في سنة ٧١٠ق.م عهد نوما بومبيليوس إلى جماعة البنَّائين بناءَ سور المدينة، ثم أمر بتتميم بناء هياكل الشمس والقمر وزحل وغيرها من المعبودات. وكان روملس والصابنيون قد شرعوا فيها، فعهد هو إلى البنائين إتمامها، ولما أتمُّوها عهد إليهم بناءَ هيكل لكلٍّ من الفضيلة والأمانة وروملس وجانس، وكان نوما يعتبر هذا الإله على الخصوص، وبنى غير ذلك من الأبنية الهائلة.
وفي أيام أنكس ماركس كثر الشعب الروماني فاتسع نطاق رومية، فعهد إلى البنائين بناءَ سورٍ آخَر خارج الأول، ثم بعد ذلك عهد إليهم بناء مينا بحرية في أوستي لتقوية التجارة، وبناء كثير من المراكب البحرية.
وفي أيام تركوين سنة ٦١٠ق.م بنى البنَّاءون هياكل عديدة للآلهة جوبتير ويونون ومنارﭬﺎ، وعهد إليهم بناء سور وترعة تحت الأرض.
وفي أيام سرفيوس طوليوس سنة ٥٨٠ق.م بنوا هيكل ديانا وغيره. وما زالت البنايات تُشَاد حتى سنة ٤٥١؛ إذ وُضِعت الشرائع الرومانية في ١٢ لوحًا، في اللوح الثامن منها شيء يتعلق بجماعة البنَّائين.
وفي سنة ٣٩٠ق.م هدمت بعض بنايات رومية بسبب غارة الغاليين عليها وحرق بعضها، وفي ٣٨٥ رُمِّمت وبُنِيت معابد وبنايات أخرى.
وفي سنة ٢٨٥ق.م بعد استيلاء الرومانيين على غاليا سيسالبين انتشرت أخويات البنائين «كذا كان اسمهم»، في أقسام كثيرة من تلك البلاد المفتتَحة، أخوية في كل مقاطعة. وكانوا يرافقون الجيوش حيث توجهوا لتمهيد السُّبُل وبناء القلع والحصون والخنادق والجسور والترع، شأن فرق المهندسين في جيوش الأمم الحديثة، فإن هؤلاء يرافقون الجيش في الحروب؛ يقيمون لهم الجسور والسكك الحديدية، ويوصلون خطوط المخابرات من تلغرافات وتلفون وإشارات وغير ذلك. وكان الإخوة البنَّاءون يستخدمون العساكر وغيرهم من الفَعَلَة في إقامة تلك الحاجيات الحربية وغيرها، وكانوا على جانب من الانتظام يرأسهم رؤساء عموميون وخصوصيون، وفيهم أرباب الصنائع والعلوم وحقوقهم وامتيازاتهم محفوظة؛ فانتشر بوساطتهم حب الفضيلة والآداب والصنائع الرومانيَّة في سائر البلاد التي افتتحتها الدولة الرومانية، وكانوا يحملون الأمم المقهورة على استعمال الشرائع الرومانية والتخلق بأخلاق الرومان.
وفي سنة ٢٨٠ق.م بعد غلبة الرومان على القرطجنيين في البحر، بنوا هيكلًا لجانوس وآخَر للرجاء.
وفي سنة ٢٧٥ق.م أتم الرومان فتح معظم البلاد الغاليَّة، وأقاموا فيها أخويات البنَّائين يرممون ما هُدِم منها، ويقيمون فيها القلع والأسوار، وبعد يسيرٍ استولوا على إسبانيا، فأقاموا فيها أخويَّة، فأسست مدينة قرطبة سنة ٢٢٥ق.م.
وفي سنة ٢٢٠ق.م هاجم هانيبال الرومانيين، فهزموه وأقاموا في رومية تذكارًا لانتصارهم معبدًا لإلهٍ سخري.
وما زال الرومان يقيمون البنايات والمعابد في بلادهم والبلاد المفتتحة إلى سنة ١٠١ق.م بعد انتصارهم على التيوتينيين. وكانت بنايات الإخوة البنَّائين إلى هذا العهد على النمط الأتروري (نسبة إلى أتروريا من إيطاليا) أيْ أن يقيموها على بساطتها، وإذا أرادوا تزيينها يجعلون فيها تماثيل وأدوات أخرى مغتنَمَة من أعدائهم، أما بعد هذا التاريخ فصار فيهم ميل شديد إلى تقليد اليونانيين في مبانيهم، إلى أن تمكَّنَ ذلك الميل فأهملوا النمط الروماني.
وفي سنة ٧٩ق.م دُمِّرت مدينة هركولانوم، وهي مدينة قديمة العهد بناها الإخوة البنَّاءون، فذهبت فريسة بركان فيزوف.
ومثل ذلك مدينة بومباي، وهذه لم تكن أقل شهرة من هركولانوم، فإنها ذهبت فريسة زلزلة حصلت في تلك السنة، ثم ردم معظمها من متصعدات فيزوف.
وفي سنة ٦٠ق.م تسلط يوليوس قيصر على جميع غاليا الترنسالبانية، وهي الآن فرنسا وبلجيكا وسويسرا، وذلك بعد حرب عشر سنوات. قال بلوتارخس: إن ثمانمائة مدينة غالية دُمِّرت بسبب هذه الحرب. فعهد يوليوس قيصر إلى جميع أخويات البنائين في سائر الأقطار أن يقيموا تلك المدن بمساعدة عساكره، وأن يجعلوها أتقن مما كانت، وأن يجعلوا فيها الهياكل والمعابد، فأجروا ما أمر به وتتبعوا العمل بعد وفاته بأمر من خلفه، حتى أتوا على إتمام ذلك العمل العظيم؛ فكان لديهم مدن كثيرة صار لها شأن، ولا يزال إلى هذا اليوم، منها مون تريف، والريم، وتور، وبوردو، وليون، وﭬﻴﻨﺎ، وطولوس، وباريس، وغيرها من المدن العظيمة، وقد دُرِس بعضها.
وفي سنة ٥٥ق.م حارب الرومان بريطانيا مرارًا وتغلَّبوا على أهلها، لكنهم لم يتسلطوا عليها، وأخيرًا أمر يوليوس قيصر أن تتقدم جيوشه في البلاد البريطانية، وأمر الإخوة البنَّائين أن يرافقوهم ويبتنوا لهم معسكرًا محاطًا بسور يجعلون في ساحته خنادق ومعابد وبيوتًا، ففعلوا ودعوا ذلك المكان «أبوراكم» وهي الآن «يورك»، وهي عظيمة الأهمية في تاريخ الماسونية.
وبينما كان يوليوس قيصر منشغلًا بالفتوحات ويهدم هياكل السلتيين والبروديين سنة ٥٠ق.م كان بومبه منشغلًا في رومية ببناء المرسح الشهير المصنوع من الرخام الأبيض، وهو من السعة بحيث إنه يسع ثلاثين ألفًا من الناس، فبناه الإخوة البنَّاءون وبنوا كثيرًا غيره، ثم لما عاد يوليوس قيصر إلى رومية رمَّم كثيرًا من الهياكل وأمر ببناء هياكل جديدة، منها هيكل لمارس، وآخَر لأبولون، وآخَر للزهرة، وجميع هذه في إيطاليا الحديثة، ولما أتموا ذلك أنفذ منهم فرقة إلى قرطجنة ليرمِّموها. وما زالت البنايات والمعابد تقام في رومية وما تحتها في أيام يوليوس قيصر ومن خلفه إلى أول التاريخ المسيحي.
ففي سنة ٥ب.م كان في رومية بنَّاءون من اليهود، وكانوا تحت حماية الحكومة، وكان مرخَّصًا لهم إقامةُ المعابد من أيام يوليوس قيصر، فانضم منهم جانب إلى أخوية البنائين ليتيسَّر لهم استخدام صناعة البناء في بناء معابدهم، فأدخلوا جانبًا من الأسرار اليهودية إلى الأخوية.
وفي سنة ٥٠ب.م أخذت أخوية البنائين في الضعف لِمَا طرأ عليها من تغيُّر الحكام واختلاف مشاربهم، فسُلِبَ منها كثير من الامتيازات رويدًا رويدًا؛ ولذلك نرى أن المباني التي أقيمت في ذلك العهد لم تكن قويمة العماد كالتي بُنِيت قبلها، ومثل ذلك الانحطاط لوحظ في بنايات اليونان أيضًا، والسبب في ذلك أن يوليوس قيصر كان قد أرسل عدة من كبار البنَّائين في فِرَق من إخوانهم إلى الأنحاء الكثيرة التي افتتحها، لكي ينشروا فيها روح الفضيلة والآداب وحب العدل والإذعان للحاكم. وبالحقيقة إن تعاليم أولئك البنَّائين كانت تؤثِّر في عقول هؤلاء الشعوب تأثيرًا يعجز عنه سيف يوليوس قيصر.
وبين الرؤساء الأساتذة الذين قاموا في ذلك العهد كوسوتيوس وكايوس وماركس ستاليوس ومينالبوس وسيروس وكلوتيوس وكريسيب وغيرهم، وكان بينهم آخرون امتازوا بأنهم كتبوا شيئًا عن علم البناء لكي يُنشَر على الإخوة البنائين الذين كانوا بعيدين من المدارس المركزية، وهؤلاء المؤلفون هم ﭬﻴﺘﺮﭬﻴﻮس يوليو، وﭬﻮﻟﭭﻮتيوس، وفارون، وبوبليوس، وسبتموس.
وفي سنة ٥٤ب.م أحرق نيرون الملك عاصمته، ثم أمر ببناء سرايته المعروفة بقصر الذهب. وفي أيام كلوديوس اتسعت رومية.
وفي سنة ٩٠ب.م بنى البنَّاءون في بريطانيا بأمر القائد إغريقولا استحكاماتٍ في خليجَيْ فورث وكليد.
وفي سنة ١٢٠ب.م في حكم أوديان كثر بناء الهياكل في رومية، ثم إن هذا الملك الهمام طاف في سائر بلاده الشاسعة الأطراف، وبعد عوده أنفذ فرقة من الإخوة البنَّائين إلى بريطانيا لتبني سورًا كبيرًا ممتدًا من «تين» إلى خليج «سلوي»، قاطعًا جميع بريطانيا من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي؛ وقاية للمستعمرات العسكرية من هجمات الاسكوتلانديين المستمرة. وأنفذ فرقة إلى إسبانيا لإتمام الهياكل التي كان شرع في بنائها أوغسطوس، وأقام هياكل كثيرة في أفريقيا ولا سيما في جزائر الغرب وتونس، ولم تُحرَم آسيا أيضًا من مثل تلك البنايات. إلا أن اليونان أحرزت القسم الأكبر من الاعتناء في أمر البناء، فأقيمت فيها هياكل لجوبتير وبانهلينيان وبانثيون، والأول من هذه الهياكل قائم على ١٢٢ عمودًا.
ولما سقطت الجمهورية الرومانية سنة ١٣٠ب.م سقطت معها جميع الجماعات العلمية والصناعية، التي كان أقامها نوما بومبيليوس وخسرت كل امتيازاتها، إلا أن أخوية البنائين نظرًا لحب أولي الأمر للمجد والفخر وداعيات الترف أبقوا لها امتيازاتها كما كانت تقريبًا؛ كل ذلك لينشطوا صناعة البناء، فيبني لهم البناءون القصور والهياكل والتماثيل الهائلة لتحفظ ذِكْرهم إلى الأجيال الآتية بعدهم.
وفي سنة ١٤٠ب.م أنفذ أنطونين جماعة من البنائين إلى بريطانيا لتبني سورًا منيعًا؛ وقايةً من الاسكوتلانديين الذين لم ينفكوا عن مهاجمة مستعمرات الرومان. ونظرًا لعظم ذلك المشروع احتاج البنَّاءون إلى استخدام الوطنيين في بنائه، فأدخلوا في أخويتهم عددًا من رجالهم.
ومِن آثارِ الإخوة البنائين التي أُقِيمت بأمر أنطونين قلعةُ بعلبك الشهيرة، فإنها في الأصل هيكلان أقامهما هذا الملك لعبادة الشمس، وكيفية ذلك أن جماعة من الإخوة البنائين — وهم من بقايا جماعات رومية — هاجروا إلى تلك الأصقاع في أيام اضطهاد نيرون ودميسيان وتراجان للديانة المسيحية، وكانوا في جملة مَن تابعها، فغادروا رومية طلبًا للنجاة، ثم لما جاء على الأحكام مَن رفع الاضطهاد عنهم عادوا إلى بلادهم.
أما البناءون المتنصرون في رومية فكانوا يأوون الكهوف والمقابر فرارًا مما كان يتهددهم من المخاوف والاضطهادات، فنجوا من الإعدام الذي كان محكومًا عليهم به، ولم تمضِ عليهم عشر سنوات من الاضطهاد تحت حكم مارك أورال حتى جعلوا المدافن التي كانوا يأوون إليها هياكل بديعة الصنعة مزينة بأنواع النقوش، وأقاموا مذابحها على قبور الذين استشهدوا منهم في سبيل الدين. ثم زاد عدد الشهداء حتى إنهم كانوا يبنون فوق مدافنهم الكنائس العظيمة، وبالغ البناءون في الانتصار للديانة المسيحية حتى إنهم نسوا ذواتهم ومالهم في سبيلها، فكانوا يعرضون بأرواحهم للقتل والاضطهاد الذي كان يتزايد يومًا فيومًا، كل ذلك انتصارًا لما كانوا يعتقدون فيه الصواب والحق.
ولا نظنهم كانوا يفعلون ذلك إلا رغبة في نصرة الحق ونشر المبادئ الصحيحة؛ تخلصًا من عبادة الأوثان المزعجة التي كانت سائدة في ذلك العهد. وسترى أنهم تابعوا سيرهم في هذا السبيل، بحيث إنه لم يَعُدْ لدينا ما يمنع قولنا إنهم كانوا أقوى وسيلة لنشر الديانة المسيحية في تلك الأعصر المظلمة.
وفي عهد الإمبراطور طيت سنة ١٨٠ب.م استؤنف الاضطهاد، وبالغ هذا الإمبراطور في ذلك حتى أباح دماء كلِّ مَن عرف عنه الانتماء أو الانتصار لتلك الديانة، فأقام في البنائين القتل والأسر، ولم يَنْجُ منهم إلا الذين أتيح لهم الفرار إلى المشرق، فانحطت صناعة البناء في رومية.
وفي عهد الإمبراطور إسكندر سافار سنة ١٩٣ عادت تلك الصناعة إلى شيء من الظهور؛ لأن ذلك الإمبراطور كان منشطًا لها، وكان يدافع عن المسيحيين سرًّا، فرمَّمَ عدة هياكل قديمة كانت على وشك الدمار، وكان في نيته إقامة معبد للمسيح، لكنه أوقف عن عزمه بدعوى الشعب أنه إذا فعل ذلك إنما يكون ساعيًّا إلى خراب سائر الهياكل.
وفي سنة ٢٠٠ب.م سعى هذا الإمبراطور إلى بناء سور جديد في بريطانيا شمالي السور القديم حمايةً لأملاكه فيها، غير أن البنائين الرومانيين لم يكونوا كُفْئًا لإتمام ذلك نظرًا لقلة عددهم، فاضطروا إلى التسليم بإنشاء أخوية بريطانية من أبناء تلك البلاد، وأن يجعلوا لهم امتيازات وحقوقًا كالتي كانت لهم في سالف الزمن.
وفي عهد الإمبراطورَيْن ديسيوس وفايريوس عاد الاضطهاد على المسيحيين، فعادت صناعة البناء إلى الخمول؛ لأن البنائين كانوا يلتجئون إلى غاليا وبريطانيا، حيث كان الاضطهاد أخف وطأةً عليهم. على أنهم لم يروا بدًّا من العود إلى الكهوف والمقابر اختفاءً من وجه المضطهدين.
وفي سنة ٢٦٠ب.م أنشأ البناءون فروعًا لجمعياتهم دعوها بجمعيات الفنون تلبسًا لدعواهم، لكي يمكنهم الظهور وممارسة الصناعة، ولا يزال مثل هذه الجمعيات في أوروبا يُعرَف بجمعيات الصنائع والفنون.
وفي سنة ٢٧٠ب.م قام البناءون المسيحيون في غاليا وبريطانيا وكرَّسوا أنفسهم لبناء الكنائس، فأقاموا عددًا منها في أماكن مختلفة من غاليا.
وفي سنة ٢٧٥م بنى الإخوة البناءون بأمر الإمبراطور أورليان هَيْكَلَيْ هليوس وبالمير (تدمر)، وهما مشهوران بعظمهما وإتقانهما؛ لأن أكبرهما قائم على ٤٦٤ عمودًا، بينها من العُمُد ما هو مصنوع من قطعة واحدة من الرخام، ومجمل العُمُد التي أقيم عليها الهيكلان وما يلحقهما من الرواقات وغيرها ١٤٥٠ عمودًا. وكان الإمبراطور أورليان صارفًا جهده في تنشيط البناية في رومية، وكان من جملة البنائين المشهورين في أيامه كليوداماس وأثيناكوس تلميذَا مدارس البناء في بيزانس «القسطنطينية».
وفي سنة ٢٨٠م استدعى الإمبراطور ديوقليتوس فئةً من مشاهير البنائين البريطانيين لإقامة الأبنية في غاليا.
ولما استولى كاروسيوس قائد العمارة الرومانية على بريطانيا في سنة ٢٨٧، وسُمِّي إمبراطورًا عليها، أقرَّ لأخوية البنائين في محل إقامته «سان البان» جميع الامتيازات القديمة الممنوحة لهم من نوما بومبيليوس، ودعاهم من ذلك الحين البنائين الأحرار «فريماسون»، ويزالون يُعرَفون بهذا الاسم إلى هذه الغاية.
فأزهرت الماسونية في عهد ذلك الملك، إلا أن ألبانوس رئيسها الأكبر في ذلك العهد كان مرتدًّا، فقادته منيته إلى أن يعظ الإمبراطور كاروسيوس ويرشده إلى الدين المسيحي، فاغتاظ منه وأمر بقطع رأسه، فكان هذا الرئيس الأعظم أول شهداء الماسونية في بريطانيا في سنة ٢٩٣.
وكانت مدينة يورك من أعمال بريطانيا مرجع المهرة من البنائين، ففي سنة ٢٩٦ اختارها كونستانس نائب الإمبراطور محطًّا لرحاله، فجاء بريطانيا ليتملكها بعد وفاة كاروسيوس الذي ذهب فريسة في يد أشد نصرائه. وكان في رومية في سنة ٣٠٠ خمسمائة هيكل وكثير من الجسور والمراسح والترع والمسلات والتماثيل وغيرها، وكلها من صنع جماعات البنائين.
وفي سنة ٣٠٣ شدَّد الإمبراطور ديوقليتوس الروماني وطأة الاضطهاد على المسيحيين كما هو مشهور عنه، وأهرق منهم دماء غزيرة في جميع مملكته، حتى إن مسيحيي بريطانيا الذين كانوا غالبًا من أخوية البنائين لم ينجوا من ذلك الاضطهاد، فهاجروا إلى اسكوتلاندا وجزائر أركاديا، ونقلوا معهم الديانة المسيحية وصناعة البناء.
أمَّا بنَّاءُوا رومية فهاجروا إلى المشرق، والتجئوا إلى المغر والمدافن، وهلك منهم عدد غفير.
المصدر : من کتاب تاريخ الماسونية العام / جُرجي زيدان
وفي أيام أنكس ماركس كثر الشعب الروماني فاتسع نطاق رومية، فعهد إلى البنائين بناءَ سورٍ آخَر خارج الأول، ثم بعد ذلك عهد إليهم بناء مينا بحرية في أوستي لتقوية التجارة، وبناء كثير من المراكب البحرية.
وفي أيام تركوين سنة ٦١٠ق.م بنى البنَّاءون هياكل عديدة للآلهة جوبتير ويونون ومنارﭬﺎ، وعهد إليهم بناء سور وترعة تحت الأرض.
وفي أيام سرفيوس طوليوس سنة ٥٨٠ق.م بنوا هيكل ديانا وغيره. وما زالت البنايات تُشَاد حتى سنة ٤٥١؛ إذ وُضِعت الشرائع الرومانية في ١٢ لوحًا، في اللوح الثامن منها شيء يتعلق بجماعة البنَّائين.
وفي سنة ٣٩٠ق.م هدمت بعض بنايات رومية بسبب غارة الغاليين عليها وحرق بعضها، وفي ٣٨٥ رُمِّمت وبُنِيت معابد وبنايات أخرى.
وفي سنة ٢٨٥ق.م بعد استيلاء الرومانيين على غاليا سيسالبين انتشرت أخويات البنائين «كذا كان اسمهم»، في أقسام كثيرة من تلك البلاد المفتتَحة، أخوية في كل مقاطعة. وكانوا يرافقون الجيوش حيث توجهوا لتمهيد السُّبُل وبناء القلع والحصون والخنادق والجسور والترع، شأن فرق المهندسين في جيوش الأمم الحديثة، فإن هؤلاء يرافقون الجيش في الحروب؛ يقيمون لهم الجسور والسكك الحديدية، ويوصلون خطوط المخابرات من تلغرافات وتلفون وإشارات وغير ذلك. وكان الإخوة البنَّاءون يستخدمون العساكر وغيرهم من الفَعَلَة في إقامة تلك الحاجيات الحربية وغيرها، وكانوا على جانب من الانتظام يرأسهم رؤساء عموميون وخصوصيون، وفيهم أرباب الصنائع والعلوم وحقوقهم وامتيازاتهم محفوظة؛ فانتشر بوساطتهم حب الفضيلة والآداب والصنائع الرومانيَّة في سائر البلاد التي افتتحتها الدولة الرومانية، وكانوا يحملون الأمم المقهورة على استعمال الشرائع الرومانية والتخلق بأخلاق الرومان.
وفي سنة ٢٨٠ق.م بعد غلبة الرومان على القرطجنيين في البحر، بنوا هيكلًا لجانوس وآخَر للرجاء.
وفي سنة ٢٧٥ق.م أتم الرومان فتح معظم البلاد الغاليَّة، وأقاموا فيها أخويات البنَّائين يرممون ما هُدِم منها، ويقيمون فيها القلع والأسوار، وبعد يسيرٍ استولوا على إسبانيا، فأقاموا فيها أخويَّة، فأسست مدينة قرطبة سنة ٢٢٥ق.م.
وفي سنة ٢٢٠ق.م هاجم هانيبال الرومانيين، فهزموه وأقاموا في رومية تذكارًا لانتصارهم معبدًا لإلهٍ سخري.
وما زال الرومان يقيمون البنايات والمعابد في بلادهم والبلاد المفتتحة إلى سنة ١٠١ق.م بعد انتصارهم على التيوتينيين. وكانت بنايات الإخوة البنَّائين إلى هذا العهد على النمط الأتروري (نسبة إلى أتروريا من إيطاليا) أيْ أن يقيموها على بساطتها، وإذا أرادوا تزيينها يجعلون فيها تماثيل وأدوات أخرى مغتنَمَة من أعدائهم، أما بعد هذا التاريخ فصار فيهم ميل شديد إلى تقليد اليونانيين في مبانيهم، إلى أن تمكَّنَ ذلك الميل فأهملوا النمط الروماني.
وفي سنة ٧٩ق.م دُمِّرت مدينة هركولانوم، وهي مدينة قديمة العهد بناها الإخوة البنَّاءون، فذهبت فريسة بركان فيزوف.
ومثل ذلك مدينة بومباي، وهذه لم تكن أقل شهرة من هركولانوم، فإنها ذهبت فريسة زلزلة حصلت في تلك السنة، ثم ردم معظمها من متصعدات فيزوف.
وفي سنة ٦٠ق.م تسلط يوليوس قيصر على جميع غاليا الترنسالبانية، وهي الآن فرنسا وبلجيكا وسويسرا، وذلك بعد حرب عشر سنوات. قال بلوتارخس: إن ثمانمائة مدينة غالية دُمِّرت بسبب هذه الحرب. فعهد يوليوس قيصر إلى جميع أخويات البنائين في سائر الأقطار أن يقيموا تلك المدن بمساعدة عساكره، وأن يجعلوها أتقن مما كانت، وأن يجعلوا فيها الهياكل والمعابد، فأجروا ما أمر به وتتبعوا العمل بعد وفاته بأمر من خلفه، حتى أتوا على إتمام ذلك العمل العظيم؛ فكان لديهم مدن كثيرة صار لها شأن، ولا يزال إلى هذا اليوم، منها مون تريف، والريم، وتور، وبوردو، وليون، وﭬﻴﻨﺎ، وطولوس، وباريس، وغيرها من المدن العظيمة، وقد دُرِس بعضها.
وفي سنة ٥٥ق.م حارب الرومان بريطانيا مرارًا وتغلَّبوا على أهلها، لكنهم لم يتسلطوا عليها، وأخيرًا أمر يوليوس قيصر أن تتقدم جيوشه في البلاد البريطانية، وأمر الإخوة البنَّائين أن يرافقوهم ويبتنوا لهم معسكرًا محاطًا بسور يجعلون في ساحته خنادق ومعابد وبيوتًا، ففعلوا ودعوا ذلك المكان «أبوراكم» وهي الآن «يورك»، وهي عظيمة الأهمية في تاريخ الماسونية.
وبينما كان يوليوس قيصر منشغلًا بالفتوحات ويهدم هياكل السلتيين والبروديين سنة ٥٠ق.م كان بومبه منشغلًا في رومية ببناء المرسح الشهير المصنوع من الرخام الأبيض، وهو من السعة بحيث إنه يسع ثلاثين ألفًا من الناس، فبناه الإخوة البنَّاءون وبنوا كثيرًا غيره، ثم لما عاد يوليوس قيصر إلى رومية رمَّم كثيرًا من الهياكل وأمر ببناء هياكل جديدة، منها هيكل لمارس، وآخَر لأبولون، وآخَر للزهرة، وجميع هذه في إيطاليا الحديثة، ولما أتموا ذلك أنفذ منهم فرقة إلى قرطجنة ليرمِّموها. وما زالت البنايات والمعابد تقام في رومية وما تحتها في أيام يوليوس قيصر ومن خلفه إلى أول التاريخ المسيحي.
ففي سنة ٥ب.م كان في رومية بنَّاءون من اليهود، وكانوا تحت حماية الحكومة، وكان مرخَّصًا لهم إقامةُ المعابد من أيام يوليوس قيصر، فانضم منهم جانب إلى أخوية البنائين ليتيسَّر لهم استخدام صناعة البناء في بناء معابدهم، فأدخلوا جانبًا من الأسرار اليهودية إلى الأخوية.
وفي سنة ٥٠ب.م أخذت أخوية البنائين في الضعف لِمَا طرأ عليها من تغيُّر الحكام واختلاف مشاربهم، فسُلِبَ منها كثير من الامتيازات رويدًا رويدًا؛ ولذلك نرى أن المباني التي أقيمت في ذلك العهد لم تكن قويمة العماد كالتي بُنِيت قبلها، ومثل ذلك الانحطاط لوحظ في بنايات اليونان أيضًا، والسبب في ذلك أن يوليوس قيصر كان قد أرسل عدة من كبار البنَّائين في فِرَق من إخوانهم إلى الأنحاء الكثيرة التي افتتحها، لكي ينشروا فيها روح الفضيلة والآداب وحب العدل والإذعان للحاكم. وبالحقيقة إن تعاليم أولئك البنَّائين كانت تؤثِّر في عقول هؤلاء الشعوب تأثيرًا يعجز عنه سيف يوليوس قيصر.
وبين الرؤساء الأساتذة الذين قاموا في ذلك العهد كوسوتيوس وكايوس وماركس ستاليوس ومينالبوس وسيروس وكلوتيوس وكريسيب وغيرهم، وكان بينهم آخرون امتازوا بأنهم كتبوا شيئًا عن علم البناء لكي يُنشَر على الإخوة البنائين الذين كانوا بعيدين من المدارس المركزية، وهؤلاء المؤلفون هم ﭬﻴﺘﺮﭬﻴﻮس يوليو، وﭬﻮﻟﭭﻮتيوس، وفارون، وبوبليوس، وسبتموس.
وفي سنة ٥٤ب.م أحرق نيرون الملك عاصمته، ثم أمر ببناء سرايته المعروفة بقصر الذهب. وفي أيام كلوديوس اتسعت رومية.
وفي سنة ٩٠ب.م بنى البنَّاءون في بريطانيا بأمر القائد إغريقولا استحكاماتٍ في خليجَيْ فورث وكليد.
وفي سنة ١٢٠ب.م في حكم أوديان كثر بناء الهياكل في رومية، ثم إن هذا الملك الهمام طاف في سائر بلاده الشاسعة الأطراف، وبعد عوده أنفذ فرقة من الإخوة البنَّائين إلى بريطانيا لتبني سورًا كبيرًا ممتدًا من «تين» إلى خليج «سلوي»، قاطعًا جميع بريطانيا من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي؛ وقاية للمستعمرات العسكرية من هجمات الاسكوتلانديين المستمرة. وأنفذ فرقة إلى إسبانيا لإتمام الهياكل التي كان شرع في بنائها أوغسطوس، وأقام هياكل كثيرة في أفريقيا ولا سيما في جزائر الغرب وتونس، ولم تُحرَم آسيا أيضًا من مثل تلك البنايات. إلا أن اليونان أحرزت القسم الأكبر من الاعتناء في أمر البناء، فأقيمت فيها هياكل لجوبتير وبانهلينيان وبانثيون، والأول من هذه الهياكل قائم على ١٢٢ عمودًا.
ولما سقطت الجمهورية الرومانية سنة ١٣٠ب.م سقطت معها جميع الجماعات العلمية والصناعية، التي كان أقامها نوما بومبيليوس وخسرت كل امتيازاتها، إلا أن أخوية البنائين نظرًا لحب أولي الأمر للمجد والفخر وداعيات الترف أبقوا لها امتيازاتها كما كانت تقريبًا؛ كل ذلك لينشطوا صناعة البناء، فيبني لهم البناءون القصور والهياكل والتماثيل الهائلة لتحفظ ذِكْرهم إلى الأجيال الآتية بعدهم.
وفي سنة ١٤٠ب.م أنفذ أنطونين جماعة من البنائين إلى بريطانيا لتبني سورًا منيعًا؛ وقايةً من الاسكوتلانديين الذين لم ينفكوا عن مهاجمة مستعمرات الرومان. ونظرًا لعظم ذلك المشروع احتاج البنَّاءون إلى استخدام الوطنيين في بنائه، فأدخلوا في أخويتهم عددًا من رجالهم.
ومِن آثارِ الإخوة البنائين التي أُقِيمت بأمر أنطونين قلعةُ بعلبك الشهيرة، فإنها في الأصل هيكلان أقامهما هذا الملك لعبادة الشمس، وكيفية ذلك أن جماعة من الإخوة البنائين — وهم من بقايا جماعات رومية — هاجروا إلى تلك الأصقاع في أيام اضطهاد نيرون ودميسيان وتراجان للديانة المسيحية، وكانوا في جملة مَن تابعها، فغادروا رومية طلبًا للنجاة، ثم لما جاء على الأحكام مَن رفع الاضطهاد عنهم عادوا إلى بلادهم.
انتصار الماسونية للديانة المسيحية وما قاسته في سبيل ذلك
وفي سنة ١٦٦ اعتنق الديانة المسيحية كثير من الإخوة البنائين في رومية وجاهروا بالانتصار لها، فشق ذلك على الإمبراطور مارك أورال، فاقتفى آثار أسلافه فأعاد الاضطهاد وشدَّد النكير، فهاجر كثيرون من غاليا وغيرها والتجئوا إلى بريطانيا حيث لاقاهم هناك إخوانهم وأكرموا مثواهم.أما البناءون المتنصرون في رومية فكانوا يأوون الكهوف والمقابر فرارًا مما كان يتهددهم من المخاوف والاضطهادات، فنجوا من الإعدام الذي كان محكومًا عليهم به، ولم تمضِ عليهم عشر سنوات من الاضطهاد تحت حكم مارك أورال حتى جعلوا المدافن التي كانوا يأوون إليها هياكل بديعة الصنعة مزينة بأنواع النقوش، وأقاموا مذابحها على قبور الذين استشهدوا منهم في سبيل الدين. ثم زاد عدد الشهداء حتى إنهم كانوا يبنون فوق مدافنهم الكنائس العظيمة، وبالغ البناءون في الانتصار للديانة المسيحية حتى إنهم نسوا ذواتهم ومالهم في سبيلها، فكانوا يعرضون بأرواحهم للقتل والاضطهاد الذي كان يتزايد يومًا فيومًا، كل ذلك انتصارًا لما كانوا يعتقدون فيه الصواب والحق.
ولا نظنهم كانوا يفعلون ذلك إلا رغبة في نصرة الحق ونشر المبادئ الصحيحة؛ تخلصًا من عبادة الأوثان المزعجة التي كانت سائدة في ذلك العهد. وسترى أنهم تابعوا سيرهم في هذا السبيل، بحيث إنه لم يَعُدْ لدينا ما يمنع قولنا إنهم كانوا أقوى وسيلة لنشر الديانة المسيحية في تلك الأعصر المظلمة.
وفي عهد الإمبراطور طيت سنة ١٨٠ب.م استؤنف الاضطهاد، وبالغ هذا الإمبراطور في ذلك حتى أباح دماء كلِّ مَن عرف عنه الانتماء أو الانتصار لتلك الديانة، فأقام في البنائين القتل والأسر، ولم يَنْجُ منهم إلا الذين أتيح لهم الفرار إلى المشرق، فانحطت صناعة البناء في رومية.
وفي عهد الإمبراطور إسكندر سافار سنة ١٩٣ عادت تلك الصناعة إلى شيء من الظهور؛ لأن ذلك الإمبراطور كان منشطًا لها، وكان يدافع عن المسيحيين سرًّا، فرمَّمَ عدة هياكل قديمة كانت على وشك الدمار، وكان في نيته إقامة معبد للمسيح، لكنه أوقف عن عزمه بدعوى الشعب أنه إذا فعل ذلك إنما يكون ساعيًّا إلى خراب سائر الهياكل.
وفي سنة ٢٠٠ب.م سعى هذا الإمبراطور إلى بناء سور جديد في بريطانيا شمالي السور القديم حمايةً لأملاكه فيها، غير أن البنائين الرومانيين لم يكونوا كُفْئًا لإتمام ذلك نظرًا لقلة عددهم، فاضطروا إلى التسليم بإنشاء أخوية بريطانية من أبناء تلك البلاد، وأن يجعلوا لهم امتيازات وحقوقًا كالتي كانت لهم في سالف الزمن.
وفي عهد الإمبراطورَيْن ديسيوس وفايريوس عاد الاضطهاد على المسيحيين، فعادت صناعة البناء إلى الخمول؛ لأن البنائين كانوا يلتجئون إلى غاليا وبريطانيا، حيث كان الاضطهاد أخف وطأةً عليهم. على أنهم لم يروا بدًّا من العود إلى الكهوف والمقابر اختفاءً من وجه المضطهدين.
وفي سنة ٢٦٠ب.م أنشأ البناءون فروعًا لجمعياتهم دعوها بجمعيات الفنون تلبسًا لدعواهم، لكي يمكنهم الظهور وممارسة الصناعة، ولا يزال مثل هذه الجمعيات في أوروبا يُعرَف بجمعيات الصنائع والفنون.
وفي سنة ٢٧٠ب.م قام البناءون المسيحيون في غاليا وبريطانيا وكرَّسوا أنفسهم لبناء الكنائس، فأقاموا عددًا منها في أماكن مختلفة من غاليا.
وفي سنة ٢٧٥م بنى الإخوة البناءون بأمر الإمبراطور أورليان هَيْكَلَيْ هليوس وبالمير (تدمر)، وهما مشهوران بعظمهما وإتقانهما؛ لأن أكبرهما قائم على ٤٦٤ عمودًا، بينها من العُمُد ما هو مصنوع من قطعة واحدة من الرخام، ومجمل العُمُد التي أقيم عليها الهيكلان وما يلحقهما من الرواقات وغيرها ١٤٥٠ عمودًا. وكان الإمبراطور أورليان صارفًا جهده في تنشيط البناية في رومية، وكان من جملة البنائين المشهورين في أيامه كليوداماس وأثيناكوس تلميذَا مدارس البناء في بيزانس «القسطنطينية».
وفي سنة ٢٨٠م استدعى الإمبراطور ديوقليتوس فئةً من مشاهير البنائين البريطانيين لإقامة الأبنية في غاليا.
ولما استولى كاروسيوس قائد العمارة الرومانية على بريطانيا في سنة ٢٨٧، وسُمِّي إمبراطورًا عليها، أقرَّ لأخوية البنائين في محل إقامته «سان البان» جميع الامتيازات القديمة الممنوحة لهم من نوما بومبيليوس، ودعاهم من ذلك الحين البنائين الأحرار «فريماسون»، ويزالون يُعرَفون بهذا الاسم إلى هذه الغاية.
فأزهرت الماسونية في عهد ذلك الملك، إلا أن ألبانوس رئيسها الأكبر في ذلك العهد كان مرتدًّا، فقادته منيته إلى أن يعظ الإمبراطور كاروسيوس ويرشده إلى الدين المسيحي، فاغتاظ منه وأمر بقطع رأسه، فكان هذا الرئيس الأعظم أول شهداء الماسونية في بريطانيا في سنة ٢٩٣.
وكانت مدينة يورك من أعمال بريطانيا مرجع المهرة من البنائين، ففي سنة ٢٩٦ اختارها كونستانس نائب الإمبراطور محطًّا لرحاله، فجاء بريطانيا ليتملكها بعد وفاة كاروسيوس الذي ذهب فريسة في يد أشد نصرائه. وكان في رومية في سنة ٣٠٠ خمسمائة هيكل وكثير من الجسور والمراسح والترع والمسلات والتماثيل وغيرها، وكلها من صنع جماعات البنائين.
وفي سنة ٣٠٣ شدَّد الإمبراطور ديوقليتوس الروماني وطأة الاضطهاد على المسيحيين كما هو مشهور عنه، وأهرق منهم دماء غزيرة في جميع مملكته، حتى إن مسيحيي بريطانيا الذين كانوا غالبًا من أخوية البنائين لم ينجوا من ذلك الاضطهاد، فهاجروا إلى اسكوتلاندا وجزائر أركاديا، ونقلوا معهم الديانة المسيحية وصناعة البناء.
أمَّا بنَّاءُوا رومية فهاجروا إلى المشرق، والتجئوا إلى المغر والمدافن، وهلك منهم عدد غفير.
المصدر : من کتاب تاريخ الماسونية العام / جُرجي زيدان