أولياء الامر بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال الامام فخر الدين الرازي : اعلم أنّ قوله : ( وَأُولى الاَمْرِ مِنْكُمْ ) يدلّ عندنا على أنّ إجماع الامّة حجّة ، والدليل على ذلك أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الامر على سبيل الجزم في هذه الاية ، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابدّ
Saturday, March 25, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
أولياء الامر بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
أولياء الامر بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

 






 

قال الله تبارك وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أطِيْعُوا اللهَ وَأطِيْعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْمْرِ مِنْكُمْ ) (1).
قال الامام فخر الدين الرازي : اعلم أنّ قوله : ( وَأُولى الاَمْرِ مِنْكُمْ ) يدلّ عندنا على أنّ إجماع الامّة حجّة ، والدليل على ذلك أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الامر على سبيل الجزم في هذه الاية ، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأ منهيّ عنه ، فهذا يفضي إلى إجتماع الامر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد ، وإنّه محال ، فثبت أنّ الله تعالى أمر بطاعة أولي الامر على سبيل الجزم ، وثبت أنّ كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ ، فثبت قطعاً أنّ أولي الامر المذكور في هذه الاية لابد وأن يكون معصوماً .
ثم نقول : ذلك المعصوم إمّا مجموع الاُمة أو بعض الامة ، لا جائز أن يكون بعض الاُمّة ، لانّا بيّنّا أنّ الله تعالى أوجب طاعة أولي الامر في هذه الاية قطعاً ، وإيجاب طاعتهم قطعاً مشروط بكوننا عارفين بهم قادرين على الوصول إليهم والاستفادة منهم ، ونحن نعلم بالضرورة أننا في زماننا هذا عاجزون عن معرفة الامام المعصوم عاجزون عن الوصول إليهم عاجزون عن استفادة الدين والعلم منهم ، وإذا كان الامر كذلك علمنا أنّ المعصوم الذي أمر الله المؤمنين بطاعته ليس بعضاً من الامّة ولا طائفة من طوائفهم ، ولمّا بطل هذا وجب أن يكون ذلك المعصوم الذي هو المراد بقوله : ( وأولي الامر ) أهل الحل والعقد من الاُمة ، وذلك يوجب القطع بأن إجماع الامَّة حجة (2).
فأنت ترى أنّ الامام الرازي وصل بذلك الذكاء الخارق إلى قطعيّة وجوب عصمة أولي الامر المذكور في الاية ، ولكن الحميّة المذهبية غلبت عليه فألجأته إلى تأويل بعيد عن العقل والنقل ، وهو أن الله أمر الامة باطاعة إجماعها ، علله بعدم معرفة المعصومين وعدم إمكان الوصول إليهم وأخذ الدين والعلم منهم ، كأن معرفة المواضع التي أجمع عليها الامة والوصول إلى آراء الذين لا يعلم بعددهم إلاّ الله تعالى أيسر وأسهل على الرازي من معرفة أشخاص محدودين نصبهم الله لهذه الامة أئمة وأمراء وخلفاء وأولياء ، وبيّن عددهم وأسماءهم على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.
هذا مع أنّ عدم معرفة الامام الرازي لهم لا يقتضي منه أن يُخرِج الايةَ عن مؤدّاها ويؤولها على خلاف مرماها.
فقد أخرج الحسكاني عن عليّ عليه‌السلام أنّه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الاية وقال : يا نبيّ الله من هم؟ قال : « أنت أولهم ».
وعن مجاهد : ( وَأُولِي الاَمْرِ مِنْكُمْ ) قال : عليّ بن أبي طالب ، ولاّه الله الامر بعد محمد في حياته حين خلفه رسول الله بالمدينة ، فأمر الله العباد بطاعته وترك الخلاف عليه.
وعن أبي بصير عن أبي جعفر أنّه سئل عن قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعوا الرَّسُولَ وأُولِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ ) قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب ، قلت : إنّ الناس يقولون : فما منعه أن يسمّي عليّاً وأهل بيته في كتابه؟ فقال أبو جعفر : قولوا لهم : إنّ الله أنزل على رسوله الصلاة ولم يسمِّ ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله هو الذي يفسّر ذلك ، وأنزل الحجّ فلم ينزل طوفوا سبعاً حتى فسّر لهم رسول الله ، وأنزل ( أطِيعُوا الله وأَطِيعوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْمْرِ مِنْكُمْ ) فنزلت في عليّ والحسن والحسين ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي ، إنّي سألت الله أن لا يفرِّق بينهما حتى يردا عليَّ الحوض ، فأعطاني ذلك » (3).
قال الله تبارك وتعالى : ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاْةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (4).
أخرج الجويني في الفرائد وأورد ابن الصبّاغ في الفصول المهمة وابن الجوزي في التذكرة والزرندي في الدرر وعن الثعلبي في التفسير عن أبي ذرّ الغفاري ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهاتين وإلاّ صُمَّتا ورأيته بهاتين وإلاّ عميتا ، يقول : « عليّ قائد البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله » ، أما إنّي صلّيت مع رسول الله ذات يوم فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئاً ، وكان عليّ راكعاً ، فأومأ بخنصره إليه وكان يتختّم بها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، فتضرّع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الله عزّوجل يدعوه فقال : « اللهم إنّ أخي موسى سألك قال : ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً ) ، فأوحيت إليه : ( قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ) (5) اللهمّ وإنّي عبدك ونبيّك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً اشدد به ظهري » ، قال أبوذر : فو الله ما استتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلمة حتى هبط عليه الامين جبرائيل بهذه الاية : ( إنَّمَا وَليُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِين آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ).
وذكر الحديث فخر الدين الرازي في تفسيره بإختصار (6).
قال الزمخشري : فإن قلت : كيف صحّ أن يكون لعليّ رضي الله عنه واللفظ لفظ جماعة؟ قلت : جئ به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجل واحد ليرغب الناس في مثل فعله ، فينالوا مثل نواله ، ولينبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والاحسان وتفقّد الفقراء حتى أن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخّره إلى الفراغ منها (7).
قال السيوطي : أخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال : تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للسائل : « من أعطاك هذا الخاتم؟ »
قال : ذاك الراكع.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ .. ) الاية قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال : تصدق علي بخاتمه وهو راكع ، فنزلت : ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ .. ) الاية.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله تعالى : ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ .. ) الاية نزلت في عليّ بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع.
وأخرج ابن جرير عن السدّي وعتبة بن حكيم مثله.
وأخرج الطبراني في الاوسط وابن مردويه عن عمّار بن ياسر قال : وقف بعليّ سائل وهو راكع في صلاة تطوّع فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعلمه ذلك ، فنزلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الاية : ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) ، فقرأها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أصحابه ، ثم قال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ، أللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ».
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب قال : نزلت هذه الاية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيته : ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) إلى آخر الاية ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل المسجد ، جاء والناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم يصلّي ، فإذا سائل ، فقال : « يا سائل هل أعطاك أحد شيئا؟ » قال : لا ، إلاّ ذاك الراكع ـ لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ـ أعطاني خاتمه.
وأخرج ابن مردويه عن طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ،
قال : أتى عبد الله بن سلام ورهط معه من أهل الكتاب نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الظهر ، فقال : يا رسول الله إنّ بيوتنا قاسية لا نجدُ من يجالسنا ويخالطنا دون هذا المجلس وإنّ قومنا لمّا رأونا قد صدقنا الله ورسوله وتركنا دينهم ، أظهروا العداوة وأقسموا أن لا يخالطونا ولا يؤاكلونا ، فشقّ ذلك علينا ، فبينا هم يشكون ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ نزلت هذه الاية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنَّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) الخ ، ونُودِي بالصلاة صلاة الظهر وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المسجد ، فرأى سائلاً ، فقال : « هل أعطاك أحد شيئا؟ » قال : نعم. قال : « من؟ » قال : ذاك الرجل القائم ، قال : « على أي حال أعطاك؟ » قال : وهو راكع ، قال : وذلك عليّ بن أبي طالب ، فكبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ذاك وهو يقول : ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَاْلِبُونَ ). (8).
قال الزرندي والجويني : قال الامام الواحدي ( رضي الله عنه ) : وروي عن علي رضي الله عنه أنَّه قال : أُصول الاسلام ثلاثة ، لا تنفع واحدة منهنّ دون صاحبتها : الصلاة ، الزكاة ، الموالاة ، قال : وهذا ينتزع من قوله تعالى : ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) (9).
وقد ورد في أنّ هذه الاية نزلت في عليّ عليه‌السلام عن ابن عباس بعدّة طرق.
وأخرج الكنجي الشافعي في كفاية الطالب عن أنس بن مالك ، وأخرجه الموفّق بن أحمد في مناقبه والجويني في فرائده ، وأورده المتّقي الهندي في كنزه والزرندي في درره والهيثمي في مجمعه وابن الاثير في جامعه (10).
هذا مع تصريح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّ عليّاً وليّ كلّ مؤمن بعده ، كما ورد في الاحاديث الصحيحة الاتية ، فلاحظ.
عليّ وليّ كلّ مؤمن بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل والترمذي والنسائي والحاكم وصحّحه وابن حبّان وأبو نعيم وابن أبي عاصم والطبراني والتبريزي وابن عساكر والكنجي وأبو يعلى وابن عدي وابن المغازلي والموفّق بن أحمد وعن عبد الرزاق في أماليه والطيالسي في مسنده والبغوي في معجمه والحسن بن سفيان وابن جرير وصحّحه عن عمران بن حصين قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جيشاً واستعمل عليهم عليّ بن أبي طالب ، فمضى في السريّة ، فأصاب جارية ، فأنكروا عليه ، واتفق أربعة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : إن لقينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرناه بما صنع علي ـ وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم ـ فلما قدمت السريّة سلّموا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام أحد الاربعة فقال : يا رسول الله ، ألم تَرَ إلى علي بن أبي طالب ; صنع كذا وكذا؟! فأعرض عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قام الثاني فقال مثل مقالته ، فأعرض عنه ، ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته ، فأعرض عنه ، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا ، فأقبل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ والغضب يُعرَفُ في وجهه ـ فقال : « ما تريدون من عليّ؟ ما تريدون من عليّ؟ ما تريدون من عليّ؟! إنّ عليّاً مِنّي وأنا منه ، وهو وليّ كل مؤمن من بعدي ».
وفي رواية : « دعوا عليّاً ، دعوا عليّاً ، دعوا عليّاً ، إنَّ عليّاً منّي وأنا منه ، وهو وليّ كل مؤمن بعدي ».
قال المصحّح لمسند أبي يعلى : رجاله رجال الصحيح.
وأورده في موارد الظمآن ، وقال المحشّي : إسناده صحيح.
وأورده المزي في تحفة الاشراف ، وابن الاثير في جامع الاصول. وقال الالباني حول رواية ابن أبي عاصم : إسناده صحيح ، رجاله ثقات على شرط مسلم.
وأورده الالباني في الاحاديث الصحيحة ، وعزاه لجماعة من المحدّثين ، ودافع عن صحّة الحديث بشكل جيّد ، وذكر حديث بريدة وابن عباس والغدير لتأييده ، ثم قال : فمن العجيب حقّاً أنْ يتجرّأ شيخ الاسلام ابن تيمية على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في منهاج السنة ( 4 / 104 ) كما فعل بالحديث المتقدّم هناك ... إلى أن قال : فلا أدري بعد ذلك وجه تكذيبه للحديث إلاّ التسرّع والمبالغة على الشيعة غفر الله لنا وله.
وأورده الهندي في كنزه عن جماعة من المحدّثين ، وجاء في لفظ نقله عن ابن أبي شيبة وصحّحه : « عليّ منّي وأنا من عليّ وهو وليّ كل مؤمن من بعدي ».
وأخرجه ابن عدي في كامله وقال : وهذا الحديث يعرف بجعفر بن سليمان ، وقد أدخله أبو عبد الرحمن النسائي في صحاحه ولم يدخله البخاري.
وقال ابن عدي ـ بعد أن أورد بعض أحاديثه ـ : والذي ذكر فيه من التشيّع الروايات التي رواها التي يستدلّ بها على أنّه شيعي ، فقد روى في فضائل الشيخين أيضاً ـ كما ذكرت بعضها ـ وأحاديثه ليست بالمنكرة ، وما كان منها منكراً فلعلّ البلاء فيه من الراوي عنه ، وهو عندي ممن يجب أن يقبل حديثه (11).
أقول : نعم هذه هي عدالة التاريخ ، وتلك هي مظلوميّة أهل بيت النبيّ صلوات الله عليه وعليهم!! ففي القرون الاولى كان الخوف من أسياف بني أميّة هو المانع لرواية فضائلهم ، وفي القرون اللاحقة كان الخوف من الاتّهامات هو المانع.
فقد كان جعفر بن سليمان ذا حظ وافر أن وجد فيما بين مروياته فضائل الشيخين مما كان سبباً لان يترحّم عليه ابن عدي وينجيه من تهمة الرفض ، وأما الذي ليس في مروياته من فضائل الخلفاء إلاّ فضائل علي فقد خسر الدنيا والاخرة ، لان بني قومه طرحوه من ديوانهم بسبب رواياته ، والشيعة لايقبلونه لانّه من أهل السنّة.
وأخرج أحمد بن حنبل والنسائي وابن أبي حاتم وابن عساكر وابن أبي شيبة والبزّار وابن جرير ومحمد بن سليمان عن بريدة قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب ، وعلى الاخر خالد ابن الوليد ، فقال : « إذا التقيتم فعلي على الناس وإن افترقتما فكلّ واحد منكما على جنده » ، قال : فلقينا بني زيد من أهل اليمن ، فاقتتلنا ، فظهر المسلمون على المشركين ، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية ، فاصطفى عليٌّ امرأة من السبي لنفسه.
قال بريدة : فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره بذلك ، فلمّا أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفعت الكتاب فقرئ عليه ، فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت : يا رسول الله هذا مكان العائذ ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ، ففعلت ما أُرسلت به ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تقع في عليّ ، فإنّه منّي وأنا منه وهو وليُّكم بعدي ، وإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي ».
وفي رواية عند أحمد والحاكم وابن عساكر فقال : « يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ » قلت : بلى يا رسول الله ، فقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ».
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وفي بعض الروايات عند أحمد والحاكم والبزار وابن عساكر وابن أبي حاتم : « من كنت وليَّه فعليٌّ وليُّه ».
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي.
وأورده الهيثمي في معجمه عن البزار وقال : رجاله رجال الصحيح.
وفي بعضها عند عبد الرزاق وابن عساكر والخوارزمي وغيرهم : « من كنت مولاه فعلي مولاه ».
وفي رواية عند ابن عساكر : « علي بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة ، وهو وليكم بعدي ». (12)
وجاء في رواية للطبراني : إنّ بريدة لما قدم من اليمن ودخل المسجد ، وجد جماعة على باب حجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقاموا إليه يسلّمون عليه ، ويسألونه ; فقالوا ما وراءك؟ قال : خير ، فتح الله على المسلمين،قالوا : ما أقدمك؟ قال :
جارية أخذها عليّ من الخمس ، فجئت لاخبر النبي بذلك ، فقالوا : أخبره أخبره يسقط عليّاً من عينه ـ ورسول الله يسمع كلامهم من وراء الباب ـ فخرج مغضباً ، فقال : « ما بال أقوام ينقصون عليّاً! من أبغض علياً فقد أبغضني ومن فارق عليّاً فقد فارقني ، إنّ عليّاً مني وأنا منه ، خلق من طينتي وأنا خلقت من طينة إبراهيم ، وأنا أفضل من إبراهيم ، ذريّة بعضها من بعض والله سميع عليم ، يابريدة! أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية التي أخذ ، وإنّه وليّكم بعدي » (13).
وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وابن أبي عاصم والطبراني وابن عساكر والموفق بن أحمد وغيرهم عن ابن عباس في حديث طويل ذكر فيه عشر خصال لعلي عليه‌السلام وقد تقدم ذكر شيء منها في بعض المقامات ، وجاء فيه : وقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنت وليّ كلّ مؤمن من بعدي ».
قال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني في الكبير والاوسط بإختصار ، ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي البلج ، وهو ثقة ، وفيه لين.
وقريب من كلامه ما قاله الالباني حول رواية ابن أبي عاصم.
قال ابن كثير الشامي : قال أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي البلج عن عمر بن ميمون عن ابن عباس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ : « أنت وليّ كل مؤمن بعدي ».
وأورده الالباني في الاحاديث الصحيحة (14).
وفي رواية عن أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا تقعوا في علي فانه مني وأنا منه وهو وليي ووصيي من بعدي » (15).
أخرج الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر وعن ابن مندة وخيثمة بن سليمان عن وهب بن حمزة قال : سافرت مع عليّ ابن أبي طالب فرأيت منه جفاء فقلت لئن رجعت لاشكونَّه ، فذكرت عليّاً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنلت منه ، فقال : « لا تقولنّ هذا لعليّ فإنّه وليّكم بعدي » (16).
أورد المتقي في الكنز والعاصمي في النجوم والصالحي في سبل الهدى عن الخطيب والرافعي عن علي عليه‌السلام ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : « سألت الله فيك خمساً فأعطاني أربعاً ومنعني واحدة ; سألت الله أن يجمع عليك أمتي ، فأبى عليَّ ، وأعطاني فيك أن أول من تنشق الارض عنه يوم القيامة أنا ، وأنت معي ، معك لواء الحمد ، وانت تحمله بين يدي تسبق به الاولين والاخرين ، وأعطاني فيك أنك ولي المؤمنين بعدي » (17).
قال الصالحي الشامي : وروى ابن أبي شيبة ـ وهو صحيح ـ عن عمر ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عليّ منّي وأنا منه ، وعلي وليّ كلّ مؤمن من بعدي » (18).
أخرج الموفّق بن أحمد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ـ في حديث ذكر فيه عدة فضائل لعليّ عليه‌السلام ـ وجاء فيه : وأوقفه يوم غدير خم فأعلم الناس أنّه مولى كل مؤمن ومؤمنة ، وقال له : « أنت منّي وأنا منك » ، وقال له : « تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل » ، وقال له : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » ، وقال له : « أنا سِلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت » ، وقال له : « أنت العروة الوثقى » ، وقال له : « أنت تبيِّن لهم ما اشتبه عليهم بعدي » ، وقال له : « أنت إمام كلّ مؤمن ومؤمنة ووليّ كل مؤمن ومؤمنة بعدي ... » (19).
ونقل المتقي عن الديلمي من حديث علي عليه‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « يا بريدة إنَّ عليّاً وليّكم بعدي فأحبّ علياً فإنّه يفعل ما يؤمر » (20).
وعن الامام الحسن بن علي عليهما‌السلام أنّه قال في خطبته : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ حين قضى بينه وبين أخيه جعفر ومولاه زيد في ابنة عمه حمزة ـ : « أمّا أنت يا علي فمني وأنا منك وأنت ولي كل مؤمن بعدي » (21).
ونقل القندوزي عن مودة القربى للهمداني عن ابن عمر قال : كنا نصلّي مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالتفت إلينا فقال : « أيّها الناس ، هذا وليكم بعدي في الدنيا والاخرة ، فاحفظوه » يعني علياً (22).
فأنت تلاحظ كيف يُعرِّف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صحابته في أدنى مناسبة على من يلي أمورهم ويرعى شؤونهم بعد وفاته.
وأما تفسير الولي في المقام من قِبل بعض أعلام أهل السنة بالمحبّ والناصر ، فهو تأويل سخيف ، حتى لو تأمّل فيه المتأوّلون أنفسهم لضحكوا من منطقهم وعملهم.
الحمد لله على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يطلق ولاية علي عليه‌السلام ، بل قيّدها بأنّها تكون بعده ، فقال : « ولي كل مؤمن بعدي » ، وهؤلاء يقولون : إن عليّاً ناصرهم ومحبّهم بعده ، كأن لم يكن كذلك في حياته! كما هو المستفاد من التقييد حسب تأويلهم.
بل لو أطلقها لكان المستفاد منها أيضاً الخلافة والرئاسة لا غير ، فانها لو فُسّرت بالمحبة والنصرة لكان كلاماً لغواً منه صلوات الله عليه وآله ، لانه ما الفرق بين القول : علي محبّكم وناصركم وبين القول : الحجر حجر والشجر شجر.
المصادر :
1- سورة النساء : 59.
2- مفاتيح الغيب : 10 / 144.
3- شواهد التنزيل : 1 / 148 ـ 150 ح : 202 ـ 203.
4- سورة المائدة : 55.
5- سورة طه : 25 ـ 36.
6- تذكرة الخواص / 24 ، الفصول المهمة / 123 ـ 124 ، مفاتيح الغيب : 12 / 26 ، درر السمطين / 87 ، فرائد السمطين : 1 / 191 ـ 192 ح : 151.
7- الكشاف : 1 / 649.
8- الدر المنثور : 3 / 104 ـ 105.
9- نظم درر السمطين / 240 ، فرائد السمطين : 1 / 79 ح : 49.
10- كفاية الطالب / 228 و 250 ، كنز العمال : 13 / 108 و 165 ح : 36354 و 36501 ، المناقب للخوارزمي / 264 ـ 265 و 266 ح : 246 و 256 ، درر السمطين / 86 و 87 ـ 88 ، فرائد السمطين : 1 / 193 ـ 195 ح : 152 و 153 ، مجمع الزوائد : 7 / 17 ، جامع الاصول : 8 / 664 ح : 6515.
11- سنن الترمذي كتاب المناقب باب مناقب علي عليه‌السلام : 5 / 397 ـ 398 ح : 3732 ، السنن الكبرى للنسائي : 5 / 126 و 132 ـ 133 ح : 8453 و 8474 .
12- مسند أحمد : 5 / 347 و 350 و 356 و 358 و 361 ، جواهر المطالب : 1 / 87 و 88 ، المستدرك : 2 / 129 ـ 130 و 3 / 110 ، المناقب للخوارزمي / 134 ح : 150 ، تاريخ دمشق : 42 / 187 ـ 188 و 189 ـ 194 .
13- مجمع الزوائد : 9 / 128 ، ينابيع المودة / 272.
14- المستدرك : 3 / 132 ـ 133 ، السنن الكبرى للنسائي : 5 / 112 ـ 113 ح : 8409 ، السنة
15- ينابيع المودة / 233 ، وفي النسبة تأمل.
16- المعجم الكبير : 22 / 135 ح : 360 ، الاصابة في تمييز الصحابة : 3 / 641 م : 9157 .
17- تاريخ بغداد : 5 / 100 م : 2483 ، سبل الهدى والرشاد : 11 / 296 ، كنز العمال : 11 /
18- سبل الهدى والرشاد : 11 / 296.
19- المناقب للخوارزمي / 61 ح : 31 ، ينابيع المودة / 134 ـ 135.
20- كنز العمال : 11 / 612 ح : 32963.
21- ينابيع المودة / 55.
22- نفس المصدر / 257.

 



نظرات کاربران
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.