امتيازات المفسر

التفسير بوصفه علماً تتوقف ممارسته على‏ََ شروط كثيرة لا يمكن بدونها ان ينجح البحث في القرآن ويوفق المفسر في مهمته ، ويمكن ان نلخّص تلك الشروط في الاُمور الاربعة التالية
Saturday, March 11, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
امتيازات المفسر
 امتيازات المفسر

 






 

التفسير بوصفه علماً تتوقف ممارسته على‏ََ شروط كثيرة لا يمكن بدونها ان ينجح البحث في القرآن ويوفق المفسر في مهمته ، ويمكن ان نلخّص تلك الشروط في الاُمور الاربعة التالية :

1 - يجب على‏ََ المفسّر أن يدرس القرآن ويفسره بذهنية ( اسلامية ):

ضمن الاطار الاسلامي للتفكير ، فيقيم بحوثه دائماً على‏ََ أساس أنّ القرآن كتاب الهي ، اُنزل للهداية وبناء الانسانية بأفضل طريقة ممكنة ، ولا يخضع للعوامل والظروف والمؤثرات التي يخضع لها النتاج البشري في مختلف حقول المعرفة الانسانية ، فإنّ هذا الأساس هو الأساس الوحيد لإمكان فهم القرآن وتفسير ظواهره بطريقة صحيحة .
وأمّا حين يستعمل المفسر في دراسة القرآن نفس المقاييس التي يدرس على ضوئها أي كتاب دعوى‏ََ اُخرى‏ََ أو أي نتاج بشري ، فهو يقع نتيجة لذلك في أخطاء كبيرة واستنتاجات خاطئة ، كما يتفق ذلك لبحوث المستشرقين الذين يدرسون القرآن على ضوء نفس المقاييس التي يدرسون بها أي ظاهرة من ظواهر المجتمع التي تنشأ في داخله ، وترتبط بمؤثراته وعوامله وتتكيف بموجبها .
وهذا الشرط تفرضه طبيعة الموقف العلمي ، لأنّ المفهوم الذي يكوّنه المفسر عن القرآن ككل يشكل القاعدة الاساسية لفهم تفصيلاته ، ودرس مختلف جوانبه ، فلا بد أن يُبنى‏ََ التفسير على‏ََ قاعدة سليمة ومفهوم صحيح عن القرآن ، يتفق مع الاطار الاسلامي للتفكير ، لكي يتجه اتجاهاً صحيحاً في الشرح والتحليل ؛ وأمّا اذا اُقيم التفسير على‏ََ أساس تقييم خاطئ للقرآن ومفهوم غير صحيح عنه ، فسوف ينعكس انحراف القاعدة على‏ََ التفصيلات ، ويفرض على‏ََ اتجاه البحث انحرافاً في التحليل والاستنتاج .
وفيما يلي نذكر بعض الامثلة التي يتجلى‏ََ فيها مدى‏ََ الفرق في الاتجاه بين دراسة القرآن بوصفه كتاباً الهياً للهداية ، ودراسته بوصفه ظاهرة في مجتمع تتأثر به وتتفاعل مع عوامله ومؤثراته ، وكيف تنعكس القاعدة التي يقام على‏ََ أساسها التفسير في التفصيلات وطريقة التحليل والاستنتاج ؟
ألف - ففي اقرار القرآن لعدد من الاعراف وألوان من السلوك التي كانت سائدة بين العرب قبل بزوغ نور الرسالة الجديدة ، قد يخيل لمن ينطلق من قاعدة خاطئة ويحاول أنْ يفسر القرآن بمقاييس غيره من منتجات الارض أنّ ذلك الاقرار يعبر عن تأثر القرآن بالمجتمع الذي وجد فيه ، ولكن هذا التفسير لا معنى‏ََ له حين ننطلق من القاعدة الصحيحة ، ونفهم القرآن الكريم بوصفه كتاباً الهياً للهداية وبناء الانسانية ، بالصورة التي تعيد اليها فطرتها النقية ، وتوجهها نحو أهدافها الحقيقية الكبرى‏ََ .
بل نستطيع على‏ََ أساس هذه القاعدة الصحيحة ان نفهم ذلك الاقرار من القرآن فهماً صحيحاً ، اذ ليس من الضروري لكتاب هداية من هذا القبيل ان يشجب كل الوضع الذي كانت الانسانية عليه قبله ، لأنّ الانسانية مهما تفسد وتنحرف عن طريق الفطرة والاهداف الحقيقية الكبرى‏ََ فهي لا تفسد كلها ، بل تبقى‏ََ في العادة جوانب صالحة في حياة الانسانية تمثل فطرة الانسان أو تجاربه الخيرة ، فمن الطبيعي للقرآن ان يقر بعض الجوانب ويشجب اكثر الجوانب في عملية التغيير العظيم التي مارسها ؛ وحتى‏ََ هذ الذي أقره وضعه في إطاره الخاص وربطه باُصوله وقطع صلته بالجاهلية وجذورها .
ب - وفي تدرج القرآن الكريم في التشريع ، قد يخيل لمن ينطلق من القاعدة الخاطئة التي تقول ببشرية القرآن يرتبط بطبيعة عملية البناء التي يمارسها القرآن ، لأنّ القرآن لم ينزل ليكون كتاباً علمياً يدرسه العلماء ، وانما نزل لتغيير الانسانية وبنائها من جديد على‏ََ أفضل الاُسس ، وعملية التغيير تتطلب التدرج .
ج - وفي القرآن الكريم نجد كثيراً من التشريعات والمفاهيم الحضارية التي كانت متبنّاة من قبل الشرائع السماوية الاُخرى‏ََ كاليهودية والنصرانية . وقد يخيل لمن يدرس القرآن على‏ََ اساس القاعدة الخاطئة بأنّ القرآن قد تأثّر في ذلك بهذه الاديان ، فانعكس هذا الانفصال وبالتالي على‏ََ القرآن نفسه .
ولكن الواقع - وعلى‏ََ أساس المفهوم الصحيح - أنّ القرآن يمثل الاسلام الذي هو امتداد لرسالات السماء وخاتمها ، ومن الطبيعي ان تشتمل الرسالة الخاتمة على‏ََ الكثير مما احتوته الرسالات السماوية السابقة ، وتنسخ الجوانب التي لا تتلائم مع التطورات النفسية والفكرية والاجتماعية للمرحلة التي وصل اليها الانسان بشكل عام ، لأنّ مصدر الرسالات هذه كلها شي‏ء واحد وهو اللَّه سبحانه .
خصوصاً اذا أخذنا بنظر الاعتبار ايمان الاسلام بهذه الوحدة في مصدر الرسالات وتأكيده عليها .

2 - يجب أن يتوفر في المفسر مستوى‏ََ رفيع من الاطلاع على‏ََ اللغة العربية ونظامها .

لأنّ القرآن جاء وفق هذا النظام ، فما لم تكن لدينا صورة عن النظام العام للغة العربية لا نستطيع أن نستوعب معاني القرآن ؛ فيحتاج المفسر الى‏ََ الاطلاع على‏ََ علم النحو ، والصرف ، والمعاني ، والبيان ، وغيرها من العلوم العربية ؛ والقدر اللازم توفره من هذا الشرط ـ
يختلف باختلاف الجوانب التي يريد المفسر معالجتها من القرآن الكريم ، فحين يريد ان يدرس فقه القرآن مثلاً ، لا يحتاج إلى التعمق في أسرار اللغة العربية بالدرجة التي يحتاجها المفسر اذا درس الفن القصصي في القرآن ، أو المجاز في القرآن مثلاً .

3 - ولا بد للمفسر ان يحاول الى‏ََ اكبر درجة ممكنة الاندماج كلياً في القرآن عند تفسيره .

ونقصد بالاندماج في القرآن أن يُدرس النص القرآني ويُستوحي معناه دون تقييد مسبق باتجاه معين غير مستوحى‏ََ من القرآن نفسه ، كما يصنع كثير من أصحاب المذاهب الذين يحاولون في تفسيرهم اخضاع النص القرآني لعقيدتهم المذهبية ، فلا يدرسون النص ليكتشفوا اتجاهه بل يفرضون عليه اتجاههم المذهبي ، ويحاولون فهمه دائماً ضمن اطارهم العقائدي الخاص ، وهذا ليس تفسيراً وانما هو محاولة تبرير للمذهب وتوفيق بينه وبين النص القرآني ، ولهذا كان من أهمّ الشروط في المفسر أن يكون بدرجة من التحرر الفكري تتيح له الاندماج بالقرآن ، وجعله قاعدة لتكوين أي اطار مذهبي بدلاً عن جعل الاتجاه المذهبي المحدد قاعدة لفهم القرآن .

4 - وأخيراً لا بد للمفسر من منهج عام للتفسير .

يحدد فيه عن اجتهاد علمي طريقته في التفسير ، ووسائل الاثبات التي يستعملها ، ومدى‏ََ اعتماده على‏ََ ظهور اللفظ وعلى‏ََ السنة ، وعلى‏ََ أخبار الآحاد ، وعلى‏ََ القرائن العقلية في تفسير النص القرآني ، لأنّ في كل واحد من هذه الاُمور خلافاً علمياً ، ووجهات نظر عديدة ، فلا يمكن ممارسة التفسير دون درس تلك الخلافات درساً دقيقاً ، والخروج من دراستنا بوجهات نظر معينة تؤلف المنهج العام للمفسر ، الذي يسير عليه في تفسيره . ولما كانت تلك الخلافات تتصل بجوانب من الاصول والكلام والرجال وغيرها كان لزاماً على‏ََ المفسر لدى‏ََ وضعه للمنهج ودراسته لتلك الخلافات أن يكون ملماً الماماً كافياً بتلك العلوم .

التفسير في عصر الرسول

بالرغم من أنّ القرآن الكريم تميز باسلوب فريد في اللغة العربية ، وصل به الى‏ََ مستوى‏ََ الاعجاز فقد جاء وفقاً للنظام العام للغة العربية ، وتطبيقاً لقواعدها ومناهجها في التعبير ، ومتفقاً مع الذوق العربي العام في فنون الحديث ، وعلى‏ََ هذا الاساس كان يحظى‏ََ بفهم اجمالي من معاصري الوحي - على‏ََ وجه العموم - ولاجل ذلك كان البيان القرآني يأخذ بأَلبابِ المشركين ، ويفتح قلوبهم للنور ، وكثيراً ما اتفق للشخص أن يستجيب للدعوة ، ويشرح اللَّه صدره للاسلام بمجرد أن يسمع عدة آيات من القرآن ، فلولا وجود فهم اجمالي عام للقرآن لم يكن بالامكان أن يحقق القرآن هذا التأثير العظيم السريع في نفوس الافراد ، الذين عاشوا البيئة الجاهلية وظلامها .
ولكن هذا لا يعني أنّ معاصري الوحي ، وقتئذ كانوا يفهمون القرآن كلَّه فهماً كاملاً شاملاً من ناحية المفردات والتراكيب ، بنحو يتيح لهم أن يحددوا المدلول اللفظي لسائر الكلمات والجمل والمقاطع التي اشتمل عليها القرآن الكريم ، كما زعم ابن خلدون حيث قال في مقدمته : « إنّ القرآن نزل بلغة العرب وعلى‏ََ أساليب بلاغتهم فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه ، في مفرداته وتراكيبه »(1) .
فإنّ نزول القرآن بلغة العرب وعلى‏ََ أساليب بلاغتهم لا يكفي وحده دليلاً على‏ََ أ نّهم كانوا - على‏ََ وجه العموم - يفهمونه ، ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه ، ويدركون كل ما يدلّ عليه اللفظ القرآني من احكام ومفاهيم ، لأنّ كون الشخص من ابناء لغة معينة لا يعني اطلاعه عليها اطلاعاً شاملاً ، واستيعابه لمفرداتها وأساليبها في التعبير ، وفنونها في القول ، وانما يعني فهمه للّغة بالقدر الذي يدخل في حياته الاعتيادية .
ومن ناحية اُخرى‏ََ لا يتوقف فهم الكلام واستيعابه على‏ََ المعلومات اللغوية فحسب ، بل يتوقف اضافة الى‏ََ ذلك على‏ََ استعداد فكري خاص ، ومران عقلي يتناسب مع مستوى‏ََ الكلام ، ونوع المعاني التي سيق لبيانها ، واذا كان العرب - وقتئذ - يعيشون حياة جاهلية من القاعدة الى‏ََ القمة ، ويعبرون عن تراث جاهلي سيطر على‏ََ مختلف شؤون حياتهم قروناً عديدة فمن الطبيعي ان لا يتيسر لهم حين الدخول في الاسلام - بصورة تلقائية - الارتفاع ذهنياً وروحياً الى‏ََ المستوى‏ََ الذي يتيح لهم استيعاب مدلولات اللفظ القرآني ، ومعاني الكتاب الكريم الذي جاء ليهدم الحياة الجاهلية ويقوض أسسها ، ويبني الانسان من جديد .
ومن ناحية ثالثة نحن نعرف أنّ عملية فهم القرآن الكريم لا يكفي فيها النظر الى‏ََ جملة قرآنية أو مقطع قرآني ، بل كثيراً ما يحتاج فهم هذا المقطع أو تلك الجملة الى‏ََ مقارنة بغيره ، مما جاء في الكتاب الكريم أو الى‏ََ تحديد الظروف والملابسات ، وهذه الدراسة المقارنة لها قريحتها ، وشروطها الفكرية الخاصة ، وراء الفهم اللغوي الساذج ؛ وهكذا نعرف انّ طبيعة الاشياء تدل على‏ََ أنّ الصحابة كانوا يفهمون القرآن فهماً اجمالياً ، وأ نّهم لم يكونوا على‏ََ وجه العموم يفهمونه بصورة تلقائية ، فهماً تفصيلياً يستوعب مفرداته وتراكيبه .

الشواهد على‏ََ عدم توفر الفهم التفصيلي :

وهذا الذي تدل عليه طبيعة الاشياء أكدته أحاديث ووقائع كثيرة ، دلت‏ على‏ََ أنّ الصحابة كانوا كثيراً ما لا يستوعبون النص القرآني ولا يفهمون معناه ، إمّا لعدم اطلاعهم على‏ََ مدلول الكلمة القرآنية المفردة من ناحية لغوية ، أو لعدم وجود استعداد فكري يتيح لهم فهم المدلول الكامل ، أو لفصل الجملة أو المقطع القرآني عن الملابسات والاُمور التي يجب أن يُقرن المقطع القرآني بها لدى‏ََ فهمه‏ .

واليكم عدداً من هذه الاحاديث والوقائع :

عن الحاكم في المستدرك أنّ أنس قال بينا عمر جالس في أصحابه ، اذ تلا هذه الآية «فأنبتنا فيها حبّاً * وعنباً وقضباً * وزيتوناً ونخلاً * وحدائق غلباً * وفاكهة وأباً »(2)
ثم قال هذا : كله عرفناه فما ( الأب ) ؟ قال وفي يده عصية يضرب بها الارض ، فقال : هذا لَعمر اللَّه التكلف ، فخذوا أيّها الناس بما بين لكم فاعملوا به ، وما لم تعرفوه فَكِلُوه الى‏ََ ربِّه‏(3) .
وروي أيضاً أنّ عمر كان على‏ََ المنبر فقرأ : «أو يأخذهم على‏ََ تخوف ... »(4)
فسأل عن معنى‏ََ التخوف ، فقال له رجل من هذيل : التخوف عندنا التنقص .
وجاء عن ابن عباس أ نّه قال : كنت لا أدري ما فاطر السماوات حتى‏ََ أتاني اعرابيان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها يقول أنا ابتدأتها .
كما روي عنه في تفسير الطبري أ نّه سأل ابا الجلد عن معنى‏ََ البرق في الآية 12 من سورة الرعد ، فذكر له أنّ معناه هنا المطر(5) .
وجاء في تفسير الطبري أنّ عمر سأل الناس عن هذه الآية «أيود احدكم ان تكون له جنة من نخيل واعناب ... »(6)
فما وجد أحد يشفيه ، حتى‏ََ قال ابن عباس وهو خلفه : يا امير المؤمنين : إنِّي أجد في نفسي منها شيئاً ، فتلفت اليه فقال : تحول ها هنا لم تحقر نفسك ؟ ! قال : هذا مثل ضرَبَهُ اللَّه عزّ وجل ، فقال أيَوَدُّ أحدكم أن يعمل عمره بعمل أهل الخير وأهل السعادة حتى‏ََ اذا كان أحوج ما يكون الى‏ََ أن يختمه بخير حين فني عمره ، واقترب أجله ، ختم ذلك بعمل من عمل أهل الشقاء فافسده كله فحرقه ، وهو أحوج ما يكون اليه‏(7) . وعن البخاري : انّ عدي بن حاتم لم يفهم معنى‏ََ قوله تعالى‏ََ : «... وكلوا واشربوا حتى‏ََ يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ... »(8)
وبلغ من امره ان اخذ عقالاً أبيض وعقالاً أسود فلما كان بعض الليل نظر اليهما فلم‏ يستبينا ، فلما اصبح أخبر الرسول بشأنه فافهمه المراد(9) .
وروي انّ عمر استعمل قدامة بن مظعون على‏ََ البحرين ، فقدم الجارود على‏ََ عمر فقال : انّ قدامة شرب فسكر . فقال عمر : من يشهد على‏ََ ما تقول قال الجارود : ابو هريرة يشهد على‏ََ ما اقول . فقال عمر : يا قدامة ، اني جالدك . قال : واللَّه لو شربت كما يقولون ما كان لك ان تجلدني قال عمر : ولم ؟ قال : لأنّ اللَّه يقول : «ليس على‏ََ الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثمّ اتّقوا وآمنوا ثمّ اتّقوا وأحسنوا »(10)
فانا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثمّ اتّقوا وأحسنوا شهدت مع رسول اللَّه بدراً واُحداً والخندق والمشاهد فقال عمر : ألا تردون عليه قوله ؟ فقال ابن‏ عباس : ان هذه الآيات اُنزلت عذراً للماضين وحجة على‏ََ الباقين ، لأنّ اللَّه يقول : «يا أ يّها الذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان »(11).
فقال عمر : صدقت‏(12) .
فهذه الوقائع تدل على‏ََ انّ الصحابة كثيراً ما كانوا لا يفهمون القرآن بصورة تلقائية ، ويحتاجون في فهمه الى‏ََ السؤال ، والبحث ، إمّا لعدم الاطلاع على‏ََ المدلول اللغوي للكلمة كما في القسم الاول ، أو لعدم الارتفاع فكرياً الى‏ََ مستوى‏ََ اغراض القرآن ومعانيه كما في القسم الثاني ، أو للنظرة التجزيئية التي ورطت قدامة بن مظعون في فهم خاطى‏ء للآية الكريمة كما في القسم الثالث .
ويمكننا أن نضيف الى‏ََ ما تقدم نقطة اُخرى‏ََ أيضاً وهي : أنّ الآية قد تكون من الناحية اللغوية في مستوى‏ََ معلومات الشخص ، ولكنه يبقى‏ََ مع ذلك - عند محاولة استيعاب المعنى‏ََ - بحاجة الى‏ََ البحث ؛ والسؤال لتعيين المصداق الذي يتجسد فيه مدلول اللفظة ، ففي قوله تعالى‏ََ : «والفجر * وليالٍ عشر »(13)
من الطبيعي ان يعرف الصحابة جميعاً - بحكم نشأتهم العربية - معنى‏ََ كلمة « ليال » ومعنى‏ََ كلمة « عشر » ، ولكن يبقى‏ََ بعد ذلك ان يعرفوا المصداق ، وما هي تلك الليالي العشر التي عناها اللَّه تعالى‏ََ . وكذلك الامر في قوله تعالى‏ََ : «والعاديات ضبحاً »(14)
«والذاريات ذرواً »(15)
فالمعرفة باللغة وحدها لا تكفي في هذه المجالات .
وهكذا نستنتج أنّ المسلمين في عصر الرسول صلى الله عليه و آله لم يكن الفهم التفصيلي للقرآن ميسراً لهم على‏ََ وجه العموم ، بل كانوا في كثير من الاحيان بحاجة الى‏ََ السؤال والبحث والاستيضاح لفهم النص القرآني .
المصادر :

1- تاريخ ابن خلدون 1 : 438
2- عبس : 27 - 31
3- المستدرك على الصحيحين 2 : 514 مع اختلاف في التعبير
4- النحل : 47
5- تفسير الطبري 13 : 82
6- البقرة : 266
7- تفسير الطبري 3 : 51
8- البقرة : 187
9- صحيح البخاري 3 : 36
10- المائدة : 93
11- المائدة : 90
12- تفسير القرطبي 6 : 297
13- الفجر : 1 و 2
14- العاديات : 1
15- الذاريات : 1

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.