الامام الحسين عليه السلام في کنف الرسالة

وُلِدَ الامام الحسينُ (عليه السّلام) وجدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله) منهَمكٌ في بثّ الرسالة الإسلاميّة ، والدولة آخذة بالأوج والرفعة ، والرسولُ القائدُ لا ينفكّ يدبّر اُمورها ، ويرعى مصالحها ، ويُعالج شؤونها ، ويخطّط لها.
Thursday, March 16, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الامام الحسين عليه السلام في کنف الرسالة
الامام الحسين عليه السلام في کنف الرسالة

 






 

وُلِدَ الامام الحسينُ (عليه السّلام) وجدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله) منهَمكٌ في بثّ الرسالة الإسلاميّة ، والدولة آخذة بالأوج والرفعة ، والرسولُ القائدُ لا ينفكّ يدبّر اُمورها ، ويرعى مصالحها ، ويُعالج شؤونها ، ويخطّط لها.
فالحسين السبط الذي يدور في فلك جدّه الرسول ، ويجلس في حجره ، ويصعد على ظهره ، ويرتقي عاتقه وكاهله لا بُدّ وأن يمتلئ بكلّ وجوده من كلام الرسول (صلّى الله عليه وآله) وحديثه ؛ فهو يسمع كلّ ما يقول ، ويرى كلّ ما يفعل ، وقد عاشر جدّه سبعاً من السنين تكفيه لأنْ يعيَ منه الكثير من الأُمور التي تعدّ في اصطلاح العلماء «حديثاً» لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) و «سُنّة» له.
وقد ابتدأ ابن عساكر برواية بعض الأحاديث التي سمعها من جدّه ، وأوَّل حديث ذكره هو :
1 ـ قال (عليه السّلام) : «سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : ما من مسلم ولا مسلمة يُصاب بمصيبة وإن قدم عهدها ، فيُحدِث لها استرجاعاً إلاّ أحدَثَ الله له عند ذلك ، وأعطاهُ ثوابَ ما وعده عليها يوم أُصيبَ بها».
أَوَمن القَدَرِ أن يكون هذا أوّل حديث يُروى في ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام)؟! أو أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) أراد أنْ يلقّنَ الحسين في أوّل دروسه له درساً في الصبر على المُصيبة التي تكون قطب رحى سيرته ، ومقرونة باسمه مدى التاريخ؟!
إنّ في ذلك ـ حقّاً ـ لَعِبْرةً.
وحديث آخَر نقله ابن عساكر في ترجمة الإمام (عليه السّلام) :
2 ـ قال : «إنّ أبي حدّثني ـ يرفع الحديث إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ـ أنّه قال : المغبون لا محمود ولا مأجور» (1).
وهذا درس نبويّ عظيمٌ ؛ فإنّ عمل الإنسان لدنياه يستتبع الحمدَ ، وعمله لآخرته يستتبع الأجر ، والأعمال بالنيّات.
أمّا أنْ يُحتالَ عليه ويُغبَنَ ، فيؤخذَ منه ما لا نيّة له في إعطائه ، فهذا هو المغبون الذي لا يُحمد على فعله إن لم يُعاتَبْ ، ولا يؤجرَ على شيء لم يقصد به وجه الله والخير ، بل هو أداةٌ لتجرّؤ الغابنين واستهتارهم ، كما يؤدّي إلى الاستهزاء بالقِيَم واستحماق الناس.
ففي الحديث دعوة إلى التنبُّهِ والحذر واليقظة حتّى في الأُمور البسيطة الفردية ، فكيف بالأُمور المصيريّة التي ترتبط بحياة الاُمّة؟!
إنّ في ذلك ـ أيضاً ـ عِبْرةً لقّنها الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) لحفيده الحسين (عليه السّلام).

بيعة الرسول (صلّى الله عليه وآله)

الّذين لم يبلغوا الحُلُمَ لم يُكلَّفوا في الدين الإسلامي بما يشقُّ عليهم ، ولم يُعامَلوا إلاّ بما يلائم طفولتهم من الآداب.
فأمرٌ مثل «البيعة» التي تعني الالتزام بما يَقع عليه عقدها ، لا يصدُر إلاّ من الكبار ، لأنّها تقتضي الوعيَ الكاملَ ، ومعرفة المسؤولية والشعور بها ، وتحمّل ما تستتبعه من أُمور ، وكلّ ذلك ليس للصغار قبل البلوغ فيه شأن.
إلاّ أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ميّز بعض مَن كان في عمر الصغار من أهل البيت (عليهم السّلام) بقبول «البيعة» منهم.
وهذا يستلزم أنْ يكون عملهم بمستوى عمل الكبار ، وإلاّ لنافى الحكمة التي انطوى فعل الرسول (صلّى الله عليه وآله) عليها بأتمّ شكل وبلا ريب! فالمسلمون يربؤون بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) وحكمته أن يقوم بأمر لغو.
وجاء الحديث عن الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السّلام) أنّه قال : «إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) بايع الحسن والحسين ، وعبد الله بن عبّاس وعبد الله بن جعفر وهم صغارٌ لم يبلغوا».
قال : «ولم يبايع صغيراً إلاّ منِّا» (2).
وتدلُّ هذه البيعة على أنّ قلّة الأعوام في أولاد هذا البيت الطاهر ليستْ مانعةً عن بُلوغهم سنّ الرشد المؤهِّل للأعمال الكبيرة المفروضة على الكبار ما دام فعل الرسول المعصوم يدعمُ ذلك ، وما دام تصرّفهم يكشف عن أهليّتهم! وما دام الغيبُ والمعجز الإلهيّ يُبَيّن ذلك.
فليس صِغَر عمر عيسى (عليه السّلام) مانِعاً من نبوّته ما دام المعجِز يرفده في المهد يكلّم الناس صبيّاً ، وليس الصِغرَ في عمر الحسين (عليه السّلام) مانِعاً من أن يُبايعه جدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله).
10 ـ الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) يفعلُ
وَجَدَ الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) سبطَه الحسينَ يلعبُ مع غلمان في الطريق ، فأسرعَ الجدُّ أمامَ القوم وبسطَ يديه ليحتضنَه ، فطفق الحسينُ يمرُّ ها هنا مرّةً وها هنا مرّةً ، يُداعب جدّه ، يفرّ منه دلالاً كما يفعلُ الأطفال ، فجعلَ الرسولُ العظيم يُضاحكُهُ حتّى أخذه.
ذكر هذا في الحديث ، وأضاف الراوي له ، قال :
فوضع الرسول إحدى يديه تحت قفاه ، والأُخرى تحت ذقنه ، فوضع فاه على فيه فقبّله وقال : «حُسينٌ منّي وأنا من حُسين ، أحَبَّ الله من أحبَّ حُسيناً ، حُسينٌ سِبْط من الأسباط» (3).
إنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهو يحمل كرامة الرسالة وثقل النبوّة ، وعظمة الأخلاق وهيبة القيادة ، يُلاعب الطفلَ على الطريق. فلا بُدّ أن يكون لهذا الطفل شأنٌ كريمٌ وثقيلٌ ، وعظيمٌ ومهيبٌ ، مناسبٌ لشأن الرسول نفسه ، ويُعلن عن سبب ذلك فيقول : «حُسَينٌ منّي وأنا من حُسَين» ليؤكّد على هذا الشأن ، وأنّهما ـ الحسين والرسول (صلوات الله عليهما)
ومنظر آخر :
حيث الرسول (صلّى الله عليه وآله) الذي هو أشرف الخلق وأقدسهم ، فهو الوسيط بين الأرض وبين السماء ، فهو أعلى القِمَم البشريّة التي يمكن الاتّصال بالسماء مباشرة بالاتّصال بها.
ومَنْ له أنْ يرقى هذا المُرتقى العالي الرهيب؟
لا أحدَ غيرُ الحسنِ وأخيه الحسينِ ، فإنّهما كانا يستغلاّن سجود النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إذا صلَّى ، فيثبانِ على ظهره ، فإذا استعظم الأصحاب ذلك وأرادوا منعهما أشار النبي (صلّى الله عليه وآله) إليهم : «أنْ دعوهما».
ثم لا يرفع الرسول (صلّى الله عليه وآله) رأسه من سجوده حتّى يقضيا وطرهما ، فينزلان برغبتهما.
وفي نصّ الحديث :
فلمّا أن قضى الرسول الصلاةَ ، وضعهما في حجرهِ ، فقال :
«مَنْ أحبّني فليحبَّ هذين».
إنّ عملهما مع لطافته لا يستندُ إلى طفولة تفقد الوعي والقصد ، لأنّهما أجَلُّ من أن لا يُميّزا بينَ حالة الصلاة وغيرها ، وموقف الرسول العظيم تجاههما لا يستند إلى عاطفة بشريّة فهو في أعظم الحالات قرباً من الله.
فهما يصعدان على هذه القمّة الشمّاء وهو في حالة العروج إلى السماء ، فإنّ الصلاة معراج المؤمن ، والرسول (صلّى الله عليه وآله) سيّد المؤمنين.
فأيّ تعبير يمكن أنْ يستوفي وصف هذه العظمة وهذا العُلوّ وهذا الشموخ الذي لا يُشك في تقرير الرسول له ، وعدم معارضته إيّاه؟! بل إظهاره الرضا والسرور به.
وهل حَظِيَ أحَدٌ بعدَهما بهذه الحظوة الرفيعة؟
كلاّ لا أحد.
أمّا قبلهما ، فنعم.
أبوهما عليٌّ الذي هو خيرٌ منهما ، قد رَقِيَ ـ بأمْر من الرسول (صلّى الله عليه وآله) ـ ظهرَه الشريف يومَ فتح مكّة ، فصعدَ على سطح الكعبة وكسّر الأصنام.
وفي ذلك المقام قال الإمام(عليه السّلام) : «خُيِّلَ إليَّ لو شِئْتُ نِلْتُ اُفُقَ السماء» (4).
إنّ الشرف في الرُقيّ على ظهر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ـ وهو المثال المجسَّد للقُدس والعُلوّ ـ لا يزيد على شرف الصاعد إذا كان مثل عليٍّ والحسن والحسين ممّن هو نفس النبيّ أو فلذة منه.
وقد عبّر الرسول (صلّى الله عليه وآله) عن هذه الحقيقة في حديثه مع عمر لمّا قال :
رأيتُ الحسنَ والحسين على عاتقي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، فقلتُ : نِعْم الفرسُ تحتكُما! فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) : «ونِعْمَ الفارسان هُما» (5).
إنّه نَفْثٌ لروح الفروسيّة ، وتعبير عن أصالة الشرف بلا حدود.

الرسول (صلّى الله عليه وآله)

يقول ولاحظنا أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) ـ بعد أن يفعل ـ يقول :
«حسين منّي وأنا من حسين».
فأمّا أنّ الحسينَ من الرسول (صلّى الله عليه وآله) فأمرٌ واضحٌ واقعٌ ، فهو سبطه (ابن بنته) ، وَلَدَتْه الزهراءُ (عليها السّلام) وحيدةُ الرسول (صلّى الله عليه وآله) من زوجها عليٍّ (عليه السّلام) ابن عمّ الرسول.
ومع وضوح هذه المعلومة فلماذا يُعلنها الرسول؟ وماذا يريد أن يُعلن بها؟ هل هذا تأكيد منه (صلّى الله عليه وآله) على أنّ عليّاً (عليه السّلام) والد الحسين هو «نفسُ الرسول» تلك الحقيقة التي أعلنتها آية المباهلة .
أو أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) يريد أن يُمَهّد بهذه الجملة «حُسَينٌ منّي» لما يليها من قوله : «وأنا من حُسين»؟ تلك الجملة المثيرة للتساؤل : كيف يكون الرسول (صلّى الله عليه وآله) من الحسين (عليه السّلام)؟
والجواب : أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) لم يَعُدْ بعدَ الرسالة شخصاً ، بل أصبحَ مثالاً وَرمْزاً وأُنموذجاً ، تتمثّل فيه الرسالةُ بكلّ أبعادها وأمجادها ، فحياتُه هي رسالتُه ، ورسالتُه هي حياته.
ومن الواضح أنّ أيّ والد إنّما يسعى في الحياة ليكون له ولد كي يخلفَه ويحافظ على وجوده ليكون استمراراً له.
فهو يدافع عنه حتّى الموت ويحرصُ على سلامته وراحته ، لأنّه يعتبره وجوداً آخر لنفسه.
إذا كانت هذه رابطة الوالد والولد في الحياة المادّية ، فإنّ الحسين (عليه السّلام) قد سعى من أجل إحياء الرسالة المحمديّة بأكبر من ذلك ، وأعطاها أكثر ممّا يُعطي والدٌ ولَده ، بل قدّم الحسينُ في سبيل الحفاظ على الرسالة كلّ ما يملك من غال حتّى فلذات أكباده : أولاده الصغار والكبار ، وروّى جذورها بدمه ودمائهم.
فقد قدّم الحسين (عليه السّلام) للرسالة أكثر ممّا يقدّم الوالدُ لولده ، فهيَ إذن أعزّ من ولده ، فلا غروَ أن تكون هي «مِنهُ».
وقد ثبتَ للجميع ـ بعد كربلاء ـ أنّ الرسالة التي كانت محمّدية الوجود ، إنّما صارت حُسينيّة البقاء.
فالرسالة المحمّديّة التي مثّلتْ وجودَ الرسول (صلّى الله عليه وآله) كانت في العصر الذي كادتْ الأيدي الأُمويّة الأثيمة أن تقضيَ على وجودها قد عادتْ «من الحسين» ولذلك قال (صلّى الله عليه وآله) : «... وأنا من حسين».
ولم تقف تصريحاتُ الرسول (صلّى الله عليه وآله) في الحسين عند هذا الحدّ ، بل هناك نصوص أُخر تكشف أبعاداً عميقةً في العلاقة بين الحسين وجدّه ، وتبتني على أُسس ثابتة للاهتمام البالغ من الرسول (صلّى الله عليه وآله) بسبطيه الحسن والحسين (عليهما السّلام).
فممّا قال فيهما :
«الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا» (6).
حتّى كنّى أباهما عليّاً (عليه السّلام) : «أبا الريحانتين» وقال له :
«سلام عليك أبا الريحانتين اُوصيك بريحانتَيَّ من الدنيا ، فعن قليل ينهدّ ركناك ، والله خليفتي عليك» (7).
فلمّا قُبض النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال عليّ (عليه السّلام) : «هذا أحد الركنين».
فلمّا ماتت فاطمة (عليها السّلام) قال : «هذا الركن الآخر».
فبقى الحسنان نعم السلوة لعليّ بعد أخيه الرسول وبعد الزهراء فاطمة البتول ، يَسْتَرُّ (عليه السّلام) بالنظر إليهما ، ويتمتّع بشبههما بالرسول ، ويشمّهما كما كانا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) ريحانتيْهِ ، ويقول لفاطمة (عليها السّلام)
«ادعي لي بابنيّ» فيشمُّهما ويضمُّهما (8).
والحديث المشهور عنه (صلّى الله عليه وآله)
«الحسنُ والحسينُ سيّدا شباب أهل الجنّة» (9)
الذي رواه من الصحابة أبوهما عليّ (عليه السّلام) ، والحسينُ (عليه السّلام) نفسُه ، وابنُ عبّاس ، وعمرُ بن الخطّاب ، وابنُ عمر ، وابنُ مسعود ، ومالكُ بن الحويرث ، وحُذَيْفةُ بن اليمان ، وأبو سعيد الخُدْري ، وأنسُ بن مالك.
ونجد في بعض ألفاظ الحديث تكملة هامّة حيث قال الرسولُ (صلّى الله عليه وآله): «... وأبوهما خيرٌ منهما» (10).
وإذا كانت الجنّة هي مأوى أهل الخير ، وقد حتمها الله للحسنين ، وخصّهما بالسيادة فيها ، فما أعظم شأن من هُوَ خير منهما وهو أبوهما عليّ (عليه السّلام)! لكن إذا كان الحديث عن الحسنَيْن ، فما لأبيهما يُذكر ها هُنا؟!
إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) المتّصل بالوحي ، والعالِم من خلاله بما سيُحدثه أعداء الإسلام في فترات مظلمة من تاريخه ، من تشويه لسمعة الإمام عليّ (عليه السّلام) مع ما له من شرف نَسَبه ، وصهره من رسول الله ، وأُبوّته للحسن والحسين!
فإنّهم لم يتمكّنوا من تمرير مؤامراتهم على الناس إلاّ بالفصل بين السبطين الحسنين فيُفضّلونهما ، وبين عليّ فيضلّلونه!
لكنّ الرسولَ (صلّى الله عليه وآله) يوم أعلنَ عن مصير الحسنين (عليهما السّلام) ومأواهما في الجنّة ، وسيادتهما فيها ، أضاف جملة : «وأبوهما خيرٌ منهما» مؤكّداً على أنّ الّذين ينتمون إلى دين الإسلام ، ويقدّسون الرسولَ (صلّى الله عليه وآله) وحديثَه وسُنّته ، ويحاولون أن يحترموا آل الرسول وسبطيه ، لكونهما سيّدي شباب أهل الجنّة ، ولأنهما من قُربى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، مُتجاوزينَ «عليّاً» تبعاً لِما أملَتْ عليهم سياسةُ الطغاة البُغاة من تعاليم ...
إنّ هؤلاء على غير هَدْي الرسول ، إذْ مهما يكنْ للحسن والحسين (عليهما السّلام) من مؤهّلات اكتسبا بها سيادة الجنّة ، أوضحُها انتماؤهما إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، فهما سبطاه من ابنته الزهراء فاطمة (عليها السّلام) ; فأبوهما عليّ اكتسبَه بأنّه ابن عمّه نسباً ، وربيبه طفلاً ، ونفسه نصّاً ، وصهره سبباً ، وهو زوج الزهراء فاطمة (عليها السّلام) ، وهو خيرٌ منهما لفضله في السبق والجهاد ، وكلّ الذاتيّات التي منه أخذاها ، والتي جعلته أخاً وخليفة للنبيّ ، وكفؤاً للزهراء ، وأباً للحسنين ، وإماماً للمسلمين.
ومع وضوح هذا التصريح النبويّ الشريف فإنّ التَّعتيم المضلّل الذي كثّفه بنو أُميّة ، فملؤوا به أجواءَ البيئات الإسلاميّة مَنَعَ من انصياع الأُمّة لفضل عليّ (عليه السّلام) ، فهاهم يفضّلون الحُسَينَ وأُمَّهُ ، ويُحاولون غمط فضل عليّ ، وفصله عنهما! ففي الحديث ، قال مولىً لحُذيفة.
كانَ الحسينُ آخذاً بذراعي في أيّام الموسم ، ورجلٌ خلفَنا يقول : «الّلهمّ اغفر له ولأُمّه» فأطال ذلك.
فتركَ الحسينُ (عليه السّلام) ذراعي وأقبل عليه ، فقال : «قد آذيتنا منذ اليوم!
تستغفر لي ولأُمّي وتترك أبي!
وأبي خيرٌ منّي ومن أُمّي».
12 ـ الحسين والبكاء
روى ابن عساكر بسنده قال :خرج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من بيت عائشة فمرّ ببيت فاطمة ، فسمع حُسيناً يبكي ، فقال :
«ألم تعلمي أنّ بُكاءه يؤذيني» (11).
وقال (صلّى الله عليه وآله) لنسائه : «لا تُبكوا هذا الصبيّ» ـ يعني حسيناً ـ (12).
ولماذا يؤذيه بكاءُ هذا الطفل بالخصوص وكلّ طفل لا بُدّ أن يبكي؟ وإذا كان إنسانٌ رقيقَ العاطفة فلا بُدّ أن يتأذّى من بكاء كلّ طفل ، أيّ طفل كان ، فلماذا يذكر النبيّ العطوف الحسينَ خاصّة؟ لكنّ القضية التي جاءت في الحديث لا تتحدّث عن هذه العاطفة ، وإنّما تشير إلى معنىً آخر.
فبكاء الحُسين (عليه السّلام) يؤذي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لأنّه يذكّره بحزن عظيم سوف يلقاهُ هذا الطفل ، تبكي له العيون المؤمنة وتحزن له القلوب المستودعة حبّه.
وإذا كان الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) يتأذّى من صوت بكاء هذا الطفل وهو في بيت أبويه ، فكيف به إذا وقف عليه يوم عاشوراء في صحراء كربلاء وقد كظّه الظمأ ، يطلب جرعة من الماء؟!
وإذا كانت دمعةُ الحسين تعزّ على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن تجريَ على خده! فكيف بدمه الطاهر حين يُراقَ على الأرض؟!
إنّ أمثال هذا الحديث رموزٌ تُشير إلى الغيب ، وإلى معان أبعدَ من مجرّد العاطفة وأرقّ.
والأذى الذي يذكره النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أعمقَ من مجرّد الوجع وأدقّ.
وللبكاء في سيرة الحسين (عليه السّلام) منذ ولادته بل وقبلها ، وحتّى شهادته بل وبعدها.
المصادر :
1- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 115.
2- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 129.
3- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 120.
4- المستدرك على الصحيحين 2 / 366.
5- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 122.
6- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 118.
7- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 123.
8- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 120.
9- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 119.
10- مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 7 / 119
11- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 125.
12- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 134.

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.