![التفاسير بطرقها المختلفة التفاسير بطرقها المختلفة](https://rasekhoon.net/_files/thumb_images700/article_ar/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%B1-%20%D8%A8%D8%B7%D8%B1%D9%82%D9%87%D8%A7%20-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%AA%D9%84%D9%81%D8%A9.jpg)
التفسير في اللغة : البيان والكشف(1) . وفي القرآن الكريم بهذا المعنىََ ؛ قال تعالىََ : «ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً »(2)
فتفسير الكلام - اي كلام - معناه : الكشف عن مدلوله ، وبيان المعنىََ الذي يشير إليه اللفظ .
وعلىََ هذا الاساس يمكن ان نطرح السؤال التالي : هل انّ بيان المعنىََ الظاهر من اللفظ الذي يتبادر منه يعتبر تفسيراً ، بحيث يصدق عليه لفظ التفسير بمعناه اللغوي أو لا ؟
فهناك اتجاه يقول : إنّ الكشف والبيان الذي أخذناه في معنىََ التفسير يستبطن افتراض وجود درجة من الخفاء والغموض في المعنىََ ، ليكشف ويزال الغموض عنه بعملية التفسير ، فلا يصدق التفسير حينئذ إلا في حالة الغموض والخفاء ، فمن يسمع كلاماً له معنىََ ظاهر يتبادر من ذلك الكلام ، فيعلن عن ذلك المعنىََ لا يكون مفسراً للكلام ، لأنه لم يكشف عن شيء خفي ، وانما يصدق التفسير علىََ الجهد الذي يبذله الشخص في سبيل اكتشاف معنىََ الكلام المكتنف بشيء من الغموض والخفاء ، وبتعبير آخر أنّ من أظهر معنىََ اللفظ يكون قد فسره ، واما حيث يكون المعنىََ ظاهراً ومتبادراً بطبيعته فلا اظهار ولا تفسير .
وسيراً مع هذا الاتجاه لا يكون من التفسير الا اظهار احد محتملات اللفظ ، واثبات انه هو المعنىََ المراد ، أو اظهار المعنىََ الخفي غير المتبادر ، واثبات انه هو المعنىََ المراد بدلاً عن المعنىََ الظاهر المتبادر ، وأمّا ذكر المعنىََ الظاهر المتبادر من اللفظ فلا يكون تفسيراً .
وهذا الاتجاه يمثل الرأي السائد لدىََ الاصوليين .
ولكن الصحيح هو أنّ ذكر المعنىََ الظاهر قد يكون في بعض الحالات تفسيراً أيضاً ، واظهاراً لامر خفي ، كما أ نّه - في بعض الحالات الاُخرىََ - قد لا يكون تفسيراً لأنه يفقد عنصر الخفاء والغموض ، فلا يكون اظهاراً لأمر خفي أو إزالة لغموض .
ومن أجل التعرّف على موارد الظهور التي ينطبق عليها ( التفسير ) والموارد التي لا ينطبق عليها معنىََ ( التفسير ) نقسّم الظهور الىََ قسمين :
أحدهما : الظهور البسيط : وهو الظهور الواحد المستقل المنفصل عن سائر الظواهر الاُخرىََ .
والآخر : الظهور المعقّد : وهو الظهور المتكون نتيجة لمجموعة من الظواهر المتفاعلة .
ولأجل توضيح هذا التقسيم نضرب مثالاً لذلك ، بأن يقول شخص لولده : ـ
اذهب الىََ البحر في كل يوم ، أو يقول له : اذهب الىََ البحر في كل يوم ، واستمع الىََ كلامه .
فبالنسبة الىََ القول الأول نعتبر الظهور ظهوراً بسيطاً ، اذ لا توجد في الكلام إلا صورة واحدة تتبادر الىََ الذهن وهي : صورة بحر من الماء ، يطلب الأب من ولده أن يذهب إليه في كل يوم .
وأمّا بالنسبة الىََ القول الثاني فالظهور معقّد لأنه مزدوج ، فهناك نفس الظهور السابق ، اذ يتبادر الىََ الذهن من كلمة البحر : البحر من الماء ، يذهب إليه الولد في كل يوم . ويقابله ظهور آخر وهو ظهور الاستماع الىََ كلام البحر ، إذ يتبادر الىََ الذهن من ذلك : أنّ البحر ليس بحراً من ماء بل هو بحر من العلم ، لأنّ بحر الماء لا يُستمع الىََ كلامه ، لأنه ليس له كلام ، وانما يستمع الىََ صوت أمواجه .
وهكذا نواجه في هذه الحالة ظهورين بسيطين متعارضين ، وحين نلاحظ الكلام بصورة كاملة متفاعلة يجب أنْ ندرس نتيجة التفاعل بين ذينك الظهورين ، وما ينجم عنهما من ظهور بعد تصفية التناقضات الداخلية بينهما ؛ وهذا الظهور الناجم عن ذلك نسميه : بالظهور المعقد أو المركب .
واذا ميزنا بين الظهور البسيط والظهور المعقد أمكننا أن نعرف أنّ ابراز الظهور المعقد ، وتحديد معنىََ الكلام علىََ أساسه يعتبر ( تفسيراً ) ، لأنّ تعقيده وتركيبه يجعل فيه درجة من الخفاء والغموض جديرة بالكشف والإبانة ، فيصدق عليه اسم : ( التفسير ) ، واما الظهور البسيط ففي الغالب لا يعتبر ابراز معنىََ الكلام علىََ أساسه تفسيراً ، لأنّ المعنىََ ظاهر بطبيعته فلا يحتاج الىََ إظهار .
والنتيجة أنّ في صدق التفسير علىََ بيان المعنىََ في موارد الظهور اتجاهين :
احدهما : القائل بعدم صدقه مطلقاً ، سواء كان الظهور بسيطاً أم معقداً .
والآخر : - وهو الاتجاه الصحيح - القائل بأنّ التفسير ليصدق علىََ بيان المعنىََ في موارد الظهور المعقد ، دون بعض موارد الظهور البسيط .
التفسير معنىََ اضافي أو موضوعي :
وعلىََ ضوء الاتجاه الصحيح نعرف : أنّ التفسير معنىََ ( اضافي ) ، لأنّ التفسير بيان المعنىََ وإيضاحه حتىََ في مورد ظهور اللفظ . والمعنىََ الواحد قد يكون بحاجة الىََ البيان والكشف بالإضافة الىََ شخص دون شخص آخر ، فيكون بيانه - بالإضافة الىََ من يحتاج البيان - تفسيراً دون الشخص الآخر .
وأمّا اذا أخذنا بالاتجاه الآخر الذي يرىََ : أنّ التفسير لا يشمل موارد حمل اللفظ علىََ معناه الظاهر مهما كان الظهور معقداً ، وأنّ التقسيم مختص بحمل اللفظ علىََ ما لا يكون ظاهراً من اللفظ فبالإمكان أن نتصور للتفسير معنىََ ( موضوعياً ) لا يختلف باختلاف الافراد ، لأننا نلاحظ عندئذ اللغة نفسها ، فإن كان المعنىََ الذي يذكر للفظ هو المعنىََ الذي يقتضيه الاستعمال اللغوي بطبيعته فلا يكون ذلك تفسيراً ، حتىََ اذا كان محاطاً بشيء من الخفاء والغموض بالنسبة الىََ بعض الأشخاص، وان كان المعنىََ معنىََ آخر لا يقتضيه الاستعمال اللغوي بطبيعته، وانما عيناه بدليل خارجي فهو ( التفسير ) .
تفسير اللفظ وتفسير المعنىََ :
والتفسير علىََ قسمين باعتبار الشيء المفسّر :
1 - تفسير اللفظ .
2 - تفسير المعنىََ .
وتفسير اللفظ عبارة عن ( بيان معناه لغة ) ، وأما تفسير المعنىََ فهو : تحديد
مصداقه الخارجي الذي ينطبق عليه ذلك المعنىََ .
فحين نسمع شخصاً يقول : إنّ دول الاستكبار الكافر تملك أسلحة ضخمة ، تارة نتساءل : ما هو معنىََ الاسلحة ؟ ونجيب عن هذا السؤال : إنّ الاسلحة هي الأشياء التي يستعين بها صاحبها في قهر عدوه ؛ واُخرىََ نتساءل : ما هي نوعية السلاح الذي تملكه تلك الدول ؟ ونجيب : إنّ سلاحها القنابل الذرية .
ففي المرة الاولىََ فسرنا اللفظ اذ ذكرنا معناه لغة ، وفي المرة الثانية فسرنا المعنىََ اذ حددنا المصداق الذي ينطبق عليه معنىََ الجملة ويشير اليه ؛ فنسمي المرحلة الاولىََ بمرحلة ( تفسير اللفظ ) أو التفسير اللغوي ، وهي مرحلة تحديد المفاهيم ؛ وتسمىََ المرحلة الثانية : مرحلة ( تفسير المعنىََ ) وهي مرحلة تجسيد تلك المفاهيم في صور معينة محددة .
وأمثلة ذلك من القرآن الكريم كثيرة ، فنحن نلاحظ في القرآن أنّ اللَّه سبحانه يوصف بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام ، ونواجه بالنسبة الىََ هذه الكلمات بحثين :
أحدهما : البحث عن مفاهيم هذه الكلمات من الناحية اللغوية .
والآخر : البحث عن تعيين مصداق تلك المفاهيم بالنسبة الىََ اللَّه تعالىََ .
فكيف يسمع سبحانه ؟ وهل يسمع بجارحة أو لا ؟ وكيف يعلم ؟ وهل يعلم بصورة زائدة ؟
والاول : يمثل التفسير اللفظي للآية أو تفسير اللفظ ؛ والثاني : يمثل التفسير المعنوي أو تفسير المعنىََ .
ومن أمثلة ذلك أيضاً قوله تعالىََ : «وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ... »(3)
وقوله : «... وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديد ... »(4)
وقوله : « وأنزلنا من السماء ماءً بقدر فأسكنّاه في الأرض ... »(5)
فنحن نجد هذه الآيات تتحدث عن اشياء قد انزلت من قبيل : ( الكتاب ) ( الحديد ) ( الماء ) وتفسير اللفظ يعني - بصدد هذه الآيات - أن نشرح معنىََ ( النزول ) لغة ونحدد مفهوم كلمة « انزلنا » الواردة في الآيات الثلاث ، ونعرف أ نّها تستبطن معنىََ ( الهبوط من جهة عالية مرتفعة ) وتفسير المعنىََ هو : أنْ ندرس حقيقة هذا الانزال ، ونوع تلك ( الجهة العالية ) التي هبط منها الكتاب والحديد والماء ، وهل هي جهة مادية أو معنوية ؟
أهمية التمييز بين تفسير اللفظ وتفسير المعنىََ :
والتمييز بين تفسير اللفظ علىََ صعيد المفاهيم ، وتفسير المعنىََ بتجسيده في صورة محددة علىََ صعيد المصاديق يعتبر نقطة جوهرية جداً في تفسير القرآن الكريم ، وأداة لحل التناقض الظاهري الذي يبدو بين حقيقتين قرآنيتين وهما :
الحقيقة الاولىََ : أنّ القرآن كتاب هداية للبشرية ، أنزله اللَّه سبحانه لإخراجها من الظلمات الىََ النور ، وإرشادها الىََ الطريقة الفضلىََ في جوانب حياتها ؛ وقد وصف نفسه بانه «... هدىً للناس ... »(6)
و «... نورٌ وكتابٌ مبين »(7)
«... تبياناً لكلّ شيء ... »(8).
وهذه الحقيقة تفرض ان يجيء القرآن ميسر الفهم ، وان يتاح للانسان استخراج معانيه منه ، اذ لا يحتاج للقرآن ان يحقق اهدافه ويؤدي رسالته لو لم يكن مفهوماً من قبل الناس .
والحقيقة الاُخرى : ان كثيراً من المواضيع التي يستعرضها القرآن أو يشير اليها لا يمكن فهمها بسهولة ، بل قد تستعصي علىََ الذهن البشري ، ويتيه في مجال التفكير فيها لدقتها وابتعادها عن مجالات الحس والحياة الاعتيادية التي يعيشها الانسان ؛ وذلك نظير ما يتعلق من القرآن باللوح ، والقلم ، والعرش ، والموازين ، والملك ، والشيطان ، وإنزال الحديد ، ورجوع البشرية الىََ اللَّه ، والخزائن ، وملكوت السماء والارض وما الىََ ذلك من المواضيع .
اذن فحقيقة أهداف القرآن الكريم ورسالته تفرض أنْ يكون ميسر الفهم ، وواقع بعض مواضيعه يستعصي علىََ الفهم ويتيه فيها الذهن البشري .
وحلّ التناقض الظاهري بين هاتين الحقيقتين انما يكون بالتمييز بين تفسير اللفظ وتفسير المعنىََ ، لأنّ الحقيقة الاُولىََ وحقيقة اهداف القرآن ورسالته انما تفرض ان يكون القرآن ميسّر الفهم ، بوصفه كلاماً دالاً علىََ معنىََ : اي بحسب تفسير اللفظ ، وهو بهذا الوصف ميسر الفهم ، سهل علىََ الناس استخراج معانيه ، وانما الصعوبة في تحديد الصور الواقعية لمعانيه ومفاهيمه .
فكل الآيات التي استعرضت تلك الموضوعات التي اشرنا اليها في الحقيقة الثانية تعتبر مفهومة من ناحية لغوية ، ولا صعوبة في التفسير اللفظي لها ، وانما الصعوبة تكمن في تفسير معنىََ اللفظ لا تفسير اللفظ نفسه ، لأنّ تلك الموضوعات ترتبط بعوالم ارقىََ من عالم الحس الذي يعيشه الانسان ، فيكون من الطبيعي أن يواجه الانسان صعوبات كبيرة اذا حاول تحديد المعنىََ في مصداق معين ، وتجسيد المفهوم في الذهن ضمن واقع خاص .
وقد يتساءل هنا عن الضرورة التي دعت القرآن الكريم الىََ ان يتعرض لمثل هذه المعاني التي يستعصي تفسيرها علىََ الذهن البشري ، فيخلق بذلك صعوبات ومشاكل هو في غنىََ عنها .
ولكن الواقع أنّ القرآن الكريم لم يكن بامكانه ان يتفادىََ هذه الصعوبات والمشاكل ، لأن القرآن بوصفه كتاب دين يستهدف بصورة رئيسية ربط البشرية بعالم الغيب ، وتنمية غريزة الايمان بالغيب فيها ، ولا يتحقق ذلك إلّاعن طريق تلك الموضوعات التي تنبه الانسان الىََ صلته بعالم أكبر من العالم المنظور ، وإن كان غير قادر علىََ الإحاطة بجميع أسراره وخصوصياته .
المصادر :
1- لسان العرب : مادة ( فسر )
2- الفرقان : 33
3- الانعام : 92
4- الحديد : 25
5- المؤمنون : 18
6- البقرة : 185
7- المائدة : 15
8- النحل : 89