّته المؤمنة برسالته.
وقد وقف أهل البيت عليهم‌السلام بصلابة يدافعون عن الحقّ والعدل وإحياء الرسالة الإسلاميّة ، والمحافظة عليها بكلّ وسيلة ممكنة ومشروعة.
وفي عصر الإمام الحسين عليه السلام كان لتراخي وفتور الاُمّة عن نصرة الحقّ إلى جانب تسلّط المنافقين ونفوذهم في أجهزة الدولة دور كبير لإيجاد حالة مَرَضيّة يمكن تسميتها بفقدان الإرادة وموت الضمير ، ومن ثمّ تباينت المواقف تجاه اُسلوب الدفاع عن العقيدة الإسلاميّة وصيانتها ، وسيادة الحقّ والعدل.
ولكن لم يشكّ أحد في مشروعية وعدالة موقف الإمام الحسين عليه السلام تجاه الانحراف المستشري في كلّ مفاصل الدولة ، وتجاه التغيير الحاصل في بنية الاُمّة الإسلاميّة ، إلاّ أنّ موقف الاستعداد الكامل للنصرة باتخّاذ قرار ثوريّ يزيح عن الاُمّة الظلم والفساد لم يكن يتكامل بعد لدى الجميع.
وقد كانت هذه المواقف تتراوح بين التأييد مع إعلان الاستعداد للثورة مهما كانت النتائج ، وبين الحذر من الفشل وعدم نجاح الثورة ، وبين التثبيط وفتّ العزائم.
وتبنّى شيعة أهل البيت عليهم‌السلام الذين اكتووا بجحيم البيت الأموي المتحكّم في رقاب المسلمين موقف التأييد وإعلان الاستعداد ، وإن غلب الخوف على بعضهم فيما بعد ، واُودع البعض الآخر السجن ، أو حوصر من قبل قوّات السّلطة الاُمويّة.
كما تبنّى آخرون من أقرباء الإمام عليه السلام ـ مثل عبد الله بن عباس ومحمّد ابن الحنفيّة ـ موقف الحذر ، ورجّحوا للإمام الحسين عليه السلام الهجرة إلى اليمن ؛ نظراً لبُعد اليمن عن العاصمة ، ولتوفّر جمع من شيعته وشيعة أبيه فيها (28).
وتبنّى آخرون موقف التثبيط ، وفتّ العزائم والتخويف من مغبّة الثورة على الحاكم ، فنصحوا الإمام عليه السلام بالدخول فيما دخل فيه النّاس ، والصّبر على الظلم ، كما تمثّل ذلك في نصيحة عبد الله بن عمر للإمام الحسين عليه السلام (29).

 

المصادر :
1- تأريخ الطبري ٤ / ٣٠٤ ، والكامل في التأريخ ٣ / ٢٨٠.
2- أعيان الشّيعة ١ / ٦٠٣.
3- الإمامة والسياسة ١ / ٢٨٤.
4- كتاب سُليم بن قيس / ١٦٦.
5- شرح نهج البلاغة ٤ / ٣٢٧.
6- أنساب الأشراف ق ١ ج ١ ، وتأريخ ابن كثير ٨ / ١٦٢.
7- تأريخ الطبري ٦ / ٧٧ ، وتأريخ ابن عساكر ٣ / ٢٢٢ ، والاستيعاب ١ / ٦٠ ، وتأريخ ابن كثير ٧ / ٣١٩.
8- العقد الفريد ٢ / ٢٥٨ ، وطبقات ابن سعد ٦ / ١٧٥ ، ونهاية الإرب ٦ / ٨٦.
9- شرح النهج ١١ / ٤٤ ، وتأريخ الطبري ٤ / ١٩٨.
10- تأريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠٦.
11- تأريخ الطبري ٨ / ٢٨٨ ، والأغاني ٤ / ١٢٠.
12- نهج البلاغة ٣ / ٥٩٥ و٤ / ٦١ وو ١١ / ٤٤.
13- البداية والنهاية ٨ / ١٧٦ ، وتأريخ ابن عساكر / ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ، ومقتل الحسين ـ للخوارزمي ١ / ٢١٨ ، والفتوح ٥ / ٧٤.
14- مستدرك الحاكم ٤ / ٣٩٨ و٣ / ١٧٦ ، وكنز العمال ٧ / ١٠٦ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٧ ، وذخائر العقبى / ١٤٨ ، وسير أعلام النبلاء ٣ / ١٥.
15- للمزيد من التفصيل راجع أضواء على ثورة الحسين عليه السلام ـ للسيّد محمّد الصدر / ٥٧.
16- الفتوح ـ لابن أعثم ٥ / ٣٠١ ، والإمامة والسياسة ـ للدينوري ٢ / ١٩ ، مروج الذهب ٢ / ٨٤.
17- تأريخ الطبري ٦ / ١٩٧.
18- تاريخ الطبري ٥ / ٤٠٣.
19- الأخبار الطوال / ٢٢١.
20- المصدر السابق / ٢٢٢.
21- شرح النهج ـ لابن أبي الحديد ٢ / ٣٥٧.
22- مقاتل الطالبيين / ٢٩ ، ومختصر تأريخ العرب / ٦٢.
23- التمدن الإسلامي ـ لجرجي زيدان ٤ / ٧١.
24- عيون الأخبار ١ / ٢٠١.
25- للتفصيل راجع ثورة الحسين ، ظروفها الاجتماعية وآثارها النفسية / ١٢٢.
26- الإمامة والسّياسة ١ / ١٨٨ ، والأخبار الطوال / ٢٢٤ ، وأعيان الشّيعة ١ / ٥٨٢.
27- الفتنة الكبرى ، علي وبنوه ـ طه حسين / ٢٩٠ ، وللمزيد من التفصيل راجع ثورة الحسين عليه السلام ، ظروفها الاجتماعية وآثارها النفسية / ١٢٧.
28- مقتل الحسين ـ للخوارزمي ١ / ١٨٧ و٢١٦ ، ومروج الذهب ٣ / ٦٤.
29- مقتل الحسين ـ للخوارزمي ١ / ١٩١.

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.