إنّ مسألة القائد وقيادة الأعمال القتالية أثناء مجريات المعركة لها الأثر الكبير جدّاً في أيّة معركة حدثت ، أو يمكن أن تحدث على هذه الأرض أو خارجها ، وللقائد العسكري صفات يجب أن يتحلّى بها ؛ ليكون ناجحاً في عمليّة الإرادة والتوجيه ، وقيادة العسكريين ، أو العناصر المشتركة في المعركة.
صفات القائد عند الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام
هذا وقد حدّد الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام هذه الصّفات بعهده لمالك الأشتر النخعي (رضوان الله عليه) حين بعثه والياً على مصر بخمسة عشر نقطة ، أو صفة ، هي أن يكون القائد :1 ـ مؤمناً ، وناصحاً لله دائماً.
2 ـ عفيفاً ، طاهر الجيب ، نقي السريرة.
3 ـ حكيماً ، يبطن على الغضب ، ويستريح إلى العذر ، ولا يعجل بالأمور.
4 ـ شفوقاً على عسكره وجنده ، وخاصة الضعفاء منهم.
5 ـ ينبو عن الأقوياء ، ويشتدّ عليهم ؛ لمنعهم من الطغيان على الضعفاء.
6 ـ من ذوي الحسب والنسب ، والبيوتات المشهورة بالإصلاح.
7 ـ شجاعاً ، ورابط الجأش ، وثابت الجنان (القلب).
8 ـ كريماً ، وهي من أكبر صفات النبل البشري في كلّ زمان ومكان.
9 ـ ذكياً ، سريع البديهة ، ولا يستأثر بالقرار دون مشورة الأصحاب.
10 ـ لا يهتمّ بالإطراء والمديح ، فاحثوا التراب في وجوه المداحين كما في الرواية.
11 ـ أقرب الناس إلى العدوّ ، وأكثرهم مراجعة وكرّاً عليه أثناء القتال.
12 ـ عادلاً بين جنده في توزيع المهام والواجبات على الجنود.
13 ـ يشاور أصحابه ، ويتراجع عندما يشعر بالخطأ في القرار الذي اتّخذه.
14 ـ قويّاً وحازماً ، إلاّ أنّه لا يغضب من جنده ، ويملك غضبه إذا ما غضب يوماً.
15 ـ لا يتردّد باتّخاذ القرار المناسب ، والعمل على تنفيذه مباشرة ، ولا يتلكأ بسبب الضعف أو الخوف ، فلا ضعف ولا جبن فيه.
هذا استعراض لبعض النقاط التي حدّدها الإمام علي عليهالسلام ، وهو أعظم قائد عسكري ربّاني عرفته البشرية بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهي صفات القائد الناجح حقيقة ، وفي كلّ الموازين والمعارك ، وتجمع بين الدنيا والآخرة ، أي أنّ القيادة تكون ربّانيّة رساليّة إسلاميّة وإنسانيّة عسكريّة واقعيّة ، إذ لا إفراط ولا تفريط لديه ، فتنقلب الفضائل إلى عكسها تماماً ، وهذا ما لا يريده الإسلام أصلاً.
صفات القائد العسكري حالياً :
أمّا في عصرنا الحاضر بتعقيدات القوّات ، وتنوّع الأسلحة ، واختلاف الأماكن والأوضاع والأنواع القتالية ، ونحن في عصر الصواريخ النوويّة العابرة للقارات ، وأسلحة الإبادة الجماعيّة الشاملة والرحيمة ، في عصر النور الإلكتروني وما فيه من حرب النجوم والفضاء الخارجي ، فإنّ الإنسان المعاصر لم يكتفِ بإفساد البرّ والبحر ، بل راح يسعى إلى إفساد الجو والفضاء الخارجي ، فما هي صفات القائد العسكري في قواميسنا العسكريّة اليوم؟ إنّنا إن تتبّعنا مناهج الأكاديميّات العسكريّة من الغرب المتطوّر إلى الشرق النامي وما بينهما من متخلفين ، نرى أنّ صفات القائد عندهم مختصرة بخمسة أو ستة نقاط لا أكثر ، هي :1 ـ العقيدة : أن يلتزم العقيدة السياسيّة للبلد الذي يعيش فيه.
2 ـ الذكاء والمبادرة ، والاعتماد على النفس باتّخاذ القرار وإمضائه بإصرار.
3 ـ الانضباط الصارم ، والإصرار على تنفيذ المهام القتالية.
4 ـ الإرادة القتالية ، والقدرة التنظيمية للقوّات ؛ لسهولة القيادة.
5 ـ الإعداد العسكري العالي ، والثقافة العسكريّة العامّة الجيدة.
6 ـ إمكانيّة تربية وتدريب المقاتلين.
وبإعادة النظر في هذه الصفات أو النقاط التي سلفت نرى كم هو الفرق بينها وبين الصفات السابقة عند الإمام علي عليهالسلام ؛ وذلك لأنّ الإمام عليهالسلام يلتزم بالدين الحنيف وبالعقيدة الإيمانية ، فترى الصفات عنده يغلب عليها الجانب السماوي الإلهي الرسالي ، ثمّ يلتفت إلى الصفات الذاتيّة والشخصية الأُخرى للقائد.
وهذا ما يسبغ الصفة الإنسانيّة الأخلاقيّة القيميّة عليها ، لا صفات القسوة والغطرسة والانفراديّة باتّخاذ القرارات ، والإصرار بعناد على تنفيذها كما يفهم من صفات القائد المعاصر الذي يجب أن يكون خالياً من كلّ صفات الرحمة والعطف والرأفة والإنسانيّة تجاه عدوّه.
فإذا سألت أحداً منهم ، لماذا هذه القسوة لديكم في التعامل؟
يقول : هكذا يجب أن يكون القائد ، لا يرحم أبداً ، ولا يتردّد في تدمير وإبادة العدوّ ، هكذا تربينا منذ البداية ، وقد نستعمل القسوة حتّى مع مناصرنا إذا لزم الأمر ، فالقائد يجب أن يُطاع دون تردّد ، وتنفذ الأوامر دون تذمّر من أحد.
لأنّ القائد أساساً ليس عنده الوقت الكافي ليستمع إلى رأي أقرب المقرّبين إليه ، فكيف سيكون لديه إمكانية المشاورة أو النصح؟ والقائد لا يعتذر ولو أخطأ ؛ لأنّ اعتذاره يؤدّي إلى خلخلة صورته في عيون عناصره ومرؤوسيه ، ورجاؤه إذا ما قال رجاءً فإنّه أمر عسكري واجب التنفيذ.
قيادة الإمام الحسين بن علي عليهماالسلام
والبحث يطول هنا إلاّ أنّنا لسنا بحاجة إلى بسط القول في الباب ، فنلوي عنق البحث إلى صفات القائد الناجح قديماً وحديثاً بنظر القادة العظام والسادة الكرام أئمّة الأنام عليهمالسلام ، فنسأل : أين قيادة الإمام الحسين عليهالسلام من هذا كلّه؟هل كان الإمام عليهالسلام قائداً ناجحاً بالمعنى الكلّي للكلمة؟
هل من ملاحظات على قيادة الإمام الحسين عليهالسلام؟
هل كان الإمام الحسين عليهالسلام قائداً عسكريّاً فقط ، أم أنّه كان قائداً رساليّاً إلهيّاً بكلّ المعاني الروحيّة والسماويّة السامية في هذه الدنيا؟!
نَعم ، كان الإمام الحسين عليهالسلام نِعمَ القائد لجنده ، وكانت تتوفّر في شخصه الكريم جميع الصّفات المذكورة قديماً وحديثاً ، وأكثر منها أيضاً ، لماذا؟!
لأنّه عليهالسلام جمع صفات القائد العسكري الفذ ، والإنسان المثالي في الإنسانيّة ، والإمام المفترض الطاعة من السماء (من الله تعالى).
وأحسب أنّني لست بحاجة إلى البسط والتطويل ؛ لأنّه يخرجنا عن مدار بحثنا هنا ، رغم أنّ الحديث عن الأخلاق والشجاعة ، والذكاء ومضاء العزيمة التي أظهرها الإمام الحسين عليهالسلام على أرض كربلاء كقائد حقيقي في يوم عاشوراء كثيرة وعظيمة ، إلاّ إنّني سوف أختار مواقف معيّنة ، وأترك البقيّة الباقيّة لذكاء وفطنة الأخ القارئ الكريم.
وضوح الرؤية عند الإمام الحسين :
الإنسان الذي لا يمتلك رؤية مستقبليّة واضحة ، أو الذي ليس لديه بصيرة نيّرة تهديه إلى السبيل الصحيح ؛ ليصل إلى هدفه المنشود وغايته المرجوّة ، لا يمكن أن يكون ناجحاً في عمله ، أو ناجحاً في تفكيره ، أو سعيداً في حياته.والقائد من باب أولى وأخصّ عليه أن يمتلك رؤية شبه حقيقيّة ، أو تصوّراً جادّاً لمراحل المعركة ، مع حساب كلّ الاحتمالات الممكنة الوقوع ، أو حتّى البعيدة والمستحيلة الحدوث ، ويقول في قراره عند كلّ نقطة : إنّ كان كذا أو حدث كذا فإنّنا نتصرّف بهذا الشكل أو تلك الطريقة ؛ لتلافي الخسائر والتأثير بالعدوّ قدر الإمكان.
وهذا كلّه لا يأتي إلاّ من دراسة المعركة وعناصرها كلّها ـ لا سيما قوّات الصديق والعدوّ ـ وتحليل كافة المعطيات المتوفّرة ، وحساب الاحتمالات ، مع ثقافة عسكريّة عالية ، وخبرة عمليّة واسعة في خوض وإدارة الأعمال القتاليّة العسكريّة التي تأتي بالتدريب المستمر على القتال.
والمولى أبو عبد الله الحسين عليهالسلام كان من القادة الأفذاذ الذين خاضوا المعارك حتّى حفظوها عن ظهر قلب ؛ وذلك لأنّه ومنذ ولادته المباركة في أوائل سنوات الهجرة المباركة التي شُحنت بالغزوات والحروب الإسلاميّة مع أهل الشرك والكفر والضلال ، حتّى خاض رسول الله صلىاللهعليهوآله وأصحابه حوالي ثمانين غزوة وسريّة ، كان يراقب ويرصد كلّ ما يجري في تلك الساحة.
أمّا في عهد الخلفاء الأوائل ، فإنّ الإمام الحسين عليهالسلام شارك في فتح أفريقيا ، وخاض حروب التأويل الثلاث : الجمل والناكثين ، وصفين والقاسطين ، والنهروان والمارقين ، مع أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، تلك الحروب التي كانت تشيب الطفل الرضيع من هولها ، وعظيم وقعتها على النفوس ، وتأثيرها في القلوب .
كما إنّه شارك أخاه الإمام الحسن السبط المجتبى عليهالسلام وقاسمه همومه طيلة فترة إمامته التي امتدت حوالي عشر سنوات ، وذاق معه عليهماالسلام طعم الغدر من الأُمّة الإسلاميّة ، ومكرها بعد الصلح مع معاوية ، والاتهامات الشنيعة ـ والعياذ بالله ـ للإمام الحسن عليهالسلام بعد ذلك ، حتّى إنّ أحدهم طعنه في فخذه يريد قتله ، وآخر قال له : يا مذِّل المؤمنين ـ نستجير بالله من ذلك كلّه ـ ، إلى أن وصلت سفن النجاة الإيمانيّة إلى شواطئ الإمام الحسين عليهالسلام ، ورست سفينة الإمامة عنده ، ولاذ به المؤمنون ، والتجأ إليه المخلصون من شيعته ومحبي أبيه الأمير عليهالسلام ، فنهض على اسم الله وبأمره خير نهوض ، وقارع الفساد في الأُمّة بيد من حديد ، وصارع معاوية الجبّار العنيد بسياسة حكيمة ورأي سديد.
إلاّ إنّه أعلن النهضة المباركة عندما نزا على عرش الخلافة والإمارة ذاك الطاغية يزيد ، وأراد تشريعاً لسطانه ، وتثبيتاً لملكه بفتوى (بيعة) من الإمام الحسين عليهالسلام ، وأرسل بالتهديد والوعيد وحرّ الحديد إن لم يفعل الإمام عليهالسلام ذلك ويبايع ، إلاّ إنّ أبيّ الضيم قالها مدوّية منذ اليوم الأوّل : «مِثلي لا يُبايع مِثلَه». أي أنّ الذي يكون في مقامي ، مقام إمامة الأُمّة الشرعيّة والحقيقيّة ، لا يمكن أن يُعطي شرعيّة الحكم والقيادة لشخص مثل يزيد ، فاسقٍ فاجرٍ ، شاربٍ للخمر ، قاتلٍ للنفس المحرّمة ؛ لأنّ مثل هذا لا شرعيّة لوجوده أصلاً ، فيجب أن تُقام عليه الحدود الإسلاميّة كلّها ، أو العقوبات القانونيّة المطابقة لأعماله الإجراميّة.
ومنذ البداية ، وقبلها من حين الولادة ، والإمام الحسين عليهالسلام يمتلك الرؤية الواضحة ، والفكر الناضج الذي جعله يتّخذ هذا القرار الحاسم والمصيري ، لا سيما وأنّه يعلم علم اليقين أنّه مُطارد ومقتول ظلماً وعدواناً حتّى لو اختبأ في قنن الجبال وأوكار الصقور ، فإنّهم لن يدعوه حتّى يستخرجوه ويقتلوه.
والملفت أنّ القائد العسكري أو السياسي يخفي على أتباعه وأقرب المقرّبين إليه الكثير من التفاصيل الحساسة حتّى لا يتأثّر مَنْ حوله معنويّاً ونفسيّاً ، فتخور عزائمهم وتضعف قواهم ، وتتأثّر الحركة أو النهضة الثوريّة وتتعثّر من بدايتها.
إلاّ إنّ القيادة الإلهيّة والرساليّة للإمام الحسين عليهالسلام تملك الشجاعة الفائقة لكي تخبر عن أدقّ التفاصيل لكافة العسكريين ، وليس للمقرّبين من القائد فقط ؛ لأنّ قيادة السماء همّها وهدفها الأوّل الإنسان المخلص ، والعبد التقي الذي يقدم على العمل بدافع ديني يقيني ، لا من منطلق مصالح دنيويّة آنيّة يطمع بها ، أو منصب قيادي تشريفي يطمح إليه ، فهؤلاء يعملون من أجل المصلحة أو الكرسي ، وليس لله والقربى من ساحاته المقدّسة.
إنّ الحسين بن علي عليهماالسلام القائد الناهض في وجه الفساد الأموي ، يعلم منذ البداية أنّ كرامته من الله الشهادة ، ولم تغب عن باله يوماً كلمة جدّه رسول الله صلىاللهعليهوآله : «إنَّ لك في الجنّة درجات لن تنالها إلاّ بالشهادة» (1).
ولذا قال لأصحابه وأهل بيته سوف نُقتل جميعاً على أرض كربلاء بوحشيّة ودون رحمة أو رأفة ؛ وإنّما أراد بذلك أن يكونوا على بيِّنة من أمرهم منذ البداية : «مَنْ كان باذلاً فينا مهجته ، وموطِّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ؛ فإنّني راحلٌ مصبحاً إن شاء الله تعالى» (2).
فالشهادة هي الهدف ، وليس النصر والغلبة واستلام السلطة السياسيّة ، فكانت رؤية الجميع واضحة ، والنتيجة محتمة ، ولكنّهم يعلمون أيضاً أنّ ثمن هذه الشهادة حفظ الإسلام.
وهذا عكس جميع العلوم العسكريّة ، وقيادة الأعمال القتاليّة في عصرنا الحاضر ، أو مَنْ كان قبلنا بعشرات السنين.
2 ـ الصراحة والصدق أساس المنهج الحسيني :
الصراحة قوّة ، والصدق شهامة وإباء وكرامة.
الصراحة شموخ وشَمَم ، والصدق أمانة وديانة وكرم.
الصدق : ضدّ الكذب ، وهو أشرف الصّفات المَرْضِيَّةِ ، ورئيس الفضائل النفسيّة ، وما ورد في مدحه وعظيم فائدته من الآيات والأخبار لا يمكن إحصاؤه (3).
وممّا جاء في وصف الصادقين في كتاب الله قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اُولئك هُمُ الصَّادِقُونَ) (4).
وقد أمرنا ربّنا سبحانه بأن نكون في كلّ أحوالنا مع الصادقين ، محمدٍ وعترته الطاهرين (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين) وجميع الأنبياء والمرسلين بقوله تعالى : (اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (5).
وممّا يروى عن الإمام الحسين عليهالسلام بهذا الشأن الأخلاقي قوله عليهالسلام:
«الصدق عزٌّ ، والكذبُ عجزٌ ، والسرُّ أمانةٌ ، والجوارُ قرابةٌ ، والمعونةُ صداقةٌ ، والعملُ تجربةٌ ، والخُلُقُ الحسنُ عبادةٌ ، والصمتُ زينٌ ، والشحُ فقرٌ ، والسخاءُ غنى ، والرفقُ لبٌ» (6).
فالصدق عزٌّ وفخرٌ للإنسان ؛ لأنّه يعبّر عن شموخ وأنفة ، وسلامة النفس من الأمراض الباطنيّة ، لأنّ الإنسان لا يكذب إلاّ لعلّة نفسيّة ، وخساسة داخلية يعيش فيها ، ويقع تحت وطأتها فتدفعه إلى الكذب والدجل ؛ ليريح نفسه من عقدة النقص تلك ، ولو أصلحها بالحقّ والصدق لكانت أجدى وأنفع له على كلّ حال.
وهل هناك موقف أصعب من موقف الإمام الحسين عليهالسلام من بداية حياته إلى يوم عاشوراء ، حيث شهادته المظفّرة على تراب كربلاء؟!
ويروي الإمام الصادق عليهالسلام قائلاً : «قال عليّ للحسين عليهماالسلام : يا أبا عَبدِ الله ، أُسوةٌ أنتَ قِدماً. (أي أنت أسوة يقتدى بك منذ القديم).
فقال عليهالسلام : جُعلتُ فداك ما حالي؟!
قال عليهالسلام : قد علمت ما جهلوا ، وسينتفع عالمٌ بما علم ، يا بُنيّ اسمع وأبصر من قبل أن يأتيك ، فو الذي نفسي بيده ، ليسفكنَّ بنو أُميّة دمك ، ثمّ لا يزيلونك عن دينك ، ولا يُنسونك ذكر ربّك.
فقال الإمام الحسين عليهالسلام : والذي نفسي بيده حسبي ، وأقررت بما أنزلَ اللهُ ، وأصدّق قول نبي الله ، ولا أُكذّب قول أبي» (7).
هذه شهادة صادقة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام بحقّ ولده الحسين عليهالسلام ، فهو قدوة في كلّ خير وإحسان وبركة منذ أن ولد على هذه الأرض وظهر في هذا الوجود. ولا يفوتنا الإشارة إلى هذا الأدب العظيم ، والتواضع الجم الذي يتجلّى به الإمام عليهالسلام بحضرة والده العظيم.
فيبدأ كلامه بالفداء له بالروح والجسد ، ويُقسم بارّاً بالله أنّه يكفيه الإقرار لله بما ينزل والتسليم بما يقدر ، ويصدّق جدّه الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله فيما أخبر به ، ولا يكذب ـ حاشاه ـ قول أبيه فيما يخبره عن فاجعته في كربلاء.
فالإنسان العالم بالعواقب يجب أن يستفيد من علمه ذاك بالعمل الصالح والتقى ، وانتهاز الفرص في الخيرات ، ولا يتوانى أو يتكاسل عن إصلاح المجتمع ومفاسده التي تفشّت في زمانه ، وسماع النصيحة واجب ، بالتبصّر بالعواقب تسلم النتائج ، وتكون إيجابيّة أكثر.
وحركة الإمام الحسين عليهالسلام منذ البداية كانت صادقة وصريحة ، فلا التواء ولا مواراة ؛ لأنّ الهدف واضح ، والنتيجة مضمونة ومعلومة عند القائد ، فلماذا لا يكون واضحاً كلّ الوضوح مع الجميع؟!
ولكي نزيد مسألة الوضوح عند الإمام الحسين عليهالسلام فإنّنا نستعرض أنواع الصدق عند علماء الأخلاق ، ونطبّقها على حركة الإمام الشهيد عليهالسلام ؛ لنرى كم كانت حركة الإمام عليهالسلام صادقة ونزيهة ، وكم كانت مواقفه واضحة وظاهرة للعيان.
المصادر :
1- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليهالسلام ص 287.
2- مثير الأحزان ص 41 ، اللهوف في قتلى الطفوف ص 26.
3- جامع السعادات 2 ص 333.
4- سورة الحجرات : الآية 15.
5- سورة التوبة : الآية 120.
6- تاريخ اليعقوبي 2 ص 246.
7- موسوعة البحار 44 ص 262 ح17 ، العوالم 17 ص 152.