تقويم الأخلاق

هناك سؤال يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم هو : ما هي الأخلاق؟ أو أيّ نوع من الأخلاق تريدون؟
Saturday, March 11, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
تقويم الأخلاق
 تقويم الأخلاق

 






 

هناك سؤال يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم هو : ما هي الأخلاق؟ أو أيّ نوع من الأخلاق تريدون؟
ولا بدَّ من نزهة سريعة في بساتين اللغة العربية ؛ لتقصِّي المعاني التي وردت في هذه المادة (خلق). فالنزهة في تلك الحقول اللغوية من أجمل النُّزه ؛ لأنّ لغتنا العربية من أجمل وأغنى لغات العالم قاطبة حيَّها وميَّتها.
قال صاحب (معجم المقاييس) : الخاء واللام والقاف أصلان :
أحدهما : تقدير الشيء ، كقولهم : خَلَقْتُ الأديم للسقاء ، إذا قدَّرته (صنَّعته).
والآخر : ملاسة الشيء ، كقولهم : صخرة خلقاء ، أي ملساء.
ومن الأوّل نأخذ معنى الخُلُق : وهي السجيَّة ؛ لأنّ صاحبه قد قدَّر عليه (1).
وأمّا صاحب (الوسيط) فإنّه قال في هذه المادة كثيراً ، وممّا قال :
1 ـ الخُلُق : حالٌ للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خيرٍ أو شرٍّ من غير حاجة إلى فكر ورويَّة.
2 ـ الأخلاق (علم الأخلاق) : علم موضوعه أحكام قيميَّة تتعلّق بالأعمال التي توصف بالحُسن أو القبح.
3 ـ الأخلاقي (العمل) : هو ما يتّفق وقواعد الأخلاق ، أو قواعد السلوك المقرَّرة في المجتمع ، وعكسه لا أخلاقي.
4 ـ الخالق : اسم من أسماء الله تعالى (يعني) : المبدع الشيء ، المخترعه على غير مثال سبق (أي المبدع أو الصانع).
5 ـ الخِلقة : الفطرة. والخليقة : هي كلّ مخلوق. والطبيعة التي يُخلق المرء بها (2).
ويُضيف بعضهم معاني أُخرى ، فكلمة (الخُلُق) تُستعمل في اللغة بمعاني منها : السجيّة ، والطبع ، والعادة ، والدين ، والمروءة. وقد ذكر أصحاب المعاجم أمثالاً وأشعاراً تؤيِّد ما ذهبوا إليه.
ولكن بالتأمّل في كلّ هذه المعاني ، بعد إرجاعها إلى الأصل اللغوي الذي ذهب إليه (ابن فارس) في مقاييسه ، أي إلى معنيين فقط : (التقدير ، والملامسة والتسوية) ، نلاحظ أنّ بين هذه المعاني صلة قريبة ودقيقة ، تكاد تلحظها وتجمعها في إطار واحد. ولعلّ معنى الكلمة الأصلي في اللغة واحد ، وهذه المعاني أفياؤه وظلاله ، ولعلَّ هذا المعنى الواحد في اللغة : هو الذي يعرفه الخُلُقيون من هذه الكلمة أيضاً ، وإن كانت النصوص اللغوية قاصرة عن إثبات ذلك.
والخُلُقيون يعرفون من معنى هذه الكلمة : أنّها ملكة من ملكات النفس ، ويقولون : إنّ أظهر خاصة تتميّز بها هذا الكلمة هي صدور الأفعال عن الإنسان من دون إمعان فكر أو إعمال رويَّة (3).
وبالتأمّل في معاني هذه الكلمة مع ملاحظة الأفياء والظلال المرافقة لها ، لاح لي أنّ الخيط الدقيق الواصل بينها هو : التقدير والتسوية بالإملاس.
فالله سبحانه قد خلق الإنسان إبداعاً ، وزودّه بالعقل ، وميّزه بالإرادة ؛ ليتمكّن من الفعل والترك ، وتحمّل مسؤولية التكليف الشرعي.
وكأنّما العقل والقابليات من خَلْق وتقدير الله سبحانه للإنسان ، وأمّا التَّسوية والإملاس لطبائعه فإنّها عن طريق الرسالات السماوية (الدين الإلهي) ؛ لأنّ وظيفة الرسالة تهذيب الأخلاق المقدَّرة وإملاسها وتليينها حتّى تأتي النفس الإنسانيّة إلى بارئها (رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً).
والإنسان العاقل فعلاً لا يرضى إلاّ بالجنّة ونعيمها الدائم.
والله سبحانه وتعالى لا يرضى منه إلاّ الأعمال الصالحة التي أمره بها ، أو ندبه إليها.
ومن هذا المنطلق ، ذهبت مدرسة أهل بيت النبوّة والطهارة (صلوات الله عليهم) إلى أنّه : لا دين بلا أخلاق ، ولا أخلاق بلا دين وإيمان بربّ العالمين. وهذا ما نستفيده من هذه الحكمة النورانية الرائعة للإمام الحسين عليه‌السلام التي يقول فيها : «ما أخذ الله طاقة أحد إلاّ وضع عنه طاعته ، ولا أخذ قدرته إلاّ وضع عنه كِلفته» (4).
فمَنْ تُسلب منه قوّته يسقط تكليفه ، ومَنْ لا يستطيع ويقدر فإنّه لا مسؤولية عليه ولا تكليف ، والقاعدة تقول : إذا أخذ ما أوهب أسقط ما أوجب.

فهم الأخلاق

وقبل المضي في البحث ، لا بدَّ من نظرة إلى الماضي السحيق والحاضر اللصيق ؛ لمعرفة نظرة العلماء والفلاسفة لهذه المسألة الخلقية. وهدفنا ليس البحث عن النظريات الأخلاقيّة المختلفة ومناقشتها والإشكال عليها ؛ فلهذا كلّه أماكن وأبحاث أُخرى ، وأمّا هدفنا فهو إعطاء لمحة سريعة لزيادة الإيضاح لهذه الفكرة التي توصلنا إليها.
فالبحث في الجذور يعني الأصالة والتأصيل ، وأمّا في الفروع فإنّه يعني التهذيب والتحسين والتجميل.
والتأصيل والتجميل عمليتان لا بدَّ منهما في تناولنا لمسألة الأخلاق ؛ لأنّهما تمسّان الجوانب النظرية في أصولها ، وغايتهما الجوانب العملية في غاياتها ؛ لأنّ الأخلاق قواعد وعمل تهذيبي لتجميل السلوك البشري ، وتحسين الحياة الإنسانيّة الفردية والاجتماعية ؛
وذلك لأنّ الوجود الأخلاقي معطى نفسي ، اجتماعي قيمي ، يشتمل على الوقائع اللازمة في كلّ مجتمع إنساني ممّا يتّصل بالسلوك.
وقد قاد هذا النشاط الفكري العلماء والفلاسفة إلى التمهّل أمام ينبوع السلوك الأخلاقي ، فوجدوا أنّه ينبع من النفس أو الشعور ، وأطلقوا على هذا الينبوع اسم (الوجدان ، أو الضمير ، أو الحسّ الأخلاقي).
قائلين (في تعريفه) : أنّه صوت نبيل يدعو إلى الخير ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وأنّه حَكَم حكيم عليهم (البشر) يفصل بين الفضيلة والرذيلة ، ويميّز الخير عن الشرّ ، وأنّه الرادع اليقظ ، والآمر المُطاع ، والنور الحيّ الذي به تتمثّل الأخلاق الطيِّبة ، ويهتدي للعمل الصالح ، ويحقّق المرء بإطاعته حال البرّ والتقوى (5).
فالأخلاق : علمٌ وقواعد عملية واجبة الالتزام ؛ حتّى يكون الإنسان أخلاقياً في حياته ، وإنسانياً في معاملاته.
وعلم الأخلاق : هو العلم الذي يبعث الكمال في النفس البشرية ، وينمِّي القوّة والاستقلال في العقل البشري. وهو العلم الذي يساير الإنسانيّة في اتجاهاتها ، ويوجّهها عند حيرتها ، ويأخذ بيد العقل عند اضطرابه ، ويمدُّه بالقوّة عند ضعفه.
وعلم الأخلاق : هو الرسالة العامّة التي يلزم على كلّ حيّ مدرك أن يبلِّغها إلى كلّ حيّ مدرك ، وهو الأمانة الكبيرة التي يجب على كلّ كائن عاقل أن يؤدّيها إلى كلّ كائن عاقل (6).
فالأخلاق علمٌ ، وعلم الأخلاق سلوك يسير عليه الإنسان ليقف على قيمته وإنسانيته ؛ لأنّ الإنسان كائن أخلاقي كما يعرفه أحدهم ، ولأنّه لا يمكن أن يكون الإنسان إنساناً إلاّ إذا اتّصف بالإنسانيّة. تلك الصفة التي تشكّل جوهره المميّز له عن غيره من جنسه الحيواني ، كما يقول الفلاسفة.
والوجدان الأخلاقي حياة قيمية خاصّة ذات درجات شعورية ، وتحت الشعورية متفاوتة بتفاوت الإشكالات المطروحة عليها ، بحيث تثير في النفس حركة وصراعاً وجدلاً وتردداً ينتهي بعد المحاكمة والموازنة إلى حكم واعٍ يتوخّى سبيله إلى حيّز التنفيذ.
والواقع أنّ كلّ إنسان في كلّ لحظة من لحظات حياته اليومية ـ وطوال عمره ـ يعيش مثل هذا الصراع الباطني الخفي ، ويجهد جهداً يسيراً أو عسيراً للتكيُّف مع ظروف وجوده الأخلاقي ، فيُدرك أنّ أعماله ليست حوادث حياديّة بوجه من الوجوه ، بل إنّ ثمّة صبغة أخلاقيّة هي صبغة الاقتراب من الخير أو من الشرّ في كلّ حركة يقوم بها ، وفي كلّ فعل يحقّقه وعمل يؤدّيه (7).
والوجدان الذي كثيراً ما نتحدّث عنه ، ونقيّم الناس على أساسه ، يصفونه بأنّه : خاصّة تمكّن الفكر البشري من إطلاق أحكام معيارية عفويّة ومباشرة (دون تكلُّف) على القيمة الأخلاقيّة لبعض الأعمال الفردية المحدّدة. فإذا انصرف الوجدان إلى الحكم على الأفعال المستقبلية ، ظهر في صورة (صوت) آمرٍ ناهٍ ، وإذا تناول الأعمال الماضية تجلّى بعواطف الفرح و (الارتياح) ، أو الألم أو (وخز الضمير).
والشعور الأخلاقي يشبه الشعور الديني من حيث أنّ الخروج على الأخلاق أشبه بالخروج على القداسة الدينية ، ولكنّ مصدر القيمة الدينية خارجي عن الإنسان ، في حين أنّ الشعور الأخلاقي يستقي من الوجدان ذاته أحكامه الآمرة ، وهذه الأحكام تطرح على بساط البحث مصير الإنسان وخلاصه كما يطرحها الشعور الديني (8).
فالشعور الديني : هو الالتزام بالقواعد الشرعية التي حدّدها الشارع المقدّس (الله) سبحانه وتعالى في رسالاته المتتالية لبني البشر ؛ ولذا أطلقنا عليه أنّه من الخارج : أي خارج النفس البشرية. أمّا الضمير والوجدان فهما من الذّات البشرية من داخلها وصميمها فهما داخليان. وهنا نلتقي بالكلمة المشهورة عن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام : «إنّ لله على الناس حجّتين : حجّة ظاهرة ، وحجّة باطنة. فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة ، وأمّا الباطنة فالعقول» (9).
ولهذا كان من المحتوم أن يحذّر الإنسان نفسه (الأمّارة) التي بين جنبيه ، ويحتاط ضدّ الانحياز ، والأحكام المسبقة ، والتقليد الأعمى. فأين الخير والشرّ من الوجدان ، إن كان الوجدان حائراً أو ضالاً ، أو شاكاً أو موسوساً ، أو مبطلاً طالحاً ، ولم يكن سليماً أصيلاً نيّراً ، واعياً مستقيماً ، بل معصوماً؟!

تقويم الأخلاق

اشتهر عن (باسكال) قوله : (إنّ الأخلاق الحقيقية تسخر من الأخلاق ...) ، وذهب المفسّرون لها إلى اعتبار أنّ الأخلاق الحقيقية هي أخلاق الوجدان السليم ، أو الشعور المرهف بروح الدقّة والحدس الذكي الفطن ، وهي تسخر من النظريات أو المذاهب الأخلاقيّة التي أذاب في طلبها الفلاسفة ـ وما يزالون ـ الكثير الكثير من نشاطهم ، وجهدهم العقلي المنطقي المنضود.
والمدقّق يجد أنّ المسألة الأخلاقيّة كانت في النظرة الدينية (وهذا ما يهمنا هنا) جزءاً لا يتجزأ من النظرة الشاملة إلى الحياة والسلوك (الإنساني) ؛ وذلك أنّ المسوِّغ الأساسي والوحيد للخير والشرّ ، وما بينهما من ألوان المستحبّ أو المكروه أو المباح إنّما يرجع إلى الالتزام بما تأمر به التعاليم السماوية ص وتنصُّ عليه الكتب المقدّسة (10).
وهذا ما يؤكّده ديننا الإسلامي الحنيف الذي ختم الله به الرسالات وأكملها ، ورسول الإسلام الخاتم الحبيب المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّما بُعثتُ لأُتمّم مكارم الأخلاق» (11).
فإكمال الأخلاق لا يتمّ إلاّ بالالتزام بأخلاق رسول الإسلام وسنّته المطهّرة ، وما وصل إلينا من سنن آله الأطهار الأبرار (صلوات الله عليهم أجمعين).
والأخلاق تمثّل أهم الجهات الإنسانيّة التي عني بها دين الإسلام ، واهتمَّ بها اهتماماً كبيراً (منذ انطلاقته المظفّرة) ، والذي يستقصي تعاليم الكتاب (القرآن الكريم) وإرشادات السنّة المطهرّة ، يعلم مقدار هذا الاهتمام ، ومبلغ هذه العناية.
وهذه الظاهرة من الدين الإسلامي هي إحدى مميّزاته عن سائر الأديان (المنتشرة على وجه الأرض حالياً) ، وإحدى مؤهّلاته للخلود (في الحياة والوجود).
وهي جارية على ما تفرضه جامعيَّة الدين ، وصفاء أخلاق المتديّنين ، يوم غرس الدين بذرته (في الجاهليّة الجهلاء) ، قال الشاعر :
وإنّما الأُمم الأخلاقُ ما بقيت /فإن هُمُ ذهبتْ أخلاقُهم ذهبوا
وإذا كان شذوذ الأخلاق ناتجاً عن تطرّف في الغريزة ، أو إسفاف في العادة ، أو قصور في التربية ، وإذا كانت أمراض الروح أشدّ فَتكاً في معنويات الأُمّة ، وأعظم أثراً في إبعادها عن الخير والسعادة ، فجدير بالدين الجامع ، وجدير بالمصلح المهذِّب أن يتكفّل بإتمام النقص في الأخلاق ، ويتبيّن مواضع الخلل في النفس ، ويعالج الخطر في الغريزة الموبوءة ؛ لكيوِّن من الفرد عضواً صالحاً لمكانته من الأُمّة ، ويجعل من الأُمّة مجتمعاً قابلاً للعلم والعمل في سبيل الخير.
والإسلام دين فردي اجتماعي ، وهو في اجتماعيته فردي أيضاً ؛ لأنّ الجنّة مشروع خاصّ بالفرد الذي يطلبها ، وينظر الإسلام في سعادة الفرد كما ينظر في سعادة الأُمّة ، ويسعى لتهذيب الشخص كما يسعى لتنظيم المجتمع. وإذا كان صلاح الأُمّة مشروطاً بصلاح أفرادها ، كان اهتمام الدين بسعادة الفرد من ناحيتين :
ـ تهمّه سعادة الفرد ؛ لأنّه ممّن يجب إيصاله إلى الكمال.
ـ وتهمّه سعادة الفرد ؛ لأنّها شرط في سعادة الأُمّة.
وكلتا هاتين الغايتين يدعو إليهما الدين الجامع. فإذن لا بدَّ للإسلام من أن يكون دين أخلاق فاضلة ، ولا بدّ لقادة الدعوة فيه من بثِّ روح وتعاليم الأخلاق في المجتمع البشري (12).
وهذا ما سنتلمّسه في السيرة الحسينيّة العطرة التي نحاول تتبّعها في هذه الورقات ، فنبيّضها بتلك الأقوال والأفعال النورانية الرحمانية المباركة ؛ باعتبار أنّ الإمام الحسين عليه‌السلام شخصية قيادية من الطراز الأوّل في العلم والعمل في ساحات الجهاد الأكبر والأصغر ، وفي كلّ الظروف سلماً وحرباً.
ولكن قبل المضي لا بدَّ من زيادة في التوضيح ؛ لإكمال الفائدة من هذه المقدّمات المختصرة عن علم الأخلاق وفلسفته ، وما علينا في هذا المقام إلاّ أن نميّز نوعين من الأخلاق :
1 ـ الأخلاق الاعتقادية : وهي أخلاق العمل الملحّ الاتّباعي السريع.
2 ـ الأخلاق الفلسفية : وهي رهن بالباحث الناقد ، والمفكّر المدقّق الذي يعتبر الأخلاق محلّ نظر فلسفي يتوخّى تبيان حقيقة الأخلاق بمعرفة ماهيتها وطبيعتها ، وتحديد مصادرها وأهدافها وغاياتها ، مؤيّداً معرفته بأدلّة ساطعة تجريبية أو عقلية (نلفت الانتباه إلى أنّنا لا نؤيّد الفلاسفة في كلّ أقوالهم ونظرياتهم واعتقاداتهم ، إلاّ أنّنا هنا نستشهد بأقوالهم حول الأخلاق فقط لا غير).
واللافت أنّ هذا النظر الفلسفي هو ذاته يصدر من قيمة أخلاقيّة مائلة في أنّ كرامة الإنسان تمنع عليه أن يُميت عقله ، ويجمِّد فكره ، ويضيّق على منطقة عالم الرحب والسعة ، مؤمناً بأنّ الإنسانيّة ما برحت دائبة التحفّز والعمل في أجواء التقدّم والإبداع (13).
وفي الحقيقة يمكننا القول : إنّ الفلسفة الأخلاقيّة هي جماع آراء الفلاسفة الأخلاقيين ، وقد كثرت المذاهب الأخلاقيّة بتعدد المذاهب الفلسفية ، حتّى صار بوسعنا أن نتحدّث عن أنواع ، ونستعرض نماذج من الأخلاق النظرية ، أو النظريات الأخلاقيّة ، يساوي عددها عدد أصحاب تلك النظريات أو المذاهب. وعدد هؤلاء ما زال بازدياد كلّما امتدّت بنا الأيام ، ولن نقف عند ذاك الاستعراض الممل للأقوال من أفلاطون ومدينته الفاضلة ، وأرسطو وشروحه ، وأبيقور وتخرّصاته ، والرواقيين وفذلكاتهم ، ولا حتّى الفارابي وابن سينا والغزالي وإضافاتهم ، ولا حتّى الفلسفات المعاصرة كلّها ؛ لأنّ الوقوف عندها ممل ومقيت ، والواقف عليها لا بدَّ له من أن يفقد أخلاقه ، هذا إذا لم يفقد عقله لشدّة تباينها واختلافاتها وفراغها الروحي.

المبادئ الأخلاقيّة

بداية لا بدَّ من القول أنّ المبدأ بوجه عام هو أوّل كلّ أمر ؛ سواء أكان بصورة مطلقة ، أم بصورة نسبية ، أو كان بحسب الترتيب الزمني ، أو المنطقي ، أو غير ذلك.
ونحن إذا نظرنا إلى كلمة (أخلاق) من زاوية الوجود وجدناها تدلُّ على معنى ينبوع الفعل ، أو سببه ؛ من حيث أنّ السبب هو أصل النتيجة ، فالمبدأ يوضّح وجود الوجود ويفسّره.
والمبدأ من الزاوية المعيارية هو قاعدة الفعل أو معياره من حيث أنّه تصوّر ذهني جلي تعبّر عنه صيغة محدّدة ، ويكون المبدأ أخلاقياً بالمعنى الدقيق ؛ لأنّه يتّصل بالبحث الأخلاقي.
وما التخلُّق ، أي السِّمة الأخلاقيّة التي تسم فعلاً أو فاعلاً ، إلاّ التقيُّد الذاتي بالقانون الأخلاقي ، وذلك كما يرى (كانت) مثلاً ، وهذا يعني أنّ التخلُّق هو إرادة التقيُّد بقانون الأخلاق.
يقول (لوسين) : المبدأ الأخلاقي لا يتناول ما ينبغي أن يتناوله الفكر من أمر الحقيقة ؛ بل ما ينبغي فعله من أمور صالحة طيّبة ، ولا يخفى عليكم أنّ الباحث النظري يتطلّع إلى تطابق المبادئ الفكرية ومعايير الأوامر الأخلاقيّة (14).
ذاك كان حديثاً مختصراً وسريعاً عن القواعد الأخلاقيّة ، ونريد أن نلتفت إلى الغاية المتوخّاة من تلك القواعد وذاك العلم الذي نحن في رحابه (الأخلاق).
والغاية : هي ما يؤدّي إليه الشيء ، ويترتّب هو عليه ، وقد تسمّى غرضاً من حيث أنّه يطلب بالفعل ، ومنفعة إن كان ممّا يتشوّقه الكلّ طبعاً (15).
فالغاية بوجه عام هي ما لأجله يُطلب الشيء ، وهي نتيجة تستهدفها أسبابها. يقول (غوبلو) : عندما يعي المرء غايته تكون الغاية فكرة ، ويكون التحقيق غرضها ونهايتها.
ولكن علينا أن نحسن التمييز بين الغاية والوسيلة ، أو الغايات والوسائل الموصلة إليها ، أو الطرق المؤدّية إليها. وقد تساءل باحثون منذ القدم : هل الخير غاية لأنّه خير ، أم أنّه خير لأنه غاية؟ ويبقى من الثابت : أنّ ما ندعوه الخير الأسمى هو الغاية الأخلاقيّة القصوى(16).
والقاعدة الأخلاقيّة تقول : بضرورة المثل الأخلاقي الأعلى ، أي لا بدَّ لنا من قدوة حسنة ، وربّنا سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (17).
فمثلنا الأعلى في هذه الحياة هو الرسول الأعظم وأهل بيته الأطهار الأبرار ، والإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
فإنّ المثل الأعلى : هو ما يتطلّع إليه الفاعل أيضاً ، ولكن بوصفه نمطاً كاملاً ، أو نموذجاً في مجال معيّن من مجالات الفكر أو العمل (18).
فالمثل الأخلاقي : مفهوم من مفاهيم الوعي الأخلاقي ، فيه يعبَّر عن المطالب الأخلاقيّة في صورة نموذج للشخصية الكاملة أخلاقياً على شكل تصوّر عن إنسان تتجسّد فيه أسمى الخصال الأخلاقيّة (الفضائل) (19).
وذاك المثل الأعلى هو الشخص الأوحد في كلّ زمانه ، المتفرّد بالفضائل الأخلاقيّة بالطول والعرض ، فالرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأوصياء من بعده هم أصحاب تلك المنزلة الرفيعة ، وذاك المقام السامي في هذه الدنيا ، فهم الأولياء الكاملون في الإنسانيّة ، والرجال الأنوار في دنيا الإسلام ، ومثلُهُ العليا بالفضائل وحسن الشمائل.

مميزات الفاعل الأخلاقي

إذا اقتصرنا بالنسبة لما نحن فيه هنا على ما يرجع حصراً إلى الفاعل الأخلاقي من حيث أنّه فاعل واعٍ ومسؤول وجدير ، ألفينا أنّ لمفهومي الفضيلة والرذيلة تاريخاً ثقافيّاً فائق التنوّع ، يواكب تطوّر الوقائع الأخلاقيّة ، والأفكار والنظريات المفسّرة على الصعيد الأسطوري والديني والفلسفي ، نخلص منه كلّه إلى أنّ الفضيلة على مستوى الفاعل : هي استعداد خاصّ للقيام بواجب معيّن ، أو عمل صالح معيّن ، وعكسها الرذيلة.
بل هي بقول أدق : الاستعداد الدائم لإرادة الخير ، وإعادة صنعه (الخير) (20).
ويذهب أحدهم إلى القول : إنّ الإنسان الكامل هو الذي لم تفته فضيلة ، ولم تشنه رذيلة ، وهذا الحدّ قلّما ينتهي إليه إنسان ، فإذا انتهى الإنسان إلى هذا الحدّ كان بالملائكة أشبه منه بالناس ؛ فإنّ الإنسان مضروب بأنواع النقص ، مستولى عليه وعلى طبعه بضروب الشرّ ، فقلَّما يخلص من جميعها ، أو تسلم نفسه من كلّ عيب ومنقصة ، وتحيط بكلّ فضيلة ومنقبة.
إلاّ إنّ الإنسان التامّ (الكامل) ، وإن كان عزيزاً بعيد التناول ، فإنّ صدقت عزيمته ، وأعطى الاجتهاد حقّه ، كان يقيناً أن ينتهي إلى غايته التي هو متهيّئ لها ؛ ويصل إلى بغيته التي تسمو نفسه إليها.
فأمّا تفصيل أوصاف الإنسان التامّ فهو الذي يكون :
ـ متيقّظاً لجميع معايبه.
ـ متحرزاً من دخول نقص عليه.
ـ مستعملاً لكلّ فضيلة.
ـ ومجتهداً في بلوغ الغاية.
ـ وعاشقاً لصور الكمال.
ـ مستلذّاً لمحاسن الأخلاق.
ـ متيقّظاً في الأصل.
ـ متبغّضاً لمذموم العادات.
ـ معنيّاً بتهذيب نفسه.
ـ غير مستكثر لما يقتنيه من الفضائل.
ـ مستعظماً اليسير من الرذائل.
ـ مستصغراً للرّتبة العليا.
ـ مستحقراً للغاية القصوى.
ـ يرى التمام دون محلّه ، والكمال أقلَّ أوصافه (21).
والإنسان بالمطلق مسؤول عن أفعاله وتصحيح أعماله ؛ لأنّها ناتجة عن إرادة واختيار كامل منه ، وهذا هو بالضبط ما نطلق عليه فلسفة التكليف الربّاني للإنسان الذي يلحقه الثواب للمحسن ، والعقاب للمسيء.
إذاً ، فالفعل الذي يفعله الإنسان بإرادته واختياره يكون على قسمين :
1 ـ أخلاقي : وهو الذي يكون مظهراً للخلق الصحيح ، والذي يكون صدوره بإشارة العقل وإرشاده ، وهذا هو الذي يجب أن تكون غايته الكمال الإنساني المطلق ، ولا يصل إليه إلاّ المعصوم.
وإذا أعقبت هذا النوع من العمل لذّة فهي شيء آخر يصحب الغاية ، يتقدّم عليها أو يقارنها في الوجود.
2 ـ غير أخلاقي : وهو الذي لا يعدُّ كذلك (ما سبق). وفي هذا الصنف من الفعل الاختياري قد تكون الغاية هي اللذّة ، وقد تكون الغاية هي الكمال ، وقد تكون شيئاً يتوهّمه الفاعل كمالاً.
وسواء ثبت أنّ اللذّة بمطلقها خير أم لم يثبت ، فلا يسعنا التصديق بأنّ السعادة هي اللذّة ما دامت السعادة هي الخير الأعلى ، وكان أكثر اللذّات مصحوباً بالألم.
والسعادة : هي الخير الأعلى ، كما تعرّفها الخاصّة. وهذا ما تفهمه العامّة من معناها أيضاً. وإذا تجددّ بين الفريقين اختلاف بعد ذلك فإنّما هو في تعيين أفراد الخير الأعلى.
لأنّ الخاصّة تعرف من الخير الأعلى مثالية سامية لا تدركها عقول العامّة ، وللعامّة في تحديده رأي قصير لا تذعن له الخاصّة.
لأنّ العامّة تدرك من الخير الأعلى معنىً بسيطاً تحدّده لها أنظار بسيطة ، بحيث ترى أنّ السعادة هي الثروة والمال ، والصحة والرفاه ؛ لأنّها لا تعرف من الخير الأعلى غير هذا وما يشبهه ، والخاصَّة لا ترى في ذلك ما يسمّى كمالاً ؛ ولا تعدُّ الحصول عليه سعادة إلاّ إذا كان للسعادة معنى آخر.
وكمال النفس عند هؤلاء ارتقاؤها إلى المراتب العقلية الرفيعة ، واستيفاؤها حظّها من الإنسانيّة الكاملة ، وبين هاتين الطائفتين طبقات متوسطة تعرف من الكمال ومن الخير الأعلى غير ما يعرفه هؤلاء جميعاً فتكون السعادة عندهم شيئاً آخر (22).
وأرسطو يقول في تعريف الخير : (الخير : هو موضوع جميع الآمال).
ويقول فيلسوف آخر : (الخير : ما يتشوّقه الجميع).
ويقول ثالث : (هو ما يقصده الجميع في أعمالهم).
والملاحظ لهذه التعاريف يجد أنّ بينها فروقاً واضحة ، إلاّ أنّها تجتمع على الجهة التي ذكرت آنفاً.
ولفظ الخير عند الخلقيين القدماء يحكي معنيين متناسبين ، وللتفرقة بينهما يصفون أحدهما بالخير المطلق ، والثاني بالخير المضاف.
والتعاريف المتقدّمة تحدّد الخير بالمعنى الأوّل (المطلق) ، وأمّا الخير المضاف فإنّه كلّ وسيلة توصلنا إلى الخير المطلق. والفارق بينهما هو الفارق بين الوسيلة والغاية ، أو بين الغرض الأدنى والغرض الأقصى (23).

الإرادة الإنسانيّة الكاملة

والإنسان في هذه الحياة يسير في دروبها مستخدماً عقله الذي أنعم الله عليه به ، متسلّحاً بإراداته الجبّارة ، إمّا في طريق الفضائل والكمالات ، أو في طريق الرذائل والسفالات ، وصدق ربّنا الجليل حيث يقول : (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (24).
لأنّ الإرادة عزيمة في الإنسان يوجد بها ما يروم ، ويدفع بها ما يكره ، ولها بسائر القوى الإنسانيّة أسوة ، فهي تتّصف بالقوّة والضعف.
وقوي الإرادة هو الإنسان العظيم الذي يأتي بالعُجاب ، ويفعل ما يشبه المعجزات ، إذا أحسن توجيه إرادته إلى أعمال الخير ومحاسن الصّفات ، أمّا إذا توجّه بها إلى أعمال الشرّ فإنّه يجرّ على نفسه نقصاً آخر لا يقلّ خطراً عن ضعف الإرادة (25).
والمدقّق يلاحظ أنّ الرذائل الخلقية جراثيم فتّاكة يجب دفعها عن النفس مهما أمكن الدفع ، وسموم قاتلة يلزم الحذر منها ما أمكن الحذر ، وجميع النقائص الخلقية في هذا الحكم على السَّواء ، ولا فرق بين القوي منها والضعيف ، والأوّل والآخر ، والحكمة في تقديم بعضها على البعض مختلفة جدّاً.
فمن الناس مَنْ يكون قوي الإرادة ، حازم النفس ، ومن الخير لهذا الصنف من الناس أن يبتدئ بإصلاح جميع ملكاته دفعة واحدة.
ومن الناس مَنْ يكون ضعيف الإرادة ، واهن النفس ، فاتر الهمّة ، ومن الصواب له أن يبتدئ بإصلاح الضعيف من صفاته ؛ ليتمرَّن به على جهاد القوي (26).
وهذا الذي سمَّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (الجهاد الأكبر ، جهاد النفس) (27).
فمجاهدة النفس لإصلاح المفاسد فيها ، أو كبح جماح الناشز من صفاتها السبعية والبهيمية ، فهذا أعظم من كلّ جهاد في هذه الحياة.
وجهاد النفس أكبر جهاد ؛ لأنّها أعدى الأعداء للإنسان كما في الرواية الشريفة : «أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك» (28).
والعاقل الفطن يجب أن يُحارب العدوّ الأقرب والأخطر الذي يكون ضرره أعظم ، وفتكه أكبر بذات الإنسان ، وهل يهلك الإنسان ويلقيه على منخريه في النار إلاّ نفسه الأمارة بالسوء!
وعلى الإنسان أن يوجد التوازن المطلوب في ملكاته الخلقية ؛ لأنّ الفلاسفة والحكماء قالوا : فضائل الملكات أوساط ، ورذائلها أطراف وانحرافات.
هذا قول أرسطو ، وهو صحيح ، ويؤيّده ما جاء في تعاليم ديننا الحنيف ، وأقوال علمائنا الكبار ، وسلفنا من الأبرار الذين قالوا : إنّ الفضيلة وسط بين رذيلتين ؛ هما الإفراط والتفريط. فالإفراط : رذيلة بجهة الإيجاب. والتفريط : رذيلة بجهة السلب.
وربّنا سبحانه وصف هذه الأُمّة بالوسيطة ، فهي أُمّة وسطى للشهادة على الأُمم ، أي الأُمّة المعتدلة الثابتة على الوسط ، فلا تميل إلى جهة دون جهة ؛ لأنّ الميلان والانحراف والزيغ كلّه رذائل ، نهى عنها ربّنا الكريم ورسولنا العظيم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمّتنا الأطهار عليهم‌السلام ، وعلماؤنا الأبرار منذ القديم وإلى هذا اليوم. قال تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (29).
وكلّ شيء عندنا يجب أن يُصبغ بصبغة الدين الذي هو عند الله الإسلام ، ولا يمكن أن يُنظر إلى مسألة من المسائل بانعزال عن هذا الأساس الإلهي ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : «أوّل الدين معرفته» (30).
أي أنّ أوّل التديّن وبدايته أن نعرف الله سبحانه وتعالى ، وبعد ذلك نتعرّف على كلّ شيء بالله ، فكما أنّ «أوّل الدين معرفته» حيث تشكّل معرفة الله سبحانه الحجر الأساس للدين ، فكذا معرفة الله تشكّل الحجر الأساس للإنسانيّة ، ولا معنى للإنسانيّة ولا للأخلاق من دون معرفة الله تعالى.
وعندما ندخل إلى أجواء التربية الدينية لديننا ، نجد أنّ هذه المفاهيم (الخلقية) ليست فارغة ، وإنّما هي مليئة ، كالحقّ والعدالة ، والسّلام والتعايش ، والعفّة والتقوى ، والعفوية والصدق ، والاستقامة والأمانة ، فكلّها ألفاظ مليئة بالمعاني ولها منطلق وأساس.
والموضوع المهم هو : على أساس أيّ منطق يمكننا أن نبني الأخلاق؟ أيمكننا أن نجد للأخلاق منطقاً استدلالياً فلسفياً بعيداً عن طريق معرفة الله؟ كلاّ لا يمكن ؛ لأنّ الخلفية والرصيد لجميع هذه المفاهيم هي معرفة الله (والإيمان به) ، وإذا فُقد الإيمان أصبحت الأخلاق كقطعة نقود لا رصيد لها ، قد يكون البعض غير ملتفت إلى هذا الأمر ، ومنهجه عندئذٍ لا يكون مبنيّاً على أساس محكم.
ألم يكن الغربيون ـ ولا سيما الفرنسيون ـ أوّل مَنْ نشر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، ولكن أين كان هذا الإعلان أيّام الحرب العالمية الأولى والثانية؟!
ألم تكن هناك حقوق للإنسان في هذه المجالات؟ وأين هم كلّ الذين يتبجّحون اليوم بحقوق الإنسان ، وهم يدمّرون كلّ شيء يتعلّق بالإنسان وإنسانيّة الإنسان ، حتّى صار يحسد الحيوان ويتمنّى طعامه وكسوته؟!
هذا ما يحدث في عصرنا ونراه بأُمّ أعيننا ، في كلّ لحظة شيء جديد عن جرائم تُرتكب بحقّ الإنسان باسم حقوق الإنسان ، لماذا؟! لأنّ أقوالهم لم تكن مبنيّة على أساس رصين ، كما يقول الله سبحانه في كتابه المجيد : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) (31).
عندما تنظر إلى أقوالهم وكتبهم وإعلاناتهم يستولي عليك العجب وتفرح لهذه المواقف الرفيعة ، لكنّك لا تدري إذا جاء وقت الامتحان واستولى عليهم العناد ماذا يفعلون ، (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) (32).
إنّ الذّات في الدين لا تعرف الحدود ، أي أنّ الفضائل الأخلاقيّة لا حدود لها ، والأخلاق الدينية لا تفرّق بين المتديّن وغيره ، يقول الله تعالى في محكم كتابه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) (33).
فالشهادة يجب أن تؤدّى لله وإن كانت في ضرر الشاهد ، أو أبويه أو أقاربه. هذا هو موقف الدين الحنيف ، وما أكثر القصص العجيبة التي تتحدّث عن آثار مثل هذه الآيات في حياة المسلمين على مرِّ السنين.
فخلاصة ما تقدّم أنّ أساس الفضائل الأخلاقيّة هو معرفة الله تعالى ، ثمّ التخلُّق بأخلاق الباري (عزّ وجلّ).
المصادر :
1- معجم مقاييس اللغة 2 : الآية 214 بتصرف.
2- المعجم الوسيط 1 ص 252 بتصرف.
3- الأخلاق عند الإمام الصادق عليه‌السلام ص 13.
4- تحف العقول ص 176.
5- الفلسفة الأخلاقيّة ص 11.
6- الأخلاق عند الإمام الصادق عليه‌السلام ص 6.
7- الفلسفة الأخلاقيّة ص 11.
8- المصدر السابق ص 12.
9- تحف العقول ص 285.
10- الفلسفة الأخلاقيّة ص 15.
11- مستدرك الوسائل 11 ص 187 ح12701 ، بحار الأنوار 68 ص 382 ، مكارم الأخلاق ص 8.
12- الأخلاق عند الإمام الصادق عليه‌السلام ص 8.
13- الفلسفة الأخلاقيّة ص 16.
14- الفلسفة الأخلاقيّة ص 25 ـ 26.
15- الكلّيات ـ لأبي البقاء ص مادة : الغاية.
16- المفردات الفلسفية ـ إدمون غوبلو ص مادة الغاية.
17- سورة الأحزاب : الآية 21.
18- لالاند ، المصدر السابق : الآية مادة المثل الأعلى.
19- الفلسفة الأخلاقيّة ص 31.
20- المصدر نفسه ص 55.
21- رسائل البلغاء ـ تصنيف محمّد كرد علي ص 512.
22- الأخلاق عند الإمام الصادق عليه‌السلام ص 25.
23- الأخلاق عند الإمام الصادق عليه‌السلام ص 27.
24- سورة الإنسان : الآية 3.
25- الأخلاق عند الإمام الصادق عليه‌السلام : الآية 41.
26- الأخلاق عند الإمام الصادق عليه‌السلام ص 71.
27- الكافي 5 ص 12 ح3.
28- موسوعة البحار 67 ص 36.
29- سورة البقرة : الآية 142.
30- نهج البلاغة ـ الخطبة الأولى.
31- سورة البقرة : الآية 204.
32- سورة البقرة : الآية 205.
33- سورة النساء : الآية 135.

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.