
أفعال الصلاة التي هي أجزاؤها الوجودية التي تتركب الصلاة منها ، فهي :
1 ـ النية. وهي الداعي ـ لا الإخطار والا اللفظ ـ علىٰ نحو الإخلاص في العمل بأنْ يأتي به امتثالاً لأمره وموافقة لطاعته ، أو تعظيماً لجلاله أو أداء لشكره ، أو إجابة لدعوته أو انقياداً لحكمه :
والنية الداعي ويكفي فيه / لله أنْ يفعل ما ينويه
واعتبارها في الصلاة من ضروريّات الدين ، وبطلان الصلاة بالإخلال بها لو سهواً واضح على اليقين. بل تنتفي حقيقة الصلاة
بانتفائها؛ لكونها ركنها وقوامها ، بل روحها ونظامها. ويلزم تعيين كونها ظهراً أو عصراً ، وأداء أو قضاء ، ويوميَّة أو غيرها. ولو كانت نيابة لزم تعيين المنوب عنه. ولا يجب تعيين كونها تماماً أو قصراً ، أو جماعة أو فرادىٰ.
وأما البحث في وجوبها ، فهو راجع إلى البحث في كون الواجب تعبُّدياً أو توصُّلياً. وبعد الفراغ عن كونه تعبُّدياً لا ينبغي البحث في اعتبار النية؛ إذ الإطاعة ـ عقلاً وعرفاً ـ لا تحصل إلّا بالإتيان بالمأمور به بداعي أمره؛ إذ هي من شؤون الطاعة وكيفيات الإطاعة. ولذا لو شكّ في اعتبار قصد الامتثال في المأمور به شرعاً لزم تحصيل القطع بالفراغ. وقد استوفينا الكلام في كتابنا الموسوم بـ (هداية العقول).
2 ـ تكبيرة الإحرام. وصورتها : الله أكبر. ولا يجزي غيرها عنها. ولا إشكال في ركنيّتها ، وفي بطلان الصلاة بالإخلال بها عمداً وسهواً.
3 ـ القيام. ولا إشكال في ركنيّته في الجملة ، وتبطل الصلاة بالإخلال به عمداً وسهواً. وظاهر بعض (1) علمائنا أنه ركن في ذاته ، ولا ينافيه كونه شرطاً لركن آخر.
وتمسّكوا بظهور إطلاق الأدلّة في اعتباره. ولا إشكال في حكومة حديث : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» (2).
وقوله عليه السلام : «تسجد لكل زيادة ونقيصة» (3).
علىٰ ذلك الإطلاق. بل في إطلاق القول بالركنيّة إشكال لا مفرّ عنه إلّا بالعدول عنه؛ إذ ناسي القراءة أو بعضها ، أو ناسي التسبيحات مع فوات بعض القيام المقتضي لفوات المجموع ، لا إشكال في صحّة صلاته.
والظاهر أن القيام منه الركن ومنه الواجب؛ فالقيام في النيّة شرط ، والقيام في تكبيرة الإحرام والركوع ركن ، ولاقيام في القراءة واجب غير ركن ، والقيام من الركوع واجب غير ركن؛ إذ لو هوىٰ من غير قيام وسجدنا سياً لم تبطل صلاته. وفي القنوت تابع له في الاستحباب.
وبالجملة ، فلابد من الركنيَّة في الجملة ، بمعنىٰ بطلان الصلاة بنقصه ، عمداً وسهواً. وأما بطلانها بزيادته فلا ، فلو قام في محل القعود سهواً أو أزاد القيام حال القراءة بزيادتها ، لم تبطل. بل ولو كان متِّصلاً بالركوع ، مالم يستلزم زيادة الركوع. ألا ترىٰ أنه يجب التدارك لو نسي السجدة أو القراءة وهوىٰ ، ولم يتحقَّق الركوع؟
والإشكال ـ بعدم تعقّل زيادة القيام الركنيّ بلا ركوع ، فالرجوع للتدارك قاطع للاتّصال المقوّم للركنيّة ـ غير مسلَّم؛ إذ أرىٰ دليلاً يعتدُّ به علىٰ كون صفة الاتِّصال قيداً في المقام علىٰ نحو يكون عليه في ركنيّته.
نعم ، يظهر في من بعض الأدلَّة شرطيَّة الاتّصال لصحَّة الركوع؛ لأنه يعتبر فيه كونه عن قيام ، لا كونه شرطاً في القيام ، خلافاً لبعضٍ؛ إذ جعل الاتِّصال شرطاً لصحّة القيام.
فاتضح أن زيادته وتركه في غير ما كان منه في حال التكبير المتّصل بالركوع ، غير مبطل قطعاً. ولا إشكال في ذلك ، إنّما الإشكال في أن البطلان من حيث ركنيَّته بالخصوص ، أو من حيث كونه شرطاً لركن آخر.
ولم أقف علىٰ دليل يعتدَّ به يدلّ على أن زيادة القيام أو نقصه ـ من حيث هو ـ سهواً مبطل عدا ما تمسَّكوا به من ظهور الأدلَّة في الإطلاق. لكنك عرفت حكومة حديث : «لا تعاد» ، وقوله عليه السلام : «تسجد لكل زيادة ونقيصة» ، عليه.
والإشكال بأصالة الركنيّة منقطع بالنصِّ لو سلِّم ، وإلّا فالأصل عند الشكِّ في كون شيء جزءاً أو شرطاً مطلقاً ، أو في صورة العمد عدم الركنيَّة. واختصاصه بصورة العمد ودعوىٰ الإجماع غير مثمرة؛ لانعقاده في بطلان صلاة من أخلَّ به عمداً أو سهواً. ولا دلالة له على أن ذلك من حيث ركنيَّته بالخصوص؛ إذ لعلَّه من حيث شرطيَّته للركوع والتكبير.
ولكن من تأمَّل في معاقد إجماعاتهم وكلماتهم ، يجدهم ملتزمين بكونه بذاته ركناً. ولكن لا أعلم أن ذلك مقصودٌ لهم ، ولست أتعبَّد بظواهر ألفاظهم ، بل المتمركز في ذهني عدم قصدهم الركنيَّة أصالة.
4 ـ الركوع. وهو الانحناء المخصوص ، إلى أن تصل يداه إلىٰ ركبتيه. ويجب في تسبيحة كبرىٰ : (سبحان ربّي العظيم وبحمده). أو ثلاث صغريات.
5 ـ السجود. وهو وضع الجبهة على الأرض ، أو ما أنبتت غير المأكول والملبوس. ويجب فيه تسبيحة كبرىٰ ، أو ثلاث صغرىٰ ، والجلوس بينهما وبعدهم مطمئناً. والسجود علىٰ سبعة أعضاء : الجبهة والكفين ، والركبتين ، وإبهامي القدمين.
6 ـ القراءة. وهي الحمد وسورة كاملة في الاُوليين والصبح.
ولا تجب السورة في النافلة. ويتخيَّر في الأخيرتين وثالثة المغرب ، بين الحمد والتسبيحات الأربع : (سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله والله اكبر). مرّة ، والأفضل الثلاث.
ويجب الجهر على الرجل في الصبح واُوليي العشاءين ، والإخفات في عداهما. ويستحب الجهر بالبسملة مطلقاً ، وفي النوافل يتخير. والأفضل في نوافل الليل الجهر ، وفي النهار الإخفات.
7 ـ التشهد. وهو في الثنائية مرّة ، وفي ما عداها مرتان؛ في الثانية ، وفي آخرها. وصورته الواجبة : (أشهد أنْ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله ، اللهم صلِّ علىٰ محمّد وآل محمّد).
8 ـ التسليم. والواجب واحدة من : (السلام علينا وعلىٰ عباد الله الصالحين) ، و (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته). فإذا أتىٰ بالاُولىٰ كانت الثانية مستحبَّة ، وإذا أتىٰ بالثانية سقطت الاُولىٰ. وأما : (السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته) ، فهو مستحبّ ، ولا يُجزي عن الواجب.
ولا إشكال في كون التسليم من أجزاء الصلاة على الأظهر. فلو قارنه أحد المبطلات من الحدث أو غيره ، فسدت. والتسليم واجب وليس بركن. والإتيان بالصيغ الثلاث أكمل :
والجمع أولىٰ وعليه العملُ / فالأول الواجب والمحلّلُ
فروع
1 ـ لو شكَّ في التسليم في حال التعقيب ، جرت قاعدة التجاوز. ولا ينبغي التشكيك فيها؛ نظراً إلىٰ عدم كون التعقيب من أجزاء الصلاة؛ لكفاية كونه من ملحقاتها. كيف ، وقد جرت قاعدة التجاوز في الأذان والإقامة؟
2 ـ لو شكَّ في التسليم حال السكوت ، قبل فعل المنافي عمداً وسهواً ، ولم يكن السكوت ماحياً لصورة الصلاة ، فالأقوىٰ كونه من الشكِّ في المحلِّ؛ فيلزمه فعل التسليم.
3 ـ لو شكَّ فيه بعد فعل المنافي ، فالظاهر جريان قاعدة التجاوز.
وهو وإنْ كان ليس لفعل المنافي محلّ مقرر؛ لأنه من المبطلات ، إلّا إنه حيث كان تحليلها التسليم ، وفُعلَ المنافي بعده ، جرىٰ عليه حكم المُحلِّ الشرعي.
وهل يلزم قصد الخروج بالمخرج من السلام ، أم يتحقق به الخروج قهراً؟ الظاهر الثاني؛ للنصِّ المصرِّح بذلك. ولازم ذلك كون التحليل من الأحكام الشرعيَّة ، الّتي لا يتوقف وجودها على القصد. ولو قلنا بلزوم اعتباره ، لم نلتزم بمقارنته للتسليم. وليس هو إلّا كسائر أجزاء الصلاة من الركوع والسجود ، في كفاية القصد الإجمالي.
ومن واجبات الصلاة الطمأنينة في عموم أحوال الصلاة.
ومن واجباتها الترتيب ، على النحو المتقدّم.
ومن واجباتها الموالاة ، وعدم الفاصل الماحي لصورتها.
وأما الموانع ، فقسمان :
ركن تبطل بوجوده الصلاة عمداً وسهواً ، كالحدث ، والعمل الكثير الماحي لصورة الصلاة.
وغير ركن تبطل بوجوده عمداً لا سهواً ، كالكلام ، والالتفات يميناً وشمالاً ، والأكل والشرب ، والضحك والبكاء بصوت.
المصادر :
1- مدارك الأحكام 326 : 3.
2- الفقيه 181 : 1/ 857 ، 225/ 991 ، الوسائل 371 : 1 ، أبواب الوضوء ، ب 3 ، ح 8.
3- التهذيب 155 : 2/ 608 ، الاستبصار 361 : 1/ 1367 ، الوسائل 251 : 8 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 32 ، ح 3 ، باختلاف في لفظه.