يوجد في أوساط أكثر مسلمي أهل السنة وهم الأكثرية السّاحقة حاجة ماسّة إلى المعرفة عن هويّة الشيعة وحقيقتهم ..
لا مانع من التعرّف على هويّة الشّيعة وحقيقة التشيّع ، ولكن لا يمكن التعرّف عليهم من خلال ما يكتبه خصومهم وأعداؤهم ، بل مقتضى العدل والإنصاف أن تؤخذ الأشياء من مصادرها ..
وهناك مؤلّفات أيضاً تكفلت ببيان التشيّع وحقيقته ، وليس من الإنصاف أن يقول الكاتب : الشّيعة الفرقة الباطلة ، وهو يجعل من هم الشيعة وما هي حقيقتهم معتمداً في ذلك على ما كتبه خصومهم.
قال الكاتب : بدأت الشيعة كفرقة صغيرة سياسيّة في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان .
ونقول : ليس الأمر كما ذكر هذا الكاتب إنّ التشيع بدأ برعاية الرسول صلى الله عليه وآله وقلنا إنّه غارس بذرته ، وأوردنا جملة من الروايات رواها علماء السنّة في تفسير قوله تعالى : (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البريّة) وأحلنا على جملة أخرى من المصادر .
قال : وعند ظهور هذه الفرقة لم يكن لها ارتباط بالدين ...
ونقول : إنّ ما ذكر هذا الكاتب محض افتراء لا أساس له من الصحّة ، فإنّ أبرز صحابة النبي صلى الله عليه وآله كانوا من الشيعة فإنّ أبا ذر الغفاري وهو رابع الإسلام أو سادسهم وسلمان الفارسي والمقداد وعمار وحذيفة بن اليمان وخزيمة بن ثابت ذا الشهادتين وأبا أيوب الانصاري وغيرهم كانوا من شيعة علي بن أبي طالب .
يقول محمّد كرد علي في كتابه خطط الشام ـ وهو ليس من الشيعة ولا من أنصارهم ـ :
عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله مثل سلمان الفارسي القائل : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله على النصح للمسلمين والائتمام بعلي بن أبي طالب والموالاة له ، ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول أمر الناس بخمس فعملوا بأربع وتركوا واحدة . ولمّا سئل عن الأربع قال : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج ، قيل : فما الواحدة التي تركوها ؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب . قيل له : وانّها لمفروضة معهنّ ؟ قال : نعم هي مفروضة معهنّ ، ومثل أبي ذر الغفاري ، وعمّار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان ، وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت وأبي أيّوب الانصاري ، وخالد بن سعيد بن العاص وقيس بن سعد بن عبادة (1) .
هؤلاء وغيرهم كانوا من الشيعة في زمان النبي صلى الله عليه وآله فكيف يقول هذا الكاتب : إنّ هذه الفرقة لم يكن لها ارتباط بالدين وإنّها ترفع بعض الشعارات الدينيّة .
إنّ عبد الله بن سبأ ممّن اختلفت آراء الباحثين فيه ، فمنهم من قال بوجوده ونسب اليه أحداثاً كثيرة وكبيرة ، ومنهم من قال انّه من صنع الخيال ، وقد تنبّه إلى ذلك الدكتور طه حسين في كتابه الفتنة الكبرى ، والدكتور علي الوردي في كتابه وعاظ السلاطين وغيرهما ، وقد استنتج الدكتور طه حسين أن قضيّة عبد الله بن سبأ وما نسب إليه إنما نسجت للنيل من الشيعة والكيد لهم .
وسواء كان عبد الله بن سبأ حقيقة ثابتة أم أنّه محض خيال ، فلا يعنينا من أمره شيء .
يقول محمد كرد علي في كتابه خطط الشام : وأما ما ذهب إليه بعض الكتاب من أن أصل مذهب التشيّع من بدعة عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء ، فهو وهم وقلّة معرفة بحقيقة مذهبهم ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم علم مبلغ هذا القول من الصواب ، لا ريب في أنّ أوّل ظهور الشيعة كان في الحجاز بلد المتشيع له وقال : وفي دمشق يرجع عهدهم الى القرن الأول للهجرة (2) .
وقد قلنا آنفاً إنّ محمد كرد علي صاحب الخطط ليس من الشيعة ولا من أنصارهم .
ثمّ إنّ حادثة مقتل الخليفة الثالث ممّا حارت فيها أفهام علماء السنّة ، ولم يستيطعوا أن يقدموا لها تفسيراً صحيحاً ومقبولاً يمكن الاعتماد عليه ، والاّ فأين الصحابة الأوّلون عن هذا الامر ؟
وكيف تركوا خليفة المسلمين بلا حماية حتّى جاءه أناس فقتلوه ؟! ثمّ ما هي الدوافع لقتل الخليفة بينهم ؟ ؟
والحقيقة كما تشهد بها كتب التاريخ أنّ لبعض الصحابة والتابعين يدا في قتل الخليفة أمثال طلحة ، والزبير ، وعائشة ، وعمرو بن العاص وغيرهم ممّن يؤلّب النّاس على قتل عثمان ، وارجع الى التاريخ لتقف على حقيقة الحال .
ومن الجدير بالذّكر أنّ المؤرخين كما نصّوا على أشتراك بعض الصحابة والتابعين في قتل عثمان ، كذلك نصّوا على براءة أمير المؤمنين عليه السلام ، من دمه أو الإعانة عليه ، بل لم يكن راضياً بقتله ، وكان عليه السلام يقوم بدور الإصلاح والنصح ما استطاع الى ذلك سبيلاً ، يقول ابن أبي الحديد : وأمير المؤمنين عليه السلام أبرأ الناس من دمه ، وقد صرّح بذلك في كثير من كلامه ، من ذلك قوله عليه السلام : والله ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله (3) .
وقد ذكر الطبري في تاريخه تفاصيل مقتل عثمان بأسبابها ودوافعها وكثيراً مما يتعلق بها ، ونقلها ابن أبي الحديد في شرح النهج (4)وأضاف إليها حوادث أخرى نقلها عن غيره . فراجع .
قال الكاتب : فأبوه كان يهودياً بينما أتت امّة إلى المدينة وحاولت الحصول على منصب في الحكومة الإسلامية فلم تنجح .
ونقول : لا ندري على أيّ المصادر اعتمد هذا الكاتب ؟ ومن أين جاء بهذه المقالة ؟ وماذا كانت تريد أمّ عبد الله بن سبأ أن تصبح ؟ وأيّ منصب كانت تطمح إليه ؟ وهل كانت النساء في تلك الفترة تتقلد المناصب حتّى تطمع هذه المرأة في أن يكون لها منصب في الحكومة الاسلامية ؟
انّ هذا الكاتب يتعمد الافتراء ، وسنوافيك بكثير من أكاذيبه التي ألصقها بالشيعة زوراً وبهتاناً .
قال الكاتب : فعلى هذا الأساس يكون مصدر الشيعة وفروعها نابتاً من فرقة عبد الله بن سبأ الذي هو المسؤول عن اغتيال خليفة النبي صلى الله عليه وآله .
ونقول : إن الاساس الذي هو مصدر التشيّع هو النبي صلى الله عليه وآله ولم يكن لعبد الله بن سبأ ـ على فرض وجوده ـ شأن يذكر ، والمسؤول عن اغتيال الخليفة هو الصحابة أنفسهم وهذه الحقيقة تحتاج الى الشجاعة والجرأة والإنصاف ومحاكمة الأشخاص على ضوء ما حفظه لنا التاريخ ، والاّ فكيف يتسنّى لعبد الله بن سبأ وهو ينحدر من أصل يهودي ـ حسب هذا الزعم ـ ويدبر مقتل الخليفة على مرأى من المسلمين ولم يتحرّكوا من أجل حماية الخليفة أليس في هذا طعنٌ على الصحابة من حيث لا يشعر هذا الكاتب ؟ ؟
قال الكاتب : هذه الجماعة في حين تستّرهم مؤيّدين للامام علي عليه السلام رافعين راية أهل البيت عليهم السلام قد انحرفوا عن طريق الصحابة وسنّة الرسول صلى الله عليه وآله وعندما اغتالوا عثمان تشخّصواوتميّزوا بالشيعة .
ونقول : إنّ هذا الكاتب يتجاسر على الصحابة وينسب لهم النفاق من حيث لا يشعر ، وإلاّ فهؤلاء المتستّرون ـ على حسب زعمه ـ هل هم من الصحابة أم لا ؟ فإن كانوا من الصحابة فكيف لهذا الكاتب أن يقول عنهم إنّهم انحرفوا وكانوا يتستّرون بالتأييد للإمام علي وإن كانوا ليسوا من الصحابة فكيف لصحابي وهو الامام علي ان يرضى أن تتستّر الجماعة بتأييده ، ولماذا لم يردعهم ويفضحهم ويعاقبهم ، ثمّ ليته ذكر أسماء هؤلاء الذين تستّروا بالتأييد للامام علي عليه السلام إن هذا الكاتب يتجنّى على الصحابة في الوقت الذي يريد الدفاع عنهم ، فتراه يتخبّط في القول ولا يدري ماذا يقول .
قال الكاتب : ثمّ إنّ للفرقة الشيعيّة فرق أخرى كثيرة لها اعتقاداتها ومبانيها لا تتّفق مع الإيمام في شيء .
ونقول : إنّ كلام الكاتب مبهم وغير واضح ، فإن حديثنا وكلامنا عن الشيعة الإماميّة الاثنا عشريّة لا عن جميع فرق الشيعة ونحن لا ننكر وجود فرق اخرى كالزيدية والإسماعيليّة وغيرهما ولا يعنينا من أمر هذه الفرق شيء ، لكننّا لا نقول إنّها خارجة عن الاسلام ، وعندنا ان كل من شهد الشهادتين وأقام الفرائض فهو مسلم الاّ من استثني .
وأما قوله بعد ذلك : وحيث خرجت هذه الفرقة عن هيكل الإسلام فإن ذلك يعني خروجها عن خط أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله ...
فهذا القول منه تخبّط على غير هدى وذلك لأنّ عنوان المسلم إنّما ينطبق على كلّ من تشهد الشهادتين وأقام الفرائض ، وأما الخروج عن خطّ اصحاب الرسول صلى الله عليه وآله فليس مقياساً لمعرفة المسلم من غيره ، وذلك لأن التاريخ بيّن أن خط أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله لم يكن خطّاً واحداً بل كانت هناك خطوط متعدّدة فإنّ الصحابة أنفسهم قد اختلفوا ووقعت الحروب فيما بينهم ، وهذه حرب الجمل وحرب صفين وحرب النهروان إنّما وقعت بين الصحابة أنفسهم فهل يستطيع هذا الكاتب أن يحدّد خطّ الصحابة الذي يكون مقياساً لمعرفة المسلم من غير المسلم ، وأمّا ما توصّل اليه الكاتب من النتيجة وهي قوله : إذن الشيعة هي إحدى الفرق الكاذبة التي ضلت وافترقت وهي التي تحدث عنها الرسول صلى الله عليه وآله أنّها في النار ، فهي نتيجة باطلة ، وكأنّما هذا الكاتب يرتب المقدمات ويستخرج النتائج كما يحلو له من دون مراعاة دليل أو برهان على صحّة مقدّماته ، وإلاّ فما معنى قوله هي إحدى الفرق الكاذبة التي ضلّت وافترقت ؟ وما هو كذبها ؟ وفي أيّ شيء كذبت ؟
وكيف صحّ له أن يطبق الحديث على هذه الفرقة وحكم عليها أنّها في النار ؟! ثمّ من هم الذين عناهم الرسول في الحديث بأنّهم أصحابه ؟ ونحن نعلم أن اصحابه قد اختلفوا ووقعت الحروب فيما بينهم ، فمن هو المحقّ منهم ومن هو المبطل ؟ فإنّ الحق واحد لا يكون في طرفين في آن واحد .
إنّ هذا الكاتب يركّز على أمر الصحابة واعتبارهم مقياساً في الحكم ، ولكن لا ندري هل غاب عنه أنّ الصحابة بشر كسائر الناس منهم المصيب ومنهم المخطئ ، والصحبة للنبي صلى الله عليه وآله شرف عظيم ولكن لا يعني هذا أنّهم معصومون من كلّ خطأ وشاهد ذلك أنّ الاختلاف قد وقع بينهم حتّى شهر بعضهم السيف في وجه بعض . وهذه هي إحدى المشاكل الخلافية القائمة ، فإنّ إعطاء الصحابة منزلة العصمة تصطدم مع الواقع التاريخي الذي عاش عليه المسلمون بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله الى الرفيق الأعلى .
إنّ الانصاف والعدل يقضيان بعرض أعمال الناس صحابة أو غيرهم على المقاييس الشرعية فما كان منها موافقاً لموازين الدين والشرع حكم بصحّته وما كان مخالفاً للموازين حكم بخطأه ، سواء صدر ذلك من صحابي أو غيره ، وبذلك يستطيع الكاتب وأمثاله أن يتخلّص من هذه العقدة التي يعاني منها .
الإختلاف بين الشيعة والسنّة
قال الكاتب : ليس هناك اختلاف بسيط بين مسلمي السنّة وبين الشيعة كما يحاول أن يدعي ذلك أنصار ايران .
ونقول : إنّ الاختلاف بين الفريقين يرجع الى مسالة الخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وآله فإنّ مذهب السنّة يقول إنّ الخلافة هي بالانتخاب والاختيار من الناس ، وامّا الشيعة فيقولون إنّ الخلافة منصب إلهي لا يد للبشر فيه ، فإنّ أهميّة الإمامة بعد النبي وكونها الامتداد لمسيرته في تعليم الناس وبيان أحكام الله للعباد تقتضي أن يكون الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله مجعولاً من قبل الله فإنه تعالى العالم بحقائق الناس وهو الخبير بمن يصلح لقيادة الأمة ، وقد أقام الشيعة الأدلة العقليّة والنقليّة من القرآن ومن أحاديث النبي صلى الله عليه وآله واعتمدوا في مصادرهم على ما رواه السنّة أنفسهم في صحاحهم وأشرنا الى طرف من ذلك .
هذا هو سرّ الخلاف ومرجعه بين السنّة والشيعة وما عداه من الخلافات فهي خلافات طبيعيّة تابعة للمصادر التي استند اليها كلّ من الفريقين في معرفة الأحكام والعقائد .
الشيعة والمتعة
بعض المتلبسين بلباس الاسلام یتهم الشيعة باباحظ الزنا والعیاذ بالله ثم يتطرقون الیمساله المتعة في الاسلام .
إنّ مثل هؤلاء لا يتقون الله في تهمة المسلمين زوراً وبهتاناً ، والاّ ففي أي كتاب من كتب الشيعة وجدوا أن الشيعة تحلّل الزنا ، وهذه كتبهم الفقهيّة الاستدلاليّة منتشرة في جميع البلدان وكلّها قد اتّفقت كلمتهم على أنّ الزنا محرّم بنصّ القرآن وانّه إحدى الكبائر ، وقد بيّنوا ذلك في مختلف كتبم الفقهيّة ، وأوضحوا كلّ ما يتعلّق بهذه المسألة من الاحكام والآثار .
وأما ما ذكره من المتعة ، فالجواب عنه .
أولاً : أنّ المتعة ليست هي من الزنا .
وثانياً : إنّها زواج شرعيّ يشترط فيه جميع الشرائط في النكاح ، وإنّما يختلف عن النكاح المتعارف عليه أنّ فيه تحديد مقدار المهر ومقدار المدّة ، ولهذا يسمى بالنكاح المنقطع في مقابل النكاح الدائم ولا يفترق النكاح المنقطع عن الدائم الا في هذين الأمرين ، والا فما عداهما ممّا يشترط في النكاح الدائم هو مشترط في النكاح المنقطع .
وثالثاً : أنّ الشيعة لم تقل بحلّيّة المتعة الاّ بعد قيام الدليل من الكتاب والسنة ، واستدلوا من الكتاب بآية قرآنيّة هي نصّ في دلالتها على حلّية المتعة ، وهي قوله تعالى : (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهن أجورهن فريضة من الله) .
راجع تفسير أبي حيّان ، وتفسير الطبري ، وتفسير البغوي ، وتفسير الزمخشري ، وتفسير القرطبي ، وتفسير البيضاوي ، وتفسير السيوطي حول تفسير هذه الآية .(5)
واستدلّوا من السنّة بروايات كثيرة رواها علماء السنة في كتبهم وإليك بعض هذه الروايات : روى مسلم في صحيحه وابن الأثير في جامع الاصول عن قيس ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول : كنا نغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ليس لنا نساء فقلنا الاّ نستخصي فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا ان نستمتع فكان أحدنا ينكح المرأة بالثوب الى أجل ثم قرأ عبد الله : (يا أيّها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا أنّ الله لا يحب المعتدين) .
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما وابن الأثير في جامع الاصول عن سلمة بن الاكوع وعن جابر قالا : خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا يعني متعة النساء (6) .
وروى مسلم في صحيحه عن عطاء قال : قدم جابر بن عبد الله معتمراً فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثمّ ذكروا المتعة ، فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر وروى مسلم 3 ايضاً وذكره في جامع الاصول عن أبي الزبير قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدّقيق ، الأيّام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وابي بكر وعمر حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث .
وعن أبي نضرة ، قال : كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : ان ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثمّ نهانا عمر عنهما فلم نعد لهما .
وهناك الكثير من الروايات في هذا المعنى راجع صحيح مسلم وصحيح الترمذي وسنن البيهقي وموطا مالك وأحكام القرآن وغيرها من كتب السنة . وحكى الفخر الرازي في تفسير آية المتعة عن محمّد بن جرير الطبري قال : قال علي بن أبي طالب عليه السلام لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى الاّ شقيّ .
ورابعاً : يظهر بعد ذلك أنّ المتعة حلال وجائزة بنصّ القرآن والروايات عن النبي صلى الله عليه وآله ، وقد فعلها كبار الصحابة ، وإنّما كان النهي صدر من عمر في زمان خلافته ولا يرتاب المسلم أنّ قول القرآن والنبي مقدّم على قول عمر .(7)
انّ الذي يؤدّي الى الكفر الصريح قد بيّن في محلّه من كتب الفقه والإعتقاد ، ومنها انكار وجود الله تعالى أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله او الاستهانة بالمقّدسات الدينيّة أو إنكار ما ثبت أنّه من الدين كانكار الصلاة مثلاً ونحو ذلك من الأمور مع ضرورة الالتفات الى عدم وجود الشبهة في ذهن المنكر ، والشيعة مؤمنة بوجود الله معتقدة بوحدانيّته تعالى مصدقة بالأنبياء وبما جاؤا به من عند الله محترمة لجميع المقدسات ، تؤدي الصلاة المفروضة في أوقاتها محافظة على جميع الواجبات الشرعية مستندة في ما تعتقد وتعمل إلى الأدلة والبراهين ، محتجّة على خصومها ، فأين الكفر من ذلك ؟ وقد قلنا إذا كان هناك اختلاف أساسي فهو يرجع الى مسألة الإمامة والخلافة وما يترتّب عليها من آثار . ثمّ إنّ رمي أحد من الناس بالكفر والخروج عن الدين ليس بالأمر اليسير ، فكيف ساغ لهذا الكاتب أن يتّهم غيره ممّن يخالفه في النظرة والفكرة بأنّه كافر الاّ يتّقي هذا الكاتب ربّه في ما يقول ؟
قال الكاتب : الاختلافات بوسعها وعريضها موجودة بين كافّة أهل الحق ..
ونقول : انّ اختلاف الرأي والنظر بين بني البشر من الأمور الطبيعية والسنن الكونيّة فإنّ لكلّ شخص ذوقاً ونظراً قد يتّفق مع الآخرين وقد يخالفهم ، وهذا لا إشكال فيه فإذن لماذا لا يحترم هذا الكاتب غيره ويقدر لهم آراءهم ، ولماذا لا يحتمل في نفسه الخطأ وهل هو معصوم ليكون هو المقياس في الحكم على الناس بالكفر والخروج عن الدين ؟
المصادر :
1- تاريخ الشيعة : ص 9 . / الفصول المهمة في تأليف الامة : ص 265 ـ 309 الطبعة المحققة .
2- تاريخ الشيعة : ص 10 .
3- شرح نهج البلاغة : ج 1 ص 200 ، دار إحياء الكتب العربية .
4- شرح نهج البلاغة : ج 2 ص 126 ـ 161 ، دار إحياء الكتب العربية .
5- تفسير أبي حيان : ج 3 ص 218 /تفسير الطبري : ج 5 ص 9 ط / 2 بولاق مصر 1972/ تفسير البغوي : ج 1 ص 414 ط / 2 دار المعرفة ـ بيروت /الكشاف للزمخشري : ج 1 ص 519 ، دار المعرفة ـ بيروت / جامع احكام القرآن للقرطبي : ج 5 ص 131 و 131 و 132 .
6- تفسير البيضاوي لناصر الدين الشيرازي البيضاوي : ج 1 ص 336 ط / 1 مؤسسة الاعلمي ، بيروت ـ لبنان ./ الدر المنثور لجلال الدين السيوطي : ج 8 ص 140 ./صحيح مسلم : ج 4 ص 45 و 46 ./ جامع الاصول : ج 2 ص 334 و 335 دار إحياء الكتب العربية .) صحيح البخاري : ج 5 ص 158 ./صحيح مسلم : ج 4 ص 131 / جامع الاصول : ج 11 ص 444 و 446 و 447 ، دار الفكر ، بيروت ـ لبنان .
7- صحيح البخاري : ج 3 ص 246 ، دار المعرفة ، بيروت ـ لبنان ./صحيح الترمذي : ج 2 ص 185 ، الحديث 824 ، باب ما جاء في التمتع ./ سنن البيهقي : ج 5 ص 21 وج 7 ص 206 ./ موطأ ابن مالك : ج 2 ص 30 ./احكام القرآن للجصّاص : ج 1 ص 342 و 343 و 344 و 345 : ج 2 ص 178 و 179 / التفسير الكبير للفخر الرازي : ج 10 ص 51 ط / 1 المطبعة البهية المصرية 1938 م .