إن الشيعة قاطبة تعتقد بأفضليّة النبي صلى الله عليه وآله على سائرالكائنات وهو سيد البشر وائمتنا عليهم السلام إنما هم ورثة علمه وليسوا في درجته فضلاً عن كونهم افضل منه ولا ندري کيف يسمح منصف لنفسه بأن يرمي الشيعة بالاتهام الباطل ولا يراعي ابسط الاداب الاخلاقيّة في البحث والمناظرة ، وكان ينبغي عليه ان يستفهم ويسأل ليبيّن له المراد لا انه يفهم الكلام فهماً خاطئاً ويضيف اليه الاباطيل من عنده ويتّهم بالكفر والفساد كما هي عادته دائماً .
إنّ انتخاب الائمة تمّ على يد الرسول من قبل الله ، وأي ضير في ذلك إذا كان الدليل قام على ذلك . ان النبي صلى الله عليه وآله يقول : « الائمة اثنا عشر كلّهم من قريش » (1)
وقد عيّنهم النبي صلى الله عليه وآله ونصّ على إمامتهم والرسول صلى الله عليه وآله (لا ينطق عن الهوى إن هو الاّ وحي يوحى) (2) فما المانع من ذلك . ونؤكّد انّ اختيار الائمة عليهم السلام لا على أنّهم انبياء بل هم خلفاء من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وليس الائمة يتلقّون الوحي كما هو الحال عند النبي صلى الله عليه وآله بل الائمة يعرفون الاحكام التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله ويعلمونها الناس لأنّهم اعلم الناس بأحكام الله تعالى بعد النبي صلى الله عليه وآله وفيما تقدم أشرنا الى بعض ما ورد في حق امير المؤمنين عليه السلام ، وابناؤه من بعده على هذا النحو ، ولهذا كان ائمتنا على مر التاريخ هم المرجع للناس وللعلماء حتى قال ابو حنيفة ( لولا السنتان لهلك النعمان ) (3)
وقال مالك ( ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد)(4)
نحن نتحدّى اي شخص ان يدلّنا على مصدر من مصادر الشيعة ذكر فيه ان الامامة هي النبوّة ، أو انّ المفهوم عندهم من الامامة هو النبوة ، إنّ الامامة عندهم هي الرئاسة الدينية والخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله للحفاظ على الاحكام وتبليغها الى الناس .
معنى العصمة في عقيدة الشيعة هي : لطف يفعله الله تعالى بالانسان لا يكون له مع ذلك داع الى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك ، وهذه المعصية تشمل جميع الملائكة والأنبياء وائمة اهل البيت عليهم السلام فلا تصدر عنهم العصمة سواء كانت صغيرة او كبيرة عمداً أو سهواً ويعتقدون انّ السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام ايضاً كذلك ، ولهم على ذلك أدلّة عقليّة ونقليّة مبثوثة في كتبهم العقائديّة .
وقد تقدم فيما سبق ان اشرنا الى انّ آية التطهير وآية المودّة وآية المباهلة وغيرها من الآيات التي يستدلّ بها الشيعة على عصمة ائمتهم عليهم السلام ونضيف هنا انه اذا كان الائمة عليهم السلام هم الخلفاء بعد الرسول صلى الله عليه وآله وعلمنا ايضاً ان الخلافة إنّما هي من قبل الله تعالى على يد النبي صلى الله عليه وآله وهم يتولّون مهمة ايصال التعاليم الالهيّة والتعريف بأحكام الله الى الناس فمن الطبيعي ان يكون القائم بهذه المهمّة معصوماً ولو لم يكن معصوماً لكان ذلك نقضاً للغرض .
ولا يمكن الوثوق بأقواله وأفعاله ولو جاز ان تصدر عنه المعاصي لما أمكن الاعتماد عليه في سيرته ولا يمكن الركون اليه فكما ان النبي صلى الله عليه وآله معصوم عن ارتكاب الصغائر والكبائر من الذنوب عمداً وسهواً فكذلك خلفاؤه الذين عينهم الرسول بأمر الله خلفاء من بعده وامّا عصمة الزهراء عليها السلام ففيه لكونها أحد افراد آية التطهير مضافاً الى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله مما رواه علماء السنة في كتبهم عن النبي صلى الله عليه وآله « فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن أبغضها فقد أبغضني » (5)
وقوله صلى الله عليه وآله « يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها » « فاطمة سيدة نساء العالمين » (6)
فاذا كان ايذاء الزهراء إيذاء للنبي صلى الله عليه وآله فما ذلك الا لأن الزهراء عليها السلام لا تقول الاّ الحق ولا تفعل الاّ الحقّ دائماً وأبداً ، وهذا هو معنى العصمة ، فإن مفهوم العصمة الذي ذكرنا تعريفه هو عبارة عن الالتزام بجادة الحق وعدم الانحراف في القول والعمل ، واذا كان الله تعالى يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضى فاطمة ، فما ذلك الا لأن فاطمة عليها السلام لا تفعل الاّ ما يرضى به الله ، ولا تقول الا ما يرضى به الله ، ومعنى ذلك أن قولها وفعلها على طبق الحق ، وهذا هو معنى العصمة.
ثمّ إن البعض ينكر علينا هذا الاعتقاد في أئمّتنا عليهم السلام وقد قامت الادلّة من القرآن الكريم واحاديث النبي صلى الله عليه وآله كحديث الثقلين الذي يدلّ على عصمة العترة حيث قرنهم النبي صلى الله عليه وآله بالقرآن ونحن نعلم ان القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فكذلك العترة ، والاّ فلا معنى لأن يأمر النبي بالتمسّك بهم لو كان يحتمل في حقهم ارتكاب الخطأ.
نقول : إنّ من ينكر علينا ذلك وهو اعتقادنا في أئمتنا عليهم السلام والسيدة الزهراء عليها السلام بضعة النبي صلى الله عليه وآله ومجموع عددهم ثلاثة عشر نفراً الائمة الاثنا عشر مع السيدة الزهراء في حين انه يثبت العصمة الى جميع صحابة النبي صلى الله عليه وآله بلا استثناء ويرى انّهم كلهم على الحقّ .
مع ان الواقع التاريخي يكذب هذا الادعاء ، فكيف باء هذا تجرّ وباؤنا لاتّجر ، غير انّه يلقي الكلام على عواهنه من دو تدبّر او تفكير ، ونحن اذ ندّعي العصمة لائمّتنا عليهم السلام والسيدة الزهراء عليها السلام نقيم على ذلك الادلّة العقليّة والنقليّة ونتحدّاه ان يثبت ان احد ائمتنا ارتكب ذنباً من الذنوب او معصية من المعاصي ، وليقف على تراجمهم وتفاصيل حياتهم مما كتبه علماء السنة ليرى هذه الحقيقة الثابتة التي لا ينكرها الاّ جاهل او مغرض.
وقد أسمعت لو ناديت حيّاً * ولكن لا حياة لمن تنادي
الشيعة ومعجزات الائمة عليهم السلام
ان المعجزة هي : ثبوت ما ليس بمعتاد او نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوى (7) .
وذلك بإقدار من الله تعالى ، وهيك ما تجري على أيدي الانبياء عليهم السلام كذلك تجري على ايدي بعض الصالحين ، وقد تحدّث القرآن الكريم عن ذلك في قصّة مريم عليها السلام واصحاب الكهف وآصف بن برخيا الذي جاء بعرش بلقيس في اقلّ من لمح البصر ، هذا مذهب الامامية ويشاركهم في هذا المذهب ايضاً الاشاعرة وجماعة من المعتزلة.
ونتيجة ذلك انّ المعجزة ليست خاصّة بالانبياء عليهم السلام كما يدعي البعض ، فلا مانع من ثبوتها للائمة عليهم السلام تصديقاً لدعواهم الامامة وتاييداً لهم من قبل الله تعالى ، وقد ثبت عن ائمتنا انّهم اقاموا المعجزات من الاخبار بالمغيبات وغيرها من خوراق العادة وقد روي عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال : سلوني قبل ان تفقدوني ، فوالله لا تسألوني عن فئة تضلّ مائة او تهتدي مائة الاّ نبّأتكم بناعقها وسائقها وقائدها الى يوم القيامة (8).
واخبر بقتل ذي الثدية من الخوارج ، وبصلب ميثم التمار وأراه النخلة التي يصلب عليها ، وبقتل ولد الحسين عليه السلام في كربلاء وغيرها من الحوادث والوقائع التي أخبر عنها قبل وقوعها فليس هناك ما يمنع عقلاً او نقلاً عن صدور المعجزة عن الائمة عليهم السلام بل لابد من صدور المعجزة على يد الامام المعصوم عليه السلام كما ثبت ذلك بالدليل العقلي والنقلي.
قد اجبنا في ما تقدم عن هذه الفرية ، ونضيف هنا اننا لا ندعي لائمتنا النبوة فقد ختمت الرسالات السماوية بخاتم الانبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وآله وقد ذكر ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى : (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) (9)
واشار اليه النبي صلى الله عليه وآله في الحديث المروي عنه « يا علي انت منّي بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي » (10)
وإنما دعوانا وعقيدتنا ان الائمة عليهم السلام خلفاء للرسول صلى الله عليه وآله ونوّاب عنه في ايصال الاحكام الى الناس والمحافظة على الدين من عبث العابثين ، وقد نص النبي صلى الله عليه وآله على خلافتهم وإمامتهم من بعده وليس معنى هذا هو دعوى النبوة ونعتقد ايضاً ان الوحي لا ينزل على الائمة كما ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وقد كذب هذا هؤلاء في نسبة ذلك الى الشيعة وليته ذكر مصدراً من مصادر الشيعة قالوا فيه بذلك.
ثمّ لا يخفى انّ هکذا مفتر يكذب القرآن من حيث يشعر او لا يشعر اذ يقول انه لا يمكن نزول الوحي على ايّ شخص ما لم يتعين بهذه الميزة اي النبوة والحال ان القرآن الكريم ذكر مخاطبة الملائكة لمريم عليها السلام ونزول الملك عليها ، فقال تعالى : (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين) (11)
وقال تعالى : (إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله يبشّرك بكلمة منه) (12)
وقال تعالى : (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً فاتخذت من دونهم حجاباً فسأرسلنا اليها روحانا فتمثل لها بشراً سوياً قالت إني اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقياً قال انما انا رسول ربّك لأهب لك غلاماً زكياً ...) (13)
وقال تعالى في قصة ام موسى (وأوحينا الى ام موسى ان أرضعيه ...) (14)
وقال تعالى : (ولقد مننا عليك مرة اخرى إذ اوحينا الى امّك ما يوحى) (15)
فكيف لهذا المفتري ان ينكر ذلك وهل هذا الاّ تكذيب للقرآن وردّ على كتاب الله.
كان ينبغي على المعاند ان ينقل العبارات كاملة ثم يوجّه نقده اما انه يبتر الكلام ويأتي ببعض ويترك بعضاً فذلك إخلال بالمعنى وعلى اي حال فجوابنا انّ الائمة عليهم السلام في عقيدة الشيعة هم خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله وليسوا بأنبياء ومهمّتهم ابلاغ الاحكام وتعليم الناس ـ كما قلنا ذلك تكراراً ومراراً ـ فإنّ الناس كانوا حديثوا عهد بالاسلام ، ومنهم من أسلم ولم يتعمّق الاسلام في قلبه ، فكان بحاجة الى مرشد وموجّه ومعلّم بعد النبي ، ولابد ان يكون المعلم والمرشد عالماً بالشريعة وأسرارها ، فكان الائمة عليهم السلام هم الملاذ والمرجع للناس في معرفة الاحكام ، وقد كان في زمان الصحابة امير المؤمنين عليه السلام هو المرجع للمسلمين ، فكانوا يرجعون اليه في معرفة الاحكام ، وقد نقل الرواة كثيراً انّ عمر قال في أكثر من موضع كلمته المشهورة [ لولا علي لهلك عمر ] (16)
وبعد زمان الصحابة كان الائمة من اولاد علي عليه السلام هم المرجع للمسلمين وقد ذكرنا ما كان عليه الامام الصادق عليه السلام حيث تتلمذ عليه ابو حنيفة سنتين ، حتى قال [ لولا السنتان لهلك النعمان ] (17)
وكانت للامام الصادق عليه السلام مدرسة كبرى يقصدها طلاّب العلم في مختلف العلوم ويستفيدون من علمه حتى شهد علماء السنة بذلك.
هذه الشيعة منتشرة في بقاع العالم هل وجدوهم يصلّون الى غير القبلة وهي الكعبة ؟ وهل وجدهم يحجّون الى غير مكة المكرمة ؟ وهل وجدهم يصومون غير شهر رمضان ؟ وهل وجدهم يتوضّؤن بغير الماء ؟ هل وجدهم في اعمالهم العباديّة والمعاملاتيّة على خلاف سائر المسلمين ؟
ان الاختلافات الجزئية امر طبيعي بين الناس لاختلاف الآراء والانظار ، فكيف يصرّون على تعميق الخلاف ويدّعي الدعاوي الباطلة بلا أساس.
المصادر :
1- الجامع الصحيح للترمذي : ج 4 ص 501 باب ما جاء في الخلفاء دار احياء التراث العربي .وراجع ايضاً كنز العمال : ج 12 ص 32 مؤسسة الرسالة ، الطبعة الخامسة . وراجع سنن ابي داود : ج 4 ص 106 ح 4280 و 4281 .
2- سورة النجم ، الآية 3 و 4 .
3- الامام الصادق والمذاهب الاربعة لاسد حيدر : ج 1 ص 70 منشورات مكتبة الصدر طهران ، ط / 4 سنة 1413.
4- نفس المصدر السابق : ج 1 ص 53 .
5- مستدرك الحاكم : ج 3 ص 158.
6- ينابيع المودة : ج 1 ص 203 انتشارات الشريف الرضي ، الطبعة السابعة.
7- كشف المراد في تجريد الاعتقاد ـ المقصد الرابع ـ المسألة الرابعة : ص 275 منشورات مكتبة المصطفوي ـ قم .
8- سلوني قبل ان تفقدوني ، للشيخ محمد رضا الحكيمي : ج 2 ص 176 ، مكتبة الصدر ، طهران ، طبعة 1400 هـ .
9- سورة الاحزاب ، الآية 40.
10- صحيح مسلم بشرح النووي : ج 8 ص 175 ، دار الفكر ـ بيروت.وراجع صحيح البخاري : ج 4 ص 162 ، كتاب المغازي ، دار المعرفة ـ بيروت ، ومسند احمد بن حنبل : ج 1 ص 179 وج 3 ص 32.
11- سورة آل عمران ، الآية 42.
12- سورة آل عمران ، الآية 45.
13- سورة مريم من الآية 16 ـ 19.
14- سورة القصص ، الآية 7 .
15- سورة طه ، الآية 37 .
16- ينابيع المودة لذوي القربى : ج 1 ص 227 تحقيق السيد علي جمال اشرف الحسيني ، الطبعة الاولى ، دار الاسوة للطباعة ، وراجع ايضاً كتاب سلوني قبل ان تفقدوني للحكيمي : ج 2 ص 215 ، مكتبة الصدر ـ طهران.
17- الامام الصادق والمذاهب الاربعة : ج 1 ص 70 ، مكتبة الصدر.