أشجع الصحابة عمر بن الخطاب

المشهور بين أهل السنة والجماعة أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب كان مشهوراً بالشجاعة والشهامة ، وأنه صار مورداً لقبول دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الله : أن يعز الاسلام بأحد العمرين.
Sunday, February 19, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
أشجع الصحابة عمر بن الخطاب
 أشجع الصحابة عمر بن الخطاب

 





 

المشهور بين أهل السنة والجماعة أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب كان مشهوراً بالشجاعة والشهامة ، وأنه صار مورداً لقبول دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الله : أن يعز الاسلام بأحد العمرين.
ولو طالعت كتب السيرة والتاريخ وتفحصت فيها المقامات التي كان الخليفة يظهر فيها الجسارة والرجولة ، و كيفية عزة الاسلام به ، ولكن مع الاسف سوف لاتقف في الاسفار على ما يخبر عن شجاعته ، بل على العكس من ذلك ، تدل وقائع التاريخ على جبنه وخوره ، والشاهد على ذلك :

أوّلاً :

لا تجد في كتب التاريخ أنه بارز أحدا من المشركين ، ولا قتل واحداً من شجعانهم ، إلاّ أننا رأينا أنه عندما كان يؤتى بأحد مكتوف اليدين إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول الخليفة : فاذن لي يا رسول الله أضرب عنقه.

ثانياً :

روى أصحاب السيرة والتواريخ : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة ، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له ، فقال : يا رسول الله ، إني أخاف قريشاً على نفسي ، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ، ولكن أدلك على رجل أعز بها مني : عثمان بن عفان.
وفي لفظ ابن أبي شيبة وابن عساكر : فقال : يا رسول الله ، إني لالعنهم وليس أحد بمكة من بني كعب يغضب لي إن أوذيت.
وفي لفظ الواقدي : فقال : يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي ، وقد عرفت قريش عداوتي لها ، وليس بها من بني عديِّ من يمنعني ، وإن أحببت يارسول الله دخلت عليهم ، فلم يقل له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئاً.
وأورده الصالحي الشامي في سيرته بهذا اللفظ.
وفي لفظ البيهقي : فقال : يا رسول الله إنّي لا آمنهم ، وليس بمكة أحد من بني كعب يغضب لي إن أوذيت (1).
فلما وقفت على هذه القصة تعجبت كثيراً وقلت في نفسي : إن المسلمين المعاصرين لو أمرهم أحد المسئولين ـ فضلاً عن كبار رؤسائهم ـ بعملية ولو كانت عملية انتحارية لنفذوا أمره من دون أن يقول واحد منهم إني أخاف على نفسي ، وقد رأينا أمثال تلك البطولات كثيرا في لبنان وفلسطين المحتلة وغيرهما من بلدان العالم ، فكيف يتثاقل الخليفة ويتهاون عن امتثال أمر مَن لا ينطق عن الهوى ، معلِّلاً بالخوف على النفس ، والامر لم يكن رجلاً عادياً ، بل كان رسولاً نبيا ، والمأمور به لم يكن عملاً إنتحاريا ولم يكن مهمة عسكرية كالقتل والقتال ، بل كان أمراً سلمياً وإبلاغ رسالة إلى من كانوا يرون أنفسهم من أهل الشهامة ويرون قتل السفراء عاراً وشناراً.
وأعجب من هذا الموقف المتخاذل من الخليفة موقفه الاخر أمام الرسول الرؤوف الرحيم في نفس الوقت ، حيث أبدى غلظته وفظاظته في مقابله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.
قال السيوطي : أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ... فساق القصة إلى أن وصل إلى قول عمر : والله ما شككت منذ أسلمت إلاّ يومئذ ، فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : ألست نبي الله؟ قال : بلى ، قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال : بلى ، قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال : إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ، قلت : أوليس كنت تحدثنا أنّا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال : بلى ، أفأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قلت : لا ، قال : فإنَّك آتيه ومطوف به .. فأتيت أبا بكر فقلت : يا أبابكر! أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال : بلى ، قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال : بلى ، قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال : أيها الرجل ، إنّه لرسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره ، فاستمسك بغرزه تفز حتى تموت ، فوالله إنّه لعلى الحق ، فقلت : أليس كان يحدّثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال : بلى ، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت : لا ، قال : فانك آتيه ومطوف به ، قال عمر : فعملت لذلك أعمالا.
وأورد الصالحي الشامي هذه القصة في سيرته ناقلاً عن ابن إسحاق وأبي عبيد وعبد الرزاق وأحمد بن حنبل وعبد بن حميد والبخاري وأبي داود والنسائي وابن جرير وابن مردويه ومحمد بن عمر عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ، فذكر القصة إلى أن حكى قول عمر قائلاً : وقال ـ كما في الصحيح ـ والله ما شككت منذ أسلمت إلاّ يومئذ.
وأخرجها البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل بن حُنَيْف مختصراً.
وجاء في بعض الروايات أن هذه المقابلة صدرت من الخليفة مرة ثانية بعد أن تكلم مع أبي جندل.
وروي عن ابن عباس ، أنه قال : قال لي عمر في خلافته ـ وذكر القضية ـ : ارتبت ارتياباً لم أرتبه منذ أسلمت إلاّ يومئذ ، ولو وجدت ذلك اليوم شيعة تخرج عنهم رغبة عن القضية لخرجت.
وروي عن أبي سعيد الخدري عن عمر أنه قال : لقد دخلني يومئذ من الشك حتى قلت في نفسي : لو كان مائة رجل على مثل رأيي ما دخلنا فيه أبداً.
وروي عن عمر قوله : لقد دخلني أمر عظيم وراجعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مراجعة ما راجعته مثلها قط.
وفي رواية : فكان عمر يقول : ما زلت أتصدق وأصوم وأصلّي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيراً.
وفي رواية : أن عمر بن الخطاب جعل يرد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلام ، فقال أبو عبيدة بن الجراح : ألا تسمع يا ابن الخطاب ، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ما يقول ، تعوّذ بالله من الشيطان الرجيم ، فقال عمر : فجعلت أتعوذ بالله من الشيطان الرجيم حياء ، فما أصابني قط شيء مثل ذلك اليوم.
وفيما أخرجه البزّار والطبراني وعن الدولابي وعزاه الهيثمي إلى أبي يعلى عن عمر أنه قال : اتهموا الرأي على الدين ; فلقد رأيتني أردّ أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برأيي وما آلوت عن الحق ، وفيه قال : فرضي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبينا حتى قال : « يا عمر تراني رضيت وتأبى » (2).
عندما وصلت إلى هذه الحادثة ، وتفكرت في قوله تعالى : ( إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) تعجبت كثيراً ، كيف يمكن ذلك؟ كيف يمكن أن يقع في الريب والشك من كان بمحضر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟! ولقد صاحبه مدة طويلة وشاهد منه آيات باهرة! ولا يقنع بأجوبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يذهب إلى صاحبه ويطرح شبهاته وأسئلته عليه!! ويخالف أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت ذريعة الخوف على النفس من جهة ، ومن جهة أخرى تراه كيف يقابله ويظهر شدته وغلظته أمامه صلوات الله عليه وآله.
نعم ، هذه عادة كل من كان فيه ضعفٌ نفسيٌّ ، يظهر غلظته وشدته أمام أصدقائه ويصرخ في وجه أوليائه ممن هو في الامن من جانبه ، فيظنُّ الجاهل بالحال أنه كان من أشجع الابطال ، وإذا جدّ الامر تراه يظهر المعاذير ، وقد وجد أمثال هذا في عصرنا الحاضر أيضاً.
ثم إنّ قول الخليفة : والله ما شككت منذ أسلمت إلاّ يومئذ ، غير مطابق للواقع التاريخي ، فإنّ القصة الاتية تدل على أنه شكّ في يوم آخر أيضاً.
فقد أخرج عبد الرزاق وأحمد بن حنبل والبخاري ومسلم وابن سعد والترمذي وابن حبّان والبزّار والبيهقي وغيرهم عن عبد الله بن عباس قال : لم أزل حريصاً أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللتين قال الله لهما : ( إنْ تَتُوبَا إلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) حتى حجّ عمر وحججت معه ، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالاداوة ، فتبرّز ثم جاء ، فسكبت على يديه منها فتوضأ ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان من أزواج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللّتان قال الله عزّ وجلّ لهما : ( إنْ تَتُوبَا إلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا )؟ فقال : واعجباً لك يا ابن عباس! هما عائشة وحفصة ، ثم أخذ يسوق الحديث ... إلى أن قال ثم رفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئاً يردّ البصر إلاّ أَهَبَة ثلاثة ، فقلت : ادع الله يا رسول الله ، فليوسّع على أمتك ، فإنّ فارس والروم قد وُسِّع عليهم وأُعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله ، فاستوى جالساً ، وقال : « أو في شك أنت يا ابن الخطاب؟! أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا » ، فقلت : استغفر لي يا رسول الله ...
وذكر المتقي الهندي هذه القصة بكاملها في كنزه ناقلاً عن عبد الرزاق وابن سعد والعدني وعبد بن حميد في تفسيره والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير في تهذيبه وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل.
ونقله السيوطي في تفسيره عن عبد الرزاق وابن سعد وأحمد والعدني وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن حبّان وابن المنذر وابن مردويه.
ونقله ابن كثير في تفسيره عن أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
وقال الدارقطني : ولهذا الحديث طرق كثيرة عن ابن عباس عن عمر صحاح (3).
فإن قول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أَوَ في شكّ أنت ) للانكار التوبيخي ـ كما قال القسطلاني في شرحه لصحيح البخاري ـ ; لان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عالماً بما يخطر في نفس الخليفة وما يجول في باله ، وعارفاً بمفاد مقاله ، لا أنّه استعلم عمّا خفي عليه من حاله ، والخليفة لم ينكر ذلك ، بل طلب من النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يستغفر له من وباله.
وثالثاً :
ما رواه البخاري وغيره حول إسلام عمر.
عن عبد الله بن عمر قال : بينما عمر في الدار خائفا ، إذ جاءه العاص بن وائل السهمي ... فقال : مابالك؟ قال : زعم قومك أنهم سيقتلونني إن أسلمت ، قال : لا سبيل إليك ، بعد أن قالها أمنت ، ثم ذكر ارجاع العاص الناس عنه.
وما رواه البخاري وابن اسحاق والبيهقي وغيرهم عن ابن عمر ، واللفظ للبيهقي ، قال : إني لعلى سطح فرأيت الناس مجتمعين وهم يقولون صبأ عمر صبأ عمر ، فجاء العاص بن وائل عليه قباء ديباج ، فقال : إذا كان عمر قد صبأ والاَهَبَة بالفتحات جمع إهاب على غير القياس ، وهو الجلد الذي لم يدبغ.
فمه؟ أنا له جار ، قال : فتفرق الناس عنه ، قال : فعجبت من عزه. (4)
وفي مرة أخرى أجاره أبوجهل (5).
فاذا تأملت في هذه الروايات تفهم بأن عزة الخليفة نفسه كان ببعض المشركين ولم تكن به ، فضلاً عن عزة الاسلام.
ورابعاً : الفرار من الزحف في المواقف ، كيوم أحد وحنين وخيبر ، فإن فرار الصحابة يوم أحد شيء معلوم لدى جميع الفرق ، ونطق به الكتاب ، ومن بينهم الخلفاء الثلاثة ، وقد فرّ بعضهم إلى مكان بعيد من المعركة ولم يرجعوا إلاّ بعد ثلاثة أيام ، وفيهم الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
نقل ابن أبي الحديد عن الواقدي قوله : وكان ممن ولَّى عمر وعثمان والحارث بن حاطب ....
وما وجدناه في النسخة التي بأيدينا من المغازي : وكان ممن ولّى فلان والحارث بن حاطب .. إلاّ أن الـمُحَشِّي استدرك وأشار إلى أنَّ في النسخة الفلانية : عمر وعثمان بدل فلان. وهكذا يفعلون! (6)
إنّ الامام الرازي بعد أن اعترف في المسألة الاُولى من تفسيره حول آية مائة وخمس وخمسين من سورة آل عمران بفرار عمر بن الخطاب وأن عثمان بن عفان كان من الذين لم يرجعوا إلاّ بعد ثلاثة أيام ، قال في المسألة الخامسة حول قوله تعالى : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الاْمْرِ ) من آية مائة وتسع وخمسين من نفس السورة : روى الواحدي في الوسيط عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه قال : الذي أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمشاورته في هذه الاية أبوبكر وعمر . وعندي فيه إشكال ، لان الذين أمر الله رسوله بمشاورتهم في هذه الاية هم الذين أمرهم بأن يعفو عنهم ، ويستغفر لهم ، وهم المنهزمون ، فهب أن عمر كان من المنهزمين ، فدخل تحت الاية ، إلاّ أن أبابكر ماكان منهم ، فكيف يدخل تحت هذه الاية؟ والله أعلم.
وحديث ابن عباس قد رواه الحاكم وصححه والبيهقي في سننه وأحمد ، كما قال السيوطي (7).
نعم إنها مشكلة عظيمة للامام الرازي وقومه ، لانهم وقعوا بين حرمان الخليفة من فضل المشاورة وطرح الخبر الصحيح ، وبين حرمانه من فضل الثبات في ذلك اليوم العصيب.
وحاول الامام الرازي إثبات ثبات الخليفة الاول بدون سند وإن انجرّ إلى طرح الخبر الصحيح ، ولكن بعد أن اعترف الخليفة بنفسه أنه كان من الفارين في ذلك اليوم فلا يكاد ينفع الامام الرازي محاولته المتقدمة.
روي عن عائشة أنها قالت : كان أبوبكر إذا ذكر يوم أحد بكى ، ثم قال : ذاك كان يوم طلحة ...ثم أنشأ يحدث قال : كنت أول من فاء يوم أحد ، فرأيت رجلاً يقاتل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت في نفسي : كن طلحة ، حيث فاتني ما فاتني ، يكون رجلاً من قومي
أخرجه الحاكم وصححه ، وذكره الهيثمي عن البزار ، وأورده المتقي الهندي في كنزه واضعاً عليه رمز كلٍّ من أبي داود الطيالسي وابن سعد وابن سني والشاشي والبزار والطبراني في الكبير والاوسط والدارقطني في الافراد وأبي نعيم في المعرفة وابن عساكر والضياء المقدسي في المختارة (8).
وروى علماء السير : أن أنس بن نضر ـ عم أنس بن مالك ـ انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبد الله في رجال من المهاجرين والانصار ، وقد ألقوا بأيديهم ، فقال : ما يجلسكم؟ قالوا : قتل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : فما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل.
وفشا في الناس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قتل ، فقال بعض أصحاب الصخرة : ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان ، يا قوم ، إن محمداً قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم ، فقال لهم أنس : يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل ، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد ، اللهم إني اعتذر إليك مما يقول هؤلاء وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ، ثم قاتل حتى استشهد رضوان الله وبركاته عليه.
واخرج البخاري في صحيحه ذيل الخبر (9).
وقد صرح البخاري ومسلم وغيرهما بفرار عمر بن الخطاب يوم حنين ، وهذا شيء معلوم لدى الخاص والعام (10).
وأما يوم خيبر فقد أخرج ابن عساكر وغيره عن بريدة الاسلمي : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى اللواء عمر بن الخطاب فلقوا أهل خيبر ، فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يجبنه أصحابه ويجبنهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لاعطينّ اللواء رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله » ، وفي بعض الروايات بزيادة قوله : « كرار غير فرار » ، فلما كان الغد تصادر لها أبو بكر وعمر ، فدعا علياً وهو أرمد فتفل في عينه واعطاه اللواء.
وفي لفظ الطبراني عن ابن عباس : فلما كان من الغد بعث عمر فرجع منهزماً ، يجبن أصحابه ويجبنونه.
وأخرج الحاكم عن علي عليه‌السلام قال : لما صار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى خيبر ، فلما أتاها بعث عمر وبعث معه الناس إلى مدينتهم ـ أو قصرهم ـ فقاتلوهم ، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه ، فجاءوا يجبِّنونه ويجبِّنهم.
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، وأقره الذهبي.
وأخرج الحاكم عن جابر بن عبد الله : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفع الراية يوم خيبر إلى عمر ، فانطلق فرجع يجبن أصحابه ويجبنونه.
ثم قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وأخرج عن جابر أيضاً وتعقبه الذهبي ، أنه قال : لما كان يوم خيبر بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاً فجبن ... (11)
وخامساً : إن قصة طلب عمرو بن عبد ود المبارزة في يوم الخندق أقوى شاهد على ذلك ; حيث أنه طلب المبارزة من الصحابة وأعاده ثلاث مرات ، حتى قال لهم : إنكم تزعمون أن قتلاكم في الجنة وقتلانا في النار ، أفما يحب أحدكم أن يقدم على الجنة؟! وجميع الصحابة سكوت كأن على رؤوسهم الطير لمكان عمرو والخوف منه ، حتى ضمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للقائم إليه الجنة ، كما في بعض الروايات ، وفي كل مرة يقوم علي عليه‌السلام ، فيجلسه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى أذن له في المرة الثالثة ، فلما برز إليه قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « برز الايمان كله إلى الشرك كله » ، ولما قتله قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين ».
وفي بعض الروايات : « لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة ».
ونزل فيه قوله تعالى : ( وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ) ، فقد روي عن ابن مسعود وابن عباس : أن كفاهم الله القتال يوم الخندق بعليِّ بن أبي طالب ، حين قتل عمرو بن عبد ود (12).
المصادر :
1- السيرة النبوية لابن هشام : 3 / 329 ، كنز العمال : 10 / 481 ح : 30152 ، السيرة النبوية لزيني دحلان : 2 / 174 ، السيرة الحلبية : 3 / 16 ، الكامل في التاريخ : 1 / 585 ، البداية والنهاية : 4 / 191 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7 / 386 ح : 36841 ، المغازي للواقدي : 1 / 600 ، دلائل النبوة : 4 / 133 ، سبل الهدى والرشاد : 5 / 46 ، تاريخ أبي الفداء : 1 / 199 ، حجة الوداع للكاندهلوي / 196.
2- صحيح البخاري كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد : 2 / 282 ـ 283 ح : 2731 ـ 2732 صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير ، باب ( 34 ) صلح الحديبية : 12 / 382 ح : 1785 ، مسند أحمد : 4 / 328 ـ 331 ، سيرة ابن هشام : 3 / 331 ، سيرة زيني دحلان بهامش السيرة الحلبية : 2 / 177 ، 183 ـ 184 ، السيرة الحلبية : 3 / 19 ، تفسر القرطبي : 16 / 277 ، شرح نهج البلاغة : 12 / 59 ، المغازي : 1 / 606 ـ 608 و 613 ، كنز العمال : 10 / 488 ـ 496 ح : 30154 البداية والنهاية : 1924 و 200 .
3- صحيح البخاري باب : 25 من كتاب المظالم : 2 / 197 ـ 199 مسند أحمد : 1 / 33 ـ 34 وفي طبع : 1 / 346 ـ 350 ح : 222 ، سنن الترمذي : 5 / 345 ـ 347 ح 3318 وفي طبع : 5 / 92 ـ 95 ح : 3374 ، صحيح ابن حبان : 9 / 492 ـ 495 ح : 4187 و 10 / 85 ـ 89 ح : 4268 ، السنن الكبرى للبيهقي : 7 / 37 ـ 38 ، الدرّ المنثور : 6 / 242 .
4- صحيح البخاري كتاب مناقب الانصار : باب إسلام عمر : 3 / 58 ح : 3864 و 3865 ، تاريخ الاسلام للذهبي : 1 / 175 قسمة السيرة النبوية ، دلائل النبوة للبيهقي : 2 / 221 ، سيرة ابن هشام : 1 / 349 ، السيرة الحلبية : 1 / 332 ، مجمع الزوائد : 9 / 65.
5- مجمع الزوائد : 9 / 64 ، السيرة الحلبية : 1 / 331.
6- الدر المنثور : 2 / 355 و 356 ، السيرة الحلبية : 2 / 227 ، تاريخ الطبري : 2 / 67 ، المغازي للواقدي : 1 / 609 ، شرح نهج البلاغة : 15 / 24 ـ 25.
7- مفاتيح الغيب : 9 / 50 ، 67 ، الدر المنثور : 2 / 359.
8- كنز العمال : 10 / 424 ـ 426 ح : 30025 ، الطبقات الكبرى : 2 / 196 م : 47 وفي طبع : 3 / 155 ، البداية والنهاية ، ذكر ما لقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المشركين : 4 / 33 ، شرح نهج البلاغة : 15 / 33 ، المستدرك : 3 / 266.
9- تاريخ الطبري : 2 / 66 ـ 68 ، الكامل في التاريخ : 1 / 553 ، البداية والنهاية : 4 / 35 ،
10- صحيح 3 / 156 ح : 4322 ، صحيح مسلم ، كتاب الجهادالسير ، باب ( 13 ) استحقاق القاتل سلب القتيل : 12 / 301 ـ 303 ح : 1751 ، دلائل النبوة : 5 / 148 ، البداية والنهاية في غزوة حنين : 4 / 376.
11- المستدرك مع تلخيصه كتاب المغازي : 3 / 37 ، 38 ، مختصر تاريخ الدمشق : 17 / 327 ـ 328 ، مجمع الزوائد : 9 / 124 ، المناقب لابن اخي تبوك / 441 ح : 27.
12- المغازي للواقدي : 1 / 470 ـ 471 ، البداية والنهاية : 4 / 120 ـ 122 كنز العمال : 11 / 623 ح : 33035 ، تاريخ البغداد : 13 / 19 م : 6978 ، المستدرك وتلخيصه : 3 / 32 ـ 33 ، المناقب للخوارزمي / 107 و 169 و 170 ح : 112 و 202 و 203 ، شواهد التنزيل : 2 / 7 ـ 13 ح : 629 ـ 36 ، رقم الاية : 129 ، مختصر تاريخ دمشق : 17 / 321 ـ 324 ، ينابيع المودة / 94 و 96 و 137.

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.