
امتاز الامام الحسين عليه السلام بمکانة متميزة فقد بكتْهُ الأنبياء (عليهم السّلام) كلّهم حتّى جدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله) قبل أن يولد. وبكاه أهل البيت (عليهم السّلام) بما فيهم جدّه الرسول يوم الولادة. وبكاه أهلُه وأصحابُه يوم مقتله ، وبكى هو أيضاً على مصابه وبعد مقتله بكاهُ كلّ من سَمِعَ بنبأ شهادته : أُمّهات المؤمنين ، والصحابةُ المؤمنون.
وبكاهُ الأئمّة المعصومون (عليهم السّلام) ومن تبعهم مدى القرون! حتّى جاء في رواية عن الحسين (عليه السّلام) نفسه أنّه قال : «أنا قتيلُ العَبْرة ، ما ذكرني مؤمنٌ إلاّ وبكى». وعبّر عنه بعض الأئمّة (عليهم السّلام) بـ «عَبْرة كلّ مؤمن».
ولقد تحدّثتُ عن مجموع النصوص الواردة في «البكاء على مصيبة الحسين» في بعض «الحسينيّات» التي ألّفتها.
لكنّ الرسولَ (صلّى الله عليه وآله) فرضَ الربْطَ بين الحبَّيْنِ ، حبَّ أولاده وعترته ، وحبّه هو (صلّى الله عليه وآله) ، فكان يُشير إلى الحسن والحسين (عليهما السّلام) ويقول :«مَنْ أحبَّني فليُحبّ هذين».
إنّ عاطفة «الحُبّ» بين الرسول والأُمّة [ليست هي] العشق فحسبْ ، بل [هي] أيضاً حُبّ العَقيدة والتقديس والإجلال والسيادة ، لِما تمتّع به الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) من ذاتيّات جمالية وكمالية ، وأُبوّة ، وشرف ، وكرامة ، وجلال ، وعطف ، وحنان ، وصفات متميّزة.
وإذا كان الحسنان (عليهما السّلام) قد استوفيا هذه الخصال ، وبلغا إلى هذه المقامات حَسَباً ونَسَباً ، فمن البديهيّ أنّ مُحِبّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) سيحبّهما بنفس المستوى ، لِما يجد فيهما ممّا يجد في جدّهما الرسول (صلّى الله عليه وآله).
ولأجل هذا المعنى بالذات نجد الرسولَ (صلّى الله عليه وآله) يعكسُ تلك الملازمة ، فيقول في نصوص أُخرى : «مَن أحبّهما فقد أحبّني» فيجعل حُبَّهُ متفرِّعاً من حبّهما بعد أن جعل في النصّ الأوّل حبّهما متفرّعاً من حبّهِ.
فإذا كان سببُ «الحُبّ» ومنشؤه واحداً فلا فرق بين الجملتين : «مَنْ أحَبّني فليُحِبَّ هذيْنِ» و «مَنْ أحَبَّهما فقد أحبّني».
والنصوص التي أكّد فيها الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) على حُبّ «آل محمّد» ومنهم الحسين (عليه السّلام) كثيرة جدّاً ، روى منها ابن عساكر قسماً كبيراً.
ويتراءى هذا السؤالُ :
لماذا كلّ هذه التصريحات مع كلّ ذلك التأكيد؟ وإنّ المؤمنين بالرسالة والرسول لا بُدّ وأنّهم يُكرمون «آل الرسول» ويودّونهم ، ويحبّونهم حبّ العقيدة والإيمان!
وعلى أقلّ التقادير ، مشياً على أعراف من قبيل «لأجْل عَيْن ألْفُ عَيْن تُكْرَمُ»
و «المَرْءُ يُحفظ في وُلدهِ» تلك الأعراف التي كانت سائدةً بين أجهْل البشر في ذلك العصر ، فكيف بالّذين ملأتهم تعاليم الإسلام وَعْياً؟!
هذا مع الغضّ عمّا كان لأهل البيت النبويّ من الكرامة والشرف والمكانة العلميّة والعمليّة ممّا لا يخفى على أحد من المسلمين.
فإذا نظرنا إلى آثارهم ومآثرهم ، فهل نجد أحداً أحقّ بالحبّ والتكريم منهم؟! وأَوْلى بالتفضيل والتقديم؟
فلماذا كلّ ذلك التأكيد من جدّهم الرسول (صلّى الله عليه وآله) على حُبّهم وربط ذلك بحبّه هو؟!
إنّ هذا السؤال تسهل الإجابة عليه إذا لاحظنا أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) قد أضاف على نصوص الملازمة الثانية «من أحبّهما فقد أحبّني» قوله :«... ومَن أبغضهما فقد أبغضني» (1).
عجباً! فكيف يُفترضُ وجود من يُبغض الحسن والحسين (عليهما السّلام)؟!
ولماذا يُريدُ أحدٌ ممّن ينتمي إلى دين الإسلام أن يُبغض الحسنَ أو الحسين (عليهما السّلام)؟!
وهذه الأسئلة أصعب من السؤال السابق قطعاً ، إذ يلاحَظ فيها أنّ الرسولَ (صلّى الله عليه وآله) قد فرضَ وجود من يُبغض الحسنين ، ورَبَطَ بين بُغضهما وبُغضه هو!
ثمّ هناك ملاحظة في مسألة البُغض ، وهي أنّ الملازمة فيه من طرف واحد ، وقد كان في الحبّ من الطرفين!
فلم يَرِد في البغض : «من أبغضني فقد أبغضهما»!
وقد يكون السببُ في الملاحظة الثانية أنّ فرض بُغض النبي (صلّى الله عليه وآله) في المجتمع الإسلاميّ أمرٌ لا يمكن تصورّه ولا افتراضُه ، إذ هو يساوي الكفر بالرسالة ذاتها ، وبالمرسِل والمرسَل أيضاً.
لكنَّ «بُغْضَ آل الرسول» فهو على فظاعته قد تحقّق على أرض الواقع ، فقد كان في أُمّة الرسول (صلّى الله عليه وآله) بالذات مَن أبغضَ الحسنين (عليهما السّلام) ولعنَهما على منابر الإسلام ، بل وُجِدَ في الأُمّة مَنْ شهر السيفَ في وجهيهما وقاتلهما.
وهل قُتِلَ الحسينُ (عليه السّلام) على يدِ اُناس من غير أُمّة جدّه الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله)؟ ولماذا؟
إنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) أعلنَ بالنّص المذكور ـ الذي هو من دلائل النبوّة ـ أنّ «بُغضه» وإنْ لم يفترضه المسلم مُباشرة ، ولا يتمكّن المنافق والكافر من إظهاره علانيةً ، إلاّ أنّه يتحقّق من خلال بُغْض الحسن والحسين ، لأنّ مَنْ أبغضهما فقد أبغض النبيّ لِما في بغضها من انتهاك المُثُل التي يحتذيانها ، ونبذ المكارم التي يحتويانها ، ورفض الشرائع التي يتّبعانها! وهي نفس المُثُل والمكارم والشرائع التي عند الرسول نفسه (صلّى الله عليه وآله) فبغضهما ليس إلاّ بغضاً له (صلّى الله عليه وآله) ولرسالته.
ولقد رَتَّبَ النتائج الوخيمة على بُغضهما في قوله (صلّى الله عليه وآله) :«مَن أحبّهما أحببتُه ، ومن أحببتُه أحبَّه الله ، ومن أحبَّه الله أدخلهُ جنّات النعيم.
ومَن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضتُه ، ومَنْ أبغضتُه أبغضَه الله ، ومَن أبغضَه الله أدخله نار جهنّم وله عذابٌ مقيم» (2).
لكنّ الذين أسلموا رَغْماً ، ولم يتشرّبوا بروح الإسلام ، وظلّتْ نعراتُ الجاهليّة عالقةً بأذهانهم ، ومترسّبةً في قلوبهم ، جعلوا كلّ الذي وردَ عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) من النصوص في حقّ أهل بيته الكرام وارداً بدافع العاطفة البشريّة ، نابعاً عن هواه في أبناء ابنته!! مُعْرضين عن قدسيّة كلام الرسول (صلّى الله عليه وآله) الذي حاطه بها الله ، فجعل كلامه وحياً ، وحديثه سُنّةً وتشريعاً ، وطاعته فرضاً ، ومخالفته كفراً ونفاقاً ، وجعل ما ينطق بعيداً عن الهوى ، بل هو وحيٌ يُوحى.
فأعرضوا عن هذه النصوص الآمرة بحبّ الحسنين ، والناهية والمتوعّدة على بغضهما بأشدّ ما يكون! ونبذوها وراءهم ظِهْرِيّاً ، فَعَدَوْا على آل الرسول (صلّى الله عليه وآله) ظلماً وعَسْفاً ، وتشريداً وسبّاً ، ولعناً وقتلاً.
وخَلَفَ من بعد ذلك السَّلف خَلْفٌ أضاعوا الحقّ ، وأعرضوا عن أوامر النبيّ ونواهيه ، واتّبعوا آثار سَلَفٍ وجدوه على أُمّة وهم على آثارهم يُهرعُون.
فبعد أنْ ضيّع السَّلف على «آل محمّد» فرصة الخلافة عن النبيّ ، وتوليّ حكم الأُمّة ، وقهروهم على الانعزال عن مواقع الإدارة ، وغصبوا منهم أريكة الإمامة ، وفرّغوا أيديهم عن كلّ إمكانات العمل لصالح الأُمّة ، وأودعوا المناصب المهمّة والحسّاسة في الدولة الإسلاميّة بأيدي العابثين من بني أُميّة والعبّاس!
وبعد أنْ أضاعَ الخَلَفُ على «آل محمّد» فُرَصَ إرشاد الأُمّة وهدايتها تشريعيّاً ، فلم يفسحوا لفقههم أن يُنشَر بين الأُمّة ، ومنعوهم من بيان الأحكام الإلهيّة ، وحرفوا وِجْهة الناس عنهم إلى غرباء دخلاء على هذا الدين واُصوله ، وسننه ومصادر معرفته وفكره.
فأصبحتْ الأُمّةُ لا تعرف أنّ لآل محمّد (صلوات الله وسلامه عليهم) فقهاً يتّصِل بأوضح السُبُل وأصحّ الطرق برسول الله (صلّى الله عليه وآله) مُباشرةً ، ويستقي أحكامه من الكتاب والسُنّة من دون الاتّكال على الرأي والظنّ ، بل بالاعتماد على اُصول علميّة يقينيّة.
وأمست الأُمّةُ لا تعرفُ أنّ علوم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) محفوظة في كنوز من التُراث الضخم الفخم ، يتداوله أتباعهم حتّى اليوم.
ولكنْ لمّا كُتبتْ السُنّة الشريفة وجُمعت ودُوّنت ، وبرزت للناس المجموعة الكبيرة من أحاديث الرسول (صلّى الله عليه وآله) الداعية إلى «حُبّ آل محمّد» وقفَ الخلفُ على حقيقة مُرّة ، وهي : كيف كان موقف السَّلف من «آل محمّد»؟ وأين موقع «آل محمّد» في الإسلام حكماً وإدارةً ، وفقهاً وتشريعاً؟
فأين الحبُّ الذي أمر به الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) لأهل بيته (عليهم السّلام)؟!
وكيف لا نجد في التاريخ من آل محمّد إلاّ مَن هو مقتول بالسيف أو بالسمّ ، أو معذّب في قعر السجون وظُلَمِ المطامير ، أو مُشَرَّد مطارَدٌ ، أو مُهانٌ مبعد؟!
فكيفَ يكونُ البُغضُ الذي نهى عنه الرسول (صلّى الله عليه وآله) لأهل بيته (عليهم السّلام) إن لم يكن هكذا؟!
فلّما وقفَ الجيلُ المتأخّر على هذه الحقيقة المرّة ، وخوفاً من انكشاف الحقائق ، ولفظاعة أمر البغض المعلن ، ولكي لا تحرقهم ناره المتوعّد بها ، لجؤوا إلى تحريف وتزوير انطلى على أجيال متعاقبة من أُمّة الإسلام.
وهو ادّعاء «حُبّ آل الرسول» مجرّد اسم الحُبّ الفارغ من كلّ ما يؤدي إلى إعطاء حقّ لهم في الحكم والإدارة ، أو الفقه والتشريع.
وقد صنّفوا على ذلك الأحاديث وجمعوا المؤلّفات ، مُحاولين إظهار أنّهم المحبّون لآل محمّد ، مُتناسين ومتغافلين أنّ «الحبّ» الذي يؤكّد عليه الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) لنفسه ولآله (عليهم السّلام) ليس هو لفظ «الحبّ» ولا «الحبّ العشقيّ» الفارغ من كلّ معاني الولاء العمليّ والاقتداء والاتّباع والتأسّي ، ورفض المخالفة ونبذ المخالفين.
فلو أظهر أحدٌ الحبَّ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولم يعمل بشريعته وخالف الأحكام التي جاء بها ، ولم يتعبّد بولايته وقيادته وسيادته ، ولم يلتزم بنبوّته ورسالته! لم يكن «مُحبّاً» له (صلّى الله عليه وآله).
فكيف يكون محبّاً لآل محمّد (عليهم السّلام) مَنْ لم يُتابعهم في فقههم ، ولم يأخذ الشريعة منهم ، ولم يقرّ بإمامتهم ، ولم يعترف بولايتهم ، ولم يُسند إليهم شيئاً من أُمور دينه ولا دنياه؟!
إنّها إحدى الكُبَر.
فضلاً عمّن واجَهَ آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) بالقتْل واللعن والتشريد ، فهل يحقّ لمثلهم أنْ يدّعوا حبّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) واتّباعه وهو الذي يقول : «ومَن أبغضهم أبغضني»؟! فكيف بمَن قتلهم ولعنهم على المنابر؟! وسبى نساءهم وأولادهم في البلاد؟!
وإنّ من التغابي أنْ يرتديَ في عصرنا الحاضر بعضُ السلفييّن تلك العباءة المتهرّئة ، عباءة التحريف للحقائق ، فيُنادي : «علّمو أولادكم حُبّ الرسول وآل الرسول» ويطبع كتاباً بهذا الاسم!
مُتجاهلاً معنى حُبّ الحسين (عليه السّلام) ـ مثلاً ـ وقد مضى على استشهاده أكثر من ألف وثلاثمئة وخمسين عاماً! وكيف يكون «الحبّ» للأموات؟!
أليس بتعظيم ذكرهم ، ونشر مآثرهم ، والاستنان بسنتهم ، واتّباع طريقتهم ، والتمجيد بمواقفهم ، ونبذ معارضتهم ، ورفض معانديهم ، ولعن قاتليهم وظالميهم؟!
فكيف يدّعي حُبَّ الحسين (عليه السّلام) مَنْ يمنع أن يُجرى في مجلسٍ ذكرُ الحسين ، والتألّم لمصابه ، وذكر فَضائله ، والإعلان عن تأييد مواقفه ، وإحياء ذكراه سنويّاً بإقامة المحافل والمجالس؟!
أو من يُحرّم ذكر قاتله بسوء ، وذكر ظالميه بحقائقهم؟!
أو من يُحاول أن يبّرر قتله ، ويُوجّهَ ما جرى عليه ، بل يعظّم قاتله ويمجّده ويصفه بإمرة المؤمنين!
ويَقْسو على محبّيه وذاكريه والباكين عليه.
ومع ذلك يدّعي «حُبّه» ويدعو إليه؟!
إنّ التلاعُب بكلمة «الحُبّ» إلى هذا المدى ليس إلاّ تشويهاً لقاموسَ اللغة العربيّة ومؤدّى ألفاظها ، وتجاوزاً على أعراف الأُمّة العربيّة ، وهذا تحميقٌ للقرّاء ، واستهزاءٌ بالثقافة والفكر والحديث النبوي.
إنّها سُخرية لا تُغتفر!
وقد صرّح الرسول (صلّى الله عليه وآله) بذلك عندما ذكرهم بأسمائهم ، وقال : «ألا قد بيّنتُ لكم الأسماء أنْ تضلّوا» (3).
ولقد أعلن الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) عن فضلهم في كلّ مشهد وموقف ، وبلّغ كلّ ما يلزمُ من التمجيد بهم ، وإيجاب مودّتهم وحبّهم ، والنهي عن بغضهم وإيذائهم ، فأبلغَ ما هو مشهور مستفيض من دون نكير.
أمّا أن يُعلنَ الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) عن أنّه : «سلم لمن سالموا ، وحربٌ لمن حاربوا» فهذا أمرٌ عظيم الغرابة!
فهل هم في معركة؟!
أو يتوقّع الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) أن تُشَنَّ حربٌ ضدّ أهله فيُعلن موقفه منها!
وها هم أهله يعيشون في كنفه ، وفي ظلّ تجليله واحترامه ، ويغمرهم بفيض تفضيلاته ، وإيعازه للأُمّة بتقديسهم وتكريمهم!
فمن الغريب حقّاً أنْ يجمع عليّاً وفاطمة ، والحسنَ والحسين (عليهم السّلام) ويقول لهم أنا سلمٌ لمن سالمتُم ، وحربٌ لمن حاربتم.
وفي مرضه الذي قُبض فيه حَنا عليهم وقال : «أنا حَرْبٌ لمن حاربكم ، وسِلْمٌ لمن سالمكم».
ووجه الغرابة أنّ الإنسان يكادُ يقطع بأنّه لم يَدُرْ في خَلَدِ أيّ واحد ممّن عاصر الرسول (صلّى الله عليه وآله) وآمن به ، أو صحبه فترة وسمعَه يؤكّد ويكرّر الإشادة بفضل أهل البيت (عليهم السّلام) وتكريمهم وتفضيلهم وتقديمهم حتّى آخر لحظة من حياته في مرض موته.
لم يَدُرْ في خَلَد واحد من الصحابة المؤمنين بالرسالة المحمّدية أنْ يشنّ حرباً على آل الرسول ، أو يضرمَ ناراً على بابهم! أو يشهر سيفاً في وجه أحدهم؟! أو يحرق خباءهم وفيه النساء والأطفال؟
فلذلك لم يُوجّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خطاباً بهذا المضمون إلى الأُمّة ، لأنّهم كانوا يذعرون لو قال لهم : سالموا أهل بيتي ولا تُحاربوهم!
لكنّها الحقيقة التي يعلمها الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) من وحي الغيب ، ولا بُدّ أن يقولها لآله حتّى يكونوا مستعدّين لها نفسّياً ، ولا ينالهم منها مفاجأة ، ولا يُسْقَط في أيديهم ، فلذلك وجّه الخطاب إليهم بذلك خاصّة في كلّ النصوص ، وكأنّه دعمٌ معنوي منه لمواقفهم ، وحثّ لهم على المضيّ في السبيل التي يختارونها ، وهكذا كان :
فما ان أغمض النبيُّ ، عينيْه حتّى بدت البغضاء ضد أهل البيت :
فكانت لهم مع ابنته الزهراء فاطمة (عليها السّلام) مواقفُ أشدّ ضراوةً من حروب الميادين ، لأنّها حدّدتْ أُصول المعارضة ومعالمها ، وكشفتْ عن أهدافها.
وقد جاءت صريحةً في خطاباتها الجريئة التي أعلنتها في مسجد رسول الله فطالبت أبا بكر بحقوق آل محمّد (عليهم السّلام) من بعده : من مقام زوجها في الخلافة ، ونحلة أبيها في فدك ، وإرثها منه كما كتبه الله وشرّعه في القرآن.
فقامتْ (عليها السّلام) تُحاكمه في مسجد رسول الله ، أمام الأُمّة ، معلنةً لمطالبها بمنطق الأدلّة المحكمة من القرآن الكريم والسُنّة الشريفة ، وبالوجدان والضمير ، ومُنادية بلسان أبيها الرسول وذاكرة وصاياه بحقّها.
فقوبلت بالنكران والخذلان.
فصرّحتْ وهي تُشهد الله بأنّها لهم قالية ، وعليهم داعية غاضبة تذكّرهم بحديث أبيها ـ المتمثّل على الأذهان ـ القائل : «فاطمة بَضْعَةٌ مِنّي ، فَمَنْ أغْضَبَهَا أغْضَبَني» (4) ذلك الحديث الذي لم يملك أحد تجاهه غير القبول والتسليم والإذعان.
وتموت فاطمة (عليها السّلام) شهيدة آلامها وغُصّتها.
ثمّ حروبٌ أُثيرت ضدّ عليّ (عليه السّلام) :
في وقعة الجمل حيث اصطفّت مع عائشة فئة ناكثة بيعتها له تُحارب الإمام (عليه السّلام) إلى صفّ الزبير وطلحة ، يطالبون بدم ليس لهم.
وفي صفّين حيث تصدّت الفئة الباغية لحقٍّ قد ثبت للإمام عليّ (عليه السّلام) وأقرَّ به الصحابة أنصار ومهاجرون ، وفضلاء الناس التابعين ، وإلى صفّه كبير المهاجرين والأنصار «عمّار» الذي بشّره الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) بالجنّة ، وقال له : «تقتلك الفئة الباغية» فقتلته فئةُ معاوية.
وفي النهروان حيثُ واجهه «القُرآنيّون» الّذين لم يتجاوز القرآن تراقيهم ، الّذين مرقوا من الدين كما تمرق الرمية من السهم ، فكانوا هم الفئة المارقة.
وفي كلّ المواقف والمشاهد وقفَ الحسنان (عليهما السّلام) إلى جنب أبيهما أمير المؤمنين (عليه السّلام).
وحُوربَ الحسنُ (عليه السّلام) عسكرياً ونفسيّاً حتّى قضى.
وحُوربَ الحسينُ (عليه السّلام) حتّى سُفك دمه يوم عاشوراء.
إنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) أعلن موقفه من كلّ هذه الحروب في حديثه لهم : «أنا حربٌ لمن حاربكم».
فإنّما حُوربَ أهل البيت (عليهم السّلام) لأنّهم التزموا بهدي الرسول.
وقد أدّى كلّ منهم ما لديه من إمكانات في سبيل الرسالة المحمّدية حتّى كانتْ أرواحهم ثمناً للحفاظ على وجودها ، كي لا تخمد جذوتها ، ولا تنطمس معالمها.
لقد وَعَدَ على حبّهم ، وتوعَّدَ على بُغضهم وحربهم ، وأبلغَ وأنذرَ ، ورغّبَ وحذّر بما لا مزيدَ عليه.
ولمّا احتُضِر ودَنَتْ وفاتُه اتّخذ قراراً حاسِماً نهائياً ، في مشهد رائع يخلد على الأذهان ، فلنصغَ للحديث من رواية أنس بن مالك خادم النّبي (صلّى الله عليه وآله) :
جاءت فاطمة ومعها الحسن والحسين (عليهم السّلام) إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في المرض الذي قبض فيه. فانكبّتْ عليه فاطمة ، وألصقتْ صدرها بصدره وجعلت تبكي ، فقال النّبي (صلّى الله عليه وآله) : «مَهْ يا فاطمة» ونهاها عن البكاء.
فانطلقت إلى البيت ، فقال النبي ـ وهو يستعبر الدموع ـ : «اللّهمّ أهل بيتي ، وأنا مستودعهم كلّ مؤمن» ـ ثلاث مرّات ـ (5).
فالمشهدُ رهيب!
رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) مسجّى ، ستفقده الأُمّة بعد أيّام ، وتفقد معه «الرحمة للعالمين».
وأمّا أهل البيت (عليهم السّلام) فسيفقدون مع ذلك الأبَ والجدَّ والأخَ ، تفقد الزهراء (عليها السّلام) أباها ، ويفقد الحسنان (عليهما السّلام) جدّهما ، ويفقد عليٌّ (عليه السّلام) أخاه!
وانكبابُ فاطمة (عليها السّلام) على أبيها يعني منتهى القُرْبِ ، إذ لا يفصلُ بينهما شيء ، والصدرُ محلّ القلب ، والقلبُ مخزنُ الحبّ ، فالتصاق الصدرين بين الأب والبنت في مرض الموت يُنبئ عن منظر رهيب مليء بالحزن والعاطفة بما لا يمكن وصفه.
وليس هناك ما يعبّر عن أحزان فاطمة (عليها السّلام) إلاّ العَبْرة تجريها ، والرسول الذي يؤذيه ما يؤذي ابنته فاطمة لا يستطيع أن يشاهدَها تبكي ، فينهاها.
لكنّه هو الآخر لا يقلّ حزنهُ على مفارقة ابنته الوحيدة وسائر أهل بيته الذي أعلمه الغيبُ بما سيجري عليهم من بعد ، فلم يملك إلاّ استعبار الدموع.
على ماذا يبكي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟!
إنّ كلامه الذي قاله يكشف عن سبب هذا البكاء في مثل هذه الحالة ، والميّت إنّما يوصي بأعزّ ما عنده ، وفي أواخر لحظات حياته إنّما يفكّر في أهمّ ما يهتمّ به فيوصي به ، والرسول (صلّى الله عليه وآله) يُشهد الله على ما يقولُ ، فيقول : «... اللّهمّ أهل بيتي ...».
ويجعلهم «وديعةً» يستودعُها «كلَّ مؤمن» برسالته ، وحفظ الوديعة من واجبات المؤمنين (الَّذِينَ هُمْ لاِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) ويؤكّد على ذلك فيقوله ثلاث مرّات.
ولا يُظنّ ـ بعد هذا المشهد وهذا التصريح ـ أنّ هناك طريقةً أوغلَ في التأكيد على حفظ هذه الوديعة ممّا عمله الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، ولكن لنقرأ «السيرة الحسينيّة» لِنجدَ ما فعلته الأُمّة بوديعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) هذه!
وفي خصوص الحسين (عليه السّلام) جاء حديث «الوديعة» في رواية زيد بن أرقم قال :
أما ـ والله ـ لقد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «اللّهمّ إنّي استودعكه وصالح المؤمنين».
وقد ذكر ابن أرقم هذا الحديث في مشهد آخر ، حيث كان منادماً لابن زياد ، فجيء برأس الحسين ، فأخذ ينكث فيه بقضيبه ، فتذكّر ابن أرقم هذا الحديث ، كما تذكّر أنّه واجب عليه أن يقوله في ذلك المشهد الرهيب الآخر ، وراح يتساءل :
فكيف حفظكم لوديعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟!
مع أنّ زيد بن أرقم نفسه هو ممّن يُوَجَّه إليه هذا السؤال؟
المصادر :
1- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 120.
2- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 121.
3- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 123.
4- صحيح البخاري 5 / 36 باب مناقب فاطمة (عليها السّلام) و 5 / 26 .
5- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 124.
وبكاهُ الأئمّة المعصومون (عليهم السّلام) ومن تبعهم مدى القرون! حتّى جاء في رواية عن الحسين (عليه السّلام) نفسه أنّه قال : «أنا قتيلُ العَبْرة ، ما ذكرني مؤمنٌ إلاّ وبكى». وعبّر عنه بعض الأئمّة (عليهم السّلام) بـ «عَبْرة كلّ مؤمن».
ولقد تحدّثتُ عن مجموع النصوص الواردة في «البكاء على مصيبة الحسين» في بعض «الحسينيّات» التي ألّفتها.
الحُبُّ والبُغْض
أنْ يُحبّ الإنسانُ أولاده ونَسْلَه فهذا أمرٌ طبيعيٌّ جدّاً ، أمّا أنْ يربطَ حُبّهم بحبّه فهذا أمر آخر ، فليس حبّهم ملازماً لحبّه ، وليس لازماً أو واجباً ـ في كلّ الأحوال ـ أن يحبَّهم كلّ مَنْ أحبّ جدّهم.لكنّ الرسولَ (صلّى الله عليه وآله) فرضَ الربْطَ بين الحبَّيْنِ ، حبَّ أولاده وعترته ، وحبّه هو (صلّى الله عليه وآله) ، فكان يُشير إلى الحسن والحسين (عليهما السّلام) ويقول :«مَنْ أحبَّني فليُحبّ هذين».
إنّ عاطفة «الحُبّ» بين الرسول والأُمّة [ليست هي] العشق فحسبْ ، بل [هي] أيضاً حُبّ العَقيدة والتقديس والإجلال والسيادة ، لِما تمتّع به الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) من ذاتيّات جمالية وكمالية ، وأُبوّة ، وشرف ، وكرامة ، وجلال ، وعطف ، وحنان ، وصفات متميّزة.
وإذا كان الحسنان (عليهما السّلام) قد استوفيا هذه الخصال ، وبلغا إلى هذه المقامات حَسَباً ونَسَباً ، فمن البديهيّ أنّ مُحِبّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) سيحبّهما بنفس المستوى ، لِما يجد فيهما ممّا يجد في جدّهما الرسول (صلّى الله عليه وآله).
ولأجل هذا المعنى بالذات نجد الرسولَ (صلّى الله عليه وآله) يعكسُ تلك الملازمة ، فيقول في نصوص أُخرى : «مَن أحبّهما فقد أحبّني» فيجعل حُبَّهُ متفرِّعاً من حبّهما بعد أن جعل في النصّ الأوّل حبّهما متفرّعاً من حبّهِ.
فإذا كان سببُ «الحُبّ» ومنشؤه واحداً فلا فرق بين الجملتين : «مَنْ أحَبّني فليُحِبَّ هذيْنِ» و «مَنْ أحَبَّهما فقد أحبّني».
والنصوص التي أكّد فيها الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) على حُبّ «آل محمّد» ومنهم الحسين (عليه السّلام) كثيرة جدّاً ، روى منها ابن عساكر قسماً كبيراً.
ويتراءى هذا السؤالُ :
لماذا كلّ هذه التصريحات مع كلّ ذلك التأكيد؟ وإنّ المؤمنين بالرسالة والرسول لا بُدّ وأنّهم يُكرمون «آل الرسول» ويودّونهم ، ويحبّونهم حبّ العقيدة والإيمان!
وعلى أقلّ التقادير ، مشياً على أعراف من قبيل «لأجْل عَيْن ألْفُ عَيْن تُكْرَمُ»
و «المَرْءُ يُحفظ في وُلدهِ» تلك الأعراف التي كانت سائدةً بين أجهْل البشر في ذلك العصر ، فكيف بالّذين ملأتهم تعاليم الإسلام وَعْياً؟!
هذا مع الغضّ عمّا كان لأهل البيت النبويّ من الكرامة والشرف والمكانة العلميّة والعمليّة ممّا لا يخفى على أحد من المسلمين.
فإذا نظرنا إلى آثارهم ومآثرهم ، فهل نجد أحداً أحقّ بالحبّ والتكريم منهم؟! وأَوْلى بالتفضيل والتقديم؟
فلماذا كلّ ذلك التأكيد من جدّهم الرسول (صلّى الله عليه وآله) على حُبّهم وربط ذلك بحبّه هو؟!
إنّ هذا السؤال تسهل الإجابة عليه إذا لاحظنا أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) قد أضاف على نصوص الملازمة الثانية «من أحبّهما فقد أحبّني» قوله :«... ومَن أبغضهما فقد أبغضني» (1).
عجباً! فكيف يُفترضُ وجود من يُبغض الحسن والحسين (عليهما السّلام)؟!
ولماذا يُريدُ أحدٌ ممّن ينتمي إلى دين الإسلام أن يُبغض الحسنَ أو الحسين (عليهما السّلام)؟!
وهذه الأسئلة أصعب من السؤال السابق قطعاً ، إذ يلاحَظ فيها أنّ الرسولَ (صلّى الله عليه وآله) قد فرضَ وجود من يُبغض الحسنين ، ورَبَطَ بين بُغضهما وبُغضه هو!
ثمّ هناك ملاحظة في مسألة البُغض ، وهي أنّ الملازمة فيه من طرف واحد ، وقد كان في الحبّ من الطرفين!
فلم يَرِد في البغض : «من أبغضني فقد أبغضهما»!
وقد يكون السببُ في الملاحظة الثانية أنّ فرض بُغض النبي (صلّى الله عليه وآله) في المجتمع الإسلاميّ أمرٌ لا يمكن تصورّه ولا افتراضُه ، إذ هو يساوي الكفر بالرسالة ذاتها ، وبالمرسِل والمرسَل أيضاً.
لكنَّ «بُغْضَ آل الرسول» فهو على فظاعته قد تحقّق على أرض الواقع ، فقد كان في أُمّة الرسول (صلّى الله عليه وآله) بالذات مَن أبغضَ الحسنين (عليهما السّلام) ولعنَهما على منابر الإسلام ، بل وُجِدَ في الأُمّة مَنْ شهر السيفَ في وجهيهما وقاتلهما.
وهل قُتِلَ الحسينُ (عليه السّلام) على يدِ اُناس من غير أُمّة جدّه الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله)؟ ولماذا؟
إنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) أعلنَ بالنّص المذكور ـ الذي هو من دلائل النبوّة ـ أنّ «بُغضه» وإنْ لم يفترضه المسلم مُباشرة ، ولا يتمكّن المنافق والكافر من إظهاره علانيةً ، إلاّ أنّه يتحقّق من خلال بُغْض الحسن والحسين ، لأنّ مَنْ أبغضهما فقد أبغض النبيّ لِما في بغضها من انتهاك المُثُل التي يحتذيانها ، ونبذ المكارم التي يحتويانها ، ورفض الشرائع التي يتّبعانها! وهي نفس المُثُل والمكارم والشرائع التي عند الرسول نفسه (صلّى الله عليه وآله) فبغضهما ليس إلاّ بغضاً له (صلّى الله عليه وآله) ولرسالته.
ولقد رَتَّبَ النتائج الوخيمة على بُغضهما في قوله (صلّى الله عليه وآله) :«مَن أحبّهما أحببتُه ، ومن أحببتُه أحبَّه الله ، ومن أحبَّه الله أدخلهُ جنّات النعيم.
ومَن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضتُه ، ومَنْ أبغضتُه أبغضَه الله ، ومَن أبغضَه الله أدخله نار جهنّم وله عذابٌ مقيم» (2).
لكنّ الذين أسلموا رَغْماً ، ولم يتشرّبوا بروح الإسلام ، وظلّتْ نعراتُ الجاهليّة عالقةً بأذهانهم ، ومترسّبةً في قلوبهم ، جعلوا كلّ الذي وردَ عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) من النصوص في حقّ أهل بيته الكرام وارداً بدافع العاطفة البشريّة ، نابعاً عن هواه في أبناء ابنته!! مُعْرضين عن قدسيّة كلام الرسول (صلّى الله عليه وآله) الذي حاطه بها الله ، فجعل كلامه وحياً ، وحديثه سُنّةً وتشريعاً ، وطاعته فرضاً ، ومخالفته كفراً ونفاقاً ، وجعل ما ينطق بعيداً عن الهوى ، بل هو وحيٌ يُوحى.
فأعرضوا عن هذه النصوص الآمرة بحبّ الحسنين ، والناهية والمتوعّدة على بغضهما بأشدّ ما يكون! ونبذوها وراءهم ظِهْرِيّاً ، فَعَدَوْا على آل الرسول (صلّى الله عليه وآله) ظلماً وعَسْفاً ، وتشريداً وسبّاً ، ولعناً وقتلاً.
وخَلَفَ من بعد ذلك السَّلف خَلْفٌ أضاعوا الحقّ ، وأعرضوا عن أوامر النبيّ ونواهيه ، واتّبعوا آثار سَلَفٍ وجدوه على أُمّة وهم على آثارهم يُهرعُون.
فبعد أنْ ضيّع السَّلف على «آل محمّد» فرصة الخلافة عن النبيّ ، وتوليّ حكم الأُمّة ، وقهروهم على الانعزال عن مواقع الإدارة ، وغصبوا منهم أريكة الإمامة ، وفرّغوا أيديهم عن كلّ إمكانات العمل لصالح الأُمّة ، وأودعوا المناصب المهمّة والحسّاسة في الدولة الإسلاميّة بأيدي العابثين من بني أُميّة والعبّاس!
وبعد أنْ أضاعَ الخَلَفُ على «آل محمّد» فُرَصَ إرشاد الأُمّة وهدايتها تشريعيّاً ، فلم يفسحوا لفقههم أن يُنشَر بين الأُمّة ، ومنعوهم من بيان الأحكام الإلهيّة ، وحرفوا وِجْهة الناس عنهم إلى غرباء دخلاء على هذا الدين واُصوله ، وسننه ومصادر معرفته وفكره.
فأصبحتْ الأُمّةُ لا تعرف أنّ لآل محمّد (صلوات الله وسلامه عليهم) فقهاً يتّصِل بأوضح السُبُل وأصحّ الطرق برسول الله (صلّى الله عليه وآله) مُباشرةً ، ويستقي أحكامه من الكتاب والسُنّة من دون الاتّكال على الرأي والظنّ ، بل بالاعتماد على اُصول علميّة يقينيّة.
وأمست الأُمّةُ لا تعرفُ أنّ علوم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) محفوظة في كنوز من التُراث الضخم الفخم ، يتداوله أتباعهم حتّى اليوم.
ولكنْ لمّا كُتبتْ السُنّة الشريفة وجُمعت ودُوّنت ، وبرزت للناس المجموعة الكبيرة من أحاديث الرسول (صلّى الله عليه وآله) الداعية إلى «حُبّ آل محمّد» وقفَ الخلفُ على حقيقة مُرّة ، وهي : كيف كان موقف السَّلف من «آل محمّد»؟ وأين موقع «آل محمّد» في الإسلام حكماً وإدارةً ، وفقهاً وتشريعاً؟
فأين الحبُّ الذي أمر به الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) لأهل بيته (عليهم السّلام)؟!
وكيف لا نجد في التاريخ من آل محمّد إلاّ مَن هو مقتول بالسيف أو بالسمّ ، أو معذّب في قعر السجون وظُلَمِ المطامير ، أو مُشَرَّد مطارَدٌ ، أو مُهانٌ مبعد؟!
فكيفَ يكونُ البُغضُ الذي نهى عنه الرسول (صلّى الله عليه وآله) لأهل بيته (عليهم السّلام) إن لم يكن هكذا؟!
فلّما وقفَ الجيلُ المتأخّر على هذه الحقيقة المرّة ، وخوفاً من انكشاف الحقائق ، ولفظاعة أمر البغض المعلن ، ولكي لا تحرقهم ناره المتوعّد بها ، لجؤوا إلى تحريف وتزوير انطلى على أجيال متعاقبة من أُمّة الإسلام.
وهو ادّعاء «حُبّ آل الرسول» مجرّد اسم الحُبّ الفارغ من كلّ ما يؤدي إلى إعطاء حقّ لهم في الحكم والإدارة ، أو الفقه والتشريع.
وقد صنّفوا على ذلك الأحاديث وجمعوا المؤلّفات ، مُحاولين إظهار أنّهم المحبّون لآل محمّد ، مُتناسين ومتغافلين أنّ «الحبّ» الذي يؤكّد عليه الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) لنفسه ولآله (عليهم السّلام) ليس هو لفظ «الحبّ» ولا «الحبّ العشقيّ» الفارغ من كلّ معاني الولاء العمليّ والاقتداء والاتّباع والتأسّي ، ورفض المخالفة ونبذ المخالفين.
فلو أظهر أحدٌ الحبَّ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولم يعمل بشريعته وخالف الأحكام التي جاء بها ، ولم يتعبّد بولايته وقيادته وسيادته ، ولم يلتزم بنبوّته ورسالته! لم يكن «مُحبّاً» له (صلّى الله عليه وآله).
فكيف يكون محبّاً لآل محمّد (عليهم السّلام) مَنْ لم يُتابعهم في فقههم ، ولم يأخذ الشريعة منهم ، ولم يقرّ بإمامتهم ، ولم يعترف بولايتهم ، ولم يُسند إليهم شيئاً من أُمور دينه ولا دنياه؟!
إنّها إحدى الكُبَر.
فضلاً عمّن واجَهَ آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) بالقتْل واللعن والتشريد ، فهل يحقّ لمثلهم أنْ يدّعوا حبّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) واتّباعه وهو الذي يقول : «ومَن أبغضهم أبغضني»؟! فكيف بمَن قتلهم ولعنهم على المنابر؟! وسبى نساءهم وأولادهم في البلاد؟!
وإنّ من التغابي أنْ يرتديَ في عصرنا الحاضر بعضُ السلفييّن تلك العباءة المتهرّئة ، عباءة التحريف للحقائق ، فيُنادي : «علّمو أولادكم حُبّ الرسول وآل الرسول» ويطبع كتاباً بهذا الاسم!
مُتجاهلاً معنى حُبّ الحسين (عليه السّلام) ـ مثلاً ـ وقد مضى على استشهاده أكثر من ألف وثلاثمئة وخمسين عاماً! وكيف يكون «الحبّ» للأموات؟!
أليس بتعظيم ذكرهم ، ونشر مآثرهم ، والاستنان بسنتهم ، واتّباع طريقتهم ، والتمجيد بمواقفهم ، ونبذ معارضتهم ، ورفض معانديهم ، ولعن قاتليهم وظالميهم؟!
فكيف يدّعي حُبَّ الحسين (عليه السّلام) مَنْ يمنع أن يُجرى في مجلسٍ ذكرُ الحسين ، والتألّم لمصابه ، وذكر فَضائله ، والإعلان عن تأييد مواقفه ، وإحياء ذكراه سنويّاً بإقامة المحافل والمجالس؟!
أو من يُحرّم ذكر قاتله بسوء ، وذكر ظالميه بحقائقهم؟!
أو من يُحاول أن يبّرر قتله ، ويُوجّهَ ما جرى عليه ، بل يعظّم قاتله ويمجّده ويصفه بإمرة المؤمنين!
ويَقْسو على محبّيه وذاكريه والباكين عليه.
ومع ذلك يدّعي «حُبّه» ويدعو إليه؟!
إنّ التلاعُب بكلمة «الحُبّ» إلى هذا المدى ليس إلاّ تشويهاً لقاموسَ اللغة العربيّة ومؤدّى ألفاظها ، وتجاوزاً على أعراف الأُمّة العربيّة ، وهذا تحميقٌ للقرّاء ، واستهزاءٌ بالثقافة والفكر والحديث النبوي.
إنّها سُخرية لا تُغتفر!
السلم والحرب
إذا أفاض الرسول (صلّى الله عليه وآله) في ذكر فضائل أهل البيت : عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام) ، فهو العارفُ بها وبهم ، والمعلّم الذي يُريد أنْ يُعرّف أُمّته بهؤلاء الّذين سيخلفُونه من بعده هُداةً لا تضلُّ الأُمّة ما تمسّكت بهم.وقد صرّح الرسول (صلّى الله عليه وآله) بذلك عندما ذكرهم بأسمائهم ، وقال : «ألا قد بيّنتُ لكم الأسماء أنْ تضلّوا» (3).
ولقد أعلن الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) عن فضلهم في كلّ مشهد وموقف ، وبلّغ كلّ ما يلزمُ من التمجيد بهم ، وإيجاب مودّتهم وحبّهم ، والنهي عن بغضهم وإيذائهم ، فأبلغَ ما هو مشهور مستفيض من دون نكير.
أمّا أن يُعلنَ الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) عن أنّه : «سلم لمن سالموا ، وحربٌ لمن حاربوا» فهذا أمرٌ عظيم الغرابة!
فهل هم في معركة؟!
أو يتوقّع الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) أن تُشَنَّ حربٌ ضدّ أهله فيُعلن موقفه منها!
وها هم أهله يعيشون في كنفه ، وفي ظلّ تجليله واحترامه ، ويغمرهم بفيض تفضيلاته ، وإيعازه للأُمّة بتقديسهم وتكريمهم!
فمن الغريب حقّاً أنْ يجمع عليّاً وفاطمة ، والحسنَ والحسين (عليهم السّلام) ويقول لهم أنا سلمٌ لمن سالمتُم ، وحربٌ لمن حاربتم.
وفي مرضه الذي قُبض فيه حَنا عليهم وقال : «أنا حَرْبٌ لمن حاربكم ، وسِلْمٌ لمن سالمكم».
ووجه الغرابة أنّ الإنسان يكادُ يقطع بأنّه لم يَدُرْ في خَلَدِ أيّ واحد ممّن عاصر الرسول (صلّى الله عليه وآله) وآمن به ، أو صحبه فترة وسمعَه يؤكّد ويكرّر الإشادة بفضل أهل البيت (عليهم السّلام) وتكريمهم وتفضيلهم وتقديمهم حتّى آخر لحظة من حياته في مرض موته.
لم يَدُرْ في خَلَد واحد من الصحابة المؤمنين بالرسالة المحمّدية أنْ يشنّ حرباً على آل الرسول ، أو يضرمَ ناراً على بابهم! أو يشهر سيفاً في وجه أحدهم؟! أو يحرق خباءهم وفيه النساء والأطفال؟
فلذلك لم يُوجّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خطاباً بهذا المضمون إلى الأُمّة ، لأنّهم كانوا يذعرون لو قال لهم : سالموا أهل بيتي ولا تُحاربوهم!
لكنّها الحقيقة التي يعلمها الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) من وحي الغيب ، ولا بُدّ أن يقولها لآله حتّى يكونوا مستعدّين لها نفسّياً ، ولا ينالهم منها مفاجأة ، ولا يُسْقَط في أيديهم ، فلذلك وجّه الخطاب إليهم بذلك خاصّة في كلّ النصوص ، وكأنّه دعمٌ معنوي منه لمواقفهم ، وحثّ لهم على المضيّ في السبيل التي يختارونها ، وهكذا كان :
فما ان أغمض النبيُّ ، عينيْه حتّى بدت البغضاء ضد أهل البيت :
فكانت لهم مع ابنته الزهراء فاطمة (عليها السّلام) مواقفُ أشدّ ضراوةً من حروب الميادين ، لأنّها حدّدتْ أُصول المعارضة ومعالمها ، وكشفتْ عن أهدافها.
وقد جاءت صريحةً في خطاباتها الجريئة التي أعلنتها في مسجد رسول الله فطالبت أبا بكر بحقوق آل محمّد (عليهم السّلام) من بعده : من مقام زوجها في الخلافة ، ونحلة أبيها في فدك ، وإرثها منه كما كتبه الله وشرّعه في القرآن.
فقامتْ (عليها السّلام) تُحاكمه في مسجد رسول الله ، أمام الأُمّة ، معلنةً لمطالبها بمنطق الأدلّة المحكمة من القرآن الكريم والسُنّة الشريفة ، وبالوجدان والضمير ، ومُنادية بلسان أبيها الرسول وذاكرة وصاياه بحقّها.
فقوبلت بالنكران والخذلان.
فصرّحتْ وهي تُشهد الله بأنّها لهم قالية ، وعليهم داعية غاضبة تذكّرهم بحديث أبيها ـ المتمثّل على الأذهان ـ القائل : «فاطمة بَضْعَةٌ مِنّي ، فَمَنْ أغْضَبَهَا أغْضَبَني» (4) ذلك الحديث الذي لم يملك أحد تجاهه غير القبول والتسليم والإذعان.
وتموت فاطمة (عليها السّلام) شهيدة آلامها وغُصّتها.
ثمّ حروبٌ أُثيرت ضدّ عليّ (عليه السّلام) :
في وقعة الجمل حيث اصطفّت مع عائشة فئة ناكثة بيعتها له تُحارب الإمام (عليه السّلام) إلى صفّ الزبير وطلحة ، يطالبون بدم ليس لهم.
وفي صفّين حيث تصدّت الفئة الباغية لحقٍّ قد ثبت للإمام عليّ (عليه السّلام) وأقرَّ به الصحابة أنصار ومهاجرون ، وفضلاء الناس التابعين ، وإلى صفّه كبير المهاجرين والأنصار «عمّار» الذي بشّره الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) بالجنّة ، وقال له : «تقتلك الفئة الباغية» فقتلته فئةُ معاوية.
وفي النهروان حيثُ واجهه «القُرآنيّون» الّذين لم يتجاوز القرآن تراقيهم ، الّذين مرقوا من الدين كما تمرق الرمية من السهم ، فكانوا هم الفئة المارقة.
وفي كلّ المواقف والمشاهد وقفَ الحسنان (عليهما السّلام) إلى جنب أبيهما أمير المؤمنين (عليه السّلام).
وحُوربَ الحسنُ (عليه السّلام) عسكرياً ونفسيّاً حتّى قضى.
وحُوربَ الحسينُ (عليه السّلام) حتّى سُفك دمه يوم عاشوراء.
إنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) أعلن موقفه من كلّ هذه الحروب في حديثه لهم : «أنا حربٌ لمن حاربكم».
فإنّما حُوربَ أهل البيت (عليهم السّلام) لأنّهم التزموا بهدي الرسول.
وقد أدّى كلّ منهم ما لديه من إمكانات في سبيل الرسالة المحمّدية حتّى كانتْ أرواحهم ثمناً للحفاظ على وجودها ، كي لا تخمد جذوتها ، ولا تنطمس معالمها.
وديعةُ الرسول (صلّى الله عليه وآله)
ولم يدّخر الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) وُسْعاً في إبلاغ أُمّته ما لأهل بيته (عليهم السّلام) من كرامةٍ وفضلٍ وحُرمةٍ منذُ بداية البعثة الشريفة ، من خلال وحي الآيات الكريمة ، وما صَدَرَ منه (صلّى الله عليه وآله) من قول وفعل ، وعلى طول الأعوام التي قضاها في المدينة المنوّرة بين أصحابه وزوجاته في المسجد ، وفي الدار ، وخارجهما على الطريق ، وفي كلّ محفل ومشهد.لقد وَعَدَ على حبّهم ، وتوعَّدَ على بُغضهم وحربهم ، وأبلغَ وأنذرَ ، ورغّبَ وحذّر بما لا مزيدَ عليه.
ولمّا احتُضِر ودَنَتْ وفاتُه اتّخذ قراراً حاسِماً نهائياً ، في مشهد رائع يخلد على الأذهان ، فلنصغَ للحديث من رواية أنس بن مالك خادم النّبي (صلّى الله عليه وآله) :
جاءت فاطمة ومعها الحسن والحسين (عليهم السّلام) إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في المرض الذي قبض فيه. فانكبّتْ عليه فاطمة ، وألصقتْ صدرها بصدره وجعلت تبكي ، فقال النّبي (صلّى الله عليه وآله) : «مَهْ يا فاطمة» ونهاها عن البكاء.
فانطلقت إلى البيت ، فقال النبي ـ وهو يستعبر الدموع ـ : «اللّهمّ أهل بيتي ، وأنا مستودعهم كلّ مؤمن» ـ ثلاث مرّات ـ (5).
فالمشهدُ رهيب!
رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) مسجّى ، ستفقده الأُمّة بعد أيّام ، وتفقد معه «الرحمة للعالمين».
وأمّا أهل البيت (عليهم السّلام) فسيفقدون مع ذلك الأبَ والجدَّ والأخَ ، تفقد الزهراء (عليها السّلام) أباها ، ويفقد الحسنان (عليهما السّلام) جدّهما ، ويفقد عليٌّ (عليه السّلام) أخاه!
وانكبابُ فاطمة (عليها السّلام) على أبيها يعني منتهى القُرْبِ ، إذ لا يفصلُ بينهما شيء ، والصدرُ محلّ القلب ، والقلبُ مخزنُ الحبّ ، فالتصاق الصدرين بين الأب والبنت في مرض الموت يُنبئ عن منظر رهيب مليء بالحزن والعاطفة بما لا يمكن وصفه.
وليس هناك ما يعبّر عن أحزان فاطمة (عليها السّلام) إلاّ العَبْرة تجريها ، والرسول الذي يؤذيه ما يؤذي ابنته فاطمة لا يستطيع أن يشاهدَها تبكي ، فينهاها.
لكنّه هو الآخر لا يقلّ حزنهُ على مفارقة ابنته الوحيدة وسائر أهل بيته الذي أعلمه الغيبُ بما سيجري عليهم من بعد ، فلم يملك إلاّ استعبار الدموع.
على ماذا يبكي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟!
إنّ كلامه الذي قاله يكشف عن سبب هذا البكاء في مثل هذه الحالة ، والميّت إنّما يوصي بأعزّ ما عنده ، وفي أواخر لحظات حياته إنّما يفكّر في أهمّ ما يهتمّ به فيوصي به ، والرسول (صلّى الله عليه وآله) يُشهد الله على ما يقولُ ، فيقول : «... اللّهمّ أهل بيتي ...».
ويجعلهم «وديعةً» يستودعُها «كلَّ مؤمن» برسالته ، وحفظ الوديعة من واجبات المؤمنين (الَّذِينَ هُمْ لاِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) ويؤكّد على ذلك فيقوله ثلاث مرّات.
ولا يُظنّ ـ بعد هذا المشهد وهذا التصريح ـ أنّ هناك طريقةً أوغلَ في التأكيد على حفظ هذه الوديعة ممّا عمله الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، ولكن لنقرأ «السيرة الحسينيّة» لِنجدَ ما فعلته الأُمّة بوديعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) هذه!
وفي خصوص الحسين (عليه السّلام) جاء حديث «الوديعة» في رواية زيد بن أرقم قال :
أما ـ والله ـ لقد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «اللّهمّ إنّي استودعكه وصالح المؤمنين».
وقد ذكر ابن أرقم هذا الحديث في مشهد آخر ، حيث كان منادماً لابن زياد ، فجيء برأس الحسين ، فأخذ ينكث فيه بقضيبه ، فتذكّر ابن أرقم هذا الحديث ، كما تذكّر أنّه واجب عليه أن يقوله في ذلك المشهد الرهيب الآخر ، وراح يتساءل :
فكيف حفظكم لوديعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟!
مع أنّ زيد بن أرقم نفسه هو ممّن يُوَجَّه إليه هذا السؤال؟
المصادر :
1- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 120.
2- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 121.
3- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 123.
4- صحيح البخاري 5 / 36 باب مناقب فاطمة (عليها السّلام) و 5 / 26 .
5- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 124.