
فرض الله تعالىٰ الخمس لمحمَّد صلى الله عليه واله وذرِّيته عوضاً عن الزكاة الّتي حرَّمها عليهم من الزكاة الأموال والأبدان. وهو عند الشيعة من الضروريات ، فمن منع منه درهماً كان مندرجاً في الظالمين لآل الرسول صلى الله عليه واله ، والغاصبين لهم.
وقد ذكره الله جلَّ شأنه في الكتاب العزيز : (وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى) (1) ، إلىٰ آخر الآية. وهي الأصل فيه.
أما غير الشيعة فقد ألحقوه ببيت المال. وقد ذكره الشافعي في كتابه المعروف بـ (الام) ، قال : (فأما آل محمد الذين جعل لهم الخمس عوضاً من الصدقة ، فلا يعطون من الصدقات المفروضات شيئاً ، قلّ أو كثر. ولا يحل لهم أنْ يأخذوها.
إلى أنْ قال : وليس منعهم حقَّهم من الخمس ، يُحلُّ لهم ما حُرِّم عليهم من الصدقة) (2).
وحيث إنّه ساقط عندهم عن الاعتبار ، لا تجد له ذكراً ولا عنواناً في كتاب فقيه منهم ، بخلاف الشيعة فإنّك لا تجد كتاباً إلّا وللخمس فيه عنوان.
ويعتبر في المعادن والكنوز النصاب : عشرون ديناراً ، بعد مصرف إخراجهما. وفي الغوص : دينار.
ويجب في أرباح المكاسب فيما زاد عن مؤونة السنة له ولعياله ، الواجبي النفقة وغيرهم ممن كفلهم ، وما ينفقه في حجّة وزياراته ، وصدقاته ، وصلة أرحامه ، ومصانعاته ، وكفّاراته. ويشمل اُروش الجنايات ، وقيم المتلفات ، وما يحتاج إليه ، من دابة ، وجارية أو عبد ، أو فرش ، أو كتب ، ونحو ذلك.
معنى الأنفال
والأنفال ، هي الأرض الّتي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، باد أهلها أو اُجلوا ، أو سلّموها للمسلمين طوعاً ، ورؤوس الجبال ، وبطون الأودية ، والموات ، والآجام (3) ، وصوافي الملوك وقطائعهم إذا لم تكن مغصوبة. والغنائم المأخوذة بغير إذن الإمام ، وميراث من لا وارث له ، والمعادن التي لا مالك لها.
وأمر الكلِّ بعد الإمام لحاكم الشرع. والظاهر إباحة جميع ذلك للشيعة في زمن الغيبة ، من غير فرق بين الغنيّ والفقير.
نعم ، الأحوط اعتبار الفقر في إرث من لا وارث له ، كما أن الأحوط تقسيمه في فقراء البلد.
والظاهر اُنَّ الزكاة والخمس هما العبادتان الخالصتان في المالية.
فالأول : هو عند الشيعة من أعظم أركان الإسلام ، وتاركه مع استكمال الشرائط ، مخير إنء شاء يموت يهودياً أو نصرانياً.
شرائط الحجّ
وشرائطه :
1 ـ البلوغ.
2 ـ العقل.
3 ـ الحرّيّة.
4 ـ الاستطاعة المالّية والبدنيّة.
5 ـ السربيّة (4).
6 ـ والوقتيَّة.
أقسام الحجّ
وهو على أقسام ثلاثة :
إفراد : وإليه تشير الآية : (وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلا) (5).
وقران : وإليه تشير الآية : (وَ أَتِمُّوا الْحَجَ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّه) (6).
وتمتّع : وإليه تشير الآية : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج) (7).
ويمتاز التمتُّع عنهما باُمور :
1 ـ وجوبه علىٰ من بعد عن مكّة بثمانية وأربعين ميلاً ، من أربع جهات. وهما فرض من نقص عن ذلك.
2 ـ إحرام حجِّه من مكّة ، وهما من الميقات ، أو من منزله إن كان دون الميقات.
3 ـ عدم وجوب الهدي فيهما ، ويجب فيه.
4 ـ وجوب تقديم عمرته علىٰ حجِّه ، بخلافهما فإنّها مؤخرة.
5 ـ ارتباط عمرته بحجه وتركيبه منها علىٰ نحو التركيب في الواجب الارتباطي ، حتّىٰ كأنهما عمل واحد ، بخلاف عمرتهما فإنّها مفردة. بل كلّ من العمرة والحجِّ فيهما واجب استقلالي. وتظهر الثمرة في اُمور :
1 ـ في النيّة؛ لأنه يجب في إحرام عمرته أن ينوي أنهما عمرة إلى الحجِّ ، بخلاف عمرتهما فينويها مفردة.
2 ـ لزوم وقوع حجِّه وعمرته في أشهر الحجّ ، بخلافهما.
3 ـ سببيّتها ، لكونه مرتهناً بالحجِّ ومحتسباً به ، فلا يجوز له بعد الإحلال بالعمرة الخروج من مكة ، إلّا محرماً به.
4 ـ عدم صحّة الحجّ والعمرة في التمتّع ، إلّا من واحد عن واحد. فلو استأجر اثنين أحدهما للعمرة والآخر للحجّ لم يصحّ. وكذا لو استأجر واحداً عن اثنين ، بأنْ يكون الحجُّ لواحد والعمرة للآخر.
وأما القران والإفراد فهما متّحدان إلّا فيما إذا عقد الإحرام بسياق الهدي فيكون الحج قراناً. ولا تكفي الاستطاعة للحجِّ في وجوبه ، بدون استطاعة للعمرة ، كما لا يكفي في وجوبها عليه الاستطاعة لها فقط.
ولا يجوز الإحرام قبل الميقات إلّا مع النذر وشبهه. ولو تجاوز عامداً وجب عليه الرجوع ، ولو لم يمكن ولم يكن أمامه ميقات آخر بطل حجّه. والأحوط إحرامه من حيث يمكن ، وإتمام حجّه ثم القضاء. ولو كان ناسياً رجع إنْ أمكن ، وإلّا أحرم من موضع الذكر.
الأوّل : النيّة علىٰ نحو تمييز كونه إحرام حجٍّ ، أو عمرة تمتّع ، أو غيره ، منذور أو إسلامي أو غيرهما ، متقرِّباً له تعالىٰ.
الثاني : التلبيات الأربع.
الثالث : لبس الثوبين : الرداء والإزار ، ويلزم لبسهما قبل النيّة والتلبية ، وأن يكونا مما تصحُّ الصلاة فيه.
ولا يعتبر في الإحرام الطهارة من الحدث الأصغر ولا الأكبر ، فيصحُّ من الحائض والنفساء والجنب ، فيكفيه في حجَّ التمتُّع ـ علىٰ نحو الإجمال بحسب معتقد الإماميّة ـ الإحرامُ بالعمرة إلى الحجِّ من الميقات ، أو من موضع يقوم مقامه ، والطوا بالبيت سبعاً ، مع صلاة ركعتيه في مقام إبراهيم عليه السلام ، والسعي بين الصفا والمروة ، والتقصير. فإذا فعل ذلك أحلّ من إحرامه.
ثم يُحرم من مكَّة بالحجِّ ، ويقف بعرفات تاسع ذي الحجِّ إلى الغروب ، ويفيض إلى المشعر ويقف به من الفجر إلىٰ طلوع الشمس. ثمّ يتوجَّه إلىٰ منىٰ ويرمي جمرة العقبة ، رامياً سبع حصيّات أبكار ملتقطة من المشعر على الأفضل ، بما يسمّىٰ رمياً مصيباً للجمرة. ثم يذبح الهدي ناوياً بنفسه ، أو من يقوم مقامه.
أن يكون في منىٰ في يوم العيد بعد الرمي قبل الحلق.
وأن يكون من الأنعام الثلاثة؛ فمن الإبل ما دخل في السادسة ، ومن البقر والمعز ما دخل في الثالثة ، ومن الضأن ما دخل في الثانية.
وأن يكون في الجميع صحيحاً تامّاً.
ويجوز الصدقة وإهداؤه كلُّه ، ولكنَّ الأفضل التوزيع؛ بأن يأكل من ثلثه ، ويهدي ثلثه ويتصدق بثلثه. ويشترط الفقر في مصرف الصدقة دون الهدية.
ومن فقد الهدي ووجد الثمن ، استناب من يشتريه ويذبحه في ذي الحجّة. ولو لم يجدهما صام ثلاثة أيام متوالية في الحجّ ، ولا يضر الفصل بالعيد. ثم هو مخيَّر بين الحلق والتقصير ، والحلق أفضل. ومن لا شعر في رأسه يمر بالموس استحباباً ، أما النساء فيتعيَّن عليهن التقصير.
والنيّة شرط فيه ، ويلزم أن يكون في منىٰ بعد الذبح وقبل الطواف ، ثمّ يعود إلىٰ مكَّة لأداء الحجّ ، فيطوف بالبيت سبعة أشواط. وهو في الحجّ بأنواعه مرّتان : قبل السعي وهو طواف الزيارة ، وبعده وهو طواف النساء.
الأوّل : الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر بنحو اعتبارها في الصلاة ، فتقوم الترابية مقام المائية.
ومن غفل أو نسي وطاف محدثاً أعاده. ولو أحدث في أثنائه؛ فإن كان بعد النصف تطهرّ وبنىٰ ، وإلّا استأنف. ومن يتقَّن الحدث وشكَّ في الطهارة فهو محدث ، ومثله من تيقّنهما وشكّ في المتقدّم والمتأخّر. ومن كان يعلمُ كلّاص منهما مشتبهاً عليه ما تَقدَّم ، فحكمه على الأظهر حكم المحدث. وإذا كان الشكُّ بعد الفراغ لم يلتفت. والمتيقِّن للطهارة و الشاكُّ في الحدث هو متطهّر.
والحيض والنفاس بعد النقاء ، يُجزي لهما التيمّم مع العجز عن الماء. أمّا في حال الدم فلا يجوز الطواف. وإن حدثا في أثناء الطواف؛ فإن كان بعد أربعة أشواط صح ما أتت به ، وتركت الباقي وأتت بالمناسك ، ثم تأتي ببقيَّة الطواف بعد الطهر. وإن كان حدوثه قبل الأربعة كانت كمن لم تطف؛ فإن كانت في عمرة التمتّع انتظرت الطهر ، وبعده تأتي بالطواف وبقيّة الأعمال ، ومع ضيق الوقت تبطل المتعة ، ويكون حجّها إفراداً.
ولا يمنع الحيض والنفاس أعمالَ الحجّ عدا الطواف.
الثاني : طهارة ثيابه وبدنه حتّىٰ ما يعفىٰ عنه في الصلاة ، عدا دم الجروح والقروح.
الثالث : أن يكون إحرامه في لباسٍ حلال ، فلا يصحُّ طوافه في المغصوب ، بل يعتبر فيه جميع ما يعتبر في لباس المصلّي.
الرابع : ستر العورة في الرجل والمرأة.
الخامس : الختان شرط في صحّة طواف الزيارة والنساء ، فطواف غير المختون باطل. ولا تحلُّ له النساء حتّىٰ يأتي بالطواف صحيحاً. والصبيُّ لو طاف أو طِيف به غير مختون بطل ، ولا تحلّ له النساء بعد بلوغه حتّىٰ يأتي به ، ولو بطريق النيابة.
فهذه الخمسةُ شرائطُ صحَّته.
ويجب فيه العدد سبعة أشواط.
ويجب فيه الابتداء بالحجر ، ولو بنحو المحاذاة العرفيّة ، في كلّ شوط. ويجب الختم به كذلك.
ويجب أن يكون البيت علىٰ يساره ، لو استقبله أو استدبره ، أو كان علىٰ يمينه؛ عامداً ، أو ساهياً أو مضطرّاً ، وجب عليه العود من محلِّ المخالفة. والملاك في الصحَّة هو الصدق العرفي.
ويجب فيه أن يكون خارجاً عن البيت وحجر إسماعيل ، وما يعدُّ منهما ينسب لهما ، فلا يجوز الطواف بين البيت والحجر ، ولا دخوله في حال الطواف ، فلو فعل فسد طوافه في الأوَّل ، وشوطه في الثاني.
ويجب فيه عدم البعد عن البيت ومقام ابراهيم. والمسافة بين البيت وبين حجر إسماعيل تقريباً عشرون ذراعاً ، ففي طرف الحجر لا يجوز البعد ، بأزيد من ستة أذرع ونصف.
ويجف فيه صلاة الطواف. وهي ركعتان مخيَّر فيها بين الجهر والإخفات ، وتجب في الواجب وتستحب في المستحب. ويجب في الواجب الإتيان بها في مقام إبراهيم ، ومع عدم التمكُّن ففيما قرب منه.
وطواف الزيارة ركن يبطل النسك بتركه عمداً. ويصدق الترك في عمرة التمتُّع بضيق وقت عرفه ، وفي الحجِّ بانتهاء ذي الحجَّة. وفي العمرة المفردة ـ ولو للإفراد أو القران ـ فيستمر مدة الحياة. وطواف النساء لا يبطل النسك بتركه.
نعم ، لا تحلٌّ النساء للرجل بدونه. ويجب تقديم طواف الزيارة على السعي ، فلو ذكر في السعي أنه لم يطف طاف ، وأتىٰ بالسعي وطواف النساء بعد السعي. فلو قدَّمه مع العلم والعمد أعاد ، ويجزي لو كان ناسياً أو جاهلاً.
وطواف حجّ التمتّع وسعيه بعد الوقوف ، ولا يجوز تقديمه إلّا لذوي الأعذار؛ كالمريض وخائفة الحيض. ومن تعمَّد نقص شوط من طوافه بطل طوافه. وإن كان ناسياً؛ فإنْ كان بعد الأربعة أتم ، وإلّا أعاد. ولو ذكر في منزله استناب في التتمَّة أو في الكلِّ. وكذا لو قطعه لمسوِّغ ، كصلاة جنازة أو استراحة أو صلاة فريضة ، أو لمفاجأة حيض أو مرض. ولو تلبّس بالسعي فذكر نقصان الطواف؛ فإنْ أتىٰ بالأربعة رجع إليه وأتم السعي من حيث قطع ، وإلّا استأنف الطواف ثم السعي.
ولا يشترط فيه الطهارة من الحدث ولا من الخبث. ويعتبر فيه حلِّيّة اللباس. ولو شكّ في زيادته أو نقصانه بعد الفراغ لم يلتفت كما في الطواف ، وكذا لو تيقَّن السبعة وشك في الزيادة.
ثم اذا فرغ من السعي طاف طواف النساء وصلَّىٰ ركعتيه. وصفة ذلك كمّاً وكيفاً كما سبق.
في بعض أفعال الحجّ وأحكامه
ثم إذا أتىٰ بمناسكه في مكَّة وجب عليه الرجوع إلىٰ منىٰ ، والمبيت فيها ليلة الحادي عشر والثاني عشر ، بل والثالث عشر إذا لم يتَّق الصيد والنساء في إحرامه ، أو غربت الشمس عليه من اليوم الثاني عشر وهو في منىٰ وإنْ كان قد اتّقى الصيد والنساء.
ويجب في المبيت النيَّة والكون إلىٰ نصف الليل ، ويجوز الخروج بعده. ومن ترك المبيت حيث يجب ، وجب عليه الكفارة عن كلّ ليلة بشاة إلّا إذا كان في مبيته بمكَّة معذوراً لمرض ونحوه ، أو مشتغلاً بالعبادة.
ومن اتَّقى الصيد والنساء جاز له النفر في الثاني عشر ، وجاز له البقاء إلى الثالث عشر. ومن نفر في الأول لا يجوز له الخروج قبل الزوال ، وله ذلك في الثاني. ومن خرج حيث لا يجوز له كفَّر بشاة.
ويجب رمي الجمار الثلاث : الاُولىٰ ، ثم الوسطىٰ ، ثم جمرة العقبة ، مرتّباً في كلّ يوم وجب المبيت لليلته ، كلّ واحدة بسبع حصيّات. ولو نسي واحدة ، ولم يعلمها بعينها رمى الثلاث ، ولو نسي الرمي رجع ورمىٰ حيث يكون الوقت باقياً ومع خروجه يرمي بنفسه في القابل ، أو يستنيب.
وبالجملة ، إن أحكام الحجِّ وشرائط وجوبه ، لا شيء منها إلّا وهو موافق لأحد المذاهب. فطريقة الشيعة في اُصول العقائد والفروع كما عرفت. فالكلُّ متأدِّب بدين الإسلام ، وداخل تحت كلمة التوحيد دخول النوع في الجنس ، وعلىٰ شطر وافر من مكارم الأخلاق.
فعلىٰ إخواني المسلمين تعليم الجاهل وإيقاظ الغافل ، عسى أن يكون الكلُّ أغصاناً لتلك الشجرة الّتي سقاها المصلحون بماء العناية والرعاية.
فالشيعة والسنَّة متَّفقون ، فقد اتَّضح لك كل الوضوح ما عليه الشيعة اُصولاً وفروعاً ، وأنّهم وإخوانهم من السنّة مندرجون تحت عنوان واحد ، اندراج النوع في الجنس ، وأنّهم إخوان في الدين ، والكلُّ معتقد توحيد الله وعدله ، ومعتقد نبوّة محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله ـ وكلُّ من اعتقد نبوَّته يلزمه التصديق بما جاءبه من عند الله ـ ومقرٌّ بالمعاد ، ودعائم الإسلام ـ الخمس ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد ـ متمسِّك بالقرآن ، ومعتمد عليه وعلى السنَّة ، وضرورة العقل ، والإجماع.
والاختلاف في العمل بالقياس ، و في الاجتهاد ، و في العمل بطريق الأخبار ، وفي المتعة فروق عرضية لا توجب ما يوهم فارقاً في القضيَّة ، كالفرق بين المالكيَّة والحنفيَّة والشافعيَّة ، بلُّ كل فرقة لا تكاد تتّفق في الأحكام الشرعيّة حسب اختلاف الاستنباط من الأحاديث المروية.
نعم ، الفارق بين الشيعة وسائر فرق المسلمين؛ هو القول بالإمامة ، فيما رآه أمير المؤمنين عليه السلام في دوران الأمر بين المحذورين ، من حفظ الذين ومنصبه الإلهي.
فنظراً للمصلحة العامّة الإسلاميّة ، احتفظ بالاُمة واحتاط على الملَّة؛ لأن المسلمين أصبحوا بعد موت النبيّ صلى الله عليه واله كالغنم بدون راعٍ ، مع كثرة القائم في هدم الإسلام. فسلَّم الرئاسة العامَّة للصدِّيق ، فانقطع النزاع وارتفع الخلاف. وجمع بين حفظ الدين ومنصبه الإلهي؛ لأن من عقائد الإمامية ـ كما قدمنا ـ أن لا ملازمة ، شرعيةو لا عقلية ، بين وظيفة القائم بالسلطنة الإسلامية ، وبين وظيفة صاحبها الشرعي.
فإنْ أمكن أن تكون السلطة بيد صاحبها تعيَّن ، وإنْ تعذّر كان غيره على المسلمين ، ووجب على الاُمة معاضدته ومؤازرته في حفظ الإسلام ، ولا يجوز مخالفته ولا مقاومته. ويلزم معاملته معاملة الخلفاء ، فله الخراج والقاسمة وزكاة الأنعام.
والكلُّ يعلم عزَّة الإسلام عند أمير المؤمنين عليه السلام ، بحيث يضحِّي بنفسه وأنفس ما لديه في سبيله. وقد رأىٰ أن من قام بالأمر بذل جهده في تقويته وإعزازه ، وفي نشر كلمة التوحيد. فبايغ لحفظ الإسلام ، واتفق معه في ذلك ، وشيعته مستنيرون بنوره ، وهو علىٰ منصبه الإلهيّ. وإذا أشكل أمر الحوادث أرجعه إلى أميرالمؤمنين عليه السلام.
المصادر :
1- الأنفال : 41.
2- الاُمّ 81 : 2.
3- الأّجام : جمع أجمة ، وهي الشجر الكثير الملتفّ. لسان العرب 81 : 1 ـ أجم.
4- السرب : هو الطريق ، والمراد : عدم المانع من سلوك الطريق من لصّ وعدوٍّ وغيرهما. مسالك الأفهام 137 : 2.
5- آل عمران : 97.
6- البقرة : 196.
7- البقرة : 196.
وقد ذكره الله جلَّ شأنه في الكتاب العزيز : (وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى) (1) ، إلىٰ آخر الآية. وهي الأصل فيه.
أما غير الشيعة فقد ألحقوه ببيت المال. وقد ذكره الشافعي في كتابه المعروف بـ (الام) ، قال : (فأما آل محمد الذين جعل لهم الخمس عوضاً من الصدقة ، فلا يعطون من الصدقات المفروضات شيئاً ، قلّ أو كثر. ولا يحل لهم أنْ يأخذوها.
إلى أنْ قال : وليس منعهم حقَّهم من الخمس ، يُحلُّ لهم ما حُرِّم عليهم من الصدقة) (2).
وحيث إنّه ساقط عندهم عن الاعتبار ، لا تجد له ذكراً ولا عنواناً في كتاب فقيه منهم ، بخلاف الشيعة فإنّك لا تجد كتاباً إلّا وللخمس فيه عنوان.
ما يجب فيه الخمس
وهو عندهم يجب في سبعة أشياء : في غنائم دار الحرب ، الغوص ، الكنوز ، المعدن ، أرباح المكاسب ، الحلال المختلط بالحرام ، الأرض المنتقلة من المسلم إلى الذمِّيِّ.ويعتبر في المعادن والكنوز النصاب : عشرون ديناراً ، بعد مصرف إخراجهما. وفي الغوص : دينار.
ويجب في أرباح المكاسب فيما زاد عن مؤونة السنة له ولعياله ، الواجبي النفقة وغيرهم ممن كفلهم ، وما ينفقه في حجّة وزياراته ، وصدقاته ، وصلة أرحامه ، ومصانعاته ، وكفّاراته. ويشمل اُروش الجنايات ، وقيم المتلفات ، وما يحتاج إليه ، من دابة ، وجارية أو عبد ، أو فرش ، أو كتب ، ونحو ذلك.
أقسام الخمس
والخمس ستة أسهم؛ ثلاثة للإمام ، ومع عدم حضوره ، للجامع للشرائط الثقة الأمين لحفظ الشرع الإسلامي ، وللمهمّات ومساعدة الضعفاء. وثلاثة للفقراء ، والأيتام ، وأبنام السبيل من السادة ، إذا كانوا متقيِّدين بشريعة جدِّهم ، جامعين لشرائط الاستحقاق.معنى الأنفال
والأنفال ، هي الأرض الّتي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، باد أهلها أو اُجلوا ، أو سلّموها للمسلمين طوعاً ، ورؤوس الجبال ، وبطون الأودية ، والموات ، والآجام (3) ، وصوافي الملوك وقطائعهم إذا لم تكن مغصوبة. والغنائم المأخوذة بغير إذن الإمام ، وميراث من لا وارث له ، والمعادن التي لا مالك لها.
وأمر الكلِّ بعد الإمام لحاكم الشرع. والظاهر إباحة جميع ذلك للشيعة في زمن الغيبة ، من غير فرق بين الغنيّ والفقير.
نعم ، الأحوط اعتبار الفقر في إرث من لا وارث له ، كما أن الأحوط تقسيمه في فقراء البلد.
والظاهر اُنَّ الزكاة والخمس هما العبادتان الخالصتان في المالية.
الحجّ
وقد بقي الكلام في العبادتين المشتركتين في البدن والمال؛ وهما الحجّ والجهاد .فالأول : هو عند الشيعة من أعظم أركان الإسلام ، وتاركه مع استكمال الشرائط ، مخير إنء شاء يموت يهودياً أو نصرانياً.
شرائط الحجّ
وشرائطه :
1 ـ البلوغ.
2 ـ العقل.
3 ـ الحرّيّة.
4 ـ الاستطاعة المالّية والبدنيّة.
5 ـ السربيّة (4).
6 ـ والوقتيَّة.
أقسام الحجّ
وهو على أقسام ثلاثة :
إفراد : وإليه تشير الآية : (وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلا) (5).
وقران : وإليه تشير الآية : (وَ أَتِمُّوا الْحَجَ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّه) (6).
وتمتّع : وإليه تشير الآية : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج) (7).
ويمتاز التمتُّع عنهما باُمور :
1 ـ وجوبه علىٰ من بعد عن مكّة بثمانية وأربعين ميلاً ، من أربع جهات. وهما فرض من نقص عن ذلك.
2 ـ إحرام حجِّه من مكّة ، وهما من الميقات ، أو من منزله إن كان دون الميقات.
3 ـ عدم وجوب الهدي فيهما ، ويجب فيه.
4 ـ وجوب تقديم عمرته علىٰ حجِّه ، بخلافهما فإنّها مؤخرة.
5 ـ ارتباط عمرته بحجه وتركيبه منها علىٰ نحو التركيب في الواجب الارتباطي ، حتّىٰ كأنهما عمل واحد ، بخلاف عمرتهما فإنّها مفردة. بل كلّ من العمرة والحجِّ فيهما واجب استقلالي. وتظهر الثمرة في اُمور :
1 ـ في النيّة؛ لأنه يجب في إحرام عمرته أن ينوي أنهما عمرة إلى الحجِّ ، بخلاف عمرتهما فينويها مفردة.
2 ـ لزوم وقوع حجِّه وعمرته في أشهر الحجّ ، بخلافهما.
3 ـ سببيّتها ، لكونه مرتهناً بالحجِّ ومحتسباً به ، فلا يجوز له بعد الإحلال بالعمرة الخروج من مكة ، إلّا محرماً به.
4 ـ عدم صحّة الحجّ والعمرة في التمتّع ، إلّا من واحد عن واحد. فلو استأجر اثنين أحدهما للعمرة والآخر للحجّ لم يصحّ. وكذا لو استأجر واحداً عن اثنين ، بأنْ يكون الحجُّ لواحد والعمرة للآخر.
وأما القران والإفراد فهما متّحدان إلّا فيما إذا عقد الإحرام بسياق الهدي فيكون الحج قراناً. ولا تكفي الاستطاعة للحجِّ في وجوبه ، بدون استطاعة للعمرة ، كما لا يكفي في وجوبها عليه الاستطاعة لها فقط.
واجبات العمرة
وواجبات العمرة خمسة : الإحرام ، والطواف ، وركعتاه ، والسعي ، والتقصير. وفي عمرة الإفراد يزيد طواف النساء وركعتيه.ولا يجوز الإحرام قبل الميقات إلّا مع النذر وشبهه. ولو تجاوز عامداً وجب عليه الرجوع ، ولو لم يمكن ولم يكن أمامه ميقات آخر بطل حجّه. والأحوط إحرامه من حيث يمكن ، وإتمام حجّه ثم القضاء. ولو كان ناسياً رجع إنْ أمكن ، وإلّا أحرم من موضع الذكر.
واجبات الإحرام
ويجب في الإحرام اُمور ثلاثة :الأوّل : النيّة علىٰ نحو تمييز كونه إحرام حجٍّ ، أو عمرة تمتّع ، أو غيره ، منذور أو إسلامي أو غيرهما ، متقرِّباً له تعالىٰ.
الثاني : التلبيات الأربع.
الثالث : لبس الثوبين : الرداء والإزار ، ويلزم لبسهما قبل النيّة والتلبية ، وأن يكونا مما تصحُّ الصلاة فيه.
ولا يعتبر في الإحرام الطهارة من الحدث الأصغر ولا الأكبر ، فيصحُّ من الحائض والنفساء والجنب ، فيكفيه في حجَّ التمتُّع ـ علىٰ نحو الإجمال بحسب معتقد الإماميّة ـ الإحرامُ بالعمرة إلى الحجِّ من الميقات ، أو من موضع يقوم مقامه ، والطوا بالبيت سبعاً ، مع صلاة ركعتيه في مقام إبراهيم عليه السلام ، والسعي بين الصفا والمروة ، والتقصير. فإذا فعل ذلك أحلّ من إحرامه.
ثم يُحرم من مكَّة بالحجِّ ، ويقف بعرفات تاسع ذي الحجِّ إلى الغروب ، ويفيض إلى المشعر ويقف به من الفجر إلىٰ طلوع الشمس. ثمّ يتوجَّه إلىٰ منىٰ ويرمي جمرة العقبة ، رامياً سبع حصيّات أبكار ملتقطة من المشعر على الأفضل ، بما يسمّىٰ رمياً مصيباً للجمرة. ثم يذبح الهدي ناوياً بنفسه ، أو من يقوم مقامه.
شروط الهدي
ويشترط فيه :أن يكون في منىٰ في يوم العيد بعد الرمي قبل الحلق.
وأن يكون من الأنعام الثلاثة؛ فمن الإبل ما دخل في السادسة ، ومن البقر والمعز ما دخل في الثالثة ، ومن الضأن ما دخل في الثانية.
وأن يكون في الجميع صحيحاً تامّاً.
ويجوز الصدقة وإهداؤه كلُّه ، ولكنَّ الأفضل التوزيع؛ بأن يأكل من ثلثه ، ويهدي ثلثه ويتصدق بثلثه. ويشترط الفقر في مصرف الصدقة دون الهدية.
ومن فقد الهدي ووجد الثمن ، استناب من يشتريه ويذبحه في ذي الحجّة. ولو لم يجدهما صام ثلاثة أيام متوالية في الحجّ ، ولا يضر الفصل بالعيد. ثم هو مخيَّر بين الحلق والتقصير ، والحلق أفضل. ومن لا شعر في رأسه يمر بالموس استحباباً ، أما النساء فيتعيَّن عليهن التقصير.
والنيّة شرط فيه ، ويلزم أن يكون في منىٰ بعد الذبح وقبل الطواف ، ثمّ يعود إلىٰ مكَّة لأداء الحجّ ، فيطوف بالبيت سبعة أشواط. وهو في الحجّ بأنواعه مرّتان : قبل السعي وهو طواف الزيارة ، وبعده وهو طواف النساء.
شروط الطواف
ويعتبر فيه :الأوّل : الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر بنحو اعتبارها في الصلاة ، فتقوم الترابية مقام المائية.
ومن غفل أو نسي وطاف محدثاً أعاده. ولو أحدث في أثنائه؛ فإن كان بعد النصف تطهرّ وبنىٰ ، وإلّا استأنف. ومن يتقَّن الحدث وشكَّ في الطهارة فهو محدث ، ومثله من تيقّنهما وشكّ في المتقدّم والمتأخّر. ومن كان يعلمُ كلّاص منهما مشتبهاً عليه ما تَقدَّم ، فحكمه على الأظهر حكم المحدث. وإذا كان الشكُّ بعد الفراغ لم يلتفت. والمتيقِّن للطهارة و الشاكُّ في الحدث هو متطهّر.
والحيض والنفاس بعد النقاء ، يُجزي لهما التيمّم مع العجز عن الماء. أمّا في حال الدم فلا يجوز الطواف. وإن حدثا في أثناء الطواف؛ فإن كان بعد أربعة أشواط صح ما أتت به ، وتركت الباقي وأتت بالمناسك ، ثم تأتي ببقيَّة الطواف بعد الطهر. وإن كان حدوثه قبل الأربعة كانت كمن لم تطف؛ فإن كانت في عمرة التمتّع انتظرت الطهر ، وبعده تأتي بالطواف وبقيّة الأعمال ، ومع ضيق الوقت تبطل المتعة ، ويكون حجّها إفراداً.
ولا يمنع الحيض والنفاس أعمالَ الحجّ عدا الطواف.
الثاني : طهارة ثيابه وبدنه حتّىٰ ما يعفىٰ عنه في الصلاة ، عدا دم الجروح والقروح.
الثالث : أن يكون إحرامه في لباسٍ حلال ، فلا يصحُّ طوافه في المغصوب ، بل يعتبر فيه جميع ما يعتبر في لباس المصلّي.
الرابع : ستر العورة في الرجل والمرأة.
الخامس : الختان شرط في صحّة طواف الزيارة والنساء ، فطواف غير المختون باطل. ولا تحلُّ له النساء حتّىٰ يأتي بالطواف صحيحاً. والصبيُّ لو طاف أو طِيف به غير مختون بطل ، ولا تحلّ له النساء بعد بلوغه حتّىٰ يأتي به ، ولو بطريق النيابة.
فهذه الخمسةُ شرائطُ صحَّته.
واجبات الطواف
وأما واجباته فالنيَّة كغيره من العبادات. وتعتبر فيها القربة والتعيين ، ويكفي الداعي ، والنيَّة الداعي. ويكفي فيه لله أن يفعل ما ينويه.ويجب فيه العدد سبعة أشواط.
ويجب فيه الابتداء بالحجر ، ولو بنحو المحاذاة العرفيّة ، في كلّ شوط. ويجب الختم به كذلك.
ويجب أن يكون البيت علىٰ يساره ، لو استقبله أو استدبره ، أو كان علىٰ يمينه؛ عامداً ، أو ساهياً أو مضطرّاً ، وجب عليه العود من محلِّ المخالفة. والملاك في الصحَّة هو الصدق العرفي.
ويجب فيه أن يكون خارجاً عن البيت وحجر إسماعيل ، وما يعدُّ منهما ينسب لهما ، فلا يجوز الطواف بين البيت والحجر ، ولا دخوله في حال الطواف ، فلو فعل فسد طوافه في الأوَّل ، وشوطه في الثاني.
ويجب فيه عدم البعد عن البيت ومقام ابراهيم. والمسافة بين البيت وبين حجر إسماعيل تقريباً عشرون ذراعاً ، ففي طرف الحجر لا يجوز البعد ، بأزيد من ستة أذرع ونصف.
ويجف فيه صلاة الطواف. وهي ركعتان مخيَّر فيها بين الجهر والإخفات ، وتجب في الواجب وتستحب في المستحب. ويجب في الواجب الإتيان بها في مقام إبراهيم ، ومع عدم التمكُّن ففيما قرب منه.
وطواف الزيارة ركن يبطل النسك بتركه عمداً. ويصدق الترك في عمرة التمتُّع بضيق وقت عرفه ، وفي الحجِّ بانتهاء ذي الحجَّة. وفي العمرة المفردة ـ ولو للإفراد أو القران ـ فيستمر مدة الحياة. وطواف النساء لا يبطل النسك بتركه.
نعم ، لا تحلٌّ النساء للرجل بدونه. ويجب تقديم طواف الزيارة على السعي ، فلو ذكر في السعي أنه لم يطف طاف ، وأتىٰ بالسعي وطواف النساء بعد السعي. فلو قدَّمه مع العلم والعمد أعاد ، ويجزي لو كان ناسياً أو جاهلاً.
وطواف حجّ التمتّع وسعيه بعد الوقوف ، ولا يجوز تقديمه إلّا لذوي الأعذار؛ كالمريض وخائفة الحيض. ومن تعمَّد نقص شوط من طوافه بطل طوافه. وإن كان ناسياً؛ فإنْ كان بعد الأربعة أتم ، وإلّا أعاد. ولو ذكر في منزله استناب في التتمَّة أو في الكلِّ. وكذا لو قطعه لمسوِّغ ، كصلاة جنازة أو استراحة أو صلاة فريضة ، أو لمفاجأة حيض أو مرض. ولو تلبّس بالسعي فذكر نقصان الطواف؛ فإنْ أتىٰ بالأربعة رجع إليه وأتم السعي من حيث قطع ، وإلّا استأنف الطواف ثم السعي.
في السعي و ما يجب فيه
وهو واجب في كلّ إحرام مرّة ، ويجب فيه النيَّة كما مرَّ في الطواف ، والبدأة بالصفا والختم بالمروة. وهو سبعة أشواط يُعدُّ ذهابه شوطاً وعوده آخر. ويبطل النسك بتركه عمداً ، ومع السهو لا يبطل ويعود لتداركه ، ومع التعذر يستنيب.ولا يشترط فيه الطهارة من الحدث ولا من الخبث. ويعتبر فيه حلِّيّة اللباس. ولو شكّ في زيادته أو نقصانه بعد الفراغ لم يلتفت كما في الطواف ، وكذا لو تيقَّن السبعة وشك في الزيادة.
ثم اذا فرغ من السعي طاف طواف النساء وصلَّىٰ ركعتيه. وصفة ذلك كمّاً وكيفاً كما سبق.
في بعض أفعال الحجّ وأحكامه
ثم إذا أتىٰ بمناسكه في مكَّة وجب عليه الرجوع إلىٰ منىٰ ، والمبيت فيها ليلة الحادي عشر والثاني عشر ، بل والثالث عشر إذا لم يتَّق الصيد والنساء في إحرامه ، أو غربت الشمس عليه من اليوم الثاني عشر وهو في منىٰ وإنْ كان قد اتّقى الصيد والنساء.
ويجب في المبيت النيَّة والكون إلىٰ نصف الليل ، ويجوز الخروج بعده. ومن ترك المبيت حيث يجب ، وجب عليه الكفارة عن كلّ ليلة بشاة إلّا إذا كان في مبيته بمكَّة معذوراً لمرض ونحوه ، أو مشتغلاً بالعبادة.
ومن اتَّقى الصيد والنساء جاز له النفر في الثاني عشر ، وجاز له البقاء إلى الثالث عشر. ومن نفر في الأول لا يجوز له الخروج قبل الزوال ، وله ذلك في الثاني. ومن خرج حيث لا يجوز له كفَّر بشاة.
ويجب رمي الجمار الثلاث : الاُولىٰ ، ثم الوسطىٰ ، ثم جمرة العقبة ، مرتّباً في كلّ يوم وجب المبيت لليلته ، كلّ واحدة بسبع حصيّات. ولو نسي واحدة ، ولم يعلمها بعينها رمى الثلاث ، ولو نسي الرمي رجع ورمىٰ حيث يكون الوقت باقياً ومع خروجه يرمي بنفسه في القابل ، أو يستنيب.
وبالجملة ، إن أحكام الحجِّ وشرائط وجوبه ، لا شيء منها إلّا وهو موافق لأحد المذاهب. فطريقة الشيعة في اُصول العقائد والفروع كما عرفت. فالكلُّ متأدِّب بدين الإسلام ، وداخل تحت كلمة التوحيد دخول النوع في الجنس ، وعلىٰ شطر وافر من مكارم الأخلاق.
فعلىٰ إخواني المسلمين تعليم الجاهل وإيقاظ الغافل ، عسى أن يكون الكلُّ أغصاناً لتلك الشجرة الّتي سقاها المصلحون بماء العناية والرعاية.
فالشيعة والسنَّة متَّفقون ، فقد اتَّضح لك كل الوضوح ما عليه الشيعة اُصولاً وفروعاً ، وأنّهم وإخوانهم من السنّة مندرجون تحت عنوان واحد ، اندراج النوع في الجنس ، وأنّهم إخوان في الدين ، والكلُّ معتقد توحيد الله وعدله ، ومعتقد نبوّة محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله ـ وكلُّ من اعتقد نبوَّته يلزمه التصديق بما جاءبه من عند الله ـ ومقرٌّ بالمعاد ، ودعائم الإسلام ـ الخمس ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد ـ متمسِّك بالقرآن ، ومعتمد عليه وعلى السنَّة ، وضرورة العقل ، والإجماع.
والاختلاف في العمل بالقياس ، و في الاجتهاد ، و في العمل بطريق الأخبار ، وفي المتعة فروق عرضية لا توجب ما يوهم فارقاً في القضيَّة ، كالفرق بين المالكيَّة والحنفيَّة والشافعيَّة ، بلُّ كل فرقة لا تكاد تتّفق في الأحكام الشرعيّة حسب اختلاف الاستنباط من الأحاديث المروية.
نعم ، الفارق بين الشيعة وسائر فرق المسلمين؛ هو القول بالإمامة ، فيما رآه أمير المؤمنين عليه السلام في دوران الأمر بين المحذورين ، من حفظ الذين ومنصبه الإلهي.
فنظراً للمصلحة العامّة الإسلاميّة ، احتفظ بالاُمة واحتاط على الملَّة؛ لأن المسلمين أصبحوا بعد موت النبيّ صلى الله عليه واله كالغنم بدون راعٍ ، مع كثرة القائم في هدم الإسلام. فسلَّم الرئاسة العامَّة للصدِّيق ، فانقطع النزاع وارتفع الخلاف. وجمع بين حفظ الدين ومنصبه الإلهي؛ لأن من عقائد الإمامية ـ كما قدمنا ـ أن لا ملازمة ، شرعيةو لا عقلية ، بين وظيفة القائم بالسلطنة الإسلامية ، وبين وظيفة صاحبها الشرعي.
فإنْ أمكن أن تكون السلطة بيد صاحبها تعيَّن ، وإنْ تعذّر كان غيره على المسلمين ، ووجب على الاُمة معاضدته ومؤازرته في حفظ الإسلام ، ولا يجوز مخالفته ولا مقاومته. ويلزم معاملته معاملة الخلفاء ، فله الخراج والقاسمة وزكاة الأنعام.
والكلُّ يعلم عزَّة الإسلام عند أمير المؤمنين عليه السلام ، بحيث يضحِّي بنفسه وأنفس ما لديه في سبيله. وقد رأىٰ أن من قام بالأمر بذل جهده في تقويته وإعزازه ، وفي نشر كلمة التوحيد. فبايغ لحفظ الإسلام ، واتفق معه في ذلك ، وشيعته مستنيرون بنوره ، وهو علىٰ منصبه الإلهيّ. وإذا أشكل أمر الحوادث أرجعه إلى أميرالمؤمنين عليه السلام.
المصادر :
1- الأنفال : 41.
2- الاُمّ 81 : 2.
3- الأّجام : جمع أجمة ، وهي الشجر الكثير الملتفّ. لسان العرب 81 : 1 ـ أجم.
4- السرب : هو الطريق ، والمراد : عدم المانع من سلوك الطريق من لصّ وعدوٍّ وغيرهما. مسالك الأفهام 137 : 2.
5- آل عمران : 97.
6- البقرة : 196.
7- البقرة : 196.